حينما نفشل في تغيير العالم، نكتفي بتغيير أريكة صالوننا، هكذا يتهكم الفرنسيون من فشل المغالين في طموحاتهم. ينطبق هذا التعبير تماما على السيد طيب أردوغان. هذا الرجل الإسلاموي الذي فشل في إقناع الأوروبيين بأحقية تركيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، والذي فقد الأمل في أن يكون شرطي هذا الشرق الأوسط الذي يتشكل بدونه والمتربص الذي تلاشت أمام عينه آمال التوسع والنفوذ وغنائم الحطام، ها هو اليوم يحاول تعويض الخسائر والانكسارات الخارجية بتجسيد عظمة سلطته في الداخل عن طريق تشييد قصره الرئاسي في أنقرة عله ينتشي بذكرى الإمبراطورية العثمانية. قصر بمثابة حلم مجمد يرى فيه أردوغان رمز تركيا الجديدة تحت حكمه.
كل شيء في هذا القصر يفصح عن جنون عظمة كثيرا ما طبع المشاريع الأردوغانية : يتربع هذا البناء على مساحة 200000 متر مربع ويحتوي على 1000 غرفة فاخرة للغاية. وليس من الغريب أن يصرف على إنجاز هذا القصر المبني على الطراز السلجوقي الجديد مبلغ 350 مليون دولار. عملقة فاقت حتى ما ترك أجداده بنو عثمان وهي تذكر بتلك البنايات الضخمة الرديئة التي لا ذوق فني فيها والتي برعت الأنظمة الشمولية في تشييدها والتفاخر بها لعجزها عن تقديم إنجازات ذات قيمة حقيقية. وفي حقيقة الأمر لا يختلف الرئيس أردوغان كثيرا عن حكام تلك الأنظمة، فرغم وجود مساحات بناء كثيرة في العاصمة التركية فقد فضل إرساء مشروعه الفرعوني وسط غابة خضراء رغم احتجاجات شعبية كثيرة ورفض المدافعين عن البيئة الذين نددوا بتشويه واحدة من المساحات الخضراء النادرة في أنقرة، والمصنفة كأثر طبيعي فضلا على أن الغابة الفريسة تحمل قيمة تاريخية كبيرة لأنها من إنجاز ورعاية مؤسس الجمهورية التركية كمال أتاتورك ذاته. ولم تتمكن حتى العدالة وقراراتها من تغيير موقف الرئيس بل ذهب إلى انتقاد القضاة الذين أمروا بوقف المشروع كما فعل دائما مع قرارات العدالة حينما لا تكون في صالحه.
وسواء كان البناء قانونيا أم لا فهذا لا يقلق الرئيس أبدا وذلك دليل على أنه عمل كل شيء من أجل تكوين نظام أصبحت الكلمة الوحيدة فيه هي كلمته.
وليس هذا القصر هو الوحيد الذي يظهر تمركز الرئيس حول ذاته ونرجسيته بل هناك مطار اسطنبول الثالث أيضا والذي تتواصل الأشغال به رغم الاحتجاجات القوية بسبب إتلاف الغابات الواقعة شمال المدينة. ومن المقرر أن يحمل المطار اسم رجب الطيب أردوغان، كما ستحمل اسمه جامعة وملعب كرة قدم. ويتمنى الرئيس أن يدفن بمسجد عظيم بإسطنبول قد أمر بتشييده وهي عادة سار عليها الحكام العثمانيون إذ كان كل واحد منهم يترك مسجدا يحمل اسمه. وهنا أيضا يستحضر أردوغان رمزا وتقليدا يعودان إلى ما قبل ظهور الجمهورية.
أهي النفس المحبطة تحن إلى ما مضى أم هو تعبير غير مباشر عن رفض مضمر للجمهورية الكمالية جملة وتفصيلا؟
الأحد يونيو 28, 2015 7:15 pm من طرف سميح القاسم