** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
المركزية الإسلامية المعاصرة- قوانين التاريخ ومنطق الثقافة  I_icon_mini_portalالرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 المركزية الإسلامية المعاصرة- قوانين التاريخ ومنطق الثقافة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فدوى
فريق العمـــــل *****
فدوى


التوقيع : المركزية الإسلامية المعاصرة- قوانين التاريخ ومنطق الثقافة  I_icon_gender_male

عدد الرسائل : 1539

الموقع : رئيسة ومنسقة القسم الانكليزي
تاريخ التسجيل : 07/12/2010
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 7

المركزية الإسلامية المعاصرة- قوانين التاريخ ومنطق الثقافة  Empty
06112014
مُساهمةالمركزية الإسلامية المعاصرة- قوانين التاريخ ومنطق الثقافة

المركزية الإسلامية المعاصرة- قوانين التاريخ ومنطق الثقافة


يكشف الوجود عن أن الاستقامة والتعرج متلازمان فيه. ولا يعقل احدهما دون الآخر. تماما كما أن الحركة الدائمة إلى الأمام تجري في عالم غير متناه. مما يترتب عليه إمكانية الحكم القائل، بان التعرج هو عين الاستقامة في الوجود، وان الثبات والبقاء صفات ملازمة لغير المتناهي. وحالما ننقل هذه الفكرة المجردة والعامة إلى ميدان التاريخ الفعلي، فإننا نقف أمام حقيقة تقول، بان البداية والنهاية هي تعرجات الوجود التاريخي للأمم والحضارات، وبالتالي تحتوي على قدر من الثبات والبقاء في عالم المستقبل. وفي هذا تكمن مقدمات وبواعث فكرة الدورة والدوران في التاريخ والحضارات. لاسيما وان كل ما في الوجود لا يخلو من اثر وتأثير الثبات والبقاء في عالم متغير ومتحول وغير متناه. بمعنى أن كل ما فيه يتمظهر كما لو انه دورة للصيرورة والانحلال، والوجود والعدم. وبقدر ما ينطبق ذلك على الإنسان ينطبق على إبداعه الثقافي بشكل عام والحضاري بشكل خاص.
ومفارقة الظاهرة هنا تقوم في أن الفكرة المنطقية نفسها تقف أمام اختبار منطق الرغبة والعزيمة، أي منطق الإرادة التاريخية نفسها. لكن هذه المفارقة المنطقية المحيرة للعقل والضمير تقدم لنا في الوقت نفسه مفتاح الحلول العقلانية لإشكاليات التاريخ الكبرى بوصفها حلولا عقلية وواقعية ترتقي إلى مصاف الحقائق العابرة، أي كل ما يمكن وضعه في عبارة تقول: للتاريخ فضائله ورذائله ومآثره ومهازله في حياة الأمم، ومغامراته في الثقافة، وتجاربه في الحضارات. من هنا تصبح كل التقييمات المختلفة والمتنوعة بهذا الصدد مجرد أجزاء من وعي الذات التاريخي والثقافي القومي والعالمي. وذلك لان تاريخ (تواريخ) الأمم في نهاية المطاف هي مجرد تجارب ثقافية متنوعة للكل الإنساني. وبالتالي ليس كل مندثر منها ميت ولا قيمة له، وليس كل موجود منها حتى الآن ذا قيمة.
وبأثر هذه الحالة أو المعادلة السخية للتأمل الفكري تبرز إشكالية الوقائع والحقائق في التاريخ الفعلي للأمم. أما الحصيلة المنطقية التي يمكن الوصول إليها بأثر تقصي هذه المعادلة فهي التالية: إن التاريخ الفعلي هو مجموعة من الوقائع والحقائق. وان الحقائق التاريخية ليست منطقية كلية بالضرورة. وبالتالي فهي أما حقائق نسبية أو وقائع تاريخية (قومية أو أممية، أي لمجموعة قوميات وأمم). ذلك يعني أن الحقائق المتراكمة في الوعي النظري التاريخي هي جزئية وليست كلية، ونسبية وليست مطلقة، وعابرة وليست أبدية. وإذا كانت الحضارة ومنظوماتها الثابتة هي التجسيد الأوسع والأعمق والأدق والنهائي للمغامرات الثقافية للأمم، فان ثباتها بذاتها، وحركتها في الوعي التاريخي النقدي والتقليدي يشير إلى هذه العلاقة الحية أيضا بين الحقائق والوقائع. بمعنى أن "الحقائق الكبرى" أو "الحقائق المطلقة" لمغامرات الأمم في بلوغ درجة الحضارة الخاصة، هو تعبير عن كمية ونوعية معاناتها الثقافية الخاصة. وذلك لأنها لا تتعدى في أفضل الأحوال أن تكون مجرد انعكاس أو تجسيد أو مظهر أو تحقيق لمنظومة مرجعياتها الثقافية الكبرى. وليس مصادفة أن تصل الأمم التاريخية الكبرى إلى ابتداع صورتها عن النفس والمثال باعتباره شيئا واحدا يتمحور حول "مركزيتها" المثلى والأبدية.
فقد توصل أهل الرافدين إلى أن بابل هي قبلة العالم، واعتبر أهل مصر أن مصر هي "أم الدنيا"، واعتقد اليونانيون بان اليونان هي مركز الاعتدال والسمو، وتوصلت روما إلى أنها "مركز العالم المتمدن"، كما توصلت الخلافة العربية الإسلامية إلى اعتبار كينونتها "امة وسط" ومركز الكون وبؤرة علم الأواخر والأوائل، بينما توصلت أوربا إلى اعتبار نفسها "مركز العالم والمدنية الحديثة"، كما بلغ الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة حالة تماهي النفس مع كيان "الدولة العظمى" و"قطبي العالم"، واعتقدت الولايات المتحدة لفترة قريبة أنها "قطب العالم الأوحد". ولكل من هذه الذروة تصوراتها وأوهامها عن التاريخ. بمعنى النظر إلى كيانها وكينونتها على أنها ذروة التاريخ ونهاية العالم. بينما يكشف التاريخ دوما ويبرهن على أنه مجرد "تاريخ" في زمن الوجود. وفي هذا تكمن قيمة هذه الذروة العابرة و"الأبدية" بوصفها جزء وحالة وأسلوب في مغامرة الإنسان الثقافية لتحويل الزمن إلى تاريخ. وعادة ما تتلازم وتعايش الحقائق والأوهام في هذه المغامرة المغرية. فالحقائق هي الجزء الضروري من التاريخ، والأوهام هي الجزء الملازم للزمن. فعندما اعتقدت الأيديولوجية الليبرالية الأمريكية وروجت دعايتها فكرة "انتصار" الولايات المتحدة بوصفها "نهاية التاريخ"، فإنها وقعت للتو في وهم "الذروة"، ومن ثم الخروج على منطق التاريخ الفعلي بوصفه مغامرة حية لا تنتهي ولا تتناهي. وبالتالي لم تعن "نهاية التاريخ" سوى سيادة الزمن. من هنا بروز فكرة "القرن الأمريكي"، أي "الزمن الأمريكي". ولا يعني هذا في الواقع سوى الإقرار بدون وعي بجزئيتها وطابعها العابر، مع أنها كانت موهومة بهاجس "التاريخ الأبدي". إن تحويل التاريخ إلى زمن، يعني تحلله المحتوم! من هنا تحلل "القرن الأمريكي" واندثاره في مجرى عقد من الزمن! أما المضمون الواقعي لهذه المعادلة فيكمن في تناسب الزمن والتاريخ.
إن إشكالية الزمن والتاريخ، إشكالية كبرى وشاملة. فالطبيعة أيضا تحتوي على نماذج لعلاقة الزمن بالتاريخ. أما بالنسبة للإنسان والثقافة والوجود الدولتي للأمم، فان الزمن طبيعة، بينما التاريخ ما وراء الطبيعة، أي القادر على إبداع المعنى. فالإبداع الحقيقي معنى، أي روح، من هنا بقاءه وإمكانية تغلغله في كل مسام الروح والجسد الفردي والاجتماعي والعالمي، بغض النظر عن القومية والدين والعقائد أيضا، أي على عكس الزمن بوصفه اجترار لمتطلبات الجسد العابرة والجزئية. من هنا تحولها إلى أشباح سرعان ما تزول، على عكس الروح، أي إبداع الإرادة القادرة على الارتقاء إلى مصاف الأبد.
وليس مصادفة أن تصبح اشد الأشياء عذوبة تلك التي تتعذب بمرورها بدهاليز الزمن لكي تخرج إلى فضاء الوجود بوصفها تاريخا! شأن سقوط الأمطار والمياه الجارية في كل مكان. أنها تنهمل وتمر أياما وأسابيع وأشهر وسنوات أي فترة من الزمن "تتنقى" بين عقبات وعتبات الوجود كما لو أنها تسير عبر مصفاة الزمن من اجل الخروج من ينبوع هو مصدر الحياة و"آية" العذوبة. فالماء يتعذب في دهاليز الزمن وينتقى حالما يتكامل في ينبوع مغر للروح والجسد، أي في "تاريخ" بناء النقاوة واللذة والجمال، باختصار كل ما يمكنه أن يعطي للحياة بهجة ويجعلها ذات معنى، رغم أنها لا تتعدى بمقاييس الزمن أن تكون مجرد امتداد بين صرختين (الولادة والموت).
وفيما لو نقلنا هذه الصورة البيانية والرمزية إلى ميدان الرؤية الفلسفية، فإنها تبدو بالشكل التالي: إن الزمن هو أسلوب وامتداد وجود الأشياء والظواهر، أي كل شيء. أنه أسلوب وجود النشوء والفناء، والصيرورة والعدم. فكل ما في الوجود زمن. انه أرقام النشوء والاندثار. كما أننا نربط وجود الفرد وزواله بالزمن (تاريخ الولادة والموت). مع أنها أمور شرطية. إذ لا وجود على الإطلاق، بمعايير الكون المطلق لعام 2000 أو غيرها، إذ كل تسلسل الأعوام هي تصورات شرطية محكومة برؤية ثقافية أو دينية أو غيرها. لكن الذي يجعل منها "تاريخا" بما في ذلك تدوين الأشياء والأحداث هو قدرتها على نقل "الزمن" إلى ما وراء الزمن (العابر). أي حالما يجري نقله إلى مصاف "وعي الذات". فالزمن سريان والتاريخ بناء، والزمن لحظة عابرة والتاريخ قوة متراكمة، والزمن أس الوجود والتاريخ صرحه الثقافي.
من هنا لا تناقض بين الزمن والتاريخ. بمعنى أن التاريخ ممكن فقط عبر الزمن. فالتاريخ يحتوي على الزمن بوصفه وجودا منفيا، لكن الزمن لا يحتوي بالضرورة على تاريخ. فالخراف بلا تاريخ، لأنها تعيد إنتاج كل ما فيها بما فيها بلا بدائل ولا احتمال عقلاني ولا تراكم غير الصوف واللحم! بل أن الإنسان يصبح حيوانا "تاما" حالما يتجاوز فكرة الزمن ليرتقي إلى مصاف التاريخ، أي حالما يدرك طبيعة الوجود بوصفه تاريخا معقدا ومليئا بعذابات الصراع من اجل البقاء، وان كل ما فيه وحدة واحدة، وان الخروج على إدراك هذه الأوليات يحتوي على "موت" محتم، وان هذا الإدراك "يذلل" الأبعاد الوهمية في فكرة الموت، لكي يعيدها إلى مجراها الطبيعي بوصفها كلا واحدا للوجود. وهي رؤية تجعل من معاناة الإنسان تاريخا، أي رؤية أخلاقية وجمالية وإنسانية عذبة بعذابها. فالجمال عذاب من نوع خاص سواء تطرقنا إليه بمعايير الجسد أو الروح.
فالتاريخ منظومة من وعي الذات لها أصولها وجذورها في اللغة والشعر والأدب والفكر (فلسفة وحقوق ولاهوت وتصوف وعلوم طبيعية) والعمارة والفن، باختصار في كل الأشكال الكبرى للإبداع المادي والروحي. ليس هذا فحسب، بل وبقدرتها (المنظومة) على التجوهر في إبداع واستظهار الجديد من خلال تحولها إلى مرجعيات ثقافية متسامية بالنسبة للوعي. فالتاريخ بهذا المعنى يفترض بلوغ البشر مستوى التراكم الثقافي في أمة لها حدودها التاريخية الكبرى.
إن إمكانية تحول الزمن إلى تاريخ ترتبط فقط بإمكانية إرساء أسس منظومة لها حدودها الواضحة في كل شيء، وقادرة من حيث تلقائيتها الذاتية على الاستمرار والتجدد. لهذا يمكننا الحديث عن تاريخ يوناني وروماني وصيني وعربي وأمثالهم. انه تاريخ قابل للتجدد والاستمرار استنادا إلى ذاته، أي إلى منظومة مرجعياته الثقافية المتسامية. والسبب يكمن في انه إذا كانت الثقافة زمن متحركا والحضارة زمن جامد، فان الثقافة الحضارية (المدنية) هي تاريخ. وبالتالي، فان التاريخ الثقافي هو ميدان التجريب والاحتمال الدائم. غير أن التاريخ الثقافي قابل للاندثار في "زمن الأسلاف" في حال بقاءه محنطا، أي معزولا عن الفعل بمعايير "المعاصرة". وذلك لان المعاصرة هي بحث عن بدائل ومن ثم استمرار للتاريخ الثقافي، أي معاناة أبدية للإبداع.
وحالما نطبق ما أسميته بالمضمون الواقعي لمعادلة تناسب الزمن والتاريخ تجاه إشكالية "المركز" بوصفها إحدى مظاهر المركزية الثقافية، فمن الممكن افتراض وجود ست إمكانيات أو ستة احتمالات كبرى وهي:
1. إمكانية اندثار القطب والأقطاب والمركز والمراكز
2. إمكانية ظهور الجديد العديد منها
3. إمكانية صيرورة المركز الكوني الموحد وتعدد مظاهره
4. إمكانية صيرورة الأفلاك الدائرة حول مركز كوني واحد
5. إمكانية احتمالات أخرى
6. إمكانية اللاشيء!
ذلك يعني إننا نقف أمام فكرة الاحتمال في الوجود والحاضر والمستقبل. والتاريخ نفسه يصبح جزء من فكرة الاحتمال وليس بالعكس. وذلك لان التاريخ لم يبلغ بعد فكرة تحقيق القيم في منظومة مركزية ثقافية قائمة بذاتها. وبالتالي، فان كل نماذجه، بما في ذلك أكثرها تماسكا وسموا تبقى نسبية وجزئية. كما هو الحال بالنسبة للقيم الإسلامية حول الأمة الوسط، بوصفها "امة الإسلام"، أو القيم الأوربية والأمريكية الحديثة، بوصفها قيم أيديولوجية لا تستقيم مع الحقيقة المنطقية القائمة في القيم نفسها. فتاريخ الديمقراطية وحقوق الإنسان والإخوة والمساواة والحرية وما شابه ذلك في الثقافة الاوروامريكية أو الغربية الحديثة هي محلية وجزئية ونفعية، وذلك لأنها كانت على الدوام مجرد غطاء "حضاري" لتعامل وحشي مع الآخرين كما هو جلي في الكولونيالية، والحروب، والغزو، والاحتلال، والإبادة، والتدمير، والنهب، والهيمنة، والاستعلاء، والإجبار والقهر لقارات وأمم وشعوب كثيرة.
إن الحصيلة التي يمكن التوصل إليها بهذا الصدد تقوم في أن الجميع تعيش وتفكر وتعمل بمعايير القيم الذاتية الثقافية، أي لا احد منها جعل أو قادر على جعل القيم "قطبا للوجود" أو "مركزا". وبلوغ ذلك يفترض الخروج على منطق التاريخ القومي والجزئي. والعمل بمعايير الفكرة العامة والمتسامية أو الإنسانية الجامعة. وهو أمر مستحيل ما لم يجر تذليل المركزية الثقافية الجزئية. فالمركزيات جميعا هي تجارب تاريخية فردية وفردانية. وبالتالي، فأن بلوغ الاحتمال القائم فيما أسميته بصيرورة المركز الكوني الموحد وتعدد مظاهره، أو صيرورة الأفلاك الدائرة حول مركز كوني واحد، يفترض بلوغ الجميع حالة التماهي (التطابق) بين مثال مؤسس على منظومة مرجعيات كونية شاملة، وواقع يناسبه بالفعل. ولا يمكن تحقيق ذلك دون بلوغ المركزيات الثقافية المتنوعة للأمم ذروتها الخاصة، أي مرورها بمراحل التطور التلقائي الذاتي. وهذه بدورها ليست إلا إشكالية تأسيس وعي الذات القومي والثقافي بوصفه حركة تلقائية متراكمة في منظومة مرجعيات متسامية. الأمر الذي يتطلب معرفة موقع النفس في سلّم أو درجات التطور التاريخي الثقافي. فالتاريخ (الطبيعي) العالمي يمر في مساره الداخلي (أو تطوره)، وصراعاته (الخارجية) بمراحل سبع أساسية، أربع منها "طبيعية" والباقي "ماوراطبيعية"، أي مراحل التطور الثقافي الحر والخالص، أو "التاريخ الحقيقي". مع أن التاريخ كله حقيقة. إن هذه المراحل السبع هي:
• المرحلة العرقية – الثقافية،
• المرحلة الثقافية – الدينية،
• المرحلة الدينية – السياسية
• المرحلة السياسية – الاقتصادية
• المرحلة الاقتصادية- الحقوقية
• المرحلة الحقوقية – الأخلاقية
• المرحلة الأخلاقية- العلمية
ويمر العالم الإسلامي الآن في المرحلة الثالثة. إن مرور "العالم الإسلامي" ضمن السياق التاريخ العالمي الثقافي في مرحلته الثالثة، يتسم أيضا بتباين كبير نسبيا. ففي داخله عوالم متباينة من حيث مستوى تطورها التلقائي.
من هنا، فان الفرضية التي أسعى للبرهنة عليها تقوم في أن كل ما جرى ويجري في "العالم الإسلامي" على امتداد القرنين الأخيرين هي أشكال ومستويات مختلفة ومتباينة لظاهرة تاريخية طبيعية ادعوها بالمركزية الإسلامية الجديدة. وان هذه المركزية هي تعبير تاريخي عابر وضروري، أي حلقة في سلسلة أو تاريخ المركزية الثقافية الإسلامية. أنها تعكس في تناقضها وديناميكيتها زمن القرن التاسع عشر – العشرين الميلادي، وتاريخ القرن الرابع عشر – الخامس عشر الهجري. ذلك يعني أن حقيقتها الباطنية تعبر عن تاريخ وعي الذات القومي والثقافي، أما صورتها الظاهرية فتعبر عن زمن القرن التاسع عشر – العشرين. وبما أن المقياس الزمني الظاهري هو مجرد قشور لا قيمة لها بالنسبة لتاريخ المركزية الثقافية، من هنا قيمة تتبع المسار التلقائي الذاتي القائم في تنشيط الظاهرة الإسلامية المعاصرة، بوصفها احد مظاهر المركزية الإسلامية الجديدة.
إننا نقف أمام حالات عادية جدا من حيث طبيعتها وماهيتها ووظيفتها، لكنها حالما تمس "الإسلام" أو تنسب إليه، فأنها سرعان ما تتحول إلى "ظاهرة عالمية" مثيرة للجدل والمعارك على مستوى الإعلام والسياسة مثل قضية الموقف من "آيات شيطانية"، و"كاريكاتير محمد" وأمثالها، وعلى مستوى الفكر السياسي والتاريخي والفلسفي والثقافي مثل فكرة صراع الحضارات وأمثالها. كما يكتب عن الإسلام مقالات وأبحاث وكتب يصعب حصر عددها، وتعقد مؤتمرات في كل مكان وتحت كل عنوان. ووراء كل هذا الكم الهائل من التنوع والتباين والاختلاف في الموقف من الظاهرة الإسلامية المعاصرة، تكمن ما ادعوه بظاهرة المركزية الإسلامية. وهي ظاهرة ديناميكية متصاعدة ومتوسعة يمكن رؤية بعض ملامحها في الصورة المقارنة للاماكن "المقدسة". إذ تبدو مدينة لخاسا – جزيرة الروح المنعزلة. بينما تبدو مدينة القدس ارض المعارك غير المقدسة. وفي الفاتيكان نعثر على روح الدعاية والإعلام والكارنيفال. بينما تبدو مكة – رمزا للكينونة الروحية الثقافية الإسلامية (العالمية).
وفيما لو جرى وضع هذه الديناميكية بمعايير السوسيولوجيا السياسية، فإننا نقف أمام "ثورة إسلامية" جديدة تعادل من حيث قيمتها الكامنة بالنسبة للمستقبل قيمة الثورة الفرنسية. فقد صنعت الأخيرة المركزية الأوربية الكولونيالية الليبرالية، وسوف تصنع هذه "الثورة الإسلامية" الكامنة في الظاهرة الإسلامية المعاصرة مركزيتها الثقافية والسياسية الخاصة. أنها غير مرئية لأنها موجود في كل مكان واعيان الوجود الإسلامي. وخلافها عن المركزيات الثقافية الأخرى واختلافها معهن يكمن في تباين مستويات المسار التاريخي وتباين التجارب الثقافية في تأسيس الأصول والغايات، أي بسبب تباين تلقائية التطور الثقافي وعدم بلوغ أيا منها مستوى التكامل الذاتي. الأمر الذي يجعل من العداء والخلاف والشكوك المتبادلة بين المركزيات الثقافية الكبرى (الهندوسية والبوذية والنصرانية والإسلامية) أمرا "طبيعيا". وذلك لأنها جميعا لم تتجاوز مرحلة الطبيعي إلى مرحلة ما وراء الطبيعي.
إن الانتقال من مرحلة التاريخ الطبيعي إلى ما وراء الطبيعي هي العملية التي ترافق صيرورة المركزيات الثقافية على مستوى الأمم والأممية بوصفها تجارب تاريخية ثقافية أصيلة. وبالتالي تحتوي بقدر واحد على تجسيد وتمثيل خاص لقوانين التاريخ ومنطق الثقافة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

المركزية الإسلامية المعاصرة- قوانين التاريخ ومنطق الثقافة :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

المركزية الإسلامية المعاصرة- قوانين التاريخ ومنطق الثقافة

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» نقد الفلسفة الإسلامية المعاصرة: الهشاشة النظرية والتفكير خارج التاريخ
» الحقيقة والوهم في الحركة الإسلامية المعاصرة (فؤاد زكريا)
»  وعاء الثقافة الإسلامية الفاسد
» الاتصال والانفصال في التاريخ الثقافي -حالة الثقافة المغربي
» الثقافة والفكر | السياسة | التاريخ والحضارة | علوم وتكنولوجيا | الاقتصاد والتنمية

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: