(لــــــو) فـي ثــلاث قـصـائــد نـــســـويــة
فاخر الداغري
رائع جداً.. ولطيف جداً... ومستساغ جداً ان تلتقي شاعرات تحت سقف واحد يعالجن فيه مشكلة انسانية واحدة توحدت فيها افكارهن التي استأثرت باهتمامهن رغم الفوارق العمرية المتباينة ورغم تاريخ الظهور على الساحة الادبية خاصة مع الراحلة الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان. وعليه: تأتي الكتابة في (التناص) كتابة تعنى.. توارد الخواطر وتفاعل الامزجة والتشبع بثقل المعاناة في وحدة موضوع تشكل قاسماً مشتركاً بينهن تلفعت فيه قصائدهن برداء موحد ارتدينه فستاناً فصلت مقاساته عليهن بالتساوي فأزدهين رافلات بشاعريتهن تحت قبة الامير (لو) وقد بنيت هذه القبة فوق رابية خضراء وسط حديقة غناء مترعة سواقيها بالهوى العذري وقد ملأ وجدانهن فرحن يقطفن زهور الياسمين والجلنار والنرجس من على ضفاف سواقي التأمل وقد جنح بهن الخيال عالياً كأناث صقور يشكلن مقدمات سرب للطيران في سماء (ابولو) ووجهتهن الهبوط في وادي عبقر عساهن يغترفن الالهام من معين عبقرته فكان لهن ما رغبن به. وبين غمزة عين وانتباهتها وجدن انفسهم جالسات على اعتاب (ابنة الجلبي) التي اكرمت وفادتهن وبالغت في الترحيب بهن في بصرة الفراهيدي والجاحظ والسياب. على ضفاف بويب احتفت بهن ابنة الجلبي وتحت ظلال جيكور افترشن حصيرة تحت باسقات النخيل وقد تساقط عليهن (رطباً جنيا). وفي صوت نحيف أكل اليأس رقته فجاء واهناً فاقداً ذبذبات حلاوته يقرأ عليهن: (تلك امي وان اجيئها كسيحاً لاثماً ازهارها والماء فيه والترابا ونافضاً بمقلتي اعشاشها والنقابا تلك اطيار الغد الزرقاء والغبراء يعبرن السطوحا
او ينشرن في بويب الجناحين كزهر يفتح الافوافا وتيمناً بقول احد الشعراء: تنقل فلذات الهوى في التنقل ورد كل صاف لا تقف عند منهل آثرن العودة الى بغداد في خدر (عنيزة) واذا بأمرئ القيس يقرأ عليهن: ويوم دخلت الخدر خدر عنيزة فقالت لك الولايات انك مرجلي تقول وقد مال الغبيط بنا معاً عقرت بعيري يا أمرأ القيس فأنزل فقلت لها سيري وارخى زمامه
ولا تبعديني من جناك المعلل لكنهن وجدن السير وئيداً وقد يرخي الليل سدوله عليهن ويلعب الهاتف النقال دوره في الاستفسار من الاهل والاحباب عن سبب تأخرهن فاستعرن قبساً من خيالات الف وليلة صيرت الخدر بساط ريح يحدوه صوت حنون. بساط الريح على بغداد على بغداد بلاد خيرات بلاد امجاد واذا بهن يمشين الهوينا على ضفاف دجلة الخير وصوت اضناه البعد عن ارض الوطن يستحث خطاهن وقد جمح به الحنين الى بغداد. حييت سفحك عن بعد فحييني يادجلة الخير يا أم البساتين
حييت سفحك ضمآناً الوذ به
لوذ الحمائم بين الماء والطين
وبعد هذا الترحال وجني ثمار الود وتعميق اواصر الاخوة والزمالة الادبية والتربع على عرش مجد الكلمة وارتشاف رحيق ثمالات بيت القصيد اناخت الشاعرات الثلاث رحالهن تحت ظلال افياء (لو) غير الجازمة والتي هي حرف امتناع لامتناع في قواعد اللغة العربية فنقول مثلاً: (لو حضرت عندي لاكرمتك) وهنا يؤجل الاكرام الى اشعار اخر اذا لم يقترن بالحضور اي ان الحضور شرط في توفير الاكرام.
ونتيجة هذا المانع اللغوي اتيحت فرصة لكل شاعرة ان تقول حكايتها مع الامير (لو) تختلف في فحوى التناول شعراً عند كل شاعرة منهن. الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان استثمرت لو في عالم التمني والتأمل والدعوة الخالصة في تحقيق ما تتمناه ذاتها من آمال جسام مستعينة به في الذب عنها وتخفيف آهاتها وازالت لواعجها والغاء اتراحها وانقاذها من معاناتها. اذ كتبت قصيدة رائعة جداً ملأى بالتمني والتفاؤل وتعميم الفضيلة ونبذ البغضاء واقتلاع شرور الارض ومسح بصمات الفقر واجتثاث الظلم وتجفيف انهار الدم واقصاء قابيل الثعلب وملء الكون ببذور الحب ورفع كابوس الحرب. لقد وردت (لو) في قصيدتها (لوبيدي) احدى عشرة مرة والشاعرة في اقصى درجات التجلي والسمو الانساني والتألق الانثوي المغلوب على امره. هذا التهجد في صومعة اماني الشاعرة فدوى له ما يبرره ويضفي عليه صفة الشرعية المقترنة بقيم العدالة الانسانية فهي ضحية واقع سياسي محسوب سلبياً على القضية الفلسطينية استشهد بسببه اخوها الشاعر ابراهيم طوقان ورغم التضحيات الجسام من قبل الشعب الفلسطيني ظلت القضية الفلسطينية بلا حل ومعالجة حتى بالحدود الدنيا حتى الحكم الذاتي القائم حالياً هو تحت رحمة اسرائيل اذا ما علمنا انها توفيت عام 2003 وظل صوت الشاعرة ذبذبات حزينة ينقلها الاثير اين ما يتجه: لو اني املك لو بيدي ان ارفع للانسان المتعب في درب الحيرة والاحزان نبراس رجاء واطمئنان ان امنحه العيش الآمن
* * *
لو اني اقدر لو بيدي ان اقصي قابيل الثعلب ويصير الحب هو الدنيا ويصير الحب الرؤيا ويصير الحب هو الدرب لو بيدي ان ارفع عن هذا الكوكب كابوس الحرب هذا الواقع التراجيدي عند فدوى طوقان مختلف تماماً عن واقع الحياة الذي تعيشه وتنشده الشاعرة امل بوتاني في قصيدتها: (لو يحيا العالم من جديد) التي تصدر اسمها مجموعتها الشعرية التي تم عرضها في مقال سابق
القصيدة البوتانية مفعمة بالتمني هي الاخرى الى عالم جديد على عكس عالم فدوى طوقان المليء بعمليات التآمر على الانسان التي ارادت اجتثاثها. ان عالم امل بوتاني عالم تتوق فيه الى ان تنشد السواقي الحانها وتعود الطيور الى اعشاشها ويعود معها سحر غنائها وهي كناية عن عودة المهاجرين الى ديارهم.. الى وطنهم وهنا تحل بوتاني ضيفة على رحاب رومانسية عميد الرومانسية العربية جبران خليل جبران فهي في تناص رومانسي معه- ان صح التعبير مقروناً بتفاؤل جم في اشاعة الدفء الاجتماعي واعتماد حجم كبير من التعاون بين عالم امل المملوءة احلامه دفئاً وعالم اضناه رماد الاعياء مع دعوة صادقة للعناق في هذا العالم الجديد والعناق هو كناية عن توفر الحب ولعل امل تلتقي مع طوقان ثانية من خلال ديوانها (اعطنا حباً فهي تريد ان ترسم على جبين عالمها صوراً للحب .. للنقاء. غداً ننشد الحان السواقي وغداً تعود الطيور الى اعشاشها والى سحر غنائها غداً سنسرق دفء احلامنا ونرسله الى عالم اضناه رماد الاعياء وغداً نعانق العالم لنرسم على جبينه صوراً للحب.. للنقاء .. وخاتمة المطاف مع الشاعرة كَولاله نوري التي تفردت في موقفها من الامير (لو) عن اختيها فدوى وامل فهي قد جندت الامير الحرفي للدفاع عنها حيث استثمرته في قصيدتها اداة قوية للتحدي وبدت كأنها تدق على سندان التحدي بمطرقة ضخمة كطرقات عامل نصب الحرية في ساحة التحرير في الباب الشرقي من بغداد الحبيبة. طرقاتها كانت تسعا متوالية خلال ثمانية مقاطع من قصيدتها: (لو تقدم عمر الحب فيك) يتجسد فيها الاعتداد بالذات الانثوية الشاعرة حيث تضع كولالة متاريس ضخمة على باب عرينها مع وضع بدائل على انها هي الاحسن والافضل فهي كل الكمال... كل الخلق الرفيع الذي يتحمل مسؤوليته بكفاءة عالية. وعليه: تظل الشاعرة كولاله نوري الانموذج الانثوي الذي يقبل التحدي على انها انسانة تريد ان تأخذ دورها في الحياة بجدارة ورفع الوصاية التي يمارسها الرجل على المرأة والبديل هو التعامل على مستوى الود والاخوة والاحترام لكل قيم الفضيلة عند الرجل والمرأة من خلال الاعتراف بقدرات الاخر وقيمة تأثيره في معترك الحياة. ورغم ان القصيدة منشورة فلا بأس من الاستدلال بالمقطعين الرابع والخامس كنموذجين لتعزيز الرأي اعلاه عنها. لو رويت لك كابوس ليلة فاتنة وقلت لي (ارجوك انسي العراق) سأفكر طويلاً قبل ان اختم تصريحاً جديداً لنا على حدود القلب لو بدأت تحرك صورتي على مكتبك ذات اليمين وذات الشمال قل لي ان اغير صورتي تلك كي اعلم بانني لم اعد ركيزة في يومك الجديد...