الكفــــاءة:
يقصد بالكفاءة السيميائية داخل البرنامج
السردي مجمل الشروط الأساسية والضرورية لتحقيق الإنجاز الفعلي. ويعني هذا
أن الفاعل الإجرائي لا يمكن أن يقوم بأدواره الإنجازية، إلا بالاعتماد على
مجموعة من المؤهلات الضرورية سواء أكانت مؤهلات عقلية معرفية أم مؤهلات
جسدية أم مؤهلات أخلاقية. ومن ثم، فالفاعل الإجرائي هو الذي يتمثل الواجب،
ويمتلك الإرادة والقدرة ومعرفة الفعل المرشح له لأدائه ممارسة وتطبيقا. ومن
هنا، ترتكز الكفاءة على أربعة مؤهلات صيغية: المعرفة، والقدرة، والإرادة،
والواجب. وينبغي أن نشير هنا إلى أن الموضوع نوعان: الموضوع الرئيس(objet
principal) المتعلق بموضوع القيمة، والموضوع الوساطي، أو ما يسمى كذلك
بالموضوع الجهي(objet modal) المتعلق بموضوع الوساطة أو الجهة. ويعني هذا
أن هناك إنجازا رئيسيا وإنجازا وساطيا أوجهيا أوكيفيا.
وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى وجود
أنواع ثلاثة من الذات: ذات افتراضية وموضوع افتراضي، وذات محينة وموضوع
محين، وذات متحققة وموضوع متحقق." إنها ثلاث حالات سردية، الأولى منها
سابقة على اكتساب الكفاءة، والثانية تنتج عن هذا الاكتساب، والأخيرة تعين
الذات، وقد قامت بالعمل الذي يصلها بموضوع القيمة، ويحقق بذلك مشروعها."
وعليه، فالبرنامج السردي يقوم في جوهره
على الإنجاز باعتباره مرحلة ضرورية لتحويل الحالات إلى أفعال إجرائية. ومن
ثم، فالإنجاز الإجرائي يستلزم منطقيا عملية الكفاءة، فلا يتحقق الإنجاز في
غياب الكفاءة والمؤهلات الضرورية. كما أن الفاعل الإجرائي يخضع لتحفيز من
قبل المرسل، مع إقناعه منطقيا ووجدانيا بإنجاز مهمة. وأثناء أداء مهمته،
سيخضع عمل الفاعل الإجرائي للتقويم والتقييم، وتأويل عمله وسلوكه إن كان
ذلك إيجابيا أو سلبيا. وبالتالي، تسمى أخر مرحلة من مراحل البرنامج السردي
بمرحلة التقويم أو التعرف. وهنا، يحضر المرسل كفاعل التأويل (agent
d’interprétation) ليقوم مهمة الذات البطلة.
- التحفيــــز:
نعني بالتحفيز أو التطويع حمل الفاعل
الإجرائي على تنفيذ مهمة ما على ضوء المؤهلات والإمكانيات المتوفرة لدى
الفاعل الذات، وغالبا ما يكون التحفيز أو التطويع من قبل المرسل إقناعا
وتأثيرا وشرحا. وتكون بين المرسل والفاعل الإجرائي عمليات تعاقدية سواء
أكان " العقد إجباريا (contrat injonctif)، كأن يجبر المرسل المرسل إليه
بقبول المهمة، وتكون العلاقة هنا علاقة رئيس بمرؤوس. وقد يكون العقد
ترخيصيا (contrat permissif)، كأن يخبر المرسل إليه المرسل بإرادته للفعل
(الإرادة المنفردة)، فيكون موقف المرسل القبول والموافقة، وفي هذه الحالة
يعزم تلقائيا على الإنجاز والفعل. وقد يكون العقد ائتمانيا(contrat
fiduciaire) يقوم فيه المرسل بفعل إقناعي يؤوله المرسل إليه، فإن كان الفعل
الإقناعي كاذبا يكون الفعل التأويلي واهما مثلما يحدث غالبا عندما يخدع
البطل. وبالنسبة لهذا الصنف من العمليات التعاقدية يقبل المرسل إليه خطاب
المرسل، ولا يشك في صحته في جميع الحالات. والرسالة هنا تكون دائما ذات
طبيعة كلامية ، وتظهر هنا القيمة الإنجازية للخطاب."
وهكذا، نستنتج بأن التحفيز هو أول محطة في البرنامج السردي، وبواسطته يتحقق الإنجاز والتقويم.
- التقويــــم :
يأتي التقويم داخل البرنامج السردي بعد
الاختبار الترشيحي، والاختبار الحاسم، والاختبار الممجد الذي تقع فيه معرفة
البطل الحقيقي، ومكافأته إيجابا أو سلبا. ويعني هذا أن التقويم مبني على
معيار الصدق والكذب، والتركيز على الفعل التأويلي وفعل المعرفة. ويعني هذا
أننا نصدر أحكاما على فعل الفاعل الإجرائي على ضوء معرفة ما قام به من
مهمات: فهل ماقام به هو عمل صادق أو كاذب أو واهم أو بقي سرا من الأسرار؟!!
أي: نتحدث هنا عن البعد المعرفي من خلال تقويم نتائج الأفعال على ضوء
معيار الصدق والكذب. (صدق الحالات أو كذبها أو وهمها أو خفاؤها).
هذا، ويخضع التقويم للعلاقة التعاقدية
المبرمة بين المرسل والذات البطلة . فالعقد" المبرم منذ البداية بين المرسل
والمرسل إليه- (الذات) يوجه المجموع السردي، وباقي الحكاية يبدو ،إذاً،
كتنفيذ له من قبل الطرفين المتعاقدين، ومسار الذات - الذي يشكل مساهمة
المرسل إليه- يكون في نفس الوقت متبوعا بالتقويم التداولي (المكافأة)
والمعرفي (الاعتراف) من قبل المرسل.
ونتيجة لذلك يكون عمل الذات مؤطرا بمقطعين
تعاقديين: إقامته وإجازته واللذان يتبعان هيئة عاملية غير الذات: نقول
بأنه يوجد بداية هيئة إيديولوجية للإعلان عن الحدث وفي النهاية هيئة جيدة
لتفسيره ومماثلته مع الكون القيمي الذي تتحكم فيه."
ويعني كل هذا أن التقويم هو تثمين لعمل
الذات البطلة وتمجيد لمهماتها، أو قد يكون قدحا مشينا في ما قامت به من
أفعال وأعمال لا ترضي المرسل على ضوء ما تم إبرامه من عقود مشتركة.
- ملاحظات تتعلق بالبرنامج السردي:
يلاحظ من كل هذا أن محطات البرنامج السردي
(التحفيز- والكفاءة- والإنجاز- والتقويم) مترابطة سببيا ومنطقيا، فكل محطة
تؤدي إلى محطة لاحقة بشكل تراتبي وممنهج. و ينبغي على الباحث السيميوطيقي،
عند استحصال محطة واحدة من البرنامج السردي، أن يبحث عن باقي المحطات
السردية الأخرى، فيستكملها بشكل كلي وشامل حتى تتضح الرؤية السردية
والوصفية. ويمكن توضيح البرنامج السردي في هذه الخطاطة التالية:
التحفيز-manipulation الكفاءة
compétence الإنجاز performance التقويم sancation
الحث على الفعل تأهيل الفعل تنفيذ الفعل الحكم على الفعل
علاقة المرسل بالفاعل الإجرائي
علاقة الفاعل الإجرائي بالعمليات التأهيلية أو الوساطية أو الجهية علاقة
الفاعل الإجرائي بمواضيع القيمة - علاقة المرسل بالفاعل الإجرائي.
- علاقة المرسل بفاعل الحالة.
وهكذا، يتبين لنا ، مما سبق ذكره، بأن أول
خطوة سيميوطيقية نبدأ بها هي التحليل السردي، من خلال الاستعانة بلغة
وصفية تنتمي إلى النحو السردي، وذلك بالتركيز على المكون السردي، وتتبع
الخاصية السردية ، ومدارسة الأفعال والحالات والتحولات، ومدارسة البرنامج
السردي عبر محطاته الأربع: التطويع، والكفاءة، والإنجاز، والتقويم. وقد
بينا أن الكفاءة تتضمن أربعة مؤهلات أساسية، ألا وهي: الواجب، والإرادة،
والقدرة، والمعرفة. وهنا، يمكن الحديث عن جهات الإمكان (الواجب والإرادة)،
وجهات التحيين والتنفيذ(القدرة والمعرفة). وبما أن الفاعل نوعان: فاعل
الحالة والفاعل الإجرائي، فإن الموضوع بدوره نوعان: موضوع القيمة، وموضوع
الجهة. ويمكن كذلك الحديث عن البرنامج السردي المضاد الذي يقوم به البطل أو
الفاعل المعاكس أو الذات المضادة لتقويض البرنامج السردي الذي يقوم به
الفاعل الإجرائي من أجل تحصيل الموضوع المرغوب فيه.
وعلى أي حال، فالتحليل السردي يقوم على
مبدأين أساسيين، وهما: مبدأ التقابل أو التضاد المبني على المحور
الاستبدالي أو البراغماتي (محور التعويض والانتقاء)، ومبدأ التعاقب أو
التتابع أو التسلسل القائم على المحورالتركيبي (الترابط المنطقي).
- البنيـــة العامليـــة:
ترتكز البنية العاملية على ثلاثة محاور
أساسية، تتمثل في محور التواصل، والذي يشمل المرسل والمرسل إليه، ومحور
الرغبة ، والذي يتضمن الذات والموضوع ، ومحور الصراع ، والذي يتقابل فيه
المساعد والمعاكس.
ومن المعلوم أن العامل هنا لا يعني
الشخصية فقط، بل هو مفهوم شامل قد يعني المؤسسات والقيم والأفكار والفضاءات
والأشياء والحيوانات وغيرها من المفاهيم المجردة، كالسعادة، والجهاد،
والإسلام...
وتتسم البنية العاملية بكونها بنية عامة
ومجردة يمكن تعميمها على الكثير من الظواهر والنصوص والخطابات، وترتبط هذه
البنية العاملية بشكل وثيق ومتصل بالبرامج السردية التي تنبني عليها القصة.
ومن هنا،" فإن البرامج السردية هي وحدات سردية تنبثق عن تركيب عاملي قابل
للتطبيق على كل أنواع الخطابات."
وتتوضح البنية العاملية بشكل جلي من خلال هذا المثال التبسيطي الذي يوضح مسار الرسالة النبوية الشريفة:
ذات = الرسول (صلعم)
موضوع = نشر الرسالة
المرسل = الله
المرسل إليه = الإنسانية كافة
المساعد = المهاجرون والأنصار
المعاكس = الكفار
وإليكم مثالا آخر يتعلق بفتح الأندلس:
ذات = طارق بن زياد
موضوع = فتح الأندلس
المرسل = الجهاد
المرسل إليه = المسلون
المساعد = الإيمان والتقوى والجيش البربري
المعاكس = لذريق وجيوشه.
ولايمكن الحديث عن البنية العاملية إلا في علاقة مع الأفعال والحالات والتحولات والبرنامج السردي في شكل تصور كلي ورؤية شاملة.
ب- المكــــون الخطابــــي:
يدرس المكون الخطابي كل ما يعلق بالتيمات
الدلالية ووحدات المضامين، وذلك بالانتقال من الصورة أو الليكسيم إلى
المسار التصويري ثم إلى التشكلات الخطابية ، وذلك " وفق سلسلة من
الإرغامات التي يفرضها الإطار الثقافي العام الذي أنتج داخله النص السردي."
- الصـــورFigures :
الصور هي مجموعة من اللكسيمات التي ترد
داخل النص أو الخطاب، وقد تتحدد بدلالاتها المعجمية أو بدلالاتها السياقية.
ويعني هذا أن الصورة " تحتوي عموما على مضمون ثابت يحلل إلى عناصره
الأولية. قد تبرز انطلاقا من نواة المضمون، أنواع أخرى من التحقيقات، وذلك
من خلال الاستعمالات المختلفة للصورة. نطلق مصطلح المسار السيمي على
الإمكانات المحققة. بناء على ما تقدم، تعتبر الصورة وحدة من المضمون
الثابتة والمحددة بواسطة نواتها الدائمة حيث تتحقق الافتراضات بشكل متنوع
حسب السياقات.
ينبغي أن نعتبر الصورة كتنظيم للمعنى الافتراضي المحقق بشكل متنوع حسب السياقات. هذا يقودنا إلى تصور الصورة في جانبيها التاليين:
- المعجم: يمكن أن تحدد كل الدلالات
الممكنة للصورة وكل مساراتها الممكنة كمجموعة منظمة من المعاني.هذا العمل
موجود في قاموس اللغة، والصورة هنا يتم فهمها من المنظور الافتراضي.
- الاستعمال: تحدد الصورة حسب الاستعمال
الذي يمارس على الملفوظات والخطابات التي تستغل جانبا من الجوانب الممكنة
للصورة. الصورة هنا يتم فهمها في الجانب المحقق.هكذا، نرى أن الجانب
الافتراضي يحيل على الذاكرة، والجانب المحقق على الخطاب."
ويعني هذا أن هناك الصورة المعجمية
القاموسية المبنية على الذاكرة اللغوية، والصورة الدلالية السياقية المبنية
على الاستعمال والتحقق النصي والسياقي. وبتعبير آخر، هناك ما يسمى بصورة
التعيين(صورة الكلمة التقريرية الحرفية المباشرة) وصورة التضمين(صورة
الكلمة الموحية الاستعارية والمجازية).