2012-09-21 هل حرق الكتب من أسباب تخلف العرب؟
|
| |
سألنى
صديقى الشيخ\ محمد محمود عن سبب تفسيرى لعداء العرب للكتب، وثقافة
القراءة عموماً ،ولماذا تمكنت القوميات الأخرى من تخطى هذه الثقافة، ،
وسبقتنا بمراحل فيما نحن سائرون على الدرب نائمونَ متحنطونَ ولا نشعر بهول
مانفعل ؟ وقد باغتنى ايضا صديقى الإعلامى الكبير والمثقف القدير الأستاذ \
لطيف شاكر بسؤال يحمل نفس المعنى ؟؟
وللرد على هذا السؤال نقول :-
بداية
نصلى ونسلم على كليم الله موسى عليه السلام ، وكل المحبة لكلمة
الله المسيح له المجد فى الأعالى ، كما نصلى ونسلم على نبى السلام والإسلام
محمد ابن عبد الله ، كما نصلى على كل أنبياء الله لا نفرق بين أحد ً منهم
----------------- وبعـــــــــــــــــــــــــــــــــد
فأن
الباحث فى التاريخ والمدقق فى الكتب، والساعى لطلب العلم والمعرفة بصدق
وحياد ، سوف يرصد مواقف كثيرة ، يذكرها التاريخ فى هذا الموضوع، ولا يستطيع
أن ينكرها إلا عديم الأمانة، --- ولأنه لا يوجد من هو معصوم من الخطأ حتى
الأنبياء ، سوف نذكر بعض الوقائع لحرق وطمس الكتب عن عمد، وإقصاء أصحابها
وأحياناً قتلهم ، لإسكات الرأى وقتل الفكر والفكرة ،وهو خطأ كبير لأن
الفكرة لا تموت أبداً ، والفكر لن يتوقف ، ونبدأ هنا بالقصة المعروفة لحرق
مكتبة الأسكندرية عام 640 م والتى كانت أكبر المكتبات والأماكن البحثية
بالعالم فى وقتها ، وكانت قَبلَةَ العلم لكبار علماء العالم .
حرق مكتبة الأسكندرية الأول والثانى
الأول كان في عام 48 ق.م حيث قام
يوليوس قيصر بحرق 101 سفينة كانت موجودة علي شاطئ
البحر المتوسط أمام مكتبة الإسكندرية بمصر بعدما حاصره
بطليموس الصغير شقيق
كليوباترا بعدما شعر أن يوليوس قيصر يناصر كليوباترا عليه، وقد امتدت نيران حرق
السفن إلي مكتبة الإسكندرية بفعل الرياح الشديدة ، فأحرقت جزءاً منها، ثم
بعد ذلك أعادت الملكة كليوباترا ترميمها وأعادتها أفضل مما كانت عليه
والثانى كان بعد غزو العرب للاسكندريه في 22 ديسمبر عام
640 م. وتدمير أسوار المدينة ، حدث أن تَعَرف عمرو بن العاص (ض) على عالم
لاهوت مسيحي طاعن في السن يدعى يوحنا فيلوبونوس (تلميذ الفيلسوف السكندري
امونيوس ، وهو معروف لدى العرب باسم يحيى النحوي، وقد ساهمت كتاباته إلى حد
كبير في نقل الثقافة الإغريقية للعرب)حيث كانت مصر يسكنها الأقباط . وبعد
العديد من الجدالات الدينية بين يوحنا وعمرو بخصوص التثليث والتوحيد
وألوهية المسيح طلب يوحنا من عمرو الحفاظ على الكتب الموجودة في مكتبة
الاسكندريه لأن، حسب قول يوحنا، "بخلاف مخازن وقصور وحدائق المدينة، فإن
تلك الكتب ليست ذات فائدة لعمرو أو لرجاله". حينئذ إستغرب عمرو وسأل عن أصل
تلك الكتب وفائدتها، فسرد له يوحنا قصة مكتبة الاسكندريه منذ تأسيسها على
يد بطليموس الثاني. ولكن عمرو بن العاص رد عليه قائلا :- أنه ليس بإمكانه
التصرف دون أخذ مشورة الخليفة عمر بن الخطاب (ض) . فكتب بن العاص خطابا
للخليفة يستشيره في أمر المكتبة والكتب. بينما كان يوحنا وعمرو في إنتظار
الرد، أذن عمرو بن العاص ليوحنا بزيارة المكتبة برفقة تلميذه الطبيب
اليهودي فيلاريتيس (وهو مؤلف كتاب طبي عن النبض وهو الكتاب المنسوب خطأً
ليوحنا فيلوبونوس). وبعد عدة أيام أتى رد عمر بن االخطاب (ض) والذي قرأه
وترجمه عمرو بن العاص على مسمع كلا من يوحنا وفيلاريتيس، وفيه ما معناه:
"...وأما الكتب التي ذكرتها فان كان فيها ما يوافق كتاب الله ففي كتاب الله
عنه غنى، وان كان فيها ما يخالف كتاب الله فلا حاجة بنا إليها". وهكذا أمر
عمرو بن العاص بتوزيع الكتب على حمامات الاسكندريه لاستخدامها في إيقاد
النيران التي تُبقي على دفء الحمامات حتى تم حرق جميع الكتب -------------وترجع
عظمة مكتبة الأسكندرية لأنها حوت كتب وعلوم الحضارتين الفرعونية
والإغريقية وبها حدث المزج العلمي والالتقاء الثقافي الفكري بعلوم
الشرق وعلوم
الغرب فهي نموذج
للعولمة الثقافية القديمة التي أنتجت الحضارة
الهلينستية حيث تزاوجت
الفرعونيةوالاغريقية وترجع عظمتها أيضا من عظمة القائمين عليها حيث فرض على كل عالم يدرس بها
أن يدع بها نسخة من مؤلفاته ولأنها أيضا كانت في معقل العلم ومعقل
البردي وأدوات الكتابة
مصر حيث جمع بها ما كان في مكتبات المعابد المصرية وما حوت من علم
أون وأخيرا وليس آخر تحرر علمائها من تابو
السياسةوالدينوالجنس والعرق والتفرقة فالعلم فيها كان من أجل البشرية فالعالم الزائر لها أو
الدارس بها لا يسأل إلا عن علمه لا عن دينه ولا قوميته --- وقد أعيد بناء
مكتبة الأسكندرية فى عام 2002 بقرار من الرئيس السابق مبارك .
حرق المصاحف المخالفة لمصحف عثمان
روى البخاري فى صحيحه عن أنس: "أنّ حذيفة بن
اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي ( من الغزو ) أهل الشام في فتح أرمينية
وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة إختلافهم في القراءة، فقال لعثمان:-
أدرك الأمة قبل أن يختلفوا إختلاف اليهود والنصارى. فأرسل إلى حفصة: أن
أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف، ثمّ نردّها إليك ؛ فأرسلت بها حفصة
إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد
الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف. وقال عثمان للرهط القرشيين
الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيءٍ من القرآن، فأكتبوه بلسان
قريش، فإنّه إنما نزل بلسانهم، ففعلوا، حتّى إذا نسخوا الصحف في المصاحف،
ردّ عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كلّ أُفقٍ بمصحف ممّا نسخوا، وأمر بما
سواه من القرآن في كلِّ صحيفةٍ ومصحفٍ أن يحرق. ))
وبالرجوع لكتب السير الإسلامية مثل السيوطى وابن
كثير وغيرهم نجد أن الخليفة عثمان بن عفان ( ض ) أمر بحرق المصاحف الستة
الأخرى التى جُمعت وأبقى على مصحفه الذى أشرف عليه والذى كان يخلو من
التنقيط والتشكيل ، وكان ذلك فى عام 25 - 30 هجرية -- وقد روى البخاري في صحيحه أن الصحابة لما كتبوا المصاحف أرسل عثمان إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق،--- وفي رواية للطبراني وابن أبي داود: (وأمرهم أن يحرقوا كل مصحف يخالف المصحف الذي أرسل
به )– مما دعا السيدة عائشة أم المؤمنين وباقى المسلمين يثورون عليه
وأفتت السيدة عائشة بقتل عثمان وإتهمته بالكفر وقالت قولتها المشهورة ((
اقتلوا نعثلاً فقد كفر )) مما عرف بالفتنة الكبرى ، فقام المسلمون بقيادة
محمد ابن ابى بكر أخو السيدة عائشة بقتل عثمان (ض) ، وظل دون دفن لمدة 3
ايام ، ودفن دون أن يُغسل ، ودفن فى مقابر اليهود فى منطقة حش كوكب كما
ورد فى البخارى وهو ماجاء ذكره ايضا فى كتب السير الأتية : -
1 - تاريخ الطبري ج 4 ص 407
2 - الكامل في التاريخ لابن الأثير ج 3 ص 206
3 - تذكرة الخواص لابن الجوزي ص61 و 64
4 - الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج1 ص 49
8 - ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه لنهج البلاغة ج 6 ص 215
وغيرهم كثر لايتسع المجال لسردهم
ابن رشد هو
القاضى والطبيب والفيلسوف والفقية الإ سلامى \ محمد ابن احمد ابن
رشد المولود فى 1126 م بقرطبة فى الأندلس ( اسبانيا ) والمتوفى فى مراكش
بالمغرب عام 1198 م والذى أحرق المسلمون كتبه ، فى حين نهضت أوربا
عندما أمر هنرى الثانى قيصر المانيا بتدريس كتبه بأروبا
وكان ابن رشد فلكيا جاء باعمال جليلة في علم
الفلك، وكان المتكلم الذي تصدى لنقد المتكلمين في (توافق المعقول والمنقول)
وفي مقدمتهم الامام الغزالي.---- ويعد ابن رشد من اكبر الفلاسفة العرب في
ذاك الزمن، دافع عن الفلسفة وصحح علماء وفلاسفة سابقين له كابن سينا
والفارابي في فهم بعض نظريات أفلاطون وارسطو. درس علم الكلام والفقه والشعر
والطب والرياضيات والفلك والفلسفة، قدمه ابن طُفيل لأبي يعقوب خليفة
الموحدين عام 1182م -- فعُين طبيبا له ثم قاضيا في قرطبة. كان هدف ابن رشد
إعادة تأصيل الأصول في كل مجال من مجالات الثقافة العربية الإسلامية في
العقيدة والشريعة والفلسفة والطب والعلم واللغة والسياسة• عاش ابن رشد عصر
الموحدين في الاندلس وهو العهد المتاخر في الاندلس في زمن الخليفة الموحدي
أبو يعقوب يوسف، وكان عهد إضطراب قام بين المرابطين والموحدين أدى إلى
الفوضى فانتهي عصر العرب في اسبانيا.ودخل ابن رشد في خدمه الخليفة بتزكية
من الفيلسوف ابن الطُفيل. عاد ابن رشد إلى قرطبة إذ تولى منصب قاضي القضاة،
وبعد ذلك بنحو عشر سنوات أُلحقَ بالبلاط كطبيب الخليفة الخاص. أقبل ابن
رشد على تفسير آثار أرسطو، ثم جاء الخليفة (أبو يوسف يعقوب المنصور) الذي
كان معاديا للفلاسفة، وبسبب دسائس الأعداء والحاقدين، فاساء المنصور معاملة
ابن رشد، الذي كان قاضي القضاة وطبيب الخليفة الخاص، ثم إتهمه المنصور
بالكفر والضلال والمروق وزيغه عن دروب الحق والهداية ! فابعده إلى
(أليسانه) وهي بلدة صغيرة بجانب قرطبة فى اسبانيا أغلبها من اليهود،
والأدهى أن المنصور حرق جميع مؤلفاته الفلسفية وحظر الإشتغال بالفلسفة والعلوم ما عدى
الطب والفلك والرياضيات، وقد ضع ابن رشد أكثر من خمسين كتاباً في مجالات
مختلفة وأحسن في شروحاته وتلاخيصه لأرسطو، ومن كتبه تلخيص وشرح (كتاب ما
بعد الطبيعة اي الميتافيزياء) وتلخيص وشرح (كتاب البرهان) او الأورغنون)
وتلخيص (كتاب المقولات لقاطيفورياس) وتلخيص (كتاب الأخلاق) وتلخيص (كتاب
السماع الطبيعي) وشرح (كتاب النفس) وشرح (كتاب القياس) و(كتاب مناهج
الأدلة) وهو من المصنفات الفقهية والكلامية في الأصول و(كتاب فصل المقال
فيما بين الحكمة والشريعة من الإتصال)، وهو من المصنفات الفقهية والكلامية
وكتاب (تهافت التهافت) وهو من اشهر الكتب في الرد على الغزالي في كتابه
(تهافت الفلاسفة) و(كتاب الكليات) و(كتاب التحصيل) في إختلاف مذاهب العلماء
و(كتاب الحيوان) و(كتاب فصل المقال في مابين الحكمة والشريعة من الإتصال)
و(كتاب المسائل في الحكمة) و(كتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد) في الفقه
و(كتاب جوامع كتب أرسطاطاليس) في الطبيعيات والإلهيات ثم كتاب (شرح أرجوزة
ابن سينا) في الطب.-- ويعد ابن رشد أحد أهم الفلاسفة ، ويشاع أن الفلسفة
الإسلامية انتهت بوفاته، اسمه باللاتينية (أفرويس) ولد في قرطبة وكان أبوه
قاضيا وجده قاضيا فدرس القانون،--- ابن رشد درس الطب وعلم الكلام والفلسفة
والفقه ولقب بـ (الشارح الأكبر) لأنه أفضل من شرح ما كتبه أرسطو. وعهد ابن
رشد كان تحت تاثير السلفيين وكانوا يرون أن العلوم متصلة بالكفار أمثال
أرسطو، وسجن ابن رشد لكن لم يطل سجنه فانتقل إلى مراكش ومات هناك. أثّر ابن
رشد في العالم الإسلامي والمسيحي وأوروبا وقد بحث عن أسباب انتهاء حضارة
المسلمين في الأندلس فرأى أنها بسبب تراجع دور المرأة حينئذ. ودارت في
شروحه نقاشات عديدة في جامعة السربون وترجمت كل شروح ابن رشد من اللغة
العبرية لانه المصدر الوحيد الذي عاش مع الدهر بعدما حرق الخليفة مطمئنا
على ما فعل. احيى الغربيون الأعاجم مخطوطاته بترجماتها إلى اللغات
الأوربية. والأكثر ان المحاسبه جاءت على تأكيد ابن رشد على ان الأرض كروية،
وحالياً جميع جامعات العالم تدرس نظرياته وعلومه إلا جامعات العرب ---
رحم الله هذا العلم الجليل الذى لو تبعه العرب لكان لهم شأن آخر، لكن مع كل
أسف الأمة العربية زاخرةً بطيور الظلام مرضى العقل والنفس ، الذين يسعون
لتربية اللحى قبل تربية العقول ..
الشيخ د مصطفى راشد أستاذ الشريعة الإسلامية الحاصل على العالمية من جامعة الأزهر 1987فرع دمنهور وعضو إتحاد الكتاب الأفريقى الأسيوى ونقابة المحامين المصرية