التغيرات النوعية التي أحدثها عالم الاتصال الجديد، شملت الكتابة, وأحدثت لهذه الكتابة قيماً جديدة، اختلفت بها عن قيمها التقليدية؛ فانقلبت على بعضها، وهيأت آفاقاً جديدة لبعضها الآخر. ولنتأمل في هذا الحيز فاعلية الحوار عبر الكتابة في العالم الجديد, حيث إن الحوار عبر الكتابة التقليدية كان عن طريق الرسائل، أو الصحافة على حد ما تسمح به هيئة التحرير للمتحاورين في موضوع ما، وكان يقتضي مسافة من الزمن تمضي بين الرسالة والإجابة، أما في الإعلام الجديد فقد أصبح ذلك سريعاً، يتم في الآن، والمسافة هي بالقدر الذي يترك لنقر الحروف كي تنسكب على بياض الشاشات, إن لم تكن ملونة لتصافح عين المقصود بالكلمات... ولن أفيض في ذلك فكلكم جربه وعرف مسالكه، لكني سأركز على الظواهر الجديدة التي أحدثتها كتابة الحوار عبر الإعلام الجديد، المتمثلة فيما يلي: - الحرية: هذه كانت مكفولة عبر الرسائل الخاصة، لكن الخصوصية والمسافة الزمنية، لم تجعل لها الفاعلية التي لها في الحوار عبر العالم التواصلي الجديد، فالمحاور اليوم يكتب حواره، أمام المتابعين الذين لا يحدهم مكان، بكل ما يريد من حرية، وعبر كل ما يجترح من قضايا، ليأتيه الرد سواء ممن توقع رده، أو من الفئة التي قصد، أو ممن لا يتوقع أن يكون له مشاركة في هذا. بطبيعة الحال أدت هذه الحرية أحياناً إلى دخول أشخاص تحت طائلة عقوبات قانونية، أو طائلة عقوبات مجتمعية تجربها بعض الفئات، أو الحسبة استعداء لسلطات المحاكم، والسلطات التشريعية. - تحول لغة الكتابة إلى لغة شفاهية: كان للغة الكتابة خاصيتها التي تفارق بها الشفاهية، في مقتضيات الإعراب، وسلامة البنية، والتراكيب، لكن شأن اللغة المكتوبة في العالم التواصلي الجديد جعل هذه اللغة لغة شفاهية مكتوبة، ترسم للضحك والسخرية والإنكار علائم من الوجوه، والورود، وتتناسى الإعراب إلا عند القلة، ويشيع فيها اللفظ العامي، وتتوخى الاختزال اعتماداً على حضور سياق الكلام بين المتحدثين. - اتساع مساحة الحوار: لم يعد الحوار هنا رهناً بين المبتدأ والمقصد، وإنما أصبح مفتوحاً لا تحده أعمار، أو تخصصات، أو فئة اجتماعية، وإنما يتحرك في فضاء، يجعل منه كلاماً وتبادلاً للرأي في فضاء مفتوح، يذهب في كثير من الأحيان بعمق الحوار، وجودة المعالجة، ويجعله صورة من رأي اجتماعي عام. - سرعة تبادل الشواهد والأدلة: في هذا الإعلام أصبح المحاور لا يعدم مصادر معلوماته، ولا شواهده، ولا أدلته، فهي تحت قبضته يوجهها كيف شاء، ولمن أراد، عبر روابط المعلومات والمصادر، وروابط الصور، والفيديوهات، والفوتوشوب... بل إنه يستطيع أحياناً معالجة الصور، وتسلسل الأحداث الواقعة، ليقيم منها واقعاً يريده هو، يرتب الصور على أساسه (يفبركها)، وهذا ما يكون ضحاياه أحياناً الشخصيات المستهدفة لأي غرض من الأغراض. بعد هذا نقول إن الإعلام الجديد في فاعلية الحوار، أفاد وضر، أفاد بقدر ما كبح من جماح التسلط، وفتح الحريات، وسرعة استجلاب المعلومات وبثها، وأضر بالخصوصية، وسلامة النيات. إذن فإن هذا سيحمل جيل اليوم مسؤولية وعي مضاعفة بقيمة الكلمة والحوار، ورسالة المعلومة والوثيقة. |