قتل الفلسطينيين بطلقة في الرأس… في أمريكا ايضاً
رأي القدس
February 12, 2015
احتارت السلطات ووسائل الإعلام الأمريكية في أسلوب تخريج قضية قتل الشقيقتين رزان ويسر أبو صالحة، وزوج الأخيرة ضياء بركات، والثلاثة طلاب تم اغتيالهم بطلقة لكل واحد منهم في الرأس في مدينة جامعية أمريكية، فمن القول إن القاتل كريغ ستيفن هيكس «مناهض للأديان» بما فيها المسيحية وطائفة المورمون و»الإسلام»، إلى قول الشرطة الأمريكية أن القتل كان بسبب خلاف على صف السيّارات.
تفنيد التخريجتين سهل جداً فمن غير المعقول أبداً أن يكون «المناهض للأديان» قد اختار امرأتين ورجلا فلسطينيين وسألهم إن كانوا متدينين أم أنهم ملحدون مثله قبل أن يقتلهم، أو أنه لم يجد بين الـ 316 مليون أمريكي، سوى ثلاثة أشخاص من ديانة لا يزيد عدد المنتسبين إليها في أمريكا عن 3 ملايين، أما حجة القتل على خلاف صفّ السيارات فلا تحتاج لنقاش أصلاً لأن القاتل وهو بعمر 46 عاماً يفترض أنه قتل مئات الناس لو أن خلافاً بسيطاً معه يؤدي الى القتل.
المسلمون والعرب في أمريكا انتبهوا بسرعة إلى تمويه السلطات للحدث وتجاهل وسائل الإعلام له فوجهوا انتقادات لاذعة للإعلام الأمريكي، وفي جملة بليغة لخّص خالد بيضون، المدرس بكلية الحقوق في جامعة بفلوريدا الوضع قائلا: «المسلمون يتصدرون نشرات الأخبار عندما يضغطون على الزناد فقط، وليس عندما يكونون الضحية» فيما قالت سناء سعيد، وهي منتجة إعلامية إن الحادث يظهر كيف تعمل الإسلاموفوبيا، فيما رفع الطلاب في جامعة كارولاينا الشمالية التي كان الشاب والفتاتان طلابا فيها لافتات «أوقفوا الإسلاموفوبيا» و»احترموا المسلمين» وMuslim lives matter أو ما معناه أن حيوات المسلمين مهمة أيضاً كحيوات غيرهم من البشر.
يجتمع في حادثة قتل ضياء ورزان ويسر العديد من الدلالات الرمزية الخطيرة التي تؤثّر وتتلاعب بحياة المسلمين والعرب والفلسطينيين، فالقاتل أمريكيّ اختار للقتل ثلاثة مواطنين مسلمين عربا فلسطينيين، لا يرفعون من سلاح سوى علمهم، هجّرتهم إلى أرض الله الواسعة دولة إسرائيل آخر الدول العنصرية في العالم التي تطالب باعتبارها دولة يهودية كغطاء لإبادة الآخرين فيما تنعم بحماية الغرب العلمانيّ الحرّ والديمقراطي.
باختياره طلاباً شباباً أبرياء يجدّون في طلب العلم وقتلهم لكونهم مسلمين يذكرنا القاتل بالجملة القرآنية «من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا»، وهي آية معبّرة حقاً لأنها تفسّر لنا أن ما يجري في بقاع الأرض يستهدف المسلمين كجماعة بشرية ككلّ، ولو تمّ توسيع دائرة التفسير لفهمنا أن استهداف الفلسطينيين هو استهداف للجماعات الأكبر التي ينتمون إليها بالضرورة.
إضافة الى كونه طالب طب أسنان، ذكرت وسائل الإعلام أن ضياء بركات كان ناشطاً في الأعمال الخيرية ومن ضمنها جمع المساعدات لأطفال اللاجئين السوريين، وهو ما يخرج بركات من ضيق الدائرة الفلسطينية ويدخله ببلاغة ناصعة في ملكوت الألم العربيّ الموحّد، ويمنحه تمثيلاً أوسع يستحقّ، في عرف العنصريّات الغربية، طلقة في الرأس.
غير أن حصر جريمة «قتل الناس جميعاً» برقبة الغرب وحده، رغم مسؤولياته الكبرى عن مصائر العالم العربي بعد الحرب العالمية الأولى، هو تبسيط مخلّ، فكراهية المسلمين، للأسف، لا تتغذّى على أساطير الإعلام والنظرة الاستشراقية للنخب الغربية حول العرب والمسلمين، بل تعتاش على آلة القتل والاستبداد العربية التي، بعد أن حصرت المجتمعات العربية في سجون لأكثر من خمسين عاماً، وأحست بتهديد شعوبها، فتحت الباب لآلة الانتقام المضادّة، لتغلق خيارات المواطن العربي المسكين وتفاضله بين الدولة الأمنية العسكرية التي تخنق أنفاسه، والتنظيمات الانتحارية المجرمة، في معادلة تجدد صكّ الاتفاق غير المعلن بين أنظمة الاستبداد وإسرائيل.
رأي القدس