الأمية السياسية
جمال سلطان |
06-02-2011 00:22 الأمية
هي الجهل بأبجديات المعرفة في شأن من الشؤون ، وهي تطلق بالأساس على الجهل
بمبادئ القراءة والكتابة ، ولكن الأمية تتمثل أيضا في الجهل بمبادئ أي علم
أو شأن من شؤون المعرفة والحياة أيضا ، فهناك الأمية الدينية ، وهناك
الأمية السياسية ، وقد يكون هناك من هو خبير وعالم في شأن من الشؤون
العلمية الدقيقة بينما هو أمي في شأن آخر ، كما هو ملاحظ في الشأن الديني
مثلا ، فقد تجد جراحا كبيرا أو جيولوجيا فذا ، إذا تحدث معك في شأن ديني
اكتشفت أنه شديد الجهل والسذاجة في المعرفة بأوليات الدين وقواعده ، فهو
"أمي" في الوعي الديني ، غير أننا هذه الأيام نقف أمام الظاهرة الجديدة وهي
"الأمية السياسية" .
والأمية السياسية تتلخص في الجهل الشديد بالشأن العام والقوانين
الحاكمة لإدارة الدولة وصناعة القرار وأدوات إدارة الصراع السياسي ، وتبدو
الأمية السياسية أكثر بروزا في المجتمعات التي عاشت ردحا طويلا في أجواء
الاستبداد والتهميش والقمع الإعلامي ، حيث يكون المواطن مغيبا عن الشأن
العام ومعزولا عن مدارات صناعة القرار السياسي ومهمشا عن المشاركة السياسية
الحقيقية بكل مستوياتها ، ولأن إعلام النظم المستبدة يكون أكثر حرصا على
ترسيخ الأمية السياسية ، لأنها الضمانة الحقيقية لبقاء الاستبداد وتحصين
الطغاة من وعي الشعوب ومن ثم شل قدرتها على انتزاع حقوقها أو حماية مصالحها
أو النضال من أجل المشاركة في صنع القرار .
والأمية السياسية يمكن أن تجدها في عالم دين بارز أو داعية له تاريخ
طويل من الجهد التعليمي والدعوي في مجال العلوم الشرعية ، لكنه في وعيه
السياسي يبدو شديد السطحية والسذاجة أو باختصار "أمي" في فهمه للشأن العام ،
وهؤلاء يسهل كثيرا على الطغاة الاستفادة من "أميتهم السياسية" في التخديم
على قمع الشعوب أو تحصين هيمنتهم على الشعوب ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا
، ولن يعدموا ـ في هذه الحالة ـ أن يستحضروا من الآيات والأحاديث والعظات
ما يوضع في غير مجاله ولا قضيته ولا زمانه ، هذا فيمن يكونون أكثر نقاءا في
داخلهم وليسوا مستأجرين ، وإن كان الطغاة عادة لا يعدمون الحصول على خدمات
بعض "المستأجرين المحترفين" في بيع الفتاوى والآراء المنسوبة إلى الدين ،
من المنتسبين إلى العلوم الشرعية وهم يقدمون خدماتهم للاستبداد عن وعي كامل
وإدراك كامل ، مقابل أجر من وظيفة أو مغنم أو هبة .
الأمية السياسية أيضا يستخدمها الإعلام الرسمي للمستبدين في تضليل
الناس وخداعهم وصناعة صورة مزيفة لقضايا الشأن العام ، مثل الحملة
التضليلية التي شنها إعلام نظام مبارك ضد انتفاضة الشعب المصري ، ووصفها
بأنها تمثل أقلية ، لأن من خرجوا في الاحتجاجات لا يتجاوزون بضعة ملايين
فأين هم الخمسة وثمانون مليون مصري الباقين ، لأن صناعة التحولات التاريخية
وفرض إرادة الشعوب إنما يمثلها شريحة فاعلة وواعية وصاحبة إرادة وجسارة ،
وهم الذين يخرجون إلى الشارع في تحدي الاستبداد والقمع ، وفي العادة يمثل
الواحد من هؤلاء العشرات غيره من الذين يعجزهم الخروج إما لخوف أو تردد أو
إحباط ، ولكنه مؤمن بالقضية التي من أجلها خرجوا ، بل إن المشروعية
السياسية للنظام السياسي كله أحيانا تتشكل بمثل تلك النسب الفاعلة البسيطة ،
والرئيس مبارك نفسه فاز برئاسة الجمهورية في آخر دورة رئاسية بستة ملايين
صوت ، وإذا اعتبرنا أنه حصل عليها كلها بدون تزوير وهذا غير متصور ، فإن
الرقم الذي حصل عليه لا يتجاوز نسبة 8% (ثمانية في المائة) من مجموع سكان
مصر ، وهي نسبة شديدة التواضع ، ولكنها منحته شرعية رئاسة الدولة ، وقد شهد
العالم كله أن من خرجوا في جمعة الغضب التي شملت مصر من أقصاها لأقصاها
وصلوا إلى ثمانية ملايين مواطن ، أي أنهم أكثر من عدد من منحوا أصواتهم
لمبارك وحصل بها على شرعية رئاسة الدولة