القنافذ الحكيمة:::
سأروي لكم اليوم قصة, و أرجو أن تعذروني إن لم أتقن حبكها, لأني لست قصّاصة::: ولكني باحثة عن المعرفة و الحكمة, لأن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها.
أبطال حكايتنا ثلاث قنافذ تعيش في مرج أخضر جميل مليء بالطعام آمن بلا أعداء, فلم تكن هناك علاقة حقيقية بينهم:::
الكل مستغني عن الآخر , لكن دوام الحال من المحال:::
هذا الشتاء حل قارصا لأبعد الحدود , فاضطر أصدقاؤنا القنافذ للتقرب من بعضهم البعض بحثا عن الدفء , لكن مع اقترابهم شعروا بألم شديد كاد أن يطير بعقولهم, آه إنها أشواكهم الحادة وسيلة دفاعهم الأقوى,
لكن البرد القارص اضطرهم مرة أخرى للاقتراب بحثا عن الدفء المفقود,
هذه المرة كانت القنافذ أكثر حكمة لأنه من الفشل نتعلم النجاح, لقد اقتربوا من بعضهم ليشعروا بالدفء::: و في نفس الوقت حرصوا على أن يكون الألم ضعيفا من الممكن احتماله.
أرجو أن تعجبكم هذه القصة, و أن تكون فيها إفادة لأن هذا هو الأصل والهدف من روايتها, وهنا أريد أن أشير لبعض المعاني التي أعتبرها مهمة.
إن الإنسان بطبعه كائن اجتماعي فطر على حب الجماعة و الاختلاط بالناس وهذه من سنن الله الثابتة , وهنا وجب علينا أن نتعلم من القنافذ الحكيمة لأن الحكمة وليدة التجربة, فبالرغم من أن الاقتراب في حالتهم كان ضروريا للحفاظ على حياتهم فقد أبقوا على مسافة تقيهم شرور الآخرين.
كذلك الإنسان فهو لا يستطيع العيش منفردا فلابد له من الاقتراب من الناس ومخالطتهم لذلك عليه أن يستفيد قدر الإمكان من تنوع الناس و اختلافهم فيستفيد من تجاربهم و يغني أفكاره و يغذيها بمناقشتهم ويدرب نفسه على مهاراتهم و يبني معهم علاقات إنسانية تقوي ارتباطه بهم, بالإضافة إلى قيامه بأمر الله تعالى بعمار الأرض.
يجب علينا الحذر ونحن نسعى لربط علاقات متينة مع الآخرين من شرورهم و أمراضهم – لا أعني الأمراض الجسدية و إن وجب الحذرمنها :::
ولكن أقصد أمراض القلوب لأنها أسوء و أكثر قدرة على الانتشار فهي معدية ككل الأمراض الفتاكة – فنقترب بقدر الحاجة و نتقي شرورهم و أمراضهم:::
فالبشر مخلوقات بين الملائكة والشياطين فيهم من الطيبة والحب ما يجعلهم في مصاف الملائكة كما فيهم من الحسد و الحقد والغل ما يجعلهم أسوأ من الشياطين.
وصية
خذ الحكمة من الآخرين فالحكمة منبعها التجربة ولن تعيش – مهما طال عمرك – لتقوم بجميع التجارب, ولكن خذ من أعمار الآخرين لتضيفه لعمرك عن طريق الإفادة من تجارهم و الخلاصات التي خرجوا بها عن الحياة.