قبل ألف عام خلت، أي في حوالي القرن العاشر، كان الشرق الأوسط إقليماً
متطوراً من الناحية الاقتصادية في العالم، وفقاً لمقاييس معيار المعيشة، أو
التكنولوجيا، أو الإنتاجية الزراعية، أو القراءة والكتابة، أو الإبداع
المؤسساتي. ربما كانت الصين فقط أكثر تطوراً منه. ولكن الشرق الأوسط، على
كل حال، فشل بالتالي في مجاراة التحول المؤسساتي الذي تمكنت أوروبا الغربية
من خلاله من زيادة قدرتها على تجميع أو حشد الموارد وتنسيق الأنشطة
الإنتاجية، وعقد التبادلات. نعم، لقد استمر المُكتسَب المؤسساتي في الشرق
الأوسط بالتطور. ولكن في بعض المجالات ذات العلاقة المركزية بالحداثة
الاقتصادية، كان التغيير في أدنى مستوياته، على أقل تقدير، فيما يتعلق
بالتحول البنيوي أو التركيبي في الغرب، وما يتعلق بالتطور الخاص بالشرق
الأوسط خلال القرون الأولى من الإسلام. قلما اختلفت ممارسات الائتمان في
القاهرة في القرن الثامن عشر عما كانت عليه في القرن العاشر للميلاد. وعلى
نفس المنوال، كان المستثمرون والتجار يستخدمون صيغاً من الصفقات أو
المشاريع مطابقةً من حيث الجوهر مع الصيغ التي كانت شائعة قبل ثمانية قرون
خلت. بحلول القرن التاسع عشر، كان الشرق الأوسط برمته “متأخراً” بشكل واضح
بالمقارنة مع أوروبا الغربية وفروعها في العالم الجديد؛ وبحلول القرن
الحادي والعشرين، تراجع الشرق الأوسط على نحو ملحوظ ليصبح وراء بعض مناطق
الشرق الأقصى أيضاً.
يقدم هذا المقال بعض الأسباب وراء تأخر الشرق الأوسط. كما يشير بشكل خاص
إلى المؤسسات الشرق أوسطية، بما فيها تلك المتجذرة في الدين المهيمن على
الإقليم، بوصفها (أي المؤسسات) عقبات ماضية، ومستمرة أيضاً في بعض الحالات،
في طريق التطور الاقتصادي. وتتضمن المؤسسات التي خلقت عقبات في طريق
التطور: 1) قانون الوراثة الإسلامي، الذي حال دون تراكم رؤوس المال؛ 2)
الفردانية الصارمة للقانون الإسلامي وافتقاره إلى مفهوم الشركة، مما أعاق
التطور المؤسساتي وأسهم في إبقاء المجتمع المدني ضعيفاً؛ و3) الوقف، النوع
الإسلامي المميز للوديعة، الذي حبس موارد جسيمة في منظمات أصبحت عاطلة أو
مختلة وظيفياً بتقادم الزمن. لم تشكل هذه المؤسسات سلبيات أو مضار اقتصادية
لدى ظهورها، ولم تتسبب في تدهور مطلق في النشاط الاقتصادي، ولكنها تحولت
إلى عقبات من خلال ديمومتها إلى فترة طويلة من الزمن، بينما طور الغرب
مؤسسات الاقتصاد الحديث.
في القرن الثامن عشر، بدأ مسيحيو ويهود الشرق الأوسط المحليون بالسيطرة
على القطاعات الأكثر كسباً في الاقتصاد المحلي، وبشكل متزايد. لقد فعلوا
ذلك من خلال اختيارهم للقانون الذي كانوا قد خضعوا له منذ فجر الإسلام. ومن
خلال ممارستهم لاختيارهم القانوني الذي كان لصالح الأنظمة القانونية
الحديثة في الغرب، كان بوسعهم التهرب من قيود المؤسسات الاقتصادية
الإسلامية. فأصبحوا أكثر قدرة على التنافس من مسلمي الإقليم الذين كانوا
يفتقرون إلى خيار القانون، ولا سيما في القطاعات الاقتصادية الجديدة كخدمات
البنوك والتأمين، بشكل قاطع. أما المسلمون فقد بدأوا بالتغلب على المعوقات
القانونية الإسلامية للتطور الاقتصادي من خلال علمنة الإصلاحات القانونية
التي انطلقت منذ منتصف القرن التاسع عشر فصاعداً. كان على المسلمين أن
يعقدوا تجارتهم وأمورهم المالية تحت القانون الإسلامي، حتى ظهور تلك
الإصلاحات.
وبالرغم من الخيط الطويل من الإصلاحات المؤسساتية عبر القرن ونصف القرن
الماضيين، بقيت المؤسسات الإسلامية التقليدية عاملاً من عوامل التخلف
الاقتصادي في الشرق الأوسط. على سبيل المثال، إن الضعف في القطاعات
الاقتصادية للإقليم، وافتقارها لرأس المال البشري متجذران في تطبيقات
القانون الإسلامي. وعلى كل حال، ليس هناك من شيء في هذا المقال يضمر أن
الإسلام غير متوافق
أصلاً مع النمو الاقتصادي، أو
الابتكار أو التطور. إذا كان الشرق الأوسط قد اخفق في تطوير مؤسساته
الاقتصادية الحديثة الخاصة وكان مجبراً على نقلها من الخارج وغرسها، ليس
ذلك لأن الإسلام قد منع وبشكل صريح التطور الاقتصادي، بل بسبب تفاعلات غير
مقصودة بين المؤسسات الإسلامية المصممة لخدمة أهداف اقتصادية نبيلة،
كالكفاءة والعدالة.
يسمح مصطلح الشرق الأوسط بالعديد من التعريفات. وفي المسح التاريخي
للدراسة الحالية، أَستخدِمُهُ بمعناه الواسع والمرن، ليشمل ليس فقط العالم
العربي وإيران، بل تركيا أيضاً، ناهيك عن شبه جزيرة البلقان، التي كانت تحت
الحكم التركي خلال معظم الفترة المعنية. أما إسبانيا فقد انتمت إلى
الإقليم حتى الريكونكويستا (أي العودة)—أي رجوعها عند نهاية القرن الخامس
عشر من سيطرة المسلمين إلى السيطرة المسيحية.
الإقتصاد الشرق أوسطي، حوالي عام 1000لم تظهر المؤسسات الاقتصادية الإسلامية على نحو مفاجئ في حياة النبي
محمد. ولم تكن العناصر الرئيسية موجودة عام 661، عند نهاية “عصر السعادة”
الشرعي (أي عصر الرسول والخلافة الراشدة)، الذي امتد لفترة قيادة النبي
محمد وخلفائه الأربعة الأوائل. هناك القليل من المؤسسات الاقتصادية التي
ورد ذكرها في القرآن، ناهيك عن وصفها بالتفصيل. إن الصفات الاقتصادية
المميزة للحضارة الإسلامية الكلاسيكية قد تطورت خلال القرون الثلاثة
اللاحقة، أو أكثر، فلم تُؤسَّس المؤسسات الاقتصادية المركزية في الشرق
الأوسط بشكل متين إلا بحلول عام 1000 للميلاد تقريباً. كانت تلك المؤسسات
لتبقى هامة وحاسمة في اقتصاد الإقليم حتى القرن التاسع عشر. وفيما يلي سرد
منتقى بشكل قصدي للبنية الاقتصادية التحتية لحوالي عام 1000 للميلاد. وكما
سنرى، فإن كل من المؤسسات المذكورة قد أسهمت في التأخر الملحوظ في الحداثة
الاقتصادية.
قانون العقد ذو الاتجاه الفرديخلال القرون القليلة التي تلت ظهور الإسلام، أنتج القانون الإسلامي
منظومة غنية من المبادئ، والتنظيمات والإجراءات للسيطرة على العلاقات
التعاقدية. كما كانت هناك أيضاً قواعد أو قوانين لدعم الامتلاك المشترك
للملكية. وهناك قواعد لدعم تجميع الموارد وتعبئتها لأجل الرحلات التجارية.
وكانت الشراكات الاقتصادية المؤسسة وفقاً للقانون الإسلامي تتضمن، في
الحالات النموذجية، مستثمراً مقيماً واحداً يقوم بتمويل حملة تجارية يديرها
تاجر مسافر واحد. يمكن أن يكون هناك عدد من الشركاء، ولكن العدد في الواقع
لم يكن يتجاوز الستة أشخاص. كما أن المشروع التعاوني كان مقتصراً على حملة
أو رحلة واحدة. وبالرغم من ذلك، فإن هذا البناء القانوني، إذا ما قورن
بالأنظمة القانونية الأخرى في ذلك الحين، كان يسمح للتجار والمستثمرين
بمرونة عالية في تحديد الحملة وتحديد حصص الأرباح (يودوفيتش، 1970 ؛
سيزاكا، 1996).
من النواحي اللافتة للنظر في القانون الإسلامي الكلاسيكي، حسب ما يراه
المحدثون، هي أنه لا يترك مجالاً للشركات أو المؤسسات—أي المؤسسات أو
المشاريع التجارية الجمعية التي تمتلك حقوقاً شرعية مميزة عن حقوق الأفراد
الذين يمولونها أو يخدمونها. يحق للمؤسسة أو الشركة أن تصوغ أو تعيد صياغة
أنظمتها الداخلية الخاصة، وأن تمتلك الملكية، وأن تعقد العقود وأن ترفع
الدعاوى القضائية. كما أن ديونها لا تسدد من قبل أعضاء المؤسسة بصفتهم
أفراداً. وقراراتها لا تستوجب موافقة كل عضو من أعضائها. كما أنها تستطيع
مواصلة العيش بعد وفاة مؤسسيها أو تقاعدهم. أما القانون الإسلامي فقد اعترف
فقط بالأفراد الحقيقيين، الأفراد بلحم ودم. بينما يستطيع أعضاء الشراكة
مقاضاة أحدهم الآخر كأطراف في عقد معين، لا تمتلك شراكتهم مقاماً أو منصباً
قانونياً خاصاً بها. وبإمكان الطرف الثالث مقاضاة شريكاً من الشركاء أو
أكثر، ولكن ليس الشراكة نفسها.
تمويل بدون بنوكعند حلول الإسلام، كان إقراض المال حرفة رائجة في الشرق الأوسط. ففي
إحدى تفسيرات القرآن، حرّم الإسلام استخدام الفوائد في عقود القروض. وعلى
كل حال، لم يحقق المسلمون الأوائل إجماعاً حول نطاق هذا المنع أو التحريم،
ولا حتى على تعريف “الفائدة.” وبالرغم من الجدالات المتواصلة، استمر إقراض
المال، وعادة ما كان يتضمن حوالات تعرف على أنها فوائد. أيد فقهاء الإسلام
أسواق الائتمان عن طريق ابتكار حيل تسمح للمسلمين بالتحايل على التحريم
المفترض للإسلام على الفوائد دون انتهاك نصوصه، كما كان الحال في أقاليم
أوروبا في ظل الحكم المسيحي (رودينسون، 1966 [1973]).
إن شيوع سداد الفوائد لا يعني أن أسواق الائتمان كانت تشبه تلك التي في
الاقتصاد الحديث. فالشك أو عدم اليقين حول شرعية الفائدة، بالإضافة إلى
الافتقار إلى قانون الشركات، يعني أن الدائنين والمقترضين كانوا عادة
أفراداً. وبالرغم من أن بعض القروض كانت تقدم عن طريق شراكات صغيرة قصيرة
الأمد، إلا أنه لم تكن هناك بنوك قادرة على حشد أو تهيئة الموارد الكبيرة،
وعلى الاستمرار بعد وفاة مساهميها الابتدائيين (يودوفيتش، 1979).
الضرائب العشوائية وحقوق الملكية الخاصة الضعيفةاتبعت الدول التي يحكمها الإسلام مبدأين أساسيين في الحكم: الاحتياطية
(أو التحوطية) والمالية. تنطوي الاحتياطية على التأكيد على التوفير المنتظم
والثابت للسلع أو البضائع الملحّة، لأجل إقناع سكان المدن. عادة ما كانت
تستوجب تشجيع الاستيراد وعدم تشجيع التصدير. أما المالية فتدل على الدافع
الصارم نحو استخراج الموارد من المواطنين.
[1]قام رجال الدولة من المسلمين الأوائل، إبتداءً من النبي محمد، بفرض
الضرائب التي كانت تحدد وفقاً للبضائع المعروفة في اقتصاد الصحراء العربية.
ففي فترة جيل واحد، عندما انتشر الإسلام إلى المناطق التي كانت حضاراتها
ما قبل الإسلامية معقدة نسبياً—كفلسطين وسوريا والعراق وإيران—أصبحت هذه
السياسات لاغية غير نافذة. لذا ظهرت سوابق في تعديل الضرائب بما يلائم
الحاجات السائدة.
كان المسلمون، من حيث المبدأ، يدفعون ضرائب أقل من غير المسلمين. أما من
حيث التطبيق، فطالما كان الحكام يفرضون الضرائب والرسوم الجديدة في أي
مكان ممكن، كان التمييز الضريبي المرتكز على المعتقد غير نظامي، ولم يكن
المسلمون يتلقون بالضرورة معاملة أكثر تساهلاً. أي مجتمع يمكن أيضاً أن
يكون قد يعاني من المصادرة والسخرة—المطالبة بالمساهمة بالعمالة في
المشاريع التي تمولها الدولة، كبناء الطرق مثلاً. وفي أوقات الأزمات، عادة
ما كان الحكّام يلجأون إلى المصادرة وفرض ضرائب جديدة.
نظام الوراثة المساواتيمن بين القواعد الاقتصادية القليلة المعروضة في القرآن، كانت القاعدة
المتعلقة بالوراثة هي الأكثر تفصيلاً والأكثر وضوحاً. فثلثي أي مُلك أو
عقار يحفظ وفقاً لقواعد أو ضوابط دقيقة لقائمة من الأقارب الموسَّعين من
كلا الجنسين، بما فيهم الأطفال، والآباء، والأزواج، والأشقاء، تحت ظروف
معينة، إضافة الى الأقارب البعيدين جداً. كما أن الصلاحيات الوصائية للفرد
تقتصر على ثلث واحد من أملاكه أو أملاكها. إضافة إلى ذلك، وفي التفسير
السني على الأقل، لا ينبغي أن يدرج الوريث المنتدب أو المخول في وصية
(فيزي، 1964، الفصول من 11-13؛ باورز، 1990).
لقد حد هذا النظام الوراثي من تركيز الثروة. كما أعاق، بالصفة نفسها،
الحفاظ على المشاريع التجارية الناجحة، أو أصولها المالية، عبر الأجيال.
نعم، يستطيع المرء أن يبقي على أية ملكية دون تقسيم من خلال تشكيل شراكة
امتلاكية، أو جعل وريث واحد يشتري البقية. بالرغم من ذلك، فإن التأثير
الصافي لهذا النظام هو تشتيت الملكية، ولا سيما الثروة المالية.
التزويد الخاص للخدمات العامة من خلال نظام الوقفلم تسعَ الدويلات في الشرق الأوسط، قبل العصر الحديث، إلى تدبير
اقتصادها. فلم تتدخل إلا للسعي خلف بعض الغايات؛ لم تسعَ إلى لعب أدوار
رئيسية في مجالات معينة كالقدرة الإنتاجية، وتصريف المجاري، والصحة،
والرفاه والتعليم العام. وفي المعيار الحديث، كانت (أي الدويلات) عازفة
بشكل لافت للنظر عن تقديم الخدمات العامة وشبه العامة. لذا، فإن القليل من
الجوامع الكبيرة، والمكتبات، والخانات، والأبنية الخيرية في ذلك الحين كان
يمول أو يبنى من قبل الدولة.
كان هناك تنوع كبير من الخدمات الاجتماعية، بما فيها الخدمات العامة
وشبه العامة، يقدم من قبل مؤسسة تسمى بالوقف، وتعرف أيضاً بالمؤسسة
الدينية، أو الوديعة الإسلامية. والوقف عبارة عن وديعة غير مدمجة أو
موحّدة، أسست وفقاً للقانون الإسلامي من قبل شخص معين من أجل تزويد لخدمة
محددة وإلى الأبد (سيزاكا، 2000؛ كوران، 2001). يؤسس الفرد وقفاً من خلال
تحويل ملكية خاصة ثابتة إلى هبة لدعم أية خدمة اجتماعية مسموح بها تحت
القانون الإسلامي: مدرسة، أو فنارة، أو ميتم، أو مصدر مياه لمنطقة سكنية،
أو جامع، أو أي خدمة أخرى من بين عدد لا حصر له من الاحتمالات. ليس
بالضرورة أن يكون المستفيدون مسلمين. لقد لعب الوقف دوراً متزايد الأهمية
في الدول التي يحكمها المسلمون. وبعبارة مارشال هودجسون الشهيرة (1974، ص
124)، أصبح (أي الوقف) “وسيلة لتمويل الإسلام كمجتمع.” كانت البواعث على
تأسيس الأوقاف مرتبطة بشكل حميمي ببعض المؤسسات المقدمة مسبقاً.
لم تحتوِ المؤسسات الإسلامية الأصلية على الوقف، الذي لم يذكر في
القرآن. لقد أدرج الوقف ضمن الثقافة الإسلامية بعد قرن كامل من ظهور
الإسلام، على الأغلب، كاستجابة خلاقة لعدم استقرار حقوق الملكية الخاصة.
فانعدام الضمانات الوقائية ضد الضرائب الانتهازية والمصادَرة كان مصدراً
هائلاً لقلق كبار المسؤولين، الذين كان العديد منهم من كبار أصحاب الأملاك.
لقد قاموا، بوصفهم أفراداً، بالاستفادة من وسيلة لحماية أصول أموالهم
الشخصية وتعزيز الحماية المادية لعائلاتهم. كانت الحضارات القديمة في شرق
المتوسط قد طوّرت مؤسسات عديدة شبيهة بالودائع. ومن تلك النماذج، طور
المسؤولون المسلمون في القرن الثامن والقرون اللاحقة شكلاً من أشكال
الوديعة يتلاءم وحاجاتهم الخاصة.
ونتيجة لاعتبار الأوقاف مقدسة، كان الحكام يترددون في مصادرة أصولها
المالية. إن منح الملكية كوقف يعطيها بذلك حصانة جوهرية ضد المصادرة. ولكن
إذا كان هدف مؤسس الوقف هو حماية أصول الأموال لغرض الاستخدامات الشخصية أو
العائلية، فما هو المكسب الذي يحصل عليه من خلال تحويلها إلى هبة لتمويل
مطعم للفقراء، على سبيل المثال؟ كان مؤسس الوقف يتمتع بامتياز تعيين
نفسه—أو نفسها في الحالات النادرة—المتولي الأول (أو الوصي أو المدير).
يستطيع المتولي للوقف أن يدفع لنفسه راتباً ضخماً ويعين أفراد عائلته في
مناصب مدفوعة الثمن. كما يستطيع أيضاً أن يتحايل على ضوابط الوراثة
الإسلامية من خلال تسمية أحد أبنائه خليفة له وحرمان من يريد من أقربائه
الآخرين. لم يكن تأسيس الوقف آنذاك مجرد تعبير عن الإحسان. فبالإضافة إلى
تعزيز مؤسس الوقف لسيطرته على ثروته، كان يقلل أيضاً من مخاطر فقدانها
بالكامل لحاكم متعطش للموارد المالية. هل يستطيع الشخص تأسيس وقف لدعم مطعم
للفقراء، ومن ثم يحتفظ بتسع وتسعين بالمائة من عائداته لاستخدامه الشخصي؟
لم يكن هناك سقفاً رسمياً. مع ذلك، كانت المعايير السائدة تتطلب من مؤسسي
الأوقاف في الحالات النموذجية أن يوفروا خدمات اجتماعية مفيدة.
مثّل نظام الوقف، في الواقع، صفقة ضمنية بين الحكام ومواطنيهم الأثرياء.
فقد قام الحكام بالتزام معقول لترك بعض الملكية في أيدي القطاع الخاص؛
وبالمقابل، وافق مؤسسو الأوقاف على توفير الخدمات الاجتماعية، فيزيحون عن
كاهل الدولة عبء مسؤوليات كبيرة محتملة. كان النظام نظاماً لامركزياً
أساساً. ولكن استخدم الحكام الإقناع الأخلاقي لتشجيع أقربائهم المقربين
جداً والمسؤولين الكبار—وهما المجموعتان اللتان قامتا بتأسيس غالبية
الأوقاف الكبرى—على القيام بخيارات منسجمة والأهداف الاستراتيجية للدولة.
فالقاعدة التي نصت على أن الخدمة الاجتماعية لابد أن تتوفر إلى الأبد كانت
ترمي بلا شك إلى حل مشكلة مبدئية من مشكلات الوكلاء. لا بد أن الدافع
الضمني (وراء تأسيس الوقف) هو ضمان أن لا يقوم وكلاء المؤسس—وهم المتولون
المتلاحقون للأوقاف—بإساءة استخدام الموارد التي تحت سيطرتهم.
التعددية القانونيةمنذ أيام الإسلام الأولى في القرن السابع، كان على المسلمين الالتزام
بالقانون الإسلامي في كل جوانب الحياة. في الشؤون المالية والتجارية، على
كل حال، ليس لهم كلمة فوق النظام القانوني الذي يعملون ضمن حدوده، ما عدا
في حال تعلق الأمر بوجود الفرص لتحول الولاءات بين المدارس القانونية
الأربعة الرئيسية في الإسلام. وعلى النقيض من ذلك، كان المواطنون المسيحيون
واليهود، على الأقل في التعامل فيما بينهم، يستطيعون الاختيار بين الأنظمة
القانونية المتجاورة؛ لذا فقد امتلكوا “اختيار القانون.” أما القضايا
المختلطة—تلك التي تتضمن المسلمين وغير المسلمين—فكانت تحت السلطة القضائية
الوحيدة للمحاكم الإسلامية. كان على القضاة المسلمين أن يقبلوا كل قضية
توضع أمامهم، حتى تلك التي تقع بين غير المسلمين.
إزاء هذه الخلفية، تمعّن في حال مستثمر وتاجر، كلاهما من الديانة
المسيحية—الطائفة اليونانية الأورثوذكسية. كانا يتمتعان بكامل الحرية
لتشكيل شراكة في ظل القانون الإسلامي، وأن يحلا كل نزاعاتهما في المحاكم
الإسلامية. وعلى خلاف المسلمين، كان بوسعهما تحديد الصيغ التعاقدية السائدة
في مجتمعهما، وبشكل خياري، وأن تحل نزاعاتهم في محاكمهم الكنسية. والحق أن
غير المسلمين كان بمقدورهم ممارسة اختيار القانون قبل مرحلة اختيار العقد،
وبعد الاتفاق على إجراء الصفقة في ظل نظام قانوني معين.
كان التجار الذين ينتمون إلى أمم غربية معينة—كالبندقية، على سبيل
المثال—يتمتعون بامتيازات قانونية عززت حوافزهم للقيام ببعض الأعمال
التجارية في شرق المتوسط. تضمنت هذه الامتيازات أمن الحياة والملكية،
والتخفيضات الضريبية، والإعفاء من أنواع مختلفة من الجزية والرسوم، والحق
في إدارة بعض المحاكم الخاصة التي تستطيع التعامل مع القضايا التي تقع فيما
بينهم. جاءت هذه الامتيازات، ابتداءً، مع الاستحقاقات التبادلية مع
المسلمين.
مقارنة مع الغرب القروسطيلقد حددت الأنماط والمؤسسات السابقة مسار الأداء الاقتصادي للشرق الأوسط
على مدى الألفية اللاحقة. في غضون ذلك، كان في أوروبا الغربية مُكتسَباً
مؤسساتياً مشابهاً بشكل عام، ولكنه مميز، حفز على تحوّل موسع، تكلل في نظام
الاقتصاد الجديد. أي عناصر البنية التحتية الاقتصادية الابتدائية في الشرق
الأوسط اختلفت عن نظيراتها الغربية المعاصرة، وأيها تشابهت معها؟ ستوفر
الإجابة على هذين السؤالين إشارات معلوماتية حيوية حول السبب وراء تلكؤ
الشرق الأوسط في الحداثة الاقتصادية.
وإذا بدأنا بنقاط التشابه، كان قانون التعاقد بالنسبة للأفراد متشابهاً
أساساً، ولم يشتمل القطاع المالي لأي من الإقليمين على البنوك. كانت
الحكومات في أوروبا الغربية، كما هو الحال في الشرق الأوسط، توفر القليل من
الخدمات الاجتماعية. كانت التعددية القانونية هي المعيار في كلا
الإقليمين، وكانت المحاكم، في كليهما، تتنافس على تقديم الخدمات القانونية.
كما أن ممارسة السماح لبعض الأجانب باختيار سلطاتهم القضائية كانت من
العوامل المشتركة أيضاً بين الإقليمين.
وكانت هناك نقاط اختلاف أيضاً. ففي حين لم يسمح القانون الإسلامي
بالمنشآت المتحدة أو المشتركة، كانت المدن الغربية، والأنظمة الدينية
والجامعات في بداية تشكلها بصيغة مؤسسات. (بيرمان، 1983، ص 214-221، ص
239-240). وبسبب هذا الإبداع المؤسساتي إلى درجة ما، كانت بعض الأجزاء في
أوروبا الغربية تطوّر تقليد أو عرف الحكومة المحددة، والضرائب المقيدة،
والملكية الفردية المصانة. وكانت دويلات المدن التي يسيطر عليها التجار،
والتي كانت لها مصلحة في النمو الاقتصادي السريع، تتنامى وتكتسب القوة (دي
لونغ وشلايفر، 1993). ولأن الإنجيل لم يحدد نظاماً للتعاطي مع الأملاك
والعقارات وإدارتها، كانت ممارسة الوراثة أكثر تنوعاً واختلافاً في الغرب
منها في الشرق الأوسط. فالوديعة الغربية تطورت بعد الوقف الإسلامي. وفي أي
حال من الأحوال، لأن الملكية الخاصة قد أصبحت أكثر أمناً في أوروبا
الغربية، كانت البواعث لحماية الثروة والحفاظ عليها من خلال الوديعة أكثر
انحساراً نسبياً (كوران، 2001، ص 876-883).
إن تبعات الأداء الاقتصادي لم تصبح لافتة للانتباه على نحو مفاجئ. فعلى
مدى الجزء الأكبر من الألفية الثانية، كانت الأوقاف الشرق أوسطية قد أعطتها
مستوى ملحوظاً من الازدهار. في حوالي عام 1200، لم تكن هناك مدينة أوروبية
يحكمها المسيحيون تضاهي ترف بغداد أو إشبيلية. عندما فتح السلطان التركي
محمد الثاني آخر بقايا البيزنطة عام 1453، وأعلن إسطنبول عاصمة جديدة
لإمبراطوريته المتوسعة، كان لديه الجيش الأكبر، والأفضل تجهيزاً والأكثر
تطوراً تكنولوجياً في أوروبا—وهو إنجاز لم يكن ممكناً لو كان الشرق الأوسط
متقاعساً اقتصادياً. بالرغم من ذلك، كان الإقليمان في طريقين مؤسساتيين
مختلفين.
مهمتنا إذن هي تحديد الآليات السببية التي أسهمت في هذا الانحراف،
وأسهمت في الركود البنيوي في الشرق الأوسط بشكل خاص. وفي مستهل تحديد هذه
الآليات، سأشير إلى أربعة تضادات محيرة بين الإقليمين في القرن التاسع عشر.
أما بقية المقال، فستربط كلاً من هذه التضادات بالفروق الابتدائية في
البنى التحتية الاقتصادية.
أربعة تضادات رئيسية في القرن التاسع عشرالتضاد الأول هو أنه، بحلول القرن التاسع عشر، كانت المؤسسات التجارية
الفرنسية والإنجليزية والغربية الأخرى التي أسست لأجل الإنتاج أو التجارة،
كانت أكبر حجماً وأطول عمراً من المؤسسات الرائدة في الشرق الأوسط. كان
بوسع تلك المؤسسات التجارية، التي أسست كشركات برأسمال مشترك، أو مؤسسات،
أن تستغل الأنظمة الاقتصادية ذات المقياس والمجال، التي أوجدتها
التكنولوجيا الحديثة. كما كان لديها أيضاً آفاقاً طويلة الأمد تساعد على
المشاريع ذات فترات الحمل المطولة. وكانت المؤسسات المالية الدائمية التي
تعرف بالبنوك موجودة وفاعلة آنذاك. كانت الشركات ذات الرساميل المشتركة
والمؤسسات التجارية تتشكل من خلال تحشيد الموارد الضخمة. وكانت أسواق
الأوراق المالية، أو أسواق الاستثمار، قد شُكّلت بحيث تسمح للشركاء أو
المالكين المتشاركين بفرص التسوية السهلة. لم يمر الشرق الأوسط بمثل هذه
التطورات المؤسساتية. وبالرغم من أن الأثرياء الشرق أوسطيين كانوا يستثمرون
في الإنتاج والتجارة وقطاع المال، لم تكن هناك أمثلة لتجميع الموارد تتضمن
مساهمة واسعة. كان التجميع الضيق النطاق يجري في شراكات زائلة قصيرة
الأمد، كتلك التي شاعت في الألفية السابقة. ولم تكن هناك أسواقاً للأسهم أو
الأوراق المالية ولا بنوك.
أما التضاد البارز الثاني في القرن التاسع عشر فهو أن نظام الأوقاف كان
يخفق في توفير الخدمات العامة في الشرق الأوسط التي كانت متوفرة في الغرب
آنذاك وبنطاق واسع. واشتملت هذه الخدمات على إنارة الشوارع، ومياه
الأنابيب، والصرف الصحي الحديث، والتعليم العام. افتقر نظام الوقف للمرونة
التي تمكنه من إعادة تخصيص موارده الضخمة بشكل سريع لتلبية الحاجات الناشئة
حديثاً لهذه الخدمات. وعلى خلاف البلديات الغربية والهيئات الحكومية
الأخرى التي كانت مخولة بجباية الضرائب من الناخبين، وتغيير موازناتها
المالية، وفرض تشريعات أو أنظمة جديدة، لم يستطع نظام الوقف أن يقوم
بالتعديلات الضرورية.
ثالثاً، في فجر النظام الاقتصادي العالمي الحديث، كان الأمن المادي في
الشرق الأوسط أقل منه في الغرب. لم يكن ذلك ببساطة أمراً متعلقاً بالفوضى
في طرق التجارة. فقد بقيت الضرائب العشوائية والمصادرة الفورية شائعة في
الشرق الأوسط، حيث كانت الدولة لا تزال تعتبر امتداداً للحاكم. كانت الرشوة
متفشية. أما في الغرب، فقد كانت هناك جهود ناجحة لجعل الحكومات تحترم حقوق
الملكية الخاصة، وتحدد الضرائب وتكبح جماح الفساد. فظهرت الحقوق
الديمقراطية التي جعلت الحكم أكثر معقولية عموماً. إضافة الى ذلك، لأن
النمو الاقتصادي كان أسرع في الأماكن التي تخضع فيها سلطة الحكومة للرقابة،
فإن الأماكن ذات حقوق الملكية الخاصة المحمية نسبياً قد حققت أهمية
اجتماعية وسياسية واقتصادية.
أخيراً، بينما وقع الشرق الأوسط في حالة من التأخر، بدأ صناعيو أوروبا
الغربية وتجارها ومموِّليها في لعب دور متنامٍ في اقتصاده. إضافة الى ذلك،
بدأ المسيحيون واليهود المحليون، في هذه العملية، بتسجيل قفزات اقتصادية
مقارنة بالأغلبية المسلمة. على سبيل المثال، صاروا يلعبون أدواراً غير
متناسبة إلى حد كبير في التجارة مع الغرب، وفي التجارة الداخلية في المدن
الكبرى، وفي القطاعات الناشئة للخدمات البنكية والتأمين.
إن تفسيري لهذه الأنماط لا يفترض أن الإسلام هو الذي أعاق التطور
المؤسساتي في الشرق الأوسط، بشكل مباشر وعن عمد. بل إنني أذهب إلى أن بعض
المؤسسات الاقتصادية في الثقافة الإسلامية التقليدية قد تفاعلت بطرق غير
مقصودة وغير متوقعة لتمنع التكيف أو التعديلات التي تأكد الآن أنها بالغة
الأهمية للحداثة الاقتصادية.
جمود قانون التعاقد الإسلاميعمل الشكل الرئيس للشراكة التجارية التي استخدمت في الشرق الأوسط حوالي
عام 1000 للميلاد، وهو المضاربة، على جمع رأس مال واحد أو أكثر من
المستثمرين، مع عملٍ واحد أو أكثر من التجار المسافرين. وبحسب القانون
الإسلامي، يصبح العقد لاغياً أو باطلاً إذا مات أي من الشركاء قبل إتمام
المهمة التجارية المختارة. كما يجب بعد ذلك أن تقسّم الأصول المالية
للشراكة بين الشركاء الأحياء وورثة المتوفى. وكلما ازداد عدد الورثة، كلما
تناقصت القدرة على إعادة التفاوض على شراكة جديدة تهدف إلى إكمال الصفقة
المتعاقد عليها ابتداءً. إذن كان النظام الوراثي السائد مهماً ومؤثراً في
الممارسات التعاقدية. لقد أوجد النظام الوراثي الإسلامي البواعث لإبقاء
الشراكات صغيرة الحجم، من خلال تخويل تقسيم الأملاك بين قائمة محتملة طويلة
جداً من الأقارب.
إن انتشار الشراكات الصغيرة، بدوره، قد أبقى الشرق الأوسط خالياً من
مختلف التحديات المؤسساتية التي أثبتت كونها أساسية في التطور الاقتصادي في
أوروبا الغربية. فلم تظهر حاجة لتطوير تقنيات محاسبية جديدة، على سبيل
المثال، أو ابتداع ممارسات إدارية هرمية، أو التصدي لمشكلات الاتصال متعدد
الأقطاب، أو البحث عن أشكال مؤسساتية تحفز على تجميع الموارد على نطاق
واسع. كان النظام الوراثي الإسلامي مصمماً بحيث يفتت الثروات لأسباب
مساواتية، ولكن كان لذلك أثراً غير مقصود في كبت الابتكار المؤسساتي
(كوران، 2003). وفي نهاية الألفية الأولى، تكيف قانون التعاقد الإسلامي،
وعلى نحو محبب، مع الظروف الاقتصادية للعصر. ولكن مؤسسة إسلامية أخرى حدّت
من قدرته على إنتاج صيغ معقدة بشكل متزايد للمؤسسات التجارية.
في الوقت الذي ركد القانون التعاقدي الإسلامي، طوّرت أوروبا الغربية
سلسلة من الصيغ أو الأشكال المؤسساتية القادرة على احتواء المزيد من
الأعضاء. فاحتوت في المحصلة على شركات برؤوس أموال مشتركة سمحت للشركاء
بالانسحاب دون الحاجة الى إعادة التفاوض بين الشركاء المتبقين، كما احتوت
أيضاً على المؤسسات التجارية التي كان لها، إضافة الى ذلك، حياتها وأعمارها
الخاصة. في حوالي عام 1000 للميلاد، كان قانون التعاقد في أوروبا الغربية
هو نفس القانون أساساً في الشرق الأوسط. على سبيل المثال، كانت الشراكات
الإيطالية أو الفرنسية تنتهي عند وفاة أي من الشركاء، كما هو حال نظيراتها
الإسلامية. ولكن الممارسات الوراثية في أوروبا في القرون الوسطى أظهرت
تنوعاً أوسع بكثير من الممارسات التي اتبعت في الشرق الأوسط، ولأن الإنجيل
لم يحدد ضوابط أو قواعد نقل الثروات عبر الأجيال، وجد الغربيون أن من
السهولة بمكان أن يغيروا في ممارسات التوريث استجابة للحاجات المتغيرة.
فتبنت بعض أقاليم أوروبا الغربية نظام البكورة—وهي الممارسة التي تقضي بأن
تترك كل الثروة التي تنتج دخلاً، إن لم نقل كافة الأملاك، للإبن الأكبر
للشخص المتوفى. عندما يتوجب حل شراكة ما، بعد حالة وفاة، كان نظام البكورة
يسهّل استئناف الصفقة أو المهمة التجارية ومواصلتها من خلال تخصيص حصة
الشريك المتوفى لوريث واحد. قامت قوانين الوراثة الغربية بتعزيز الدوافع
نحو تشكيل المشاريع الكبرى من خلال تقليل مخاطر تقنين الموارد وتشكيلها في
مثل هذه المشاريع.
كما أن المشاريع التجارية والمالية الكبرى تسببت في نشوء مشكلات
اتصالاتية وتنسيقية جديدة، مما حفز الأشكال والأدوات المؤسساتية الحديثة.
احتوت الابتكارات الناجمة عن ذلك على الإدارة المتعددة الأقسام، والمحاسبة
المعيارية، وتدابير حماية أسواق الاستثمار والأسهم. لذا فإن الغرب قد جرّب
تطورات مؤسساتية ثورية متراكمة تجاوزت الشرق الأوسط.
لم تصبح البكورة معياراً في أوروبا الغربية. لأن الإنجيل على وجه
التحديد لم يعطِ أي قانون أو قاعدة واضحة حول الوراثة، يمكن تبرير تنوع
واسع من الأنظمة من خلال الالتقاط والاختيار من بين الأسفار (ثيرسك، 1976).
وعلى كل حال، فبحلول القرنين السادس عشر والسابع عشر، عندما سيطر التجار
الغربيون على معظم التجارة بين الغرب والشرق الأوسط، كانت البكورة هي
الممارسة الأكثر شيوعاً في التوريث في بريطانيا، والبلدان المنخفضة،
والاسكندنافية وأجزاء من فرنسا والنمسا—وهي مناطق مارست الحداثة في وقت
مبكر. ومن المهم أيضاً أن هذه الممارسة انتشرت بشكل سريع في ألمانيا في
أواخر القرن السابع عشر، ولكن لعقود قليلة فقط (فيتشنر، 1989، ص 14-21
و72-75؛ غودي، 1983، ص 118-25؛ بلاتو وبالاند 2001، خصوصاً في الجزء
الثالث). وعلى كل حال، لم يحدد أي من الأنظمة الوراثية الرئيسية في أوروبا
الغربية العائلة بنفس التوسع الذي ورد في القرآن. لذلك، وكقاعدة، ثبت أن
الحفاظ على سلامة أصول الأموال عبر الأجيال، دون اللجوء الى وسائل كالوقف،
هي في الغرب أسهل بكثير منها في الشرق الأوسط.
في وقت مبكر من الألفية الثانية، لم يتخيل المروجون للبكورة مؤسسات
النظام الاقتصادي الحديث. وعلى نفس المنوال، لم يتنبأ المفسرون والمنفذون
لقوانين الوراثة الإسلامية كيف أنها (أي القوانين) ستجعل التجار والمموّلين
المستقبليين في موقف ضعف في تعاملاتهم مع الغربيين. وعلى الرغم من أن
الطريقين التطوريين واضحان بفضل الإدراك المتأخر، إلا أن كل منهما كان
ناتجاً عرضياً للعديد من التعديلات والتحويرات التي انتشرت خلال الألفية.
يطرح هذا التشعّب أو التفرع، مرة أخرى، السؤال عما إذا كان الإسلام قد نقل
التصلب إلى الممارسات الاقتصادية في الشرق الأوسط. لم يشر أي شيء في البيان
السابق إلى التصلب أو الجمود في أي جهة من الجهات، ونعلم أنه في بعض
المجالات، بما فيها الضرائب، كانت هناك مرونة وبراعة. إن السبب الذي جعل
القانون التعاقدي الإسلامي يتجمد هو الصلابة في مجال واحد محدد، ألا وهو
الوراثة.
الأوقاف العاطلةأنتج نظام الاوقاف الواسع في الشرق الأوسط مجموعة أخرى من التبعات
المؤسساتية المعاكسة. من متطلبات أو شروط الاتفاقية الضمنية التي أنتجت هذا
النظام هي أن تكون وظيفة الوقف ثابتة إلى الأبد. وبوجه الدقة، لا مؤسس
الوقف ولا أي من المتولين مخوّل بتغيير مهمته أو شكل إدارته. عليهم إتباع
الشروط في أعمال الوقف بشكل حرفي. فإذا كان المؤسس قد حدد القوة العاملة،
لا يستطيع المرء أن يضيف مستخدمين جدد لتلبية حاجة جديدة؛ وإذا جعلت
التكنولوجيا الحديثة من الأفضل الاشتغال على نطاق أوسع، فان الأوقاف
الصغيرة لا تستطيع أن تجمّع مواردها عبر وسيلة للدمج. وتكمن إحدى الصعوبات
ذات العلاقة في الافتقار إلى منزلة أو مكانة الشركات في القانون الإسلامي.
كان الوقف التقليدي استثناءاً جزئياً، إذ أنه كان يعيش بعد وفاة مؤسسه.
وعلى خلاف الشركات الأصيلة، كانت الأوقاف، على كل حال، تفتقر إلى المكانة
أو المنزلة القانونية بوصفها منظمة.
مبدئياً على أقل تقدير، كانت الدولة تمنع المتولي من إساءة استخدام
الموارد، من خلال تجميد وظائف الوقف، ومن جانبه، حرص المؤسس على إبقاء
متولي الوقف المتلاحقين مخلصين لغاياته الأولى. من الناحية العملية، لا شك
أن نظام الأوقاف لم يكن جامداً بشكل تام. فمن ناحية، احتوت أعمال الوقف على
بعض الأمور الغامضة التي سمحت للمتولين ببعض الحرية في التصرف. ومن ناحية
أخرى، كان القضاة المخولون بالإشراف على الأوقاف ينظرون بشكل مختلف كلما
قام بعض المتولين ببعض التعديلات. على كل حال، كان من الصعب على الوقف، إن
لم نقل من المستحيل، أن يعيد بناء نفسه أو يعيد تعريف مهمته لمواجهة الفرص
الجديدة.
في البيئة الاقتصادية الثابتة نسبياً—تلك التي لديها تقنيات، وأنماط
طلب، وشروط عرض غير قابلة للتغيير—قد لا يكون هذا العائق في وجه التغير
عائقاً مهماً. ولكن أثبت هذا العائق أنه كارثي في الظروف الاقتصادية
السريعة التغير في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. فلأن نظام الأوقاف حبس
الموارد المالية في استخدامات تم تحديدها منذ قرون خلت، أصبحت (أي الموارد)
مختلة الوظيفة أو عاطلة (كوران، 2001). ومن المظاهر الساطعة على هذا
الجمود هو بطء النظام في توفير الخدمات الحضرية الجديدة؛ أقدمت المناطق
السكنية على تأسيس بلديات على الطراز الغربي بسبب العوائق التي تمنع
الأوقاف المتواجدة من تغيير أو تعديل خدماتها وإجراءاتها.
قد يلاحظ المرء أن هناك، في كل مكان، عوائق مشابهة لإعادة تخصيص
الموارد. إن صلابة الودائع موضوع بارز في تاريخ الاقتصاد الأوروبي، وحتى في
يومنا هذا، تتضمن ودائع أو أوقاف الجامعات على حسابات محددة لدعم جوائز في
مجالات أو أنظمة لم تعد تتمتع بشعبية كبيرة. مع ذلك، فقد امتص نظام الوقف
في العالم الإسلامي من موارد المجتمع أكثر بكثير مما فعل نظام الودائع في
الغرب، حيث بدأت العديد من الخدمات الاجتماعية تتوفر من قبل منظمات ذاتية
الحكم، لذا فهي أكثر مرونة، في الألفية الثانية. كما كان لدى الغرب أيضاً
تنوعاً واسعاً من الأشكال المؤسساتية، التي سمحت بالمزيد من التجريب في
تقديم الخدمات.
لِمَ لم يتطور الوقف إلى مؤسسة أصيلة قادرة على إعادة صياغة قوانين
عملها، وتغير مهمتها وتعيد تخصيص مواردها بإرادتها الخاصة؟ ففي غياب نماذج
المؤسسات التي تحتذى، كانت القفزة المؤسساتية المطلوبة جسيمة جداً، كما كان
تأييد استقلالية المنظمات مدعاة لتوجيه تهم المعصية وعدم التقوى. وعلى
العكس من ذلك، تواجدت في الغرب، منذ القرن العاشر، منظمات مجازة قانونياً
بصفة مؤسسات. وربما الأهم من ذلك، أن الاستجابات المعتادة لجمود الوقف—التي
استغلت نقاط الغموض في شروط المؤسس، أو انتظار قاضٍ عطوف، أو القيام
بتعديلات سرية—كبحت الضغوط نحو القيام بإصلاحات مؤسساتية جوهرية. لقد ولّدت
هذه الممارسات، غير الشرعية أساساً، مجاميع واسعة ذات مصلحة ملبسة في
الوضع الراهن آنذاك. وعندما أصبحت امتيازات هذه المجاميع أمام التحديات،
قامت بتصعيد المقاومة الثقيلة. وباختصار، لقد منعت الحلول السريعة المحظورة
نوعاً ما الجهود الساعية لإيجاد استجابة مناسبة للحاجة الثابتة إلى
المرونة المنظماتية. وبحلول القرن التاسع عشر، فهم العديد من صناع السياسات
الشرق أوسطيين جمود نظام الأوقاف. فطُوِّرَتْ مجموعات أخرى لتوفير الخدمات
كالماء، والصرف الصحي ومكافحة الحريق من خلال أشكال منظماتية بديلة، كان
تمويلها يتم من خلال تفكيك نظام الأوقاف.
كان لتجمد نظام الأوقاف وصلابته تبعات دائمية إضافية، وهي أيضاً غير
مقصودة ولا متوقعة. مع الثقل الاقتصادي الجسيم لهذا النظام، أسهمت الجهود
الرامية للإفلات من قوانينه في شيوع الفساد الذي أكد عليه مراقبو الشرق
الأوسط، المحليون والأجانب، حد الغثيان بوصفه عائقاً للتجارة والاستثمار.
وعندما يتم تجنب القوانين بشكل عام، فإن انتهاك القوانين لا يجلب أي عار أو
وصمة كبيرة، وتزداد تكاليف التنفيذ. لذا، فإن الممارسات الحقيقية قد تغيرت
بشكل بطيء، عقب فرض منظومة قانونية جديدة في القرن التاسع عشر.
إن الإخفاق في تحويل الوقف إلى منظمة ذاتية الحكم قد منع تعزيز “المجتمع
المدني”، الذي يتكون من أجزاء من النظام الاجتماعي الموجود خارج السيطرة
المباشرة للدولة. إن المجتمع المدني، الذي يشكل شبكة موسعة من الروابط أو
الجمعيات الحرة، يخدم وظيفتين: إنه يلبي الحاجات الصافية الأساسية
للمجتمعات الفرعية المتنوعة، والمتداخلة أحياناً؛ كما يعمل كحصن أو ترس
لدرء الاستبداد (توكيفيل، 1840 [1945]، ص 94-110). في وقت مبكر من التاريخ
الإسلامي، في القرن الثامن، أسس نظام الوقف عاملاً من عوامل المجتمع المدني
القوي: ألا وهو حرية تأسيس المنظمات غير الحكومية التي يختارها الفرد. وفي
الوقت ذاته، ومن خلال منع الاستقلالية، تسبب (أي نظام الوقف) في جعل
المنظمات غير الحكومية المؤسسة سابقاً ضعيفة وغير كفوءة، كما منعها من أن
تصبح قوة سياسية للدمقرطة. وعلى قدر تعلق الأمر بالصيغ المؤسساتية المتوفرة
التي أعاقت الحركات السياسية الفاعلة، كان الناس يترددون في تحمل المخاطر
الشخصية اللازمة لتشكيل مجتمع مدني قوي.
تأخر حكم القانون الحديثإن القيود المفروضة على سلطات الحكام قد تطورت في الشرق الأوسط بشكل
أبطىء مما في أوروبا الغربية. ولسنا هنا بصدد مراجعة الأدبيات الواسعة حول
التحول السياسي في الغرب. على كل حال، هنالك ثلاث ملاحظات ذات علاقة عن هذا
التحول. أولاً، إن الحماية الاجتماعية والحقوق الديمقراطية قد ظهرت في
أوروبا الغربية على نحو تدريجي، على مر قرون عديدة. ثانياً، قد تطلّب تعزيز
حكم القانون صراعات ملحمية بين الحكام والمحكومين. فقد ناضلت شعوب فرنسا
وبريطانيا وجيرانهما ببسالة ولفترات طويلة من أجل الحقوق الديمقراطية. لقد
ناضلوا على وجه الخصوص، من أجل استقلال السلطة القضائية وحق مقاضاة العوائل
المالكة في محاكم مستقلة. كما ناضلوا أيضاً لتحديد الحكومة من خلال
المراقبات والموازنات المؤسساتية. ثالثاً، وقف العديد من أصحاب الأملاك
والتجار في مقدمة هذه الصراعات. فقد مولوا وقادوا الحملات لإلغاء شرعية
الحكم النزواتي ومنعه.
لماذا جرّب العالم الإسلامي مثل هذه التطورات بعد تأجيل طويل، وبشكل
جزئي فقط؟ لماذا تأسس أول برلمان في الشرق الأوسط—البرلمان العثماني في
اسطنبول—عام 1876 فقط، وتحت التأثير الغربي؟ لماذا، حتى بداية القرن التاسع
عشر، بقيت الضرائب عشوائية والملكية الخاصة غير مصانة بشكل عام،
والبيروقراطية الحكومية امتداداً لشخص الحاكم (إينالسك، 1994، الفصل 1
والفصول 3-6؛ إمبر، 2002، الفصل 4؛ فيندلي، 1989، الفصل الثاني)؟ تكمن
أجزاء بالغة الأهمية من الإجابة في الآليات التطورية التي ذكرت آنفاً.
إن حكم القانون هو سلعة أو خدمة عامة. وبمنطق الفعل الجمعي، سيميل الناس
نحو العزوف عن المساهمة في التدابير المصممة لتقويته، ماعدا إن كان لديهم
حصة كبيرة في النتيجة (أولسون، 1971). لذلك، على قدر تعلق الأمر بالقانون
الإسلامي وعدم تشجيعه لظهور مشاريع تجارية واسعة ومعمرة، فلابد أنه قد أعاق
أيضاً تطور الحريات السياسية والاقتصادية. قليل جداً من التجار الصغار
نسبياً كان ليمتلك حصة شخصية مناسبة في العملية الديمقراطية، أو في حقوق
ملكية أقوى، لأجل المساهمة في هذه الصراعات من أجل تحقيق تلك الأهداف.
لقد أسهم نظام الوراثة الإسلامي في هذا التقييد. لقد قامت بذلك، أولاً
وقبل كل شيء، من خلال إبقاء الشراكات صغيرة مما جعل الثروة التجارية
محدودة. ثانياً، لقد قسّمت الثروات الخاصة المتحققة، ضد النزاعات، من خلال
الشراكات المتزامنة والمتتالية. كثيراً ما يكون للتاجر الناجح العديد من
الأطفال، عادة من زوجاته الكثيرات، مما يزيد من احتمالية تقسيم ثروته إلى
أجزاء صغيرة. ثالثاً، إن القيود الصارمة والقاسية على الحريات الوصائية قد
شجعت الناس على حماية ثرواتهم من خلال وضعها في الأوقاف التي تحجّم البواعث
على النضال من أجل الحريات الفردية.
لقد قامت بعض سمات نظام الأوقاف بمزج هذه العوائق مع تطوير الحقوق
الشخصية. وعلى خلاف الثروة التجارية، فإن العقارات يمكن الحفاظ عليها سليمة
داخل الأوقاف. وعلى هذا الأساس، قد يتوقع المرء أن يوفر الوقف أساساً
اقتصادياً للتحالفات الخاصة التي تهدف الى مراقبة سلطة الحكام. وعلى كل
حال، فإن وجوب اتباع رغبات المؤسس بشكل حرفي قد حدّ من فرص تنظيم الموارد
في قضايا سياسية كبيرة. إضافة الى ذلك، كان المتولون والمستفيدون الآخرون
من الوقف يفتقرون إلى الحاجة الماسة إلى تعزيز الحقوق الاقتصادية الشخصية،
والسبب بالضبط هو أن مواردهم قد وضعت مسبقاً في مأمن من الضرائب أو
المصادرة. وإذا ما عبّرنا بشكل مختلف، فإن نظام الأوقاف قد كبح المطالبة
بحقوق الملكية المعززة بشكل دستوري، من خلال جذب الناس إلى تراكيب يمكن أن
تحفظ لهم بعضاً من ثرواتهم. ومثل نظام الوراثة السائد، أصبح (أي نظام
الأوقاف) فخاً مؤسساتياً. وبالطبع، لو كان نظام الوراثة الإسلامي طيّعاً
أكثر، أو أكثر تحفيزاً للحفاظ على سلامة الثروات، لما أصبح نظام الوقف
شائعاً على النحو الذي كان عليه في البداية؛ ولكانت المصالح الشخصية من
حماية النظام أصبحت أضعف بشكل موازٍ.
من المعروف أن الحكومة المُحدَّدة، وحقوق الملكية المحمية على نحو
قانوني، والضرائب المتوقعة المعقولة هي التي تحفز النمو الاقتصادي. لذلك،
ليس من الغرابة بمكان أن تجد إحدى أهم الدراسات التجريبية لأداء صنّاع
القرار في الحكومة المعاصرة أن البلدان ذات الكثافة المسلمة تظهر أداء
حكومياً متدنياً أو واطئاً (لابورتا، لوبيز-دي-سيلانيس، شلايفر وفيشني،
1999). في السياقات الحرجة اقتصادياً، كانت مثل هذه البلدان تُحكَمُ
بالقانون الإسلامي، حتى القرن التاسع عشر على الأقل وفي بعض القضايا إلى حد
أوقات قريبة. وكما رأينا، فإن بعض خصائص القانون الإسلامي، والموجودة قبل
أن يصبح الشرق الأوسط متأخراً بوقت طويل، قد دفعت ببعض العمليات الموسعة
التي أخرت التطورات في نظام الحكم.
كما وجدت أدبيات أخرى ذات صلة اختلافات منتظمة في الممارسات الاقتصادية
بين البلدان ذات الأنظمة الشرعية الواقعة في تقليد أو عرف القانون العام،
الإنجليزي الأصل، والبلدان ذات التقليد القانوني المدني، الذي يرجع إلى
الرومان ويعتمد بشكل كبير على القوانين والمنظومات الشاملة (لابورتا،
لوبيز-دي-سيلانيس، شلايفر وفيشني، 1998). إن القانون الإسلامي لا ينسجم
تماماً مع أي من التقليدين. إن القوانين المبنية على القرآن بشكل واضح،
كقانون الوراثة، تشبه تقليد القانون المدني. ولكن مع ذلك، فإن جزءاً صغيراً
فقط من القوانين الإسلامية يرتبط بشكل وثيق بالتطور الاقتصادي ويستمد من
الأسفار؛ فعلى سبيل المثال، إن القرآن لم يذكر شيئاً عن الشراكات ولا عن
الأوقاف، ناهيك عن تحديد كيفية عملها. لقد نشأ العديد من هذه المؤسسات بشكل
تدريجي، كما قامت أجيال القضاة بإعادة تفسير الممارسات المتواجدة، مثلما
يطور قضاة القانون العام القوانين ويعدلونها ويوسعونها أثناء فضّهم لبعض
النزاعات أو القضايا المحددة (زبيدة، 2003، وخصوصاً الفصل الثاني؛ مقدسي،
1999). إن الاستنتاجات الواردة في هذا المقال تشير إلى أن جوهر النظام
القانوني مهم بالنسبة لتطوره كأهمية صلاته بالقانون العام والقانون المدني.
قد تقوم المكائد أو الفخاخ المؤسساتية بمنع التطور القانوني في السياقات
التي تحكمها القوانين المفروضة من الأعلى، وبشكل مركزي؛ كما يمكن أن تفعل
ذلك في السياقات التي يبت فيها القضاة بالقضايا بأسلوب لامركزي، مع فرص
للتغيير المتزايد.
ظهور الأقلياتبحلول القرن الثامن عشر، كانت أوروبا الغربية أفضل تجهيزاً واستعداداً
لتعبئة وتجميع رؤوس الأموال من الشرق