لماذا يتدخل أوباما ضد «داعش» في العراق؟
رأي القدس
August 8, 2014
بدأت الولايات المتحدة شن غارات جوية ضد قوات «الدولة الاسلامية» (داعش) في كردستان بعد الهزائم التي ألحقها التنظيم بالقوات الكردية (البيشمركة)، ومكنته من السيطرة على عدد من البلدات والمناطق ذات الأهمية الاستراتيجية، وعلى رأسها سد الموصل، وهو الأكبر في
العراق، الى جانب عدد من حقول النفط، ما أدى الى هروب مئات الآلاف من المسيحيين والايزيديين والتركمان والشبك الى الجبال حيث يعاني كثيرون منهم الجوع والعطش.
الا ان المأساة الانسانية في شمال العراق ليست وليدة الامس بل بدأت مع سقوط الموصل في ايدي داعش في العاشر من حزيران/يونيو الماضي، وهو ما أدى الى اخلاء هذه المدينة العريقة من المسيحيين للمرة الاولى منذ الف وخمسمئة عام.
وخلال الاسابيع الماضية كانت نداءات الأب ساكو بطريرك الكنيسة الكلدانية، وهي الأكبر في العراق، للاستغاثة بـ «صاحب كل ضمير حي في العالم» تسقط على اذان صماء، ومنها اذنا باراك اوباما.
فما الذي جعل الرئيس الامريكي يتحرك اخيرا؟ هل هي حقا «المخاوف من حصول ابادة جماعية» كما قال في خطابه مساء أمس الأول الخميس؟ الم يسمع عما فعله داعش في الموصل طوال نحو شهرين، وما يواصل ارتكابه من مجازر وجرائم ضد الانسانية في
سوريا طوال نحو عامين؟
وهل الطائفة الايزيدية التي اشار اليها في خطابه باعتبارها «مجموعة دينية قديمة مهددة»، اقرب الى قلبه من المسيحيين او غيرهم من الاقليات؟
الواقع ان التحرك الامريكي انما جاء لاعتبارات لاعلاقة لها بانقاذ الاقليات الدينية او العرقية، او بهدف القضاء على داعش او حتى اضعافها، ويكفي النظر الى معطيات القصف الامريكي لادراك ما يلي:
اولا : ان اوباما تدخل لحماية الكيان الكردي (شبه المستقل) من السقوط، لما يمثله من أهمية استراتيجية للمصالح الامريكية، وهو ما جعل البعض يشبهه بـ «
اسرائيل جديدة». ومن المفيد تذكر حماس
تل ابيب لاعلان مسعود البارزاني عزمه اجراء استفتاء تقرير المصير للاكراد، والعلاقات الاقتصادية القوية التي تربط بين الجانبين. ويبدو ان استغاثة البارزاني بواشنطن بعد فرار قواته أمام داعش في سنجار وغيرها، تشير بوضوح الى تخليه عن نبرته الاستعلائية عندما امر باحتلال كركوك مستغلا هروب الجيش العراقي.
ثانيا: جاء تدخل اوباما بعد ساعات قليلة من اعلان شركات نفطية غربية كبرى (اكسون موبيل وشيفرون ودي ان او النريجية، وجينيل التركية) سحب موظفيها من شمال العراق بسبب تقدم داعش، ما يعني تأثيرا مباشرا على امدادات النفط.
ثالثا: ان سقوط الاقليم الكردي يفتح الطريق امام داعش لتهديد دول مجاورة، في شرق العراق وشماله، ما يحوله الى خطر اقليمي مباشر للمصالح الحيوية الامريكية.
رابعا: ان سقوط سد الموصل الاستراتيجي تحديدا يمثل تتويجا لـ «فتوحات قوات داعش» المستمرة دونما تحد حقيقي في سوريا والعراق، ما سيشجعها على استهداف بغداد، وهو ما ينذر بمجازر وحرب شوارع قد تستمر لشهور، وينتهي معها العراق كما عرفناه الى الأبد.
خامسا : ان الغارات الجوية الامريكية قد تفشل في تحقيق اهدافها حيث ان مواجهة داعش تسلتزم وضع قوات امريكية على الارض، وهو يرفضه اوباما تفاديا لتكرار خطيئة سلفه جورج دبليو بوش، وهو المسؤول الاول عن دخول
القاعدة واخواتها من التنظيمات الارهابية الى العراق، الى جانب ان التدخل الامريكي اصبح يفتقر الى اي شعبية بسبب جرائم الحرب التي ارتكبها المارينز اثناء احتلالهم للعراق.
سادسا: ان تدخلا امريكيا منفردا قد لا يقلب «الموازين العسكرية على الارض» كما تمنى رئيس اركان الجيش العراقي امس،( البيت الابيض نفسه لم يتحدث عن استهداف القضاء على داعش او حتى اضعافه) لكنه سيمثل «ذخيرة دعائية» لداعش في حملته الاعلامية الدولية الناجحة لتجنيد الشباب من مختلف انحاء العالم.
وبعد هذه التطورات، فان قوات داعش المشتبكة حاليا مع قوات حماية اربيل نفسها، حسبما تقول وكالات الانباء، لا يمكن ان تكون مجرد ميليشيا عشوائية «تنتصر بالرعب» كما يشيع البعض. وبعيدا عن نظريات المؤامرة، فان الامر اصبح يحتاج الى وقفة لمعرفة من يخترقها او يحركها او يدعمها، بالنظر الى ما اصبحت تمثله من خطر اقليمي، خاصة بعد «غزوتها» الناجحة ضد الجيش اللبناني في عرسال، والانباء عن انتقال آلاف منها الى
ليبيا تمهيدا لـ«غزوة» على الحدود المصرية.