** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 من قضيّة المرأة إلى أطيقا الشّوق

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
free men
فريق العمـــــل *****
free men


التوقيع : رئيس ومنسق القسم الفكري

عدد الرسائل : 1500

الموقع : center d enfer
تاريخ التسجيل : 26/10/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 6

من قضيّة المرأة إلى أطيقا الشّوق Empty
28122012
مُساهمةمن قضيّة المرأة إلى أطيقا الشّوق

من قضيّة المرأة إلى أطيقا الشّوق

من قضيّة المرأة إلى أطيقا الشّوق %20%D8%A8%D9%86%20%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D8%A9
نشر بتاريخ :11 10 2012 | الساعة 10:10بقلم : . . رجاء بن سلامة
من قضيّة المرأة إلى أطيقا الشّوق



بقلم: رجاء بن سلامة

عندما بدأت تحرير هذا البحث خطر ببالي وألحّ على فكري، بل واعترض
طريقي في الكتابة، بيت شعر قديم، يشير إلى أطلال أليفة عاد إليها الشّعراء
ونعود إليها، هي دار امرأة :

هل غادر الشّعراء من متردّم أم هل عرفت الدّار بعد توهّم؟

البيت لعنترة، والدّار لعبلة:

يا دار عبلة بالجواء تكلّمي وعمي صباحا دار عبلة واسلمي

أنقل ما خطر ببالي لأنّه لا يتناقض مع الصّبغة الأكاديميّة للبحث،
عندما يكون البحث منطلقا عن سؤال الذّاتيّة، ذاتيّة المرأة، وعندما يكون
التّحليل النّفسيّ ملهما وموفّرا لبعض أدوات التّحليل، أو بالأحرى موفّرا
لبعض زاد الطّريق.

ماذا بقي لنا أن نقول، مع هذه العودات: عوداتنا إلى الكتابة في موضوع
المرأة، وعودات قضيّة المرأة التي التي نتوهّم كما توهّم الشّاعر أنّها هي
نفسها؟ هل توهّم الشّاعر معرفة الدّار، أم توهّم أنّها هي نفسها، وأنّه هو
نفسه؟ أليس هذا وهم التّكرار المتكرّر في عالم تجرفه قوّة الاختلاف ويحكمه
تفكير الهويّة؟

دار عبلة هي قضيّة المرأة في ذهني الذي اكتسحه هذا البيت. عبلة الصّامتة التي قد تتكلّم دارها.

وعبلة نفسها، أين هي من الموضوع، بعيدا عن الدّيار أو بيوت-أبيات
الشّعر؟ عبلة باعتبارها ذاتا، وباعتبارها ذاتا غير غائبة وغير هلاميّة بل
متعيّنة وتعيش الغياب ويعانقها الشّوق إلى المجهول وإلى ما ليس بعد؟

تُوهمنا قضيّة المرأة دائما بالتّكرار، بعودة القديم. فمّما طرحته على
نفسي من أسئلة وأنا أردّد بيت عنترة : لماذا أجد نفسي اليوم مضطرّة مجدّدا
إلى السّجال في هذه القضيّة، وأجد نفسي عائدة إلى كتاب الطّاهر الحدّاد
"امرأتنا في الشّريعة والمجتمع"، أنشر منه ما يتيسّر على الشّبكات
الاجتماعيّة لأقنع التّونسيّين، بعد أن انتخبوا مجلسا تأسيسيّا، بأنّ
"الشّريعة"، بمعنى الأحكام الفقهيّة، لا يجوز أن تكون مصدرا من مصادر
التّشريع في الدّستور الجديد دون أن يؤدّي ذلك إلى إمكان نسف الحقوق
والحريّات العامّة والفرديّة التي قامت من أجلها ثورة 14 جانفي 2011،
والحال أنّ هذا الكتاب قد فرغ صاحبه من تأليفه سنة 1929؟

كما أجد نفسي عائدة إلى كتاب نظيرة زين الدّين عن "الحجاب والسّفور"،
وقد ألّف سنة 1927، لكي أقنع الفاعلين السّياسيّين والحقوقيّين الذين
يعتبرون النّقاب "حرّيّة فرديّة" بأنّه حالة إشكاليّة، رغم كلّ شيء، من
حالات الحرّيّة الفرديّة. ما الذي حصل أو لم يحصل حتّى نعود إلى خطاب
عشرينات القرن العشرين ونحن ندخل العشريّة الثّانية من القرن الموالي، وما
الذي تكرّر من المعارك دون أن يحسم؟ هل المعارك قديمة متجدّدة، أم جديدة
بأقنعة قديمة؟ ألم تخرج عبلة من بيتها ومن صمتها؟

اليوم 8 مارس يوم عيد المرأة العالميّ. استعدّ المجتمع المدنيّ بتونس إلى وقفة أمام المجلس التّأسيسيّ.

اجتمعت حشود من النّساء والرّجال حاملين علم البلاد ولافتات وصورا
منها صورة الطّاهر الحدّاد. ألتقي بزميل لي في بالجامعة في الثّمانينات.
وجدته هو وزوجته شاهرا لافتة تطالب بالحفاظ على حقوق المرأة. أقول له :
"كبُرنا يا حسن، ولم تكبر معنا القضايا". تذاكرت معه أيّام صدامنا مع
الإسلاميّين المنتمين إلى حركة "الاتّجاه الإسلاميّ" قبل أن يصبح "حزب
النّهضة" اليوم. كان صداما حول فتح المطعم الجامعيّ في شهر رمضان. صدام
حول الحرّيّات الفرديّة كما هو الحال اليوم لا مع أنصار حزب النّهضة الذي
أصبح حذرا في هذه المسائل بل مع السّلفيّين الجهاديّين. كبرنا نحن، وتطوّر
حزب "الاتّجاه الإسلاميّ"، واعترف بمجلّة الأحوال الشّخصيّة بعد أن دخل في
تحالف مع العلمانيّين في "هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريّات" التي تأسّست
سنة 2005، وأعلن في برنامجه الانتخابيّ أنّه حزب مدنيّ متمسّك بمدنيّة
الدّولة. لكن هيهات مع ذلك : الشّريعة أطلّت وتطلّ برأسها وكأنّها فينيق
ينبعث من رماده. قلت له : "اقتلو يصبح حيّا". عبارة شعبيّة تتوافق مع
أسطورة الفينيق.

وافترقنا، وأنا على يقين بأنّني سأعجز عن كتابة هذا البحث بصفة
جدّيّة، إذا استسلمت إلى إغراءات الشّكوى الحبيبة إلى الضّحايا والمناضلين
المرهقين، أو إلى وهم عودة الشّيء ذاته، أو لو توهّمت، كالكثير من حملة
القلم، أنّ الخطابات عن الواقع هي الواقع، فأغفلت دور القوى المادّيّة
التّاريخيّة في تحويل الواقع عن غفلة من الخطابات. ألم يبرز مؤخّرا دور
الآلات المنزليّة الألكترونيّة في تحرير المرأة من أعمال يوميّة كانت تأخذ
منها ساعات طويلة في الأسبوع(1) ، وتشعرها، عند توفّر الوعي، بمهانة ما
بعدها مهانة؟ لم تكن آلة الغسيل يوما موضوع جدل بين العلمانيّين
والإسلاميّين، ولم تكن، على حدّ علمي، موضوع فتاوى وفتاوى مضادّة، خلافا
للكثير من مظاهر معيش المرأة، ممّا تطوّقه الخطابات وتتضخّم حوله الفتاوى.

وقضيّة أخرى تدلّ على تعقّد الأمور لمن يريد البحث لا السّجال : من
السّهل الحديث عن عودة "النّقاب". لكن ما العمل عندما تجد أمامك فتاة
منقّبة تريد الدّراسة بنقابها، وترفض تعدّد الزّوجات، كما تدلّ على ذلك
محادثاتي مع بضعة "منقبات" بالكلّيّة التي أدرّس بها، وحوار أجرته مؤخّرا
صحيفة تونسيّة مع مجموعة منهنّ؟ خيوط متشابكة كيف نميّز بينها؟ علما وأنّ
تفريق الخيوط بعضها عن بعض من الأنشطة النّسائيّة التي فُرضت عليّ منذ
صغري، عندما كانت والدتي تصنع بالخيوط ملابس : "كبّة مخبّلة" كما نقول
بالعامّيّة، وتدعو إلى الخبل… ثمّ التّفكير بعد الخبل. بينلوب لكن بصيغة
أخرى، ربّما.

قلّدت الشعراء العرب القدامى. كانوا يبكون على الأطلال، ثمّ يمرّون
إلى الواقع والفعل فيه. فبعد البكاء على الأطلال، نجد في القصيدة القديمة
قفلة-"بيت تخلّص"- من نوع : "عدّ عن ذا"، "دع ذا". لنمض إلى قضاء الحاجات.
ليس بالبكاء تقضى الحاجات، وليس بالشّكوى وبتوهّم العودات تُنجز الأبحاث.
دار عبلة ليست نفسها إلاّ توهّما، وزائرها كذلك. وفي نهاية المطاف، عبلة
ليست دارها، ولا يمكن أن تختزل في دارها، كما سنرى.

ربّما وجب التّذكير بأنّ المنطقة العربيّة تعدّ استثناء في العالم، من
حيث تعارض قوانينها المحلّيّة مع المعايير الدّوليّة في ما تعلّق
بالمساواة بين الجنسين. وهو تعارض لا يعود فحسب إلى التّقاليد والأعراف
الشّفويّة عامّة، بل إلى العلاقة بالنّصّ الدّينيّ، ممّا يجعل قضيّة
المساواة القانونيّة في هذه البلدان قضيّة تأويليّة بالأساس.

المؤشّرات على ذلك واضحة من خلال الأنظمة الدّستوريّة التي تنصّ على
"إسلام الدّولة"، أو تنصّ على أنّ الشّريعة مصدر للتّشريع أو مصدر أساسيّ
من مصادر التّشريع (مصر) أو مصدر من مصادر التّشريع (المغرب والجزائر
وموريتانيا). والمؤشّرات واضحة أيضا من خلال علاقة البلدان العربيّة
بـ"الاتّفاقيّة الدّوليّة لمناهضة جميع أشكال التّمييز ضدّ المرأة"،
فالبلدان العربيّة هي التي أبدت أهمّ نصيب من التّحفّظات عليها تحفّظات
عامّة أو جزئيّة تفرغها أحيانا من محتوياتها، وهو تحفّظ يتمّ عادة باسم
الشّريعة.(2)

قضيّة المرأة في بلداننا قضيّة تأويليّة بالأساس. لكنّ قضيّة التّأويل
عندنا مرتبطة بالمرأة أساسا. فالكثير من الأحكام القرآنيّة الفقهيّة تمّ
إبطال العمل بها في أغلب البلدان، سواء تعلّق الأمر بالعقوبات الجسديّة،
أم بالرّقّ، أم بالقانون المدنيّ. بحيث لا ندري هل نتحفّظ على حقوق المرأة
باسم الشّريعة، أم أنّنا نحافظ على على "الشّريعة" بالتّحفّظ على حقوق
المرأة، وهذا إشكال مهمّ لا نرى مجالا لطرقه في هذا البحث.

هل نرفض التّأويل، ونكتفي بتأويلات القدامى وشروحهم، وهو ما يعني عدم
الاجتهاد في النّصوص، أم نقبل تجديد التّأويل، ممّا يعني فتح "باب
الاجتهاد" الذي يطرق عليه منذ عصر النّهضة ولا يكاد يفتح؟ هل نكتفي بالبحث
داخل اجتهادات القدامى عن أفضل الجزئيّات الفرعيّة التي قد تحسّن وضعيّة
الزّوجة والمطلّقة والأمّ، أم نفتح باب التّأويل على مصراعيه، انطلاقا من
موقع آخر هو بكلّ بساطة عصر الذّات المؤوّلة وحاجياتها؟ وهل يكفي فتح
أبواب الاجتهاد لبناء علاقة أخرى بالنّصّ الدّينيّ، تكون ربّما فاتحة
إصلاح دينيّ فعليّ؟

إنّ قضيّة المرأة تتعلّق بالمرأة باعتبارها ذات حقوق sujet de droitمن
المفروض أن تكون مساوية للرّجل في المنظومة القانونيّة الحديثة وفي
السّياسات التي تنتهجها الدّولة. والفرضيّة الأولى التي أنطلق منها في هذا
البحث، لمحاولة تنظيم شتات الوقائع والخطابات والتّحوّلات، قبل استشراف
برامج فكريّة وثقافيّة، تتمثّل في وجود منطقتين من الأحكام القرآنيّة
والفقهيّة تتعلّقان بالمرأة، وكان لهما منذ النّهضة إلى اليوم مصائر
مختلفة ومتعالقة في آن.

أستعمل كلمة "بؤرة" بمعنى طاقيّ يشبه مدلول كلمة foyerالفرنسيّة،
وأقصد بها هنا حقلا من الدّوالّ المحيلة إلى النّصّ القرآنيّ وإلى ما
يفترض أنّه أصل مرجعيّ تُستمدّ منه المعايير. قد تخفت قوّة هذا الحقل من
فترة إلى آخر، وتخفت قدرته على التّأثير في معيش النّاس الخاصّ والعموميّ،
وقد تدخل دوالّه في سلاسل دالّة مختلفة ومتحوّلة ومتفاوتة التّأثير.



البؤرة الأولى تتعلّق بوظيفة تنظيم الأدوار النّوعيّة-أو "الجندريّة"-
في علاقتها بالوضعيّات القانونيّة، وتتمثّل عمليّا في مبدإ قيام الرّجال
على النّساء-ما سمّي حديثا بـ"القوامة"- فهو المبدأ الأساسيّ المنظّم
للأدوار النّوعيّة، والمرتبط بالمصادرة على أفضليّة الرّجال على النّساء.
يقول الشّيخ محمّد الطّاهر بن عاشور، في كتاب التّحرير والتّنوير : "فقوله
(الرّجال قوّامون على النّساء) أصل تشريعيّ كلّيّ تتفرّع عنه الأحكام التي
في الآيات بعده، فهو كالمقدّمة… فالتّفضيل هو المزايا الجبليّة التي تقتضي
حاجة المرأة إلى الرّجل في الذّبّ عنها وحراستها لبقاء ذاتها… فهذا
التّفضيل ظهرت آثاره على مرّ العصور، فصار حقّا مكتسبا للرّجال، وهذه حجّة
برهانيّة على كون الرّجال قوّامين على النّساء، فإنّ حاجة النّساء إلى
الرّجال من هذه النّاحية مستمرّة وإن كانت تقوى وتضعف"(3 ).

ويمكن أن نقول إنّ هذا المنطلق الأصوليّ يحكم تنظيم الأدوار في
الدّائرتين الخاصّة والعامّة، بما أنّ الذّكورة مشترطة في الإمامتين
الصّغرى والكبرى. بل ربّما تتواصل في الآخرة بما نسج حولها من تصوّرات
وفتاوى.

والبؤرة الثّانية ترتبط بوظيفة تنظيم المتعة وتتعلّق بتنظيم الأدوار
النّوعيّة انطلاقا من مراقبة الجسد الأنثويّ، عن طريق فرض الحجاب بنوعيه :
الحجاب المؤسّسّيّ القاضي بوجود عازل بين النّساء والرّجال، والحجاب
الأثوابيّ المتمثّل في الخمار والجلباب للمرأة عندما تغادر بيتها. هذه
البؤرة تكمّل تنظيم الأدوار الاجتماعيّة بصفة نوعيّة، لكنّ بعدها النّوعيّ
مرتبط بالجسد وهيئاته لا بالأدوار والمراتبيّات في حدّ ذاتها، وأحكام لباس
المرأة فيها ليست ذات صبغة تشريعيّة واضحة، لاختلاف الفقهاء القدامى في
تحديد عورة المرأة الحرّة، واختلافهم أحيانا في مدى عموم الحكم فيها أو
تعلّقه بزوجات النّبيّ. فـ"آية القرار في البيوت" (أو القَور أو الوَقار،
بحسب اختلاف التأويل لـ"قَرن"): "…وقَرن في بيوتكنّ ولا تَبَرّجْن تبرّج
الجاهليّة الأولى…" (الأحزاب/32) ، يعتبرها أغلب القدامى خاصّة بزوجات
النّبيّ. (4)

البؤرة الأولى، ولنسمّها "بؤرة القوامة" اختصارا، ذات طابع قانونيّ
مهيكل للحياة الاجتماعيّة وللمراتبيّات التي تقوم عليها، وربّما تعود
قوّتها إلى العلاقة المتينة بين الأسرة والدّين في المجتمعات التّقليديّة.
والبؤرة الثّانية، ولنسمّها "بؤرة الحجاب"، ذات طابع خياليّ بالأحرى،
وربّما تعود قوّتها إلى الخوف المتأصّل من الأنثى باعتبارها مخصيّة ورغم
ذلك لا تحدّ متعتها ولا تعرف. إنّ الخياليّ أغلب على هذه البؤرة لأنّها
متعلّقة بالفتنة، والمتعة الأنثويّة، وكلّ "الشّبهات" التي توصل إلى
الزّنا، وكلّ الصّفات التي اعتبرت أنثويّة واعتبرت قريبة من الشّيطان في
المواعظ القديمة والحديثة القائمة على ذمّ الهوى والنّساء معا.

دليلي على الاختلاف بين البؤرتين هو ما كتبه محمّد عبده ( 1849-1905 )
: "لو أن في الشريعة الإسلامية نصوصاً تقضي بالحجاب، على ماهو معروف الآن
عند بعض المسلمين، لوجب عليّ اجتناب البحث فيه، ولما كتبت حرفاً يخالف تلك
النصوص مهما كانت مضرة في ظاهر الأمر، لأن الأوامر الإلهية يجب الإذعان
لها بدون بحث ولامناقشة. لكننا لا نجد نصاً في الشريعة يوجب الحجاب على
هذه الطريقة المعهودة، وإنما هي عادة عرضت عليهم من مخالطة بعض الأمم
فاستحسنوها وأخذوا بها وبالغوا فيها وألبسوها لباس الدين كسائر العادات
الضارة التي تمكنت في الناس باسم الدين والدين براء منها". (5)

نصوص الحجاب إذن لم تكن ملزمة وصريحة حسب محمّد عبده. ولعلّها كانت
كذلك لأنّ مبدأ القوامة كما أسلفت هيكليّ وأساسيّ في بناء الهندسة
النّوعيّة الإسلاميّة. لكنّنا سنلاحظ انقلابا في الموازين يجعل نصوص
الحجاب تتصدّر الواجهة في الحفاظ على ما يعدّ إسلاميّا وأصيلا.

بيّنت في بحث سابق(6) أنّ مبدأ القوامة بقي صخرة صمّاء حافظ عليها
أغلب مصلحي النّهضة العربيّة وروّادها : من قاسم أمين إلى محمّد عبده
ونظيرة زين الدّين ورشيد رضا. إنّ محاولات الاقتراب من هذه البؤرة
والتّصدّي لها في عصر النّهضة الذي يمتدّ حسب رأيي من القرن التّاسع عشر
إلى آخر عشرينات القرن العشرين(7) كانت مغامرات خطيرة، أدّت إلى الاحتراق
أو إلى النّبذ، أو استوجبت خروجا من الملّة. أذكر من هذه المحاولات ما يلي
:

1-المحاولة البهائيّة التي كان منشأها إيران والاثناعشريّة، فقد أبطلت
حكم الشّريعة وساوت بين النّساء والرّجال. أذكرها نظرا إلى أنّ صورة قرّة
العين البابيّة (1814-1852) صورة نسويّة. فهي أوّل امرأة أعلنت سفورها
داعية إلى نسخ الشّريعة، خلافا لما ساد في الرّوايات "المحترمة سياسيّا"
عن النّهضة.(8) إنّه خروج عن الشّريعة صحبه خروج تامّ عن الملّة.

2-محاولة منصور فهمي (1886-1959) في أطروحته عن "منزلة المرأة في
الإسلام" التي نشرت بباريس سنة 1913. تعرّض منصور فهمي بالنّقد للرّسول،
وطرد من الجامعة المصريّة، ولم تر أطروحته النّور باللّغة العربيّة إلاّ
سنة 1997، (9) أي بعد أكثر من ثمانين عاما على صدورها.

3-محاولة الطّاهر الحدّاد (1899-1935). وهي محاولة كتبت بالعربيّة،
ولم تقم على النّقد ولا على الدّعوة إلى إبطال الشّريعة بمعنى "أحكام
الفقه"، بل على تحويل ذكيّ تمثّل في تنسيب الأحكام القرآنيّة وتعريف
للشّريعة على أتنّها ليست أحكاما بل مقاصد سامية وقيما. أسوق هذ الفقرة
المعبّرة عن نظرته ومنهجه : "بعبارة أدق وأوضح أريد أن أقول: يجب أن نعتبر
الفرق الكبير البيّن بين ما أتى به الإسلام وجاء من أجله، وهو جوهره
ومعناه فيبقى خالدا بخلوده، كعقيدة التّوحيد ومكارم الأخلاق، وإقامة قسطاس
العدل والمساواة بين النّاس، والنفسيات الراسخة في الجاهليّة قبله دون أن
تكون غرضا من أغراضه فما يضع لها من الأحكام إقرارا لها وتعديلا فيها باق
ما بقيت هي، فإذا ما ذهب ذهبت أحكامها معها.

وليس في ذهابها جميعا ما يضير الإسلام، وذلك كمسائل العبيد، والإماء،
وتعدّد الزّوجات، ونحوها ممّا لا يمكن اعتباره حتّى كجزء من الإسلام". (10)

هذه المحاولة كانت جريئة في عصرها، وقد أصاب الكاتب منها نبذ في
حياته، وطرد من الوظيفة، وإخراج من قاعة امتحان، وتكفير. لكنّها كانت
ناجحة لأنّها ألهمت المشرّع التّونسيّ في مجلّة الأحوال الشّخصيّة بعد
أكثر من ربع قرن من صدور الكتاب، لا سيّما في منع تعدّد الزّوجات، وإقرار
الطّلاق القضائيّ. وتحوّل الطّاهر الحدّاد في دولة الاستقلال إلى رمز
وطنيّ، تسمّى باسمه دور الثّقافة والشّوارع، وتظهر صورته على الأوراق
النّقديّة… ثمّ إنّها ناجحة إلى اليوم، لأنّ المدافعين عن المساواة يمكنهم
إلى اليوم اعتمادها في سياق السّجال مع الإسلاميّين الذين لم يخرجوا من
فلك الأحكام الفقهيّة.

أمّا عامّة مصلحي النّهضة فقد دعوا إلى تعليم المرأة، و"النّهوض" بها لإخراجها من حالة المهانة والقصور.

وقد كانت مساهمة الكثير منهم جليّة في "بؤرة الحجاب" عبر ما سمّي
بـ"معركة السّفور". معركة السّفور كانت تستهدف الحجر على المرأة وعلى
عقلها، وكانت ضدّ الحجاب بمعناه الفضائيّ، وضدّ النّقاب. لكنّ المرأة في
هذه المعركة كانت، فيما أقدّر، استعارة عن المجتمع. فقد كانت كلمة السّفور
عنوانا عريضا لحركة تنوير عربيّة تسمّي الأنوار باعتبارها خروجا من حالة
القصور، وتسمّي الحداثة باعتبارها انكشافا للمحجوب وتعرية. فالسّفور كان
مشروع مجموعة من مثقّفين مصريّين أحدهم منصور فهمي، أسّسوا سنة 1915 صحيفة
"السّفور"، وكانوا يدعون إلى السّفور بالمعنى الشّامل: "سفور المرأة،
والسّفور في كلّ أبواب التّقدّم والصّلاح"، وكانوا يرون أنّ "المرأة ليست
وحدها المحجبة في مصر، ولكن نزعات المصريين وفضائلهم وكفاياتهم ومعارفهم
وأمانيهم كلها محجبة". (11)

وفي سنة 1928، كتبت الشّاميّة نظيرة زين الدّين في نداء لها إلى
السّلطات : "لقد بلي بعضنا في هذا الشّرق بظلمات أربع : ظلمة نقاب من
نسيج، وظلمة نقاب من جهل، وظلمة نقاب من رياء، وظلمة نقاب من جمود.

فأمسينا في ظلمات بعضها فوق بعض." (12)

ولنحوصل الكلام عن قضيّة المرأة في عصر النّهضة : بؤرة القوامة لم
يقترب منها روّاد النّهضة تقريبا. وبؤرة الحجاب كانت مشروعا لروّاد
النّهضة، لكنّ المرأة فيه مثّلت استعارة عن جسد المجتمع وعقله : مجتمع لا
يرى الضّوء بسبب نقابه، تماما كالمرأة.

ما الذي حصل بعد ذلك؟ تأسّست حركة الإخوان المسلمين بمصر سنة 1928،
فكانت نقلة نوعيّة مختلفة عن أصوات التّقليد المناهضة لسفور المرأة
والمجتمع. ما حصل تاريخيّا، والمعذرة عمّا قد يبدو للمؤرّخين تبسيطا
وإخلالا هو التّالي :

-لاتاريخيّة الشّريعة ربّما كانت مسلّمة بديهيّة غير معبّر عنها وغير
مسيّسة، فإذا بنا نشهد بناء ممنهجا لها أعتقد أنّه ابتدأ مع رشيد رضا،
وتحديدا مع الجملة التي وضعها شعارا لتفسير المنار : "هذا هو التّفسير
الوحيد الذي فسّر به القرآن على أنّه هداية عامّة للبشر ورحمة للعالمين،
وأنّه جامع لأصول العمران وسنن الاجتماع، وموافق لمصلحة النّاس في كلّ
زمان ومكان بانطباق عقائده على العقل، وآدابه على الفطرة، وأحكامه على درء
المفاسد وحفظ المصالح. وهذه هي الطّريقة الني جرى عليها في دروسه في
الأزهر حكيم الإسلام وعلم الأعلام الأستاذ الإمام…"(
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

من قضيّة المرأة إلى أطيقا الشّوق :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

من قضيّة المرأة إلى أطيقا الشّوق

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: