ملف الشعر التسعيني.. فراغات الرؤية
تنطلق هذه الورقة من تعقيب للشاعر والناقد حسن السلمان في جريدة الصباح 5/10 / 2010 على مقال للناقد رشيد هارون في قراءته لدراسة عن الملامح الأسلوبية للشعر التسعيني، للدكتور جاسم الخالدي وهي واحدة من دراسات الملف المنشور في عدد الأقلام الأخير والذي لم يشر إليه السلمان ولو من باب التقييم " المعياري " بكونه ملفاً قدمته الأقلام بحجم كبير وبإخراج متقن وبمضمون بارد كتبه عدد من الباحثين، اغلبه لم يلامس الجدل الذي نتج عن التجربة التسعينية قدر ملامسته لإحصائيات ومضمونيات مدرسية لا يمكنها اغناء منطقة الجدل الواسعة التي أفرزتها تجربة التسعينيات في الشعر العراقي..، تنطلق هذه الورقة من الاستفزازالذي تبثه سجالات حسن السلمان ورشيد هارون وملف الأقلام البارد!!
لقد استخف السلمان كثيرا بالورقة ابتداء وهو يعرّج على خطاب الناقد رشيد هارون الغريب والعجيب بخصوص التجربة التسعينية، فلم يكن الأخير معنيا بمناقشة أفكار تلك الدراسة في تعقيبه بقدر حاجته إلى تأكيد فكرته القديمة عن التجربة التسعينية وتقليله من أهميتها في اكثر من مناسبة (لاسيما وصاياه المتكررة للتسعينيين)..، أقول استخف السلمان حين مرَّ مرورا عابرا على حيثيات خطيرة في المقال المذكور، واصفا إياها على استحياء - بالإرباك مرة وأخرى بالعشوائية – ولا ادري أين تكمن دلالة الإرباك والعشوائية في مقالة الناقد هارون وهي المكتوبة بطريقة متقنة وواضحة المقاصد بسبب إن الناقد كاتب معروف ومتواصل بجهده النقدي الذي نحترمه كثيرا ..، ولم يسمّها السلمان طعنا أو استخفافا بمنجز التسعينيات الشعري، ذلك الذي لا يستطيع الناقد المعروف ولا سواه نسفها أو تجاوز ملامحها الأسلوبية وملامستها لأشد وقائع الحياة قسوة، فضلا عن قيم الجمال التي أشيعت في متنها، والتي ينكرها الناقد هارون على التجربة التسعينية جهلا أو قصدا، .. أما بخصوص إشارته لحاجة التجربة إلى دراسة نفسية، فأن الشعر عموما يحتاج إلى مثل هذه القراءة، وهي موجودة بالفعل حتى إن البعض أوصلها إلى مرحلة الفسلجة وفق نظريات بافلوف .. الخ .. بينما إذا كانت تشير من خلال منطلقاتها النفسية باعتبارها أمراضاً لمنتجي ذلك النص من " المضطربين "، فالموضوع عندئذ يحتاج إلى وقفة وتأمل كبيرين لا مجال للخوض فيهما لتطرف هذه الرؤية وعدم منطقيتها ..، يقول الأستاذ رشيد هارون بعد أن يشير وبوضوح إلى إن الشاعر التسعيني، شاعر مضطرب بتوصيف مجاني لا يستند إلى حقائق موضوعية – بالإحالة إلى المقاربة الزمنية فقط – وكأن الحقبة المضطربة في العراق " المشرق واللامع " كان حتف انف التسعينيين وحدهم دون سواهم، ولأنه مضطرب فلن ينتج الا نتاجا مضطربا، ثم يعرج إلى ما نصه :
لدراسة هذا الشعر دراسة نفسية، لان الشاعر التسعيني لم يكتب من منطلق ( جمالي وكمالي ) ولم يضع الفن نصب عينيه ولم ينافح تلك القضايا قدر منافحته واقعا لا يعرف له قرار)) ...
لم اعثر في كل ما كـُتب عن التجربة التسعينية في العراق على اجتراح غريب كهذا، يجرد التجربة برمتها من مناطقها الجمالية وعنايتها الفائقة بالجملة الشعرية والمعنى ووقائع الحياة ..
عن أي اضطراب يتحدث الناقد هنا، وأي قرار يعني ..، وهل إن منتجي نصوص التجارب الأخرى كانوا مترفين وغاطسين في " بحبوحة " الحياة العراقية الرغيدة – على الأقل خلال الأربعين عاما الماضية - .. إن هذا الأمر سيدفعني إلى جرأة لم يمارسها الناقد مفادها الآتي:
سأفترض - هنا - إيماني المطلق بنظرية الأستاذ هارون بان كل من عاش حياة مضطربة وغير مستقرة لن يكون بمقدوره إنتاج نص يولي الفن عناية ولن ينطلق إلى الجمال والكمال، ولعلمي بأن تجارب زاهر الجيزاني ويحيى البطاط وحميد قاسم واحمد عبدالحسين وخالد جابر يوسف وغريب اسكندر وعبدالخالق كيطان وغيرهم كانت تجارب غير مستقرة وإنهم عاشوا حياة قاسية من العوز والجوع والمنافي وبالتالي فهم غير مستقرين ولم يلامسوا قرارا لحياتهم – ربما إلى الآن - وبالنتيجة فأن إنتاج هؤلاء مضطرب ولا علاقة له بالفن وهو غير ذي نفع وفق نظرية الاضطراب التي تنبثق عند الأستاذ رشيد هارون بطريقة تبعث على الدهشة.. إن الشعر هنا ستكتبه الطبقة البورجوازية المستقرة وغير المضطربة .. بل إن أذهان أولئك المضطربين " المغلوبين " لا تصلح للشعر ..، فقط يمكنها إن تتمرغ في عذابات الحياة العراقية وتذوي بعيدا عن الفن وروائحه الفذة العظيمة..
لقد اختار الناقد هارون من ملف الشعر التسعيني، الدراسة الأكثر إنصافا وأهمية فيه، لما اتصفت به من قراءة دقيقة وموجزة لأهم سمات وملامح التجربة التسعينية بالتركيز على طرائقه الأسلوبية، والغريب في الأمر إن السلمان وقع تحت تأثير الناقد فتنصل عن سمتين مهمتين في قصيدة النثر هما التضاد والتكرار وأنكرهما على النص التسعيني. والتكرار يعرّفه شاعر مثل زاهر الجيزاني بأنه احد سمات قصيدة النثر " قصيدة النثر نص طويل علامتاه الشكليتان الطول والتكرار " في وصف بليغ ومبكر لاشتغالات قصيدة النثر العراقية.
إن نعتنا للملف المنشور في مجلة الأقلام بالبارد مبعثه بساطة الدراسات المكتوبة وعدم جديتها بالدخول إلى عمق التجربة ودراستها بشكل جدي، استثني من ذلك دراسة د. جاسم الخالدي ودراسة الشاعر فائز الشرع لموضوعيتهما، بالرغم من أن دراسة الأخير لم تسهم كثيرا في جدل قصيدة النثر التسعينية وبقيت في حدود (قصيدة الشعر) كمشروع تسعيني .. فيما تناولت دراستا عبدالعزيز إبراهيم ود. كرنفال أيوب صيغا مدرسية محضة وانفتحتا على تجارب كثيرة خارج التجربة التسعينية، الأمر الذي يدفعنا إلى عدها مقالات خارج السياق .. في حين جاءت ورقة الناقد بشير حاجم وهي تبتكر أداء نقديا لم يشهده النقد العراقي من قبل، طريقة يمكننا توصيفها بـ (التأتأة النقدية) إذا جاز التعبير، مجسدة بعبارات مبتورة تتهجى في الجملة النقدية بقراءة تزعم أنها تخص التجربة التسعينية ، تلك التجربة الواضحة المعالم والعميقة المعنى والمشبعة بالاستعارات والكنايات حد توهج قيم الجمال في النص، يقوم حاجم بقراءتها بعبارات مبتورة تميل إلى الأحاجي والألغاز، فما معنى عبارات من قبيل:
(لذلك اتجه حيث "الحوار".، وإن كان بعيدا بعض الشيء .، بوعي انه دائما، ما يبدو، لنا، وهو يحاور، حواره واحد - ؟ - نعم .، كذلك – هو – وحيد .، لكنه – على الرغم من واحديته هذه – ذو صيغ متعددة .. الخ) مع ملاحظة إن عبارات من هذا النوع تملأ مقالته طولا وعرضا، إذ يقصد حاجم إن الشاعر التسعيني اتجه إلى الحوار بقوة لأنه خاطب بطريقة الـ (أنا) مرة وبطريقة الـ (هو) في أخرى كذلك بطريقة الـ (هي) و الـ (هم) ... الخ، وعليه فأن حوارا من هذا النوع، وبهذه الصيغ، يعد حوارا قلقا، يستحق أن توسم فيه تجربة شاعرين هما احمد الشيخ وجمال الحلاق بـ (التخاطب)، فلم يجد عندهما الناقد ( على أهمية تجربتهما في التسعينيات) غير سمة الحوار القلق لمجرد إنهما خاطبا بالطرق المذكورة!!، هذا نموذج من مقالته، يشابهه في المقاصد اجترار طويل لإجراءات نقدية كثيرة بذات النبرة غير المنتجة ..، لايمكن التصديق إن ناقدا كحاجم بأعتباره احد شعراء التسعينيات في مراحلها المبكرة يقوم بإجراء نقدي غريب وضعيف يشبه الكلمات المتقاطعة اكثر منه تشابها للنقد الذي نعرف..
يشير الناقد حاجم بإخبار توثيقي يبتديء فيه مقالته الطويلة جدا بـ (آن الأوان لان يؤرشف للتجربة التسعينية) ومصطلح الأرشفة يفيد هنا بمسح للتجربة وتوثيق منجزها - على الأقل الأهم منه - وهو ما لم يقم به الناقد بإغفاله تجارب مهمة في التجربة التسعينية مثل إهماله لتجربة رعد زامل ومحمد عزيز وحسن السلمان ونصير غدير وماجد عدام وعبدالحسين بريسم و آخرين وهو أمر لا نستطيع تفسيره أو إحالته إلى غرض معين في مقصدياته ، وكان الأجدر به حذف عبارة الأرشفة وجعلها قراءة في بعض من منجز التسعينيات، ذلك أن أرشفته البسيطة تبقى ناقصة ولا تتضمن مجمل التجربة التسعينية بدون التجارب المذكورة وهو الأمر الذي لم ينوه عنه، بل إن الإشارة إلى اكتمال المشهد فنيا وحياتيا توحي أن أرشفته شملت أهم التجارب التسعينية وهو أمر يجافي الحقيقة ويبتعد عنها كثيرا ..
ثمة عتب مخضب بالاستفهام على هيئة تحرير الأقلام في استكتابها عددا من الباحثين للكتابة عن تجربة التسعينيات مع جل احترامنا للمسهمين فيه مفاده: لماذا غاب عن الملف كتاب نظـّروا كثيرا في التجربة التسعينية، وواكبوا منجزها أولا بأول مثل: عبدالزهرة زكي في أكثر من دراسة، و د. خالد علي مصطفى وعلى الفواز و صادق الصكر وحسن الكعبي ود. حسن ناظم و د. ناظم عودة وأسامة الشحماني و جمال جاسم أمين وجبار النجدي وعباس عبد جاسم ومحمد الهجول ورياض عبدالواحد وغيرهم ..
سنحلم كثيرا بمكاشفات لا تؤدي إلى جدل خارج منظومة المعرفة، خارج الكراهية التي تنبثق بغياب مديح بعضنا لبعضنا الآخر والذي تعودناه وأدمنا اقترافه طويلا ..
تنطلق هذه الورقة من تعقيب للشاعر والناقد حسن السلمان في جريدة الصباح 5/10 / 2010 على مقال للناقد رشيد هارون في قراءته لدراسة عن الملامح الأسلوبية للشعر التسعيني، للدكتور جاسم الخالدي وهي واحدة من دراسات الملف المنشور في عدد الأقلام الأخير والذي لم يشر إليه السلمان ولو من باب التقييم " المعياري " بكونه ملفاً قدمته الأقلام بحجم كبير وبإخراج متقن وبمضمون بارد كتبه عدد من الباحثين، اغلبه لم يلامس الجدل الذي نتج عن التجربة التسعينية قدر ملامسته لإحصائيات ومضمونيات مدرسية لا يمكنها اغناء منطقة الجدل الواسعة التي أفرزتها تجربة التسعينيات في الشعر العراقي..، تنطلق هذه الورقة من الاستفزازالذي تبثه سجالات حسن السلمان ورشيد هارون وملف الأقلام البارد!! لقد استخف السلمان كثيرا بالورقة ابتداء وهو يعرّج على خطاب الناقد رشيد هارون الغريب والعجيب بخصوص التجربة التسعينية، فلم يكن الأخير معنيا بمناقشة أفكار تلك الدراسة في تعقيبه بقدر حاجته إلى تأكيد فكرته القديمة عن التجربة التسعينية وتقليله من أهميتها في اكثر من مناسبة (لاسيما وصاياه المتكررة للتسعينيين)..، أقول استخف السلمان حين مرَّ مرورا عابرا على حيثيات خطيرة في المقال المذكور، واصفا إياها على استحياء - بالإرباك مرة وأخرى بالعشوائية – ولا ادري أين تكمن دلالة الإرباك والعشوائية في مقالة الناقد هارون وهي المكتوبة بطريقة متقنة وواضحة المقاصد بسبب إن الناقد كاتب معروف ومتواصل بجهده النقدي الذي نحترمه كثيرا ..، ولم يسمّها السلمان طعنا أو استخفافا بمنجز التسعينيات الشعري، ذلك الذي لا يستطيع الناقد المعروف ولا سواه نسفها أو تجاوز ملامحها الأسلوبية وملامستها لأشد وقائع الحياة قسوة، فضلا عن قيم الجمال التي أشيعت في متنها، والتي ينكرها الناقد هارون على التجربة التسعينية جهلا أو قصدا، .. أما بخصوص إشارته لحاجة التجربة إلى دراسة نفسية، فأن الشعر عموما يحتاج إلى مثل هذه القراءة، وهي موجودة بالفعل حتى إن البعض أوصلها إلى مرحلة الفسلجة وفق نظريات بافلوف.. الخ.. بينما إذا كانت تشير من خلال منطلقاتها النفسية باعتبارها أمراضاً لمنتجي ذلك النص من " المضطربين "، فالموضوع عندئذ يحتاج إلى وقفة وتأمل كبيرين لا مجال للخوض فيهما لتطرف هذه الرؤية وعدم منطقيتها..، يقول الأستاذ رشيد هارون بعد أن يشير وبوضوح إلى إن الشاعر التسعيني، شاعر مضطرب بتوصيف مجاني لا يستند إلى حقائق موضوعية – بالإحالة إلى المقاربة الزمنية فقط – وكأن الحقبة المضطربة في العراق " المشرق واللامع " كان حتف انف التسعينيين وحدهم دون سواهم، ولأنه مضطرب فلن ينتج الا نتاجا مضطربا، ثم يعرج إلى ما نصه: ((إن كل ما نتحدث عنه عن اضطراب في الأداء مدعاة لدراسة هذا الشعر دراسة نفسية، لان الشاعر التسعيني لم يكتب من منطلق (جمالي وكمالي) ولم يضع الفن نصب عينيه ولم ينافح تلك القضايا قدر منافحته واقعا لا يعرف له قرار)) ...لم اعثر في كل ما كـُتب عن التجربة التسعينية في العراق على اجتراح غريب كهذا، يجرد التجربة برمتها من مناطقها الجمالية وعنايتها الفائقة بالجملة الشعرية والمعنى ووقائع الحياة.. عن أي اضطراب يتحدث الناقد هنا، وأي قرار يعني..، وهل إن منتجي نصوص التجارب الأخرى كانوا مترفين وغاطسين في " بحبوحة " الحياة العراقية الرغيدة – على الأقل خلال الأربعين عاما الماضية -.. إن هذا الأمر سيدفعني إلى جرأة لم يمارسها الناقد مفادها الآتي : سأفترض - هنا - إيماني المطلق بنظرية الأستاذ هارون بان كل من عاش حياة مضطربة وغير مستقرة لن يكون بمقدوره إنتاج نص يولي الفن عناية ولن ينطلق إلى الجمال والكمال، ولعلمي بأن تجارب زاهر الجيزاني ويحيى البطاط وحميد قاسم واحمد عبدالحسين وخالد جابر يوسف وغريب اسكندر وعبدالخالق كيطان وغيرهم كانت تجارب غير مستقرة وإنهم عاشوا حياة قاسية من العوز والجوع والمنافي وبالتالي فهم غير مستقرين ولم يلامسوا قرارا لحياتهم – ربما إلى الآن - وبالنتيجة فأن إنتاج هؤلاء مضطرب ولا علاقة له بالفن وهو غير ذي نفع وفق نظرية الاضطراب التي تنبثق عند الأستاذ رشيد هارون بطريقة تبعث على الدهشة.. إن الشعر هنا ستكتبه الطبقة البورجوازية المستقرة وغير المضطربة.. بل إن أذهان أولئك المضطربين " المغلوبين " لا تصلح للشعر ..، فقط يمكنها إن تتمرغ في عذابات الحياة العراقية وتذوي بعيدا عن الفن وروائحه الفذة العظيمة.. لقد اختار الناقد هارون من ملف الشعر التسعيني، الدراسة الأكثر إنصافا وأهمية فيه، لما اتصفت به من قراءة دقيقة وموجزة لأهم سمات وملامح التجربة التسعينية بالتركيز على طرائقه الأسلوبية، والغريب في الأمر إن السلمان وقع تحت تأثير الناقد فتنصل عن سمتين مهمتين في قصيدة النثر هما التضاد والتكرار وأنكرهما على النص التسعيني . والتكرار يعرّفه شاعر مثل زاهر الجيزاني بأنه احد سمات قصيدة النثر " قصيدة النثر نص طويل علامتاه الشكليتان الطول والتكرار " في وصف بليغ ومبكر لاشتغالات قصيدة النثر العراقية .إن نعتنا للملف المنشور في مجلة الأقلام بالبارد مبعثه بساطة الدراسات المكتوبة وعدم جديتها بالدخول إلى عمق التجربة ودراستها بشكل جدي، استثني من ذلك دراسة د. جاسم الخالدي ودراسة الشاعر فائز الشرع لموضوعيتهما، بالرغم من أن دراسة الأخير لم تسهم كثيرا في جدل قصيدة النثر التسعينية وبقيت في حدود (قصيدة الشعر) كمشروع تسعيني .. فيما تناولت دراستا عبدالعزيز إبراهيم ود. كرنفال أيوب صيغا مدرسية محضة وانفتحتا على تجارب كثيرة خارج التجربة التسعينية، الأمر الذي يدفعنا إلى عدها مقالات خارج السياق .. في حين جاءت ورقة الناقد بشير حاجم وهي تبتكر أداء نقديا لم يشهده النقد العراقي من قبل، طريقة يمكننا توصيفها بـ (التأتأة النقدية) إذا جاز التعبير، مجسدة بعبارات مبتورة تتهجى في الجملة النقدية بقراءة تزعم أنها تخص التجربة التسعينية، تلك التجربة الواضحة المعالم والعميقة المعنى والمشبعة بالاستعارات والكنايات حد توهج قيم الجمال في النص، يقوم حاجم بقراءتها بعبارات مبتورة تميل إلى الأحاجي والألغاز، فما معنى عبارات من قبيل: (لذلك اتجه حيث " الحوار ".، وإن كان بعيدا بعض الشيء .، بوعي انه دائما، ما يبدو، لنا، وهو يحاور، حواره واحد - ؟ - نعم .، كذلك – هو – وحيد .، لكنه – على الرغم من واحديته هذه – ذو صيغ متعددة .. الخ) مع ملاحظة إن عبارات من هذا النوع تملأ مقالته طولا وعرضا، إذ يقصد حاجم إن الشاعر التسعيني اتجه إلى الحوار بقوة لأنه خاطب بطريقة الـ (أنا) مرة وبطريقة الـ (هو) في أخرى كذلك بطريقة الـ (هي) و الـ (هم)... الخ، وعليه فأن حوارا من هذا النوع، وبهذه الصيغ، يعد حوارا قلقا، يستحق أن توسم فيه تجربة شاعرين هما احمد الشيخ وجمال الحلاق بـ (التخاطب)، فلم يجد عندهما الناقد (على أهمية تجربتهما في التسعينيات) غير سمة الحوار القلق لمجرد إنهما خاطبا بالطرق المذكورة!!، هذا نموذج من مقالته، يشابهه في المقاصد اجترار طويل لإجراءات نقدية كثيرة بذات النبرة غير المنتجة..، لايمكن التصديق إن ناقدا كحاجم بأعتباره احد شعراء التسعينيات في مراحلها المبكرة يقوم بإجراء نقدي غريب وضعيف يشبه الكلمات المتقاطعة اكثر منه تشابها للنقد الذي نعرف .. يشير الناقد حاجم بإخبار توثيقي يبتديء فيه مقالته الطويلة جدا بـ (آن الأوان لان يؤرشف للتجربة التسعينية) ومصطلح الأرشفة يفيد هنا بمسح للتجربة وتوثيق منجزها - على الأقل الأهم منه - وهو ما لم يقم به الناقد بإغفاله تجارب مهمة في التجربة التسعينية مثل إهماله لتجربة رعد زامل ومحمد عزيز وحسن السلمان ونصير غدير وماجد عدام وعبدالحسين بريسم و آخرين وهو أمر لا نستطيع تفسيره أو إحالته إلى غرض معين في مقصدياته، وكان الأجدر به حذف عبارة الأرشفة وجعلها قراءة في بعض من منجز التسعينيات، ذلك أن أرشفته البسيطة تبقى ناقصة ولا تتضمن مجمل التجربة التسعينية بدون التجارب المذكورة وهو الأمر الذي لم ينوه عنه، بل إن الإشارة إلى اكتمال المشهد فنيا وحياتيا توحي أن أرشفته شملت أهم التجارب التسعينية وهو أمر يجافي الحقيقة ويبتعد عنها كثيرا.. ثمة عتب مخضب بالاستفهام على هيئة تحرير الأقلام في استكتابها عددا من الباحثين للكتابة عن تجربة التسعينيات مع جل احترامنا للمسهمين فيه مفاده : لماذا غاب عن الملف كتاب نظـّروا كثيرا في التجربة التسعينية، وواكبوا منجزها أولا بأول مثل: عبدالزهرة زكي في أكثر من دراسة، و د. خالد علي مصطفى وعلى الفواز و صادق الصكر وحسن الكعبي ود. حسن ناظم و د. ناظم عودة وأسامة الشحماني و جمال جاسم أمين وجبار النجدي وعباس عبد جاسم ومحمد الهجول ورياض عبدالواحد وغيرهم .. سنحلم كثيرا بمكاشفات لا تؤدي إلى جدل خارج منظومة المعرفة، خارج الكراهية التي تنبثق بغياب مديح بعضنا لبعضنا الآخر والذي تعودناه وأدمنا اقترافه طويلا