أشرف مروان يكتب فى مذكراته: بعد انفصال مصر عن سوريا كتبت لعبد الناصر خطابا واسيته فيه.. وكان عمرى وقتها 14 عاما!
24يوليو
2013 إضافة تعليق imgres
كتب: عماد فواز
نكمل فى هذه الحلقة نشر الفصل الاول من مذكرات أشرف مروان “مرحلة الشباب والطفولة”، فيقول مروان استكمالا لما تم نشره فى الحلقات الماضية..
بطولات لا تعد ولا تحصى قام بها مصريون عظام، كانت تؤثر في نفسي جدا، حيث أدت المقاومة الشعبية العنيفة وتدخل الإتحاد السوفيتي إلى انسحاب القوات البريطانية والفرنسية من مصر في 22 ديسمبر 1956 وتبعتهما بعد ذلك إسرائيل، شعوري وقتها كان لا يوصف، ازدادت شعبية الزعيم جمال عبد الناصر في مصر والعالم، الجميع هتف باسمه، والصحف كتبت عنه حكايات رائعة، ازداد حبي وتقديري واحترامي، كنت أشعر وكأنني أنا الذي انتصر، جمعت من الصحف حكايات البطولة التي مرت بها بورسعيد، وصور الأبطال والمدينة من الداخل وجميع ما نشر عن العدوان وعن عبد الناصر، كانت بالنسبة لي تجربة في غاية الأهمية، علمني العدوان الثلاثي معاني كنت لأول مرة أعرفها، وزاد من حرصي على المتابعة السياسية وزاد من ثقتي في مجلس قيادة الثورة، كما أن مساندة الزعيم عبد الناصر لحركات التحرر في الوطن العربي وشمال أفريقا كانت تبهرني جدا، وخاصة ثورة الجزائر التي كانت في ذلك الوقت، وكنت أتابع الدور المصري لمساندتها، وكم كنت فخورا بدعم الزعيم ناصر لهذه الثورة وللجزائريين.
وفى عام 1958 كنت أبلغ من العمر 14 عام، كنت في الصف الثاني الإعدادي، وفى 5 فبراير من نفس العام أعلن الزعيم جمال عبد الناصر الإتحاد بين مصر وسوريا، وتحولت مصر إلى الجمهورية العربية المتحدة، وذهب الزعيم ناصر إلى مجلس الأمة لإعلان أسس الوحدة، وتابعت الخطاب في الراديو ولا أنسى أبدا نص الخطاب، فما زالت كلماته تتردد في أذني ” أيها المواطنون أعضاء مجلس الأمة: في حياة الشعوب أجيال يواعدها القدر، ويختصها دون غيرها بأن تشهد نقط التحول الحاسمة في التاريخ، إنه يتيح لها أن تشهد المراحل الفاصلة في تطور الحياة الخالد، تلك المراحل التي تشبه مهرجان الشروق حين يحدث الانتقال العظيم ساعة الفجر من ظلام الليل إلى ضوء النهار.
إن هذه الأجيال الموعودة تعيش لحظات رائعة، إنها تشهد لحظات انتصار عظيم لم تصنعه وحدها، ولم تتحمل تضحياته بمفردها، وإنما هي تشهد النتيجة المجيدة لتفاعل عوامل أخرى كثيرة واصلت حركتها في ظلام الليل ووحشته، وعملت وسهرت، وظلت تدفع الثواني بعد الثواني إلى الانتقال العظيم ساعة الفجر”، هذه الكلمات كان لها مفعول السحر، جعلت المصريين والسوريين جميعا يشعرون بأن الغد يحمل لهم الخير الوفير، فالإتحاد سوف يحول مصر وسوريا إلى إمبراطورية عظمى، خاصة وأن الأمل كان كبير في أن تنضم دول أخرى للإتحاد، وهذا الحلم استمده الجميع من نفس خطاب الزعيم أما مجلس الأمة حيث قال صراحة وبالنص ” أيها المواطنون أعضاء مجلس الأمة: لقد بزغ أمل جديد على أفق هذا الشرق، إن دولة جديدة تنبعث في قلبه، لقد قامت دولة كبرى في هذا الشرق ليست دخيلة فيه ولا غاصبة، ليست عادية عليه ولا مستعدية، دولة تحمى ولا تهدد، تصون ولا تبدد، تقوى ولا تضعف، توحد ولا تفرق، تسالم ولا تفرط، تشد أزر الصديق، ترد كيد العدو، لا تتحزب ولا تتعصب، لا تنحرف ولا تنحاز، تؤكد العدل، تدعم السلام، توفر الرخاء لها، لمن حولها، للبشر جميعاً، بقدر ما تتحمل وتطيق”.
ومن عام 1958 وحتى عام 1961 عندما حدث الانفصال، كانت تشاع الأخبار السلبية عن الوحدة، لم تتناقلها هذه المرة الوسائل التقليدية لتداول الأخبار بل كنت أعرف هذه الأخبار من الناس في الشارع، وخاصة الذين ذهبوا إلى سوريا ولمسوا السلبيات هناك بشكل مباشر وسمعوا من المواطنين السوريين سلبيات الإتحاد، فالسوريون لم يكونوا سعداء بهذه الوحدة، وفى أكتوبر عام 1961 أعلن الانفصال بين مصر وسوريا، وكم كان هذا مخيبا لآمالي، وقتها شعرت لأول مرة بالانهزام، كنت اشعر بمرارة انهيار الحلم في حلق الزعيم جمال عبد الناصر، كنت متأكد من أن هذا الانفصال يعتبر بمثابة انهيار حلم جميل كان يحلم به ناصر، فهو كان يحلم وأنا معه بإمبراطورية عربية كبري، لكن للأسف انهار الحلم حتى قبل أن يتم إعلان الانفصال رسميا، الأحلام تبخرت، وكان خطاب عبد الناصر يوم إعلان الانفصال رسميا يوم 5 أكتوبر عام 1961 مليء بالحزن وصوته يفيض حسرة، فلا أنسى أبدا نبرات صوته وهو يقول ” الأخوة في جميع أرجاء الوطن العربي : هذه أول مرة أسمح فيها لنفسي أن أوجه الخطاب إليكم جميعاً على هذا النحو الرسمي، ولكنى أشعر أن من حقكم على ومن واجبي حيالكم أن أطلعكم على فكرى، وأن أفتح أمامكم قلبي في هذه اللحظات الحاسمة من نضال الأمة العربية ومن كفاحها في سبيل مثلها الأعلى في الوحدة والحرية، إنني لا أوجه هذا الحديث إلى شعب الجمهورية العربية المتحدة، لأني أعتبر أن الساعات التي نعيشها الآن ليست ملكنا وحدنا، إنما ملك تاريخ سبق، وملك حاضر يبنيه الدم والعرق، وملك مستقبل نحاول تحريكه في ضمير الغيب، إنها ملك نضال قديم مستمر وباق إلى الأبد من أجل هذه الأمة العربية ومن أجل عزتها، لهذا أريدكم جميعاً أن تكونوا معنا، وأن تعيرونا كل الفكر الواعي منكم والاهتمام.
أيها الأخوة: لقد وقع في سوريا ما تعرفون جميعاً، تعرفون ما حدث بالأمس وتعرفون ما يحدث اليوم، وإذا كنت أقول لكم إنني أتابع تطورات الحوادث بقلب جريح، فإنني أقول لكم في نفس الوقت إن ما يشغل بالى ليس ما حدث حتى الآن، وإنما يشغل بالى أكثر منه ما يمكن أن يتداعى وراء ذلك من أخطار على الأمة العربية وعلى كيانها وعلى مستقبلها، وأقول لكم الآن إنني أكاد أرى الأمة العربية مقدمة على محنة رهيبة، وأشعر أن واجبي يحتم على أن أفعل كل ما في وسعى كي أجنب الأمة العربية هذه المحنة، لكي يبقى لها دائماً تنبهها إلى الأخطار المحيطة بها، وقدرتها على النضال من أجل أهدافها، لا يشغلها عن ذلك شيء، ولا يشد اهتمامها منه أي اعتبار مرحلي مؤقت.
كم الحزن الذي استشعرته من خطاب الزعيم جمال عبد الناصر جعلني أكتئب جدا، ودفعني لأن اكتب له خطابا لأواسيه، قلت له أن أي شيء في الدنيا لا يستحق حزنه، واستحلفته بأن لا يحزن وان يبقى بطلا صامدا قويا لا يهزه أي حدث مهما كان، وضعت على الخطاب طابع بريد وكتبت العنوان على المظروف ثم وضعته في صندوق البريد، ولا أعلم إلى الآن هل وصله هذا الخطاب أم لا، لكنى بعد زواجي من زوجتي السيدة منى ابنة الزعيم الراحل سألت الزعيم الراحل عن هذا الخطاب لكنه لم يتذكره وقال لي لا أتذكر إن كان وصلني أم لا.