نعيمة فريق العمـــــل *****
عدد الرسائل : 360
تاريخ التسجيل : 14/04/2010 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 2
| | نظرة إلى الهندسة الكسورية | |
نظرة إلى الهندسة الكسورية انصبَّ اهتمامُ الرياضيات، حتى وقت متأخر، على المجموعات والتوابع التي يمكن تطبيق طرائق الحساب الكلاسيكية عليها. أما المجموعات والتوابع التي لم تكن "نظامية" regular أو "ملساء" smooth بما يكفي، فقد أُهمِلَتْ باعتبارها غير جديرة بالدراسة، أو على أحسن تقدير، اعتُبِرَتْ حالاتٍ فرديةً شاذةً لا تستحق أن يُنظَر إليها كفئة تنطبق عليها نظريةٌ عامة. تغيَّر هذا المعيار في العقدين الأخيرين، إذ أدرك عددٌ متزايد من العلماء أن هناك الكثير مما يمكن لهم بحثُه في رياضيات المجموعات "غير الملساء" و"غير النظامية"؛ لا بل لقد بدا أن هذه المجموعات تزودنا بتمثيل جيد للعديد من الظواهر الطبيعية بأكثر مما تفعله أشكالُ الرياضيات الكلاسيكية ومنحنياتها. يُدعى الفرع الجديد الذي يهتم بذلك بـ"نظرية التعقيد" complexity theory؛ ومن أهم مجالاته الهندسة الكسورية (= الفراكتالية) fractal geometry التي تقدم إطارًا عامًّا لدراسة المجموعات الشاذة. بدأت الهندسة الكسورية مع ماندلبروت في كتابه الكائنات الكسورية[1]. ثم أصدر في العام 1992 كتابه الحاسم الهندسة الكسورية للطبيعة[2]. طرح ماندلبروت السؤال المحيِّر التالي: ما هو طول الشاطئ الإنكليزي؟ وقد رأى أن الهندسة الكلاسيكية لا تستطيع أن تقدم إجابة قاطعة عن ذلك، لأن الطول المقيس سيكون لانهائيًّا. لكنه وجد أن وصف الشاطئ يمكن له أن يتم من خلال رقم يقع بين 1 و2 ويعبِّر عن درجة التعرج، سمِّي بـ"البعد الكسوري" fractal dimension، وهو من المفاهيم الرئيسة في الهندسة الكسورية. سنطرح الآن أمثلةً بسيطةً عن "الكسوريات" fractals كي نلاحظ بعض خصائصها. إحدى أفضل الكسوريات وأسهلها تشكيلاً تُسمَّى مجموعة "الثلث الأوسط" لكانتور Cantor، ويتم تشكليها من المجال الواحدي بسلسلة من عمليات الحذف المتكررة، كما في الشكل 1. الشكل 1: مجموعة الثلث الأوسط لكانتور. ليكن E0 هو المجال [0,1]. نحصل على E1 بحذف الثلث الأوسط من E0، وبذا تتكون E1 من المجالين [0,1/3] و[2/3,1]. وبحذف الثلث الأوسط من كلٍّ من هذين المجالين، نحصل على E2 المكونة من أربع مجالات. نستمر على هذا المنوال حتى Ek، التي نحصل عليها بحذف الثلث الأوسط من كلِّ مجال في Ek-1. وعلى ذلك، تتألف Ek من 2k، مجال اتساع كلٍّ منها 3-k. ونعتبر أن مجموعة كانتور F هي نهاية متوالية المجموعات Ek عندما تقارب k اللانهاية. من الواضح أنه يستحيل رسم المجموعة F بتفاصيلها البالغة الصغر، لكن "صور F" تماثل صور إحدى قيم Ek التي تُعَد تقريبًا جيدًا لـF عندما تكون k كبيرة إلى حدٍّ ما. نسرد الآن قائمةً بخصائص المجموعة F، وهي الخصائص ذاتها التي نراها في كسوريات عديدة أخرى: 1. إن F مجموعة متشابهة ذاتيًّا. من الواضح أن الجزء من F في المجال [0,1/3] والجزء منها في المجال [2/3,1] يشبهان هندسيًّا المجموعة F، مع تصغير بمقياس كسري 1/3؛ كذلك كل مجال من مجالات E2 الأربعة يشبه F، لكن مع تصغير بمقياس كسري 1/9؛ وهكذا دواليك. إذن تحتوي المجموعة F على نسخ من ذاتها مصغَّرة بنسب كسرية مختلفة. 2. تتصف F بـ"بنية ناعمة": أي أنها تحتوي على تفصيل يمثِّل لها بمقاييس صغيرة عشوائية. 3. على الرغم من أن F تتصف ببنية تفصيلية معقدة، إلا أن التعريف الفعلي بـF واضح وبسيط ومباشر. 4. نحصل على المجموعة F بإجراء متكرر. 5. لا يمكن في سهولة وصف هندسة المجموعة F بلغة رياضية كلاسيكية: فهي ليست محلاًّ هندسيًّا لمجموعة من النقاط التي تقبل شرطًا بسيطًا، كما أنها ليست مجموعة من الحلول لأية معادلة بسيطة. 6. أيضًا، من العسير وصف الهندسة الموضعية للمجموعة F، ذلك أنه في جوار كلِّ نقطة من نقاطها يوجد عدد كبير من النقاط الأخرى المفصولة بعضها عن بعض بمسافات شديدة التباين. 7. لا يمكن تقدير حجم F بالمقاييس الرياضية المعتادة، كالطول أو المساحة. نذكر أمثلة أخرى شهيرة توضِّح هذه الخصائص: "منحنى فون كوخ" في الشكل 2: الشكل 2: منحنى فون كوخ. وكذلك "مرساة سيربينسكي" في الشكل 3: الشكل 3: مرساة سيربينسكي. و"غبار كانتور" في الشكل 4: الشكل 4: غبار كانتور. ويوضح الشكل 5 البنية الشديدة التعقيد لإحدى "مجموعات جوليا" Julia sets، وهي تنشأ عن التابع العقدي F(z) = z ^ 2 + c من أجل قيمة مناسبة للثابت العقدي c. الشكل 5: إحدى مجموعات جوليا. نحتاج من أجل دراسة الكسوريات ووصفها بدقة إلى تقنيات جديدة مختلفة عما تقدِّمه طرائق الحساب والهندسة الكلاسيكية. ويُعتبَر مفهوم "البُعد" dimension أداةً رئيسةً في هذا الميدان. من الواضح أن الخط المنحني الأملس له بُعد واحد، فيما السطوح لها بعدان. لكن الأمر ربما يكون أقل وضوحًا وألفة عندما نقول إن منحنى فون كوخ ذو بُعد 1.262، وأن مجموعة الثلث الأوسط لكانتور ذات بُعد 0.631. يمكن لنا أن نفسر تفسيرًا مبسطًا ما تعنيه "الأبعاد" في الهندسة الكسورية كما يلي: إن القطعة المستقيمة في الشكل 6 تُشكَّل من أربع نسخ من ذاتها مصغرةً بنسبة كسرية 1/4؛ لذلك نقول إن هذه القطعة ذات بُعد يساوي log(4) / log(1/3) = 1. أما المربع فيتم تشكيله من أربع نسخ من ذاته مصغرةً بنسبة كسرية 1/2، ويكون بُعد المربع –log (4) / log (1/3) = 2. بالطريقة نفسها، يكون بُعد منحنى فون كوخ –log(4) / log(1/3) = 1.262. وبشكل عام، نقول عن المجموعة التي تتشكل من m نسخة من ذاتها مصغرة بنسبة r إن لها البعد –log(m) / log(r)، والرقم الناتج يُسمَى "بُعد التشابه" similarity dimension للمجموعة. إذا كنَّا لا نستطيع حساب طول الشاطئ الإنكليزي أو نمذجته بواسطة الهندسة الكلاسيكية، إلا أننا نستطيع تمثيله بتقريب جيد بواسطة أحد المنحنيات الكسورية، ويكون بُعد التشابه له 1.58. والأمر ذاته يصلح للشاطئ النرويجي الذي يتصف ببُعد تشابُه يساوي تقريبًا 1.7. تستطيع الهندسة الكسورية تمثيل العديد من الظواهر أو الأشكال الطبيعية المعقدة، منها على سبيل المثال: الشعاب المرجانية ذات السطوح الخشنة، الحواف المدبَّبة للغيوم، أشكال ندف الثلج، وكذلك الخطوط المتعرجة للسواحل والسلاسل الجبلية. ويستخدمها علماء الفلك في تمثيل أنماط توزيع المجرات المكتشَفة في الكون. وفي البيولوجيا، تُعد أداةً مهمةً لوصف السطوح البينية ضمن النسج الحيوية، كالأسناخ الرئوية أو الزغابات المعوية. وفي الاقتصاد، تعطي بعض الكسوريات تمثيلاً مقبولاً للمنحنيات المعقدة المعبِّرة عن ارتفاع أسعار الأسهم في البورصات وانخفاضها. | |
|