الأمية التي فرضها الأزهر علي مصر!؟
Posted on
September 8, 2011 by
Fofa المستشار أحمد عبده ماهر نسمع صيحات تنادي باستقلال الأزهر، وكأن تبعيته للدولة هي سر نكوصه الفقهي عن التجديد، أو أنها سبب انهيار مستوي الدعوة والدعاة، كما يري أولئك الاستقلاليون أن كليات العلوم التجريبية مثل الطب والتجارة الأزهرية وغيرهما شوكة في قلب الأزهر، لذلك فهم يريدون التخلص منها، فهل التأهيل الفكري والواقعي للأزهر والأزهريين يبشر بأي نجاح حين الاستقلال، أم أنه استقلال الاستعلاء، وهل سيعود الاستقلال بفائدة؟! ، أم سيعم التخلف والتحجر كل دروب الحياة الشرعية والفقهية بل الاجتماعية ؟، وهل صحيح أن كليات التجارة والطب والزراعة الأزهرية وغيرها هي ما يؤخر رسالة الأزهر أم هي الفهم الصحيح لرسالات السماء ؟ . إن سلمنا جدلا بظلم ثورة 23 يوليو للأزهر حين أنشئت وزارة الأوقاف، وضمت كل الأوقاف الإسلامية إليها، وجعلت من رئيس مجلس الوزراء وزيرا للأزهر دون أن يكون أزهريا، وتم إلغاء هيئة كبار العلماء وأصبح شيخ الأزهر بالتعيين من رئاسة الجمهورية، لكن ما كان ذلك ليحدث في مؤسسة ناجحة ومتطورة لها تأثير في نهضة المجتمع، لكن كانت تلك القرارات نابعة من معرفة تامة بقدرات الأزهريين في الإدارة والتخطيط، بل إن الأزهريين أجهزوا علي البقية الباقية بقراراتهم الأزهرية لوأد التعليم الأزهري وتفصيله وبيانه ثابت بالوقائع والمستندات .
لقد كان الأزهر مستقلا قبل ثورة 23 يوليو عام ,1952 وكان مستقلا ومنفردا بالعملية التعليمية في كل ربوع مصر قبل الاحتلال الإنجليزي، وكانت له أوقافه التي يتباكي عليها من يتباكي، فماذا فعل الأزهر باستقلاله، إن التاريخ هو خير معلم، وتعليق النكول والنقوص علي شماعات الغير، ومحاولة إبراز استعلاء غير مبرر علي أهل الحكم بالدولة، بل استعلاء علي قانون تطوير الأزهر، أمر قد يحمل بصيصا من أمل في التقدم، وهو الأمر المستحيل في ظل وجود الفكر الأزهري قديما وحديثا .
فحين كان الأزهر مستقلا قبل الاحتلال الإنجليزي، لم تكن هناك مدارس للتعليم بمصر إلا الأزهر ومعاهده، فكان لقصور التخطيط والتنفيذ في ظل الإدارة الأزهرية أكبر الأثر في انتشار الأمية بمصر، وعرقلة وجود علوم أو فنون أو ثقافة غير الفقه الشرعي بمصر، ما أدي لتأخر البلاد حضاريا لتأخر المستوي التعليمي، إلي أن جاء القس دانلوب إبان حكم اللورد كرومر فأنشأ مدارس التعليم الخاص ( العام حاليا ) لينتشل المصريين نسبيا من أمية فرضها عليهم قصور رجالات الأزهر في أدائهم لأعمالهم .
وحين كان الأزهر مستقلا لم يبذل جهدا في منع الرق قدر ما بذل الإنجليز في ذلك الأمر فأجبروا مصر علي التوقيع علي معاهدتين لمنع الرق حتي انتهي الرق من البلاد بفضلهم، بينما كان الحنجوريون من الأزهر يقولون إن الإسلام كان حريصا علي إنهاء الرق، نعم كان الإسلام حريصا علي إنهاء الرق لكنه يحتاج دوما لجهد رجال وقوانين وضعية كآلية لتنفيذ ما أمر به الإسلام، لذلك فالجمود عند جهد الأولين يمنع تدفق حركة الإسلام بالمجتمع .
وحين كان الأزهر مستقلاً قبل ثورة يوليو 1952 منعت الإدارة الأزهرية المستقلة الفتيات أن يتعلمن به، فتركت نصف الشعب جاهلاً في العلوم الشرعية، وما ذلك إلا لعدم إيمان الثقافة الأزهرية بالمرأة، أو عدم اكتشافهم حقا للمرأة في التعليم بديار الإسلام، ومن البديهي أن يستتبع ذلك الفكر عدم حق المرأة في العمل، ودونيتها بالنسبة للرجل، فهي عندهم ناقصة عقل ودين، وما استتبعه ذلك من قهر ومذلة وهوان لها، فذاكم هو الفهم والجهد الأزهري في الاستقلال، وهو ذاته الفهم السلفي الحالي عن حقوق المرأة .
وهل كان الختان للإناث، وقودهم المرأة لبيت زوجها وطاعته إجباريا بقوة الشرطة إلا بمباركة أزهرية كانت تقوم بها المحاكم الشرعية علي أيدي مشايخ القضاة، وقضاة المشايخ، من أهل استقلال الأزهر والأزهر المستقل قبل ثورة 1952 .
ونال المخلصون من مشايخ الأزهر وغيرهم ما نالوه من التكفير علي يد رجال الأزهر المستقل، فتم تكفير الشيخ / محمد عبده وتكفير طه حسين وغيرهما من رجالات تطوير الفكر الأزهري جزاءً لمناداتهم بتطهير المناهج من غباء ومدسوسات بعض تراثنا .
وحتي حين أناط قانون الأزهر للأزهريين تنقية التراث من الفضول والشوائب، ونظرا لمقاومتهم ذلك القانون، فلم تظهر لائحته التنفيذية إلا بعد أكثر من عشر سنوات لأن الأزهريين لا يجيدون الحياة في ظل القوانين الوضعية، فهم يتصورون أن قانونهم التراثي الشرعي فيه الكفاية، وهي الكفاية التي خربت عقول الأمة بفقه الأمة بدوي متخلف، فنبتت منها ثمار السلفية والوهابية، واستطاعت بها البهائية أن ترفع صوتها، بينما هم يتصورون أن تطبيق الشريعة هي الهدف، ويا ليتها كانت شريعة محمد إنما هم ينادون بشريعة الفقهاء التي اختلط فيها الصحيح بالسقيم .
فخرج الناس من دين الله أفواجا علي يد فتاوي إرضاع الكبير وقتل تارك الصلاة وقتل الساحر والمرتد وحبس المرتدة وضربها حتي تعود للإسلام، وغيرهما من فقه إمكانية أن تظل المرأة حاملا لأربع سنوات ثم تلد بعدها، وأن يتزوج الرجل ابنته من الزني لأن ماء الزني ماء هدر في فقههم الشافعي الذي يشمخون به، وتحريم الفنون والموسيقي والغناء، والحكم بالزني علي من تتعطر من النساء، والتداوي بالحبة السوداء وبول الإبل، وتخصيص الجنة للمسلمين فقط وكفر فكر غير المسلمين .
فذلك الخراب ومثيله وأضعافه هو الإرث الذي لا يريد الأزهر أن يتزحزح عنه ويريد الاستقلال لحمايته من الليبراليين والعلمانيين أعداء الشريعة البدوية القديمة.
وفي العقيدة يمكنك أن تحدث ولا حرج فمناهجهم تتيح أن تنسخ السنة النبوية القرآن كما أنهم لا يجدون غضاضة في ألا يقتل مسلم بكافر وأن تكون دية المرأة علي النصف من دية الرجل وهم يتصورون التجديد ما هو إلا التبديد ويقولون مقولة شهيرة عندهم وهي اجتهد لكن لا تختلف فهم يستسيغون مقولتهم ونحن ننفر منها ومن ذلك الفقه الذي يدرسون وتلك المناهج التي ينتهجون.
ولأسفي فإنه يتأثر بتلك المناهج البدوية الباهتة من يدرسون بالمعاهد الأزهرية وهم نحو مليون طالب وطالبة في 8 آلاف معهد أزهري بمختلف المراحل التعليمية.
وأوقاف الأزهر المستقل نالها ما نالها من الاستغلال الجائر والإدارة الكسولة فتم تبديد أو تجريف أو عدم الاستغلال الأمثل لتلك الأوقاف، وهي الأوقاف العقارية المزروعة والمبنية وماذلك إلا بإدارة فكرية متواضعة من رجال الأزهر المستقل بمدينة الإسماعيلية.
وبالعصر الحديث تراهم حين تخصص لهم المخصصات فهم لايجيدون استغلالها، ولنا أسوة في التبرع الذي قام به بيت الزكاة الكويتي حيث أساء الأزهر الحالي استغلاله حتي ضاع، وأضاع معه فرع جامعة الأزهر بمدينة الإسماعيلية
كما ضاع فرع جامعة الأزهر بمدينة السادات حتي صار مأوي للغربان علي يد الإدارة الأزهرية بالعصر الحديث، كما تم إغلاق وتعطيل سبع عمارات للإسكان الطلابي والإداري هناك وتبوير المزرعة التجريبية البالغ مساحتها ستين فدانا بالإضافة إلي حرم الجامعة المعطلة هناك والبالغ مساحتها خمسمائة وستين فدانا وذلك رغم افتتاح شيخ الأزهر السابق لها واعتماد ميزانية لكل كلية بلغت ثمانية ملايين جنيه بأسعار .1996
وظل الأزهر يترنح من الضعف إلي ضعف وكأن الضعف أصلا من أصوله الداخلة في تراكيب مناهجه الدراسية وخططه الإدارية وكان الضعف يخرج منه إلي الناس في صورة دعوة رتيبة ينادون بإصلاحها الآن بما أسموه ضرورة تجديد الخطاب الديني.
وكان المتسبب الأول في ضعف الأزهر هم رجاله وأفكارهم وقراراتهم.. وما يهمني ذكره هو أن الأزهر تأثر دوما بالحكم فكان شيعيا حين كان الحاكم شيعيا وأصبح سنيا حين كان الحاكم سنيا فلم تكن له أبدا الشخصية المتفردة التي تمثل حقيقة ما تم إنشاؤه له فالأمر ليس أمر استقلال عن الدولة كما يظن بعض المفتونين إنما التبعية للدولة داخلة في التركيب الفكري للأزهريين غير أنهم لا يحبون القوانين الوضعية بل إن محمد علي الكبير حين تولي حكم مصر أرسل البعثات للخارج حتي يرقي بمستوي التعليم الذي أهدره الأزهر المستقل وهو غائب الوعي عن حركة الحياة حوله.
ومقولة الثورة علي الإنجليز والفرنسيين وغير ذلك من بطولات حنجورية يتقعر بها البعض أراها غير موجودة حين تنتهك مناهج الأزهر ومخصصات الأزهر وأهداف الأزهر، فأين الصوت الأزهري الحر الذي يمكن أن يدير مؤسسة كالأزهر في عصرنا الحديث لأن الحديث عن استقلال الأزهر يعيد للمرء التاريخ الأزهري الأسود في أعمال الإدارة والفكر.
وبمناسبة وجود شبه تطرف بين المسلمين والنصاري فإني أحذر من وضع الأمور في يد رجال الأزهر لأنهم لا يجيدون الإدارة وستكون حلولهم مجرد مسكنات موضعية غير موضوعية فهم لم يعتادوا التعامل مع قوانين العصر وتطوره بل يري فضيلة الإمام الأكبر أن فقه المذاهب هو الحل الأنجع لحل مشاكل التطرف والانقسام بينما أراه أنا غير مناسب البتة للتخاطب والتخاطر مع العصر في كثير من دروبه ويكفي ما ذكرت من أمثلة فقهية من فقه الأئمة الأربعة الذي لا يريد الأزهر تطويره.
من أجل هذا وغيره أكثر فإني أري أن يتمحور استقلال الأزهر علي مراحل تبدأ أولها بانتخاب شيخ الأزهر وجماعة كبار العلماء وبعد أن يثبتوا جدارة ننظر في باقي عناصر الاستقلال التي ينادي بها غير المؤهلين للاستقلال.
محام بالنقض وكاتب إسلامي
السبت أكتوبر 26, 2013 6:32 pm من طرف جراح