[rtl] [size=35] الفلك المشحون[/size][/rtl]
[rtl]
[/rtl]
[rtl]
[/rtl]
[rtl]
تردَّد اسم نوح في عدد كبير من السور، وهو في الميراث الإسلامي "أول رسول بعث إلى أهل الأرض". وردت قصة الطوفان بشكل مختزل في القرآن من دون تحديد لزمنه، وتركَّز الحديث فيها على سجال نوح مع قومه طوال "ألف سنة إلا خمسين عامًا" (العنكبوت، 15). في شرحهم هذه القصة، ذكر أهل التفسير كمًّا هائلاً من الروايات والأخبار، وتطرَّقوا إلى أصغر التفاصيل في عرض وقائع الحوادث التي عاشها نوح في رحلته الطويلة. استعاد المصورون هذه الحوادث في مرحلة لاحقة، وباتت صورة نوح وسط عائلته في الفلك نموذجًا إيقونوغرافيًا يتكرر في الكثير من الكتب المزوَّقة.[/rtl]
[rtl]
[/rtl]
[rtl] نوح في الفلك، "مجمع التواريخ"، مخطوط عربي من إنتاج عام 1314، تبريز، مجموعة ناصر خليلي الخاصة، لندن.[/rtl]
[rtl]
[/rtl]
[rtl] نوح مشرفًا على بناء الفلك، "قصص الأنبياء"، 1574 - 1576، سرايا توبكابي، اسطنبول.[/rtl]
[rtl]
ذُكر نوح في ثلاثة وأربعين موضعًا من القرآن الكريم. تردَّد اسم هذا النبي في آيات وردت في ثمان وعشرين سورة، وجاءت قصته في ستٍّ من هذه السور، وهي الأعراف (59-64)، هود (25-49)، المؤمنون (23-30)، الشعراء (105-122)، القمر (9-15)، ونوح (1-28). تتكرَّر القصة في هذه الآيات مع اختلاف في اللفظ، وتقارب بخطوطها العريضة الرواية التي وردت مفصَّلة في سفر التكوين، مع تباين في بعض النقاط. بخلاف رواية العهد القديم، ترد القصة بشكل "مجرَّد" في القرآن، وتتمحور بشكل رئيسي حول السجال الطويل بين النبي وقومه. أُرسل نوح لهداية قومه الذي انصرف عن عبادة الله واتخذ أصنامًا يعبدها من دون الخالق. جاء في سورة نوح، عن قومه: "وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا" (23). وتفسيره بحسب الطبري: "كان هؤلاء نفرًا من بني آدم فيما ذُكر عن آلهة القوم التي كانوا يعبدونها". وقيل: "كانوا قومًا صالحين من بني آدم، وكان لهم أتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صوَّرناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم، فصوَّروهم، فلما ماتوا، وجاء آخرون دبَّ إليهم إبليس، فقال: إنما كانوا يعبدونهم، وبهم يُسقون المطر فعبدوهم". وقيل: "هذه أسماء أصنام قوم نوح". وقيل: "كانت آلهة يعبدها قوم نوح، ثم عبدتها العرب بعد ذلك"، وقيل أيضًا: "هي آلهة كانت تكون باليمن".[/rtl]
[rtl]
ألواح ودسر[/rtl]
[rtl]
لا يحدِّد النص القرآني تاريخ مبعث نوح، واختلفت الأحاديث في مقدار عمره يوم بُعث، والشائع حديثٌ ورد في صحيح البخاري مرفوعًا إلى ابن عباس، وفيه: "كان بين آدم ونوح عشرة قرون، كلهم على الإسلام". والقرن عبارة تعني مئة عام، كما تعني جيلاً من الناس، على ما أشار ابن كثير. فعلى هذا يكون بين نوح وآدم ألف سنة أو "ألوف من السنين، والله أعلم". دعا نوح قومه إلى إفراد العبادة للخالق وحده لا شريك له، "فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم" (الأعراف، 59)، وثابر على هذه الدعوة ليلاً ونهارًا، وسرًّا وإجهارًا، تارة بالترغيب، وطورًا بالترهيب، لكنهم سخروا منه، وكذبوه، واتهموه بالجنون، و"جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا" (نوح، 7). على الرغم من ذلك، استمرَّ الرسول في دعوته "ألف سنة إلا خمسين عامًا" (العنكبوت، 15)، ولم يتبعه إلا نفر قليل، فيئس من إيمان قومه، وقال: "رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا. إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا" (نوح، 26-27). "وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون" (هود، 36)، وتفسيره بحسب الطبري: "فلا تستِكنْ ولا تحزن بما كانوا يفعلون، فإني مهلكهم ومنقذك منهم ومَن اتبعك".[/rtl]
| |
|
[rtl] الفلك المشحون، "قصص الأنبياء"، 1577، مكتبة نيويورك.[/rtl] | |
[rtl] إبحار الشيطان في ظهر الفلك، "قصص الأنبياء"، 1575، سرايا توبكابي، اسطنبول.[/rtl] |
[rtl]
قال الله لرسوله: "واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون" (هود، 37)، والفلك هو السفينة، ونقل الطبري عن ابن عباس أن نوح "لـم يَعلَـم كيف صنعة الفلك، فأوحى الله إليه أن يصنعها على مثل جؤجؤ الطائر"، أي صدر الطائر. أطاع نوح الأمر، وراح يصنع الفلك، "وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون" (هود، 38). وفي حين عني العهد القديم بوصف كيفية صناعة السفينة، اكتفى النص القرآني بالإشارة إلى صناعة الفلك "بأعيننا ووحينا"، وهو في سورة القمر "ذات ألواح ودسر" (13)، والدسار "المسمار الذي تشدُّ به السفينة"، كما قال الطبري، ونُقل عن الضحاك قوله: "أما الألواح، فجانبا السفينة، وأما الدّسُر، فطرفاها وأصلاها"، وقال آخرون "بل الدّسُر أضلاع السفينة". في المقابل، تذخر كتب التفسير بالروايات التي تسهب في وصف الفلك. ينقل الطبري عن "أهل التوراة" أن الله أمر نوح[/rtl]
[rtl]
أن يصنع الفلك من خشب الساج، وأن يصنعه أزور (أي مقوَّسًا)، وأن يطليه بالقار من داخله وخارجه، وأن يجعل طوله ثمانين ذراعًا وعرضه خمسين ذراعًا، وطوله في السماء ثلاثين ذراعًا، وأن يجعله ثلاثة أطباق: سفلاً ووسطًا وعلوًا، وأن يجعل فيه كوًا، ففعل نوح كما أمره الله عز وجل.[/rtl]
[rtl]
وعن ابن عباس: أمر الله نوح[/rtl]
[rtl]
أن يغرس شجرة فغرسها، فعظمت وذهبت كل مذهب، ثم أمره بقطعها من بعد ما غرسها بأربعين سنة، فيتخذ منها سفينة، كما قال الله له، فقطعها وجعل يعملها.[/rtl]
[rtl]
وعن سلمان الفارسي:[/rtl]
[rtl]
عمل نوح السفينة أربعمائة سنة، وأنتب الساج أربعين سنة، حتى كان طوله ثلاثمائة ذراع، والذراع إلى المنكب.[/rtl]
[rtl]
وعن قتادة:[/rtl]
[rtl]
ذُكر لنا أن طول السفينة ثلاثمائة ذراع، وعرضها خمسون ذراعًا، وطولها في السماء ثلاثون ذراعًا، وبابها في عرضها.[/rtl]
[rtl]
أم الصبي[/rtl]
[rtl]
أتمَّ نوح عدَّته، وحلَّ موعد الطوفان حين "فار التنور"، كما جاء في سورة هود (40)، وسورة المؤمنون (27). وقد "اختلف أهل التأويل في معنى ذلك" بحسب الطبري، "فقال بعضهم: معناه: انبجس الماء من وجه الأرض، وفار التنور، وهو وجه الأرض"، وقال آخرون: "هو تنوير الصبح"، والشائع أنه "التنور الذي يُختبز فيه"، وفي حديث يُنسب الى الحسن: "كان تنورًا من حجارة كان لحواء حتى صار إلى نوح، فقيل له: إذا رأيت الماء يفور من التنور فاركب أنت وأصحابك". فار التنور، وقال الله لرسوله في سورة هود: "احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل" (40)، وفي سورة المؤمنون: "فاسلك فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون" (المؤمنون، 27). يُجمع المفسرون على أن الزوجين هما كل "اثنين مما فيه الروح والشجر، ذكرًا وأنثى"، أي "ذكر وأنثى من كل صنف". واختلفت الآراء في الذي استثناه الله من أهل نوح الذين ظلموا: "بعض نساء نوح". وقيل: "هي امرأته كانت من الغابرين في العذاب"، تبعًا لما ورد في سورة التحريم (10). وقيل: "بل هو ابنه الذي غرق"، وقد ورد ذكر هذه الحادثة في سورة هود: "ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين. قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين" (هود، 42-43).[/rtl]
| | |
[rtl] نوح وسط الطوفان، منمنمة عثمانية، "زبدة التواريخ"، 1583، المتحف التركي الإسلامي، اسطنبول.[/rtl] | | نوح وسط أسرته، قصص الأنبياء"، القرن السادس عشر، مكتبة نيويورك. |
[rtl]
حاول نوح أن يستشفع في ابنه، "فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين. قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين. قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين" (هود، 45-47). في تفسير هذه الآيات، نقل المفسرون قول الرسول: "لو رحم الله أحدًا من قوم نوح لرحم أم الصبي". وفي حديث يصفه ابن كثير بالغريب:[/rtl]
[rtl]
لمَّا فار التنور وكثر الماء في السكك، خشيت أم الصبي عليه، وكانت تحبه حبًا شديدًا، فخرجت إلى الجبل حتى بلغت ثلثه، فلما بلغها الماء خرجت حتى بلغث ثلثي الجبل، فلما بلغها الماء خرجت حتى استوت على الجبل، فلما بلغ الماء رقبتها رفعته بيدها، حتى ذهب به الماء، فلو رحم الله منهم أحدًا لرحم أم الصبي.[/rtl]
[rtl]
لا يذكر القرآن اسم الإبن الذي غرق، وهو في قصص الأنبياء كنعان، "والعرب تسمِّيه يام"، بحسب الطبري. يخالف هذا التعريف ما ورد في سفر التكوين حيث كنعان هو ابن حام، وحام هو أحد أبناء نوح الثلاثة، وهو من كشف عورة أبيه بعدما شرب الأخير مسكرًا صنعه من نبات الكرمة التي زرعها بعد الطوفان، فسكر، فسخر منه حام، ولما استفاق نوح وعرف ما فعله ابنه، غضب وقال: "ملعون كنعان، عبدًا يكون لعبيد اخوته" (تكوين 9، 25).[/rtl]
[rtl]
الفرقة الناجية[/rtl]
[rtl]
اختلفت الأقوال في عدد الذين حملهم نوح معه في الفلك، فقال بعضهم في ذلك: "كانوا ثمانية أنفس، نوح وامرأته وثلاثة بنيه، ونساؤهم". وقيل أيضًا: "نوح، وثلاثة بنيه، وأربع كنائنه". وقال آخرون: "بل كانوا سبعة أنفس، نوح، وثلاث كنائن له، وثلاثة بنين". وقال آخرون: "كانوا عشرة سوى نسائهم". وقيل: "بل كانوا ثمانين نفسًا". والصواب بحسب رأي الطبري أنهم قلة فحسب. ويقول أهل الأخبار إنهم كانوا في طابق السفينة الأوسط، وكان الطير في الطابق الأعلى، والسباع في الأسفل. جمع الطبري طائفة من الأخبار العجيبة في وصف هذه الحمولة، فنقل عن ابن عباس:[/rtl]
[rtl]
كان أول ما حمل نوح في الفلك من الدواب الذرة، وآخر ما حمل الحمار، فلما أدخل الحمار ودخل صدره تعلق إبليس لعنه الله بذنبه فلم تستقل رجلاه، فجعل نوح يقول: ويحك، ادخل، فينهض فلا يستطيع، حتى قال نوح، ويحك، ادخل وإن كان الشيطان معك. قال كلمة زلت عن لسانه، فلما قالها نوح، خلى الشيطان سبيله (أي سبيل الحمار)، فدخل ودخل الشيطان معه، فقال له نوح: ما أدخلك عليَّ يا عدو الله؟ قال: ألم تقل: ادخل وإن كان الشيطان معك. قال: أخرج عني يا عدو الله، فقال: ما لك بد من أن تحملني، فكان، فيما يزعمون، في ظهر الفلك.[/rtl]
[rtl]
وفي رواية أخرى[/rtl]
[rtl]
لما آذى نوحًا في الفلك عَذِرةُ الناس (أي البراز)، أُمر أن يمسح ذنب الفيل، فمسحه فخرج منه خنزيران، وكفي ذلك عنه. وإن الفأر توالدت في الفلك، فلما آذته، أمر أن يأمر الأسد يعطس، فعطس فخرج من منخريه هرَّان يأكلان عنه الفأر.[/rtl]
[rtl]
قوس الأمان[/rtl]
[rtl]
تردَّد وصف الطوفان بشكل مقتضب في النص القرآني. جاء في سورة القمر: "ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر. وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر. وحملناه على ذات ألواح ودسر. تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر" (11-14). وفي سورة هود: "وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي" (44). وفي رواية أوردها الطبري:[/rtl]
[rtl]
صار الماء نصفين: نصف من السماء ونصف من الأرض، وارتفع الماء على أطول جبل في الأرض خمس عشرة ذراعًا، فسارت بهم السفينة، فطافت بهم الأرض كلها في ستة أشهر لا تستقر على شيء، حتى أتت الحرم فلم تدخله، ودارت بالحرم أسبوعًا، ورُفع البيت الذي بناه آدم عليه السلام، رُفع من الغرق، وهو البيت المعمور، والحجر الأسود على أبي قبيس، فلما دارت بالحرم ذهبت في الأرض تسير بهم، حتى انتهت إلى الجودي، وهو جبل بالحضيض من أرض الموصل فاستقرت بعد ستة أشهر لتمام السبع، فقيل بعد السبعة الأشهر.[/rtl]
[rtl]
وجاء في حديث يُنسب الى الرسول:[/rtl]
[rtl]
وفي أول يوم من رجب، ركب نوح السفينة، فصام هو وجميع من معه، وجرت بهم السفينة ستة أشهر، فانتهى ذلك إلى المحرم، فأرست السفينة على الجودي يوم عاشوراء، فصام نوح، وأمر جميع من معه من الوحش والدواب فصاموا شكرًا لله عز وجل.[/rtl]
[rtl]
وفقًا لرواية سفر التكوين، دخل نوح الفلك مع امرأته وبنيه الثلاثة ونسائهم، وكان معه زوج من كل نوع من الطيور ومن البهائم النجسة، وسبعة أزواج من البهائم والطيور الطاهرة. وبعد سبعة أيام، طافت الارض واستمر هطول المطر طوال أربعين يومًا وليلة، فغرق كل من كان على الارض من الكائنات الحية. توقف المطر بعد الأربعين يومًا وليلة، وابتدأ انحسار المياه، فأطلق نوح غرابًا، ثم حمامة عادت إليه لأنها لم تجد موطئا لرجلها، فأطلقها من جديد بعد سبعة أيام، فعادت إليه وفي فمها ورقة زيتون، فانتظر سبعة أيام أخرى، ثم أطلقها مرة أخرى، فلم ترجع إليه، فأدرك أن الماء قد انحسر. خرج نوح من الفلك مع عائلته والحيوانات التي كانت معه بعد أن دعاه الله الى ذلك، وبنى مذبحًا للرب، وقدَّم فوقه بعض الحيوانات الطاهرة، "فتنسم الله رائحة الرضا"، وقرر ألا يلعن الأرض مرة أخرى بسبب الإنسان، وجعل قوس القزح علامة لوعده. يتردَّد صدى هذه الأحداث في بعض الروايات التي نقلها مفسرو القرآن. في رواية ذكرها الطبري، قام عيسى بن مريم بإحياء حام بن نوح من الموت بإذن الله، وسأله: "كيف علم نوح أن البلاد قد غرقت؟"، فأجابه: "بعث الغراب يأتيه بالخبر، فوجد جيفة فوقع عليها، فدعا عليه بالخوف، فلذلك لا يألف البيوت، ثم بعث الحمامة، فجاءت بورق زيتون بمنقارها وطين برجليها، فعلم أن البلاد قد غرقت، فطوقها الخضرة التي في عنقها، ودعا لها أن تكون من أنس وأمان، فمن ثمن تألف البيوت". تتكرر الرواية في حديث لابن عباس نقله ابن كثير، وفيه:[/rtl]
[rtl]
كان مع نوح في السفينة ثمانون رجلاً معهم أهلوهم، وإنهم كانوا في السفينة مائة وخمسين يومًا، وإن الله وجَّه السفينة إلى مكة فدارت بالبيت أربعين يومًا، ثم وجَّهها إلى الجودي فاستقرت عليه، فبعث نوح عليه السلام الغراب ليأتيه بخبر الأرض، فذهب فوقع على الجيف فأبطأ عليه، فبعث الحمامة فأتته بورق الزيتون ولطخت رجليها بالطين، فعرف نوح أن الماء قد نضب، فهبط إلى أسفل الجودي فابتنى قرية وسمَّاها ثمانين، فأصبحوا ذات يوم وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة، إحداها العربية، وكان بعضهم لا يفقه كلام بعض، فكان نوح عليه السلام يعبر عنهم.[/rtl]
[rtl]
في سرده لقصة نوح، استعاد ابن كثير رواية سفر التكوين، ونقل عن أهل الكتاب[/rtl]
[rtl]
أن الله كلَّم نوحًا قائلاً له: اخرج من الفلك أنت وامرأتك وبنوك ونساء بنيك معك، وجميع الدواب التي معك ولينموا وليكثروا في الأرض. فخرجوا، وابتنى نوح مذبحًا لله عز وجل، وأخذ من جميع الدواب الحلال، والطير الحلال فذبحها قربانًا إلى الله عز وجل، وعهد الله إليه ألا يعيد الطوفان على أهل الأرض، وجعل تذكارًا لميثاقه إليه القوس الذي في الغمام، وهو قوس قزح الذي روى عن ابن عباس أنه أمان من الغرق.[/rtl]
[rtl]
السيرة التشكيلية[/rtl]
[rtl]
يحفل فن الكتاب الإسلامي بالمنمنمات التي تصوِّر نوح في الفلك المشحون، وأقدم هذه الصور منمنمة تزيِّن وجه الصفحة الخامسة والأربعين من مخطوط مجمع التواريخ لرشيد الدين فضل الله الهمذاني، وهذا المخطوط من إنتاج عام 1314 في تبريز، وهو من مجموعة ناصر خليلي الخاصة. لا تخلو نسخة من نسخ قصص الأنبياء المزوَّقة من منمنمة تصوِّر نوح وعائلته في السفينة في صياغة تشكيلية تختزل رهافة الرسم الفارسي في عصره الذهبي. في نسخة من محفوظات توبكابي، أُنجزت بين عام 1574 وعام 1576، يظهر نوح وهو يشرف على أعمال بناء الفلك في منمنمة فريدة تحتل وجه الصفحة الرابعة والعشرين، ويظهر ثانيةً في صورة تقليدية وسط أسرته في السفينة على ظهر الصفحة الخامسة والعشرين. يتكرر المشهد في نسخة أخرى من محفوظات توبكابي تعود إلى الحقبة نفسها: على ظهر الورقة الخامسة والأربعين، يجلس نوح أبناءه ونساءهن في مركب يطفو فوق مياه فضية باتت رمادية بفعل مرور الزمن، ويظهر في طرف الصورة رجل ملتحٍ ذو بشرة داكنة، وهو الشيطان الذي دخل السفينة بعدما تشبث بذنب الحمار، "فكان، فيما يزعمون، في ظهر الفلك"، على ما جاء في رواية الطبري. في نسخة من محفوظات المكتبة الوطنية الفرنسية أُنجزت في قزوين عام 1595، يظهر نوح واقفًا بين أربعة رجال في منمنمة تقع على ظهر الورقة العشرين. ينظر الرسول متأسفًا إلى ابنه الذي رفض أن يتبعه، "فكان من المغرقين" (هود، 43).[/rtl]
| |
|
[rtl] عوج بن عوق أمام سفينة نوح، "تاريخ حافظ أبرو"، هرات، 1425-1433، سرايا توبكابي.[/rtl] | |
[rtl] سفينة نوح، منمنمة عثمانية، "سير الأنبياء"، أواخر القرن السادس عشر، سرايا توبكابي، أسطنبول.[/rtl] |
[rtl]
تطالعنا صور أخرى لنوح في بعض المؤلفات التاريخية، ومنها منمنمة تزيِّن صفحة من نسخة لـ زبدة التواريخ تعود إلى عام 1583، وهي من محفوظات المتحف التركي الإسلامي في اسطنبول، ومنمنمة بريشة الـ"نقاشي باشا" لطفي عبد الله نقع عليها في الجزء الأول من مجموعة سير الأنبياء التي تعود إلى عهد السلطان مراد الثالث، أواخر القرن السادس عشر. يتغير المشهد في نسخة من تاريخ حافظ أبرو أنجزت في النصف الأول من القرن الخامس عشر، وهي من محفوظات توبكابي. على وجه الورقة الثالثة والعشرين، يقف عملاق عظيم وسط مياه الطوفان، محاولاً منع سفينة نوح من التقدُّم، والعملاق هو عوج بن عوق كما تقول الكتابة الممهورة على أعلى صدره، وتعريفه في لسان العرب: "رجل ذَكَر من عظم خلقه شناعة، وذُكر أنه كان ولد في منزل آدم فعاش إلى زمن موسى". حكى الثعلبي في عرائس المجالس نقلاً عن ابن عباس:[/rtl]
[rtl]
استوت السفينة على الجودي، وقد باد ما على وجه الأرض من الكفار كل شيء فيه الروح والأشجار، فلم يبق شيء من الحيوانات إلا نوح ومن ومعه في الفلك، وإلا عوج بن عوق، فلذلك قوله تعالى: "وقيل بعدًا للقوم الظالمين"، أي هلاكًا. كان عوج يحتجز بالسحاب ويشرب منه ويتناول الحوت من أقرار البحر فيشويه بعين الشمس يرفعه إليها ثم يأكله، فقال لنوح: احملني معك. فقال: أُخرج يا عدو الله فإني لم أُؤمر بحملك. وطبق الله الماء على الأرض والجبال، وما بلغ ركبتي عوج بن عوق. فلما استوت السفينة على الجودي، "قيل يا أرض ابلعي ماءك"، أي انشقي، "ويا سماء أقلعي"، أي أحبسي ماءك، "وغيضَ الماء"، أي ذهب ونقص، فصار ما نزل من السماء هذه البحور التي في الأرض، لأنها آخر ما بقي في الأرض من مياه الطوفان.[/rtl]
[rtl]
الأب الثاني[/rtl]
[rtl]
جاء في العهد القديم أن الطوفان عمَّ كل الأرض، أما القرآن الكريم فلم يقطع بذلك. تقول الرواية التوراتية إنَّ فلك نوح حطَّ فوق جبال أرارات بعدما خلت الأرض من كل ما هو حي، مما يعني أنَّ نوحًا هو الأب الثاني للبشر بعد آدم. في المقابل، يقول القرآن إنَّ السفينة "استوت على الجودي"، وأنزل الله على نوح: "اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم" (هود، 48). جاء في سورة الصافات: "ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون، ونجيناه وأهله من الكرب العظيم وجعلنا ذريته هم الباقين". ونقل الطبري عن قتادة: "فالناس كلهم من ذرية نوح". وعن ابن عباس: "لم يبق إلا ذرية نوح". في الميراث الشيعي، روى الصافي في تفسيره، عن الصادق:[/rtl]
[rtl]
نزل نوح بالموصل من السفينة مع الثمانين وبنوا مدينة الثمانين، وكانت لنوح بنت ركبت معه السفينة فتناسل الناس منها،[/rtl]
[rtl]
وذلك قول النبي محمد: "نوح أحد الأبوين".[/rtl]
[rtl]
[/rtl]