** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 عندما تفقدك اللغة الشهية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فدوى
فريق العمـــــل *****
فدوى


التوقيع : عندما تفقدك اللغة الشهية I_icon_gender_male

عدد الرسائل : 1539

الموقع : رئيسة ومنسقة القسم الانكليزي
تاريخ التسجيل : 07/12/2010
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 7

عندما تفقدك اللغة الشهية Empty
04042015
مُساهمةعندما تفقدك اللغة الشهية

اقتباس :
عندما تفقدك اللغة الشهية

قرأت في أحد النصوص القديمة أن غريبا كان مع جماعة من الناس وبقي ساكتا إلى أن قال له أحدهم: "تكلم حتى نراك". فمن لا يتكلم كأنه لا يوجد، كما يقال عن بعض المجتمعات أنها لا تاريخية، ليس لأنه لا تاريخ لها بل لأنها لم تؤرخ ماضيها لأنها ليست مجتمعات كتابية. وعندما تفتح فمك بالكلام (كما عندما تكتب) تظهر شخصيتك، وكم من جميل قبحه الكلام وكم من بشع جمله. وعندما تشاهد وتسمع عالما مثل Albert Jacquard الذي تشوه وجهه إثر حادثة سير وهو طفل، فإن جمال كلامه يشع على شخصيته بكاملها ويجمل حتى وجهه المشوه.

بعد هذه المقدمة أنتقل إلى موضوع مقالي هذا وأقول أنني أحب مشاهدة البرامج المخصصة للطبخ. وبعض المقدمين لها صاروا نجوما، ومنهم من يجوب العالم للتعريف بالوصفات المحلية. وفي كثير من الأحيان يمثل هؤلاء القيمة المضافة التي تستهوي المشاهدين. والطبخ يدخل ضمن الفنون، لأنه يحيل ضمنيا إلى جمالية. وجمالية الطبخ تمتع كل الحواس: من مذاق ونظر وشم وسماع ولمس. إنه فن متكامل، ولا يكفي فيه التمكن من تقنيات الطهي للوصول إلى القلب من خلال المعدة. وهناك بلدان جعلت من الطبخ رمزا لغناها الثقافي، مثل فرنسا التي صارت محجا لكل اللذين يريدون الارتقاء في سلم المهنية. وعندما تشاهد مسابقات الطبخ تندهش للأشكال والألوان المقدمة حتى لتعتقد أنها منحوتات في طريقها إلى متحف وليس إلى معدة. ناهيك عن الذين يستكشفون الإمكانيات التي تقدمها الكمياء من أجل مقاربة تقطع مع المذاقات المألوفة، ومن أشهر هؤلاء فيران آدريا صاحب مطعم El bulli في اسبانيا، وهو رائد الطبخ الجزيئي cuisine moléculaire.

إننا نأكل لنعيش، على الأقل بالنسبة للذين لا يؤرقهم كسب عيشهم فيبقى لهم وقت للتفكير في "الكماليات". قانون انعكس إلى نقيضه، أو هو ونقيضه يتعايشان في ضرب من الثالث المرفوع، فلا ندري أيهما الأسبق. وتجاوز الطبخ بعده الحيوي ليصير واجهة حضارية، بكل الأبعاد التي تتضمنها كلمة حضارة بما فيها البعد اللغوي. فكل طبخ تصاحبه لغة، تسيل كلماتها اللعاب، حسب القانون البافلوفي المعروف. ويكفي أن تحضر الكلمات ليتداعى ما صاحبها في حياتنا من ذكريات هي المناخ الذي أحاط بها.

يذكر منصف الشلي في كتابه La parole arabe أنه كان يريد سماع أغنية لمحمد عبد الوهاب، لكنه أخطأ عند أخذ الأسطوانة وإذا بموسيقى لبورودين هي التي تخرج من المذياع. ويصف شعوره في تلك اللحظة، وكيف أن كل الأثاث الشرقي لصالونه اصطبغ بلمسة استشراقية، وكأنه فقد هويته الأصلية. كذلك يفقد الطعام بعضا من هويته عندما تتغير اللغة التي تصاحبه، وقد نعافه عندما تتلقط (من اللقيط) هذه اللغة. ف "أتاي بالنعناع مشحر بالرزة ديالو" (للذين لا يعرفون العامية المغربية: شاي بالنعناع، مطبوخ على نار خفيفة، والرزة هي العمامة أي الزبد الذي يعلو الشاي الأخضر)، غير le thé à la menthe. والأمر سواء بالنسبة للمسمن والبغرير والسفنج والرغايف والطنجية وبولفاف: بترجمتها إلى لغة أخرى فكأنها فقدت شيئا من مذاقها. هذا عندما يتعلق الأمر بترجمة لا بد منها.

أما ما أريد الحديث عنه فهو حصص الطبخ في بعض تلفزات المغرب الكبير؛ والتي لا أشاهدها إلا وأنا متأكد بأن التلكوموند في متناول يدي، لأن صنفا من الكلام يسقط في الطعام كنواقض الوضوء، فيفسده. فعندما أسمع جملة من قبيل "ناجوتيو لو" On ajoute l’eau، أو "نجرييو لبواسون ديالنا" On grille notre poisson، أو "نكوبيو لونيو" On coupe l’oignon، (وهي على التوالي لمن لا يعرف الفرنسية: نزيد الماء، نشوي السمك، نقطع البصل) أسرع في تغيير القناة حتى لا أرمي الشاشة بالتليكوموند. فهذا الكلام يديجوتيني فلانوريتور Me dégoûte de la nourriture (هذا الكلام يجعلني أعاف الطعام). فهذه اللغة اللقيطة تصيب الطواجين المغربية بالتزوير. تكلم الطباخ ففقد الطعام بكلامه مذاقه. وهذا الكلام لا ندري حتى بأي حروف نكتبه.

إني أعي جيدا أن في الطبخ تقنيات وأدوات ليس لها مقابل في العربية، كما هو الشأن في كثير من المجالات، ولا مناص من استعمال المصطلحات الأجنبية في تلك الحالات. لكن الأمر يتعلق في كثير من الأحيان بالكلمات المتداولة عند الجميع. وعندما تستنفذ معجم المصطلحات المحلية (عربية أو أمازيغية) مثل: قلى، جمر، شحر، دغمر، حمر، شوى، شوط... يمكن للطباخ أن يستعمل مصطلحا أجنبيا لأنه في هذه الحالة يأتي بقيمة مضافة.

والمشكلة هنا تحتمل قراءتين، فإما أن المشرفين على هذه الحصص تنقصهم المهنية؛ يعني أنهم لا يوَعون الطباخين الذين يختارون بضرورة استعمال لغتي البلد (العربية والأمازيغية). وإما أنهم من دعاة العرنسية التي يدعون أنها اللغة الفعلية التي يتكلمها الناس، وهذا بهتان لأن "ناجوتيو لو" (نزيد الماء) لا يفهمها لا المفرنس الخالص ولا المعرب الخالص، وهذه اللغة "تَجوتي" (تزيد) في الطين بلة.

ولا داعي للتباكي على كارثة المستوى اللغوي في بلد وزير التعليم فيه "ما يبارليش لاراب" (لا يتحدث العربية).
 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

عندما تفقدك اللغة الشهية :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

عندما تفقدك اللغة الشهية

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: اخبار ادب وثقافة-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: