أوباما بعد خسارة الكونغرس: انقلابي أم بطة عرجاء؟
رأي القدس
November 5, 2014
يعكس الفوز الواضح الذي حققه الجمهوريون في الانتخابات النصفية للكونغرس عمق المأزق الذي يعانيه الرئيس باراك اوباما سواء داخليا او خارجيا. كما انه تذكير للرئيس الذي كان رفع شعار «الأمل والتغيير»، بأن فترة رئاسته الثانية التي افتقدت الى هدف او اتجاه واضح قد اصبحت رمزا لـ «اليأس والجمود».
لقد تعمد الامريكيون معاقبة اوباما بالرغم من ان الحزب الجمهوري والكونغرس لا يتمتعان بشعبية افضل من ساكن البيت الابيض، والدليل على ذلك نسبة المشاركة القليلة في التصويت. وهو ما يجعل الطريقة الأكثر دقة لقراءة النتائج ان اوباما والكونغرس والحزبين الكبيرين لا يتمتعون بثقة الجمهور الامريكي.
ويتوقع البعض ان يتحول اوباما في العامين الباقيين له الى «بطة عرجاء»، امام ملفات سياسية معقدة باستثناءات معدودة، لكن لا يستبعد آخرون ان يتوسع اوباما في استخدام صلاحياته لاصدار مراسيم تنفيذية، باعتبار انه لن يدخل اي انتخابات اخرى ولا يحتاج لارضاء احد. وعلى اي حال فقد تقلصت الخيارات امام اوباما، وهذه نظرة على التغييرات المحتملة في السياسات الامريكية بعد فقدان اوباما السيطرة على الكونغرس بمجلسيه:
اولا- اما على المستوى الداخلي، فان اوباما الذي خيب آمال الامريكيين بالفعل بعدم الوفاء بوعود عديدة بينها تحقيق حد ادنى للاجور، سيكون عليه الدخول في اختبار قوة مع الكونغرس بشأن ملفي المناخ والهجرة.
ويأمل اوباما في تحقيق نتائج سريعة بشأن عشرة ملايين من المهاجرين غير الشرعيين، وكذلك توقيع اتفاقية للاحتباس الحراري في نهاية العام المقبل في باريس، الا ان تأمين دعم الكونغرس سيكون صعبا.
وبالطبع فان اي محاولة من الرئيس للالتفاف على تحقيق «توافق» مع خصومه الذين يسيطرون على المجلسين، الشيوخ والنواب، ستجعلهم اكثر تطرفا، ما يعني عمليا استحالة وجود تعاون بين البيت الابيض والكابيتول هيل خلال العامين المقبلين. الا ان اوباما يستطيع استكمال ملف توسيع غطاء التأمين الصحي الذي يعد الانجاز التشريعي الأهم لرئاسته.
ثانيا- اما على المستوى الخارجي:
1- بالنسبة للعلاقة مع
روسيا، اصبح واضحا ان اوباما لن يستطيع ان يحقق اي اختراق مع تصاعد التوتر بشأن اوكرانيا، التي اصبحت احد العناوين الرئيسية لضعف ادارته وفشلها. وحسب وصف روسي نادر للعلاقات، فلقد «وصلت الى الحضيض»، واصبح كثيرون يتحدثون عن استئناف «الحرب الباردة»، بل واحتمال تحولها الى «ساخنة» مع الحشود العسكرية وحالة الاستنفار، فيما يمضي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في احياء الحلم الامبراطوري السوفييتي، غير عابئ بالعقوبات الاقتصادية.
2- يأمل اوباما في التوصل الى اتفاق نهائي مع
ايران قبل الرابع والعشرين من الشهر الحالي، ليعوض خسائره الكثيرة في الملفات الخارجية، وبالرغم من استمرار الخلاف بشأن عدد اجهزة الطرد المركزي التي سيسمح لايران بامتلاكها، تشير توقعات الى ان العلاقات بين البلدين تتجه الى حالة من «الانفراج»، ما قد يؤدي الى تغيير دراماتيكي في موازين القوى بالشرق الاوسط، وخاصة بالنسبة الى العلاقة مع حلفاء
امريكا التقليديين مثل
السعودية واسرائيل الغاضبتين فعلا من اوباما.
3- تشكل الحرب التي اعلنها اوباما على داعش تطبيقا لمبدأ اسماه هو «جوهر رئاسته»، وهو انه «لن يكون هناك ملجأ آمن لمن يستهدف الامريكيين». ويبدو انه عازم على ان يحقق تقدما يمكنه من اعلان «انتصار ما» على هذه الجبهة قبل انتهاء رئاسته. وقد لا يكون التحول في الموقف من الملف النووي الايراني والازمة السورية بعيدا عن هذه الحرب. ويرى البعض ان ظهور داعش افضل ما حصل للعلاقات بين واشنطن وطهران منذ عقود، وانها قد تفرز انقلابا في السياسة الامريكية، عماده تعاون امني بات ضروريا مع حكومتي ايران وسوريا. وهو ما يعني عمليا التراجع عن فكرة اطاحة نظام بشار الاسد، والعودة الى مسار جنيف بأجندة معدلة، والتراجع عن الاعتراف بالائتلاف كممثل وحيد للسوريين، واعادة النظر في مشاريع تدريب او تسليح ما يسمى بـ «المعارضة المعتدلة».
4- تزامنت الانتخابات النصفية للكونغرس مع اعتراف المتحدثة باسم وزارة الخارجية الامريكية بأن واشنطن لا تملك خطة لاستئناف المفاوضات بين
اسرائيل والفلسطينيين. وبالرغم من التوتر غير المسبوق بين ادارة اوباما وتل ابيب، والتلويح برفع الغطاء الامريكي في مجلس الامن، فانه من غير الواقعي ان يتجاوز اوباما «الحرب الكلامية» ضد نتنياهو الى فرض عقوبات ملموسة ضد الدولة العبرية. كما يبدو صعبا على وزير الخارجية جون كيري مجرد ان يستعيد مصداقيته بين اصدقاء واشنطن في المنطقة، ناهيك عن خصومها. ويستطيع العرب ان يتمنوا كما يشاؤون بشأن موقف امريكي منصف من قضيتهم المركزية، الا ان التاريخ لا يقف في صفهم، كما ان الواقع في خضم هذا الصراعات لا تصنعه الامنيات.
رأي
القدس