[rtl]((بينالي عواء وبسكويت)) [/rtl]
[rtl]
[/rtl]
[rtl]محمد يونس[/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl] من الأهمية أن نشير إلى مسألة حساسة إلى حد ما في الفضاء الشعريّ, إذ إنّ لشعر النثر روحاً استاطيقية فعالة وحيوية قيمياً على الأخص, وأنّ الشعر عبر الروح النثريّة لا يجمّل المعنى الحياتي بتزويق معيب شكلاً وجوهراً، وهناك مسألة عصيبة جدّاً أثرت في بنية الشعر قيمياً، ولا سيما في الإطار الإنسانيّ تجاوزها النثر بمهارة روحيّة, فمثلما يرسم المعنى في السياق النثريّ صورة مختلفة لما هو مشهود، كذلك أتاح المجال لرسم ما هو محسوس، ولا يمكن بغير الشعر التعبير عنه، وأيضاً أمكن النثر أن يجعل غربة الشاعر هي غربة العالم، والسؤال الشعريّ عند الشاعر في الروح النثريّة يصبح موضوعة العالم ومن المؤكّد هناك قوّة متوازنة في رأي يراه ورد زورث، في أنّ الشعر هو نَفَسُ المعرفة وكما هو روحها المرهفة, وتلك الرهافة غير ممكنة في نمط غير النمط النثريّ للشعر، وديوان “بينالي عواء وبسكويت” لنضال القاضي أسّس منذ عنوان الديوان إلى مفارقة تتيح لتلك الرهافة للتبدي في كيان القصيدة، وكما إنّ المبدأ النثريّ فيه قد تجلّى بالفطرة الشعريّة التي تواجهك خافية خلفها المقصد الشعريّ الذي تسعى إليه ذات الشاعرة.[/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]عندما يصف الشاعر إحساسه الشخصيّ المحض، لا يمكن أن يقال عنه بأنّه شاعر، لكن حينما يكون قد عانق العالم فأنّه يحقق ذلك، وتعلم نضال القاضي بأنّها في قصيدة النثر تجعل بدفق إحساسها الأدبي أن يكون العالم ليس حيزاً وجوديّاً بقدر ما هو فضاء الحس العام لها كذات شعريّة وليس تشكيلاً، بل مختزلاً في حدود المعاني واكتسابها المباشر، ففي قصيدتها الأولى ذات الصور التي تسعى لابتكار معنى من المعنى، وتعبيرها النثريّ الذي يستدرج البعد الاستاطيقي تقول:[/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]“الوطن .. بحدبة ذلك الزقاق[/rtl]
[rtl]المتقادم في الحكاية[/rtl]
[rtl]حتّى بيت جدي ..[/rtl]
[rtl]الناجي الوحيد يهرول على السطح[/rtl]
[rtl]غائضا في الظهيرة”[/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]إنّها تجعل من النثري بجمله غير يسيرة التعبير إلى حد ما، ما يمكنه أن يتعدى حدود الانفعال إلى التماهي الوجداني مع الذاكرة، التي تمرّ عبر موشور الشاعر وألوانه، وتبتكر نضال القاضي عبر سعة السياق النثريّ صورة شعريّة أبعد من موضوعية الطابع، وتعول على وعيها الشعريّ في دعم لغتها، وإيقاعها الداخلي يبدي الانفعال الوجداني والحس الأدبي بتزامن، في حين يمنح الإيقاع الخارجي كيانَ النصِ التناغمَ التدرجي، وان طبيعة جملتها الشعريّة تعتمد على عنصر الإيحاء كي تكتسب به معنى تاماً واستاطيقياً أيضاً.[/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]إن الإيقاع يرتبط بالمعنى من جهة صوتية الرمز، والمعنى في النثر يحتاج الى إيقاع فني يتلاءم معه وعلى الأخص في صفة الرسم والمحو، وأعتقد إنّ قصائد “بينالي عواء وبسكويت” لها قابلية على تجزئة الإيقاع الخارجي على وجه الخصوص بحسب نظامها في الشكل وطبيعة تمظهره في التمدّد أو الإيجاز، وكذلك نجد في قصيدة النثر من جهة أن يكون فيها الاستهلال نصاً منفصلاً ومتصلاً، فخارجياً لا بد من إيقاعين كلّ منهما له وظيفته المحدّدة، ونرى أنّ وظيفة الإيقاع يحدّدها النصّ وليس العكس، وفي قصيدة النثر هناك نعومة وكذلك شدة في قصائد نضال القاضي بإطار تصاعدي مع حركات غنائية النفس البشريّة، وكذلك مع تموّجات الأحلام. ولا بد من أن تستوعب قصيدة النثر هذا المستوى من التحولات العميقة في البنية الشعريّة وتجعل ملامح الإيقاع تتناسب معها استاطيقياً بإطار توافقي، ففي القسم الرابع من قصيدتها الأولى تبني أفقاً متسعاً لصورتها المبتكرة تمتزج فيه النعومة بالشدة التي تبلغ كما يصف والاس مستوى (العاطفة الحجريّة). [/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]إنّ نضال القاضي تسعى لأسلوب نثريّ مبتكر، بجهات اتصال منها حسها الأدبي بالمفردة النثريّة الخالية من الوزن لكن ملتزمة بالإيقاع الشعريّ، والآخر رؤياها لجودة تلك المفردة داخل كيان الجملة. تطوّر البعد الإيقاعي تطوّراً سريعاً بسبب التبديل المتواصل في إيقاعات الحياة، إذ كان للتطوّر العلمي دوره الأساس هنا، وهذا كان أحد الأسباب فضلا عن الدراسات اللسانية من التوجه إلى الصوتية بوصف عصر الإيقاع صار غير متلائم ورح العصر السريع إلى حد كبير، وهذا أكّده جاكوبسن في أطروحاته عن نظرية الشعر, وهناك تناسب بين النظم الصوتية في قصيدة النثر يجعل وحدة الإيقاع شعريّة النمط ونثرية الوقع، ويرى محمد صابر عبيد في كتابه”القصيدة العربية الحديثة بين البنية الدلالية والبنية الإيقاعية”، أنّ قصيدة النثر المتصفة بروح الحداثة تعتمد (في تشكيل هيكلها العام على التناسب في وضع حيواتها وعناصرها المكوّنة بين الثابت والمتحول، ومن وضع الثبات إلى التحوّل وبالعكس تنشأ حركة القصيدة، وتقوم هذه الحركة بصوغ شكل الإيقاع في القصيدة وتحدد مساراته فيها).[/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]وترسم ملامح قصائد نضال القاضي في “بينالي عواء وبسكويت” وضوح التميز الفني لبناء الإيقاع الداخلي بصورة أكثر قيمة واعتباراً، وفسح المجال للغة كي تتناغم مع شفافية الإيقاع الخارجي، وفي استهلال إخباري قيم ينساب به المحكي النثري من دون ارتباك في طيات كيان القصيدة، تؤكد قصيدة (يوم آخر) ميزة توافقية مع أحد أهم ميزات السياق النثري، إذ تقول في حكاية نثرية يتداخل فيها الماضي في الحاضر:[/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]“لأبي ثلاثة قبور...[/rtl]
[rtl]الأول حين وخزت أمي بأصابعها بطن الأرض[/rtl]
[rtl]لا تنامي[/rtl]
[rtl]الثاني حين استيقظ أبي بعد حربين ليخبرنا[/rtl]
[rtl]أن شجرة التوت خلف البيت أخت[/rtl]
[rtl]فلا تمنعوا الماعون[/rtl]
[rtl]وان شجرة التوت الخلف البيت أخت[/rtl]
[rtl]من جلس لها آمن[/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]..”[/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]انها استثمرت الفكرة المعهودة في ما يخص تحول الأشجار الى موائد وكراسٍ، وطبعا بأسلوب شعري يوحي عن فكرة حادة الحساسية وجدليّة أيضاً، لكن يحسب لها أنّها فضلا عن المستوى الجمالي للنصّ النثريّ الذي اتصفت به، بافتراض فكرة وثمّ الاحتجاج لصالحها بسياق شعري، قد قدمت الأبعاد الايجابية مثل الظل الآمن للشجرة، وتبرير إحساس الإخوة، وهذا أيضاً مهم، وبتأخيرها النتائج السلبية أعطت بعداً درامياً للقصيدة تدريجياً من دون إرباك أو خلخلة.[/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]في قصيدة (تناصاً معي) من قصائد نضال القاضي هناك متعة شعرية وفضاء نثري برغم الحس الأدبي الذي يبدو انفعاله خلال الإيقاع الداخلي, وقيمة اعتبارية استاطيقية يتمثل بها كيان القصيدة إجمالاً، وطبعا الإيقاع النثري يتيح مساحة واسعة للمفردة الشعرية في التناغم، وفي المقطع التالي تبدو بوضوح.[/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]“إني افتح الباب[/rtl]
[rtl]ولأن النافذة ليست طيعة[/rtl]
[rtl]قلت:[/rtl]
[rtl]لو ما أضفنا النهار..[/rtl]
[rtl]وكوبا ازرق إلى المائدة”[/rtl]
[rtl] [/rtl]
[rtl]هناك شجن شعري يلف طيات ذلك المقطع الشفيف، واللون الأزرق هنا يؤكد فيه طابع الشفافية برمزيته، وتعاكسه في ذلك دلالة الشباك غير المشرع، وقد رسمت الشاعرة افتراضاتها في تلك الدلالات، وقد قدمت نضال القاضي تجربة متميزة إيقاعاً في قصائد ديوان “بينالي عواء وبسكويت”، إذ تميزت المفردة الشعرية في السياق النثري، والذي يتيح لها عدم التموضع والتحدّد، بل التناغم التوافقي بأوسع مساحة ممكنة، لخلق معنى من المعنى سيان الجاد أو الموضوعي، وقد تكاملت أغلب القصائد جمالياً بنمو تدرجي حتى إتمام الصورة.[/rtl]
[rtl] [/rtl]