** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 لتفكيكية بين نقض الأنموذج البنيوي وتأهيل الفراغات

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
هذا الكتاب
فريق العمـــــل *****
هذا الكتاب


عدد الرسائل : 1296

الموقع : لب الكلمة
تاريخ التسجيل : 16/06/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 3

لتفكيكية بين نقض الأنموذج البنيوي وتأهيل الفراغات  Empty
15102012
مُساهمةلتفكيكية بين نقض الأنموذج البنيوي وتأهيل الفراغات

التفكيكية بين نقض الأنموذج البنيوي وتأهيل الفراغات




د.سلامة محمد رضا العمري



باحث من المملكة الأردنية الهاشمية

لتفكيكية بين نقض الأنموذج البنيوي وتأهيل الفراغات  Books_previewإذا كانت الحداثة من
جملة المغالطات التي سوقها المشروع العلماني في الغرب؛ فإن حركة التفكيك
لم تصدق الوعد بالخلاص من مقولات الميتافيزيقا. وهي على هذا الأساس واجهت
البنيوية بعد أن اكتشفت تحالفها غير المعلن مع المنظور التاريخي، لكن ذلك
لم يتم لهذه الحركة خارج حدود الاستثمار الفلسفي لآراء نيتشه وهايدغر كما
بين جاك دريدا(1).



ولعل
حركة التفكيك من هنا لم يكن من ضمن أهدافها تقديم منهجية متوازية مع
المنهجية البنيوية، أو إحداث قاعدة تأسيس نظري في قراءة النصوص تميزها عن
الميتافيزقا التي أنتجها خطاب الفلسفة؛ بدءاً من المثالية الكانطية،
وانتهاء بالمذهب التجريبي.




إن
اعتماد مبدأ التفريق بين حركة التفكيك والبنيوية على أساس الاختلاف
المعرفي بينهما، قاد في النهاية إلى بلورة مصطلح الحداثة Modernity للدلالة
على النشاط التفكيكي. وقد مثل ذلك خطوة غير محسوبة في إثبات أن ما خلفته
حركة التفكيك على المستويين النظري والمنهجي هو نقيض البنيوية، كما أفضى
إلى الحديث عن ثنائية الالتزام والتحرر بوصفها التدشين اللازم لمشروع
الحداثة . يقول محمد بنيس: وحتى لا نتوه في المفارقات والمطابقات نثبت أن
الحداثة حداثات، وهذا يتجلى أيضاً في انفصال الغرب عن الغرب رغم العلاقة
بينهما: الاستيعاب/التحرر، الغرب/الإنسان-وتختار حداثة الضد في العالم
العربي حداثة الضد في الغرب، وهي حداثة فكرية وسياسية بالدرجة الأولى، على
عكس هذه التقنية التي تقيد العالم العربي… بهذه الحداثة الفكرية تعيد قراءة
الموروث… وتهب الفكر مداه السياسي والاجتماعي والثقافي والإبداعي. ونحن
جميعاً متورطون في الغرب، متورطون في الحداثة (2).

لقد كان تمثيل حركة التفكيك بخط الحداثة ،
حسب واقع المناقشات النقدية(3) بمثابة رفض لمصادر التشريع الفلسفي التي
تبناها مؤسسو هذه الحركة، وعلى رأسهم جاك دريدا. ولعل استثمار نقد المقولات
الميتافيزيقية كما تحقق عند نيتشه وهايدغر هو ما حاول أن يؤكده باول دي
مان(4) في إقرار أيدولوجيا التفكيك، وما تذهب إليه من نفي التصور البنيوي
والتاريخي لوجود الأدب. أما الأسلوب الذي اعتمدته حركة التفكيك، فإنه لم
يكن مضبوطاً بوعي لساني مختلف عما هو مثبت في درس اللغويات الحديثة. ومن
ثمة، أخذت هذه الحركة حقيقتها المنهجية من البنيويين، ليس لتقديم أنموذج
مقابل في القراءة وإنتاج أدوات التأويل-بل لتسليط الضوء على جبرية الارتباط
بين المقولات الميتافيزيقية والفكر الغربي المعاصر.

إن المنظور التفكيكي في قراءة النصوص لم
يأت خدمة لتحول معرفي جديد حتى يتم تبريره بمفهوم الحداثة؛ فقد شدد منهجياً
على عدم وجود هذه الغاية لديه، كما توسل بمعطيات التحليل البنيوي لتوضيح
المشكل القائم في الحضارة الغربية ( 5).

وهو أن الذات التي يرتبط حضورها بالجانب
التأويلي في خطاب المعرفة، ظلت مسؤولة عن ضبط موضوعها. وما نتج عن ذلك أن
الفكر الغربي-منذ وجوده إلى الوقت الحاضر- تبنى خيار الدفاع عن سلطة المرجع
بوعي تاريخي غير معلن. وضمن هذه الملابسات، لم تتوقف حركة التفكيك عن حد
التسويغ الفكري لأهدافها بالكشف عن مسار التحيزات الثقافية للعقل الغربي-بل
توجهت إلى الأنموذج البنيوي لإثبات أنه لم يتجاوز بمقولاته عصر
الميتافيزيقا، وأنه خاضع بتقعيداته اللغوية لشرط ما سماه دريدا التمركز
المنطقي (6).

وقد أكدت هذه الحركة بممارساتها المنهجية
أنها تستطيع إبطال المشروع البنيوي، ونفي ما قامت بتسويقه على أنه نتائج
موثوقة في القراءة-عن طريق البرنامج اللساني ذاته المعتمد بنيوياً. ولا شك
أن النقد التفكيكي في ضوء المنهجية التي اختارها دريدا استطاع أن يضع
ادعاءات البنيوية بين قوسين، كما استطاع أن يزعزع ثوابت النظرية اللغوية
عند سوسور. فهو يتناول النص بوصفه نشاطاً كلاميا غير محدد من الناحية
الدلالية بسبب عدم تحيز الإشارة اللغوية إلى معناها المعجمي ضمن نسق
الخطاب(7).

وفي هذا السياق المنهجي يقوم التفكيك
بتجاهل الدلالة المصاحبة للكلمات لإنشاء سلسلة طويلة من أنساق المعاني تضمن
تثبيت واقع التعدد في القراءات.

إن أسلوب المعالجة التفكيكية للنصوص عن
طريق تحرير اللغة من ارتباطاتها بالنظام النحوي. هو الأساس للطعن في أنموذج
اللسانيات الحديثة الذي طبقته البنيوية. ولعل ذلك يتناقض جذرياً مع التوجه
النقدي الذي يرى في درس اللسانيات الحديثة، كما أقره سوسور، خروجاً من
ميتافيزيقا الفكر الغربي الذي يعطي الأسبقية للمعنى على اللغة. وينص دليل
الناقد الأدبي على مثل هذا التوجه تحديداً:

يفيد دريدا من مقولات الخطاب الألسني خاصة
ما توصل إليه فرديناند دي سوير. فهذا الأخير قد توصل إلى نتيجة حاسمة حين
بنى المعرفة اللغوية على الاختلاف . فمعرفة الكلمة وما تعني ليست سمة قارة
فيها، بل الكلمة تعني وتقبل الإدراك لأنها تختلف عما سواها، وما المعنى إلا
نتيجة بناء كلمات على نحو معين وتحت شرط علاقات تقوم بينها تخضع لقوانين
وقواعد ثابتة. فمن الوجهة اللغوية لا امتياز لأية كلمة على أخرى ولا لحرف
على أخر؛ وكذلك لا أسبقية للمعنى على تركيب الجملة، وإنما هو نتيجة ناجمة
عن اكتمال البناء النحوي. إن الأسبقية أو الامتياز الذي يضفيه الفكر الغربي
على المعنى هو ما يسميه دريدا التمركز المنطقي (8).

لقد كان نقد التفكيك للبنيوية قائماً على
رصد التناقضات في أنموذج التحليل اللغوي الذي توسلت به ضمن حقل الدراسة
الأدبية. أما اختيار هذا الأنموذج بالذات، ومن ثم الوصول به إلى واقع
التعدد اللانهائي في قراءات النص الواحد؛ فإنه يقع بالنسبة إلى حركة
التفكيك خارج نطاق الدعم للألسنية الحديثة التي قام عليها المشروع البنيوي.
والمغزى هنا من اعتماد أنموذج التحليل السوسوري يتمثل بإثبات أن المعنى
يكون سابقاً على النسق الذي دافعت عنه البنيوية، وهو ما يعكس بالضرورة
هيمنة الوعي الميتافيزيقي على الخطاب، بالإضافة إلى كونه دالاً على أن كل
معرفة لغوية حسب المنظور البنيوي هي إزاحة معرفية عن الموضوع/النص إلى
الذات/القارئ، وما يمثله ذلك من تحيز ثقافي للنظرية التي تريد أن تؤكد
مقولاتها عملياً في الأدب.

إن تعطيل ادعاء العلمية في المشروع
البنيوي، كان يتطلب من حركة التفكيك إنتاج وعي متوافق مع فلسفة هايدغر فيما
يمكن تبريره بالاشتغالات اللسانية الحديثة. ولا شك أن الدائرة الهايدغرية
استطاعت أن تستدعي موقعاً محورياً في الفكر التفكيكي. وقد أثبت ذلك باول دي
مان خصوصاً عندما أخذ على النقد الجديد والبنيوية اعتقادهما أن الفهم
الكامل للنص ممكن التحقيق؛ إذ رأى أن عملية الفهم مؤقتة بتاريخ راهن، لكن
ذلك التاريخ يراوغ الكلية دائماً، فحينما تبدو الدائرة على وشك الانغلاق،
يكون المرء قد صعد وهبط درجة على سلم ما يدعوه مالارمي الدوامة الحلزونية
(9).

لقد كان التوفيق بين مضمون البلاغ الفلسفي
عند كل من نيتشه وهايدغر، وبين الأنموذج اللساني الذي ضبطت به حركة
التفكيك جدول أعمالها بمثابة الإعلان عن خطاب واحد في المعرفة، لكن ذلك لم
يكن كافياً لمنع هذه الحركة من التناقض مع طروحاتها في الطعن الذي وجهته
للمشروع البنيوي، إذ تجاوزت الفلسفة التي اعتنقتها بوعي تطبيقي مخالف،
فأصبحت عرضة للنفي حتى بمنظور نيتشه وهايدغر الذي يقول بوجود القراءة على
حساب الكتابة .

والتفكيك في هذا الجانب بالذات لم يتحرر
من وهم الإنفاق المنهجي اللازم لوقف البنيوية عن العمل خارج حدود
الميتافيزيقا؛ فقد استخدم أنموذج التحليل اللساني الذي أراد تقويضه عند
البنيويين في فرض استراتيجيته القائمة على تعدد القراءات، وهو ما يعني أن
حركة التفكيك تعترف ضمنياً بأن الإجراء الذي تتوسل به لنقض البنيوية ليس
إلا نتاج وعي ذاتي بالموضوع/النص.

كما يعني أن هذا الإجراء يقع في إطار
التكريس لواحدة من هاتين المقولتين. الأولى: إن المشروع البنيوي هو تثبيت
أصيل للمنهجية العلمية التي تفصل بين الذات والموضوع.والأخرى: إن حركة
التفكيك تعد جزءاً حقيقياً من تراث الميتافيزيقا الذي تسعى إلى كشفه،
ومعرفة دوره في تأسيس شكل الخطاب. وما لا يجوز عده، خارج هذا النطاق من
الزيف المنهجي عند التفكيكيين، وصولاً إلى ما قرره جاك دريدا-يتمثل أصلاً
بتراجع النقد المعارض عن فهم القضية المحورية التي يناقشها. ويمكن معاينة
ذلك فيما ذهب إليه جوناثان كولر من اعتقاد بأن حركة التفكيك تركز على أن
النصوص يمكن أن تقرأ بطرق مختلفة، كل نص ينطوي على إمكان وجود عدد من
الأبنية غير المحدودة، وأن الاقتصار على بنية واحدة يقوم عليها النص يعد
فعلاً وصفياً وأيدولوجياً واضح التحيز (10).

إن تجاوز كولر للاعتماد الفلسفي في حركة
التفكيك هو المسؤول عن خطأ الفهم لمنهجيتها القرائية، فهي وفقاً لجملة
الأهداف التي أعلنت عنها تريد أن تثبت أن الأنموذج اللساني البنيوي ينطوي
على إمكانات التعدد وعدم الثبات، ما يضعه تحت طائلة الهيمنة الميتافيزيقية
الكاملة. ودريدا نفسه يلح ضمنياً على هذه الغاية: صحيح تماماً أن هذه حركة
تتكرر بانتظام في جميع قراءاتي للأعمال الأدبية والفلسفية. فأنا لا أعتبر
النص، أي نص، كمجموع متجانس. ليس هناك من نص متجانس. هناك في كل نص، في
النصوص الميتافيزيقية الأكثر تقليدية، قوى عمل هي في الوقت نفسه قوى تفكيك
للنص. هناك دائماً إمكانية لأن تجد في النص المدروس نفسه ما يساعد على
استنطاقه وجعله يتفكك بنفسه، سواء أتعلق الأمر بفرويد أم بهوسرل، بهايدغر
أم بأفلاطون، بديكارت أم بكانت. ما يهمني في القراءات التي أحاول مباشرتها
هو ليس النقد من الخارج، إنما الاستقرار أو التموضع في البنية غير
المتجانسة للنص، والعثور على توترات، أو تناقضات داخلية، يقرأ النص من
خلالها نفسه. فهذا لا يعني أنه يتبع حركة مرجعية-ذاتية، حركة نص لا يرجع
إلا إلى نفسه، ولكن هناك في النص قوى متنافرة تأتي لتقويضه وتجزئته (11).

إن ما هو أكيد، حسب دريدا، يرتبط بحقيقة
أن كل وعي منهجي أو أدبي خاضع لتنظيم الميتافيزيقا، وأن هذه المسألة تقع
تحت ملاحظة التفكيك. ويدل ذلك على أن تعدد القراءات للنص الواحد هو محور
الادعاء التفكيكي على علمية البنيوية . ولا يدل إطلاقاً على كونه بديلاً
منهجياً كما يزعم كولر. ولئن عكس تصريح دريدا هذا الرأي بما يعوزه من
الصحة؛ فإن منهجية التفكيك نفسها يمكن تعطيلها اعتماداً على الانموذج الذي
تستخدمه إجرائياً مع تأكيدها أنه واجهة دعم لميتافيزيقا البنيوية والنقد
الجديد. وضمن هذه الملابسات لم يكن النقد المحافظ قادراً على ربط مقولات
التفكيك بالقضية الفلسفية التي تدافع عنها. يقول عبد العزيز حمودة وهو واحد
ممن انتصروا لهذا الخيار: وبرغم الشعبية التي يتمتع بها التفكيك في الحياة
الثقافية الأمريكية إلا أن تلك الشعبية لم تمنع ظهور حركة معارضة قوية،
ظلت لبضع سنوات تحاول كشف زيف الاستراتيجية وخطورتها في الوقت نفسه دون
نجاح يذكر.

فقد كانت تصطدم بأصوات الفتكيكيين العالي
والتي تسارع إلى اتهام كل من يختلف مع مشروعهم بالرجعية والجهالة. ثم إن
الغموض المتعمد والمراوغة المقصودة من جانب دعاة التفكيك دفعت البعض إلى
الإحجام عن معارضتهم. لكن المعارضة استطاعت أخيراً، منذ النصف الثاني من
الثمانينيات، أن تكشف المشروع التفكيكي و تفضحه . وخرج المشروع بعد فترة لم
تزد على خمسة عشر عاماً لفسح الطريق أمام مشاريع نقدية جديدة، أبرزها
التاريخية الجديدة في كل من أمريكا وبريطانيا (12).

لقد أصر النقد المعارض لفلسفة التفكيك على
الإخلال بمتطلبات الربط بين النص والمنظور الثقافي الذي يبرر مقولاته
معرفياً ضمن مجال الأدب. وهو، من هنا، لم يجابه حركة التفكيك إلا في حدود
ما قررته من كون النص، بعيداً عن التناول المنهجي، يعد امتداداً للصياغات
اللغوية التي فرضها تاريخ التأليف. والحقيقة أن مثل هذا النزوع التفكيكي
لتصنيف النص ثقافياً لا يخدم مبدأ الخلاف مع البنيوية بقدر ما يمثل تراجعاً
في تعليل التباين بين الخطاب الأدبي والخطاب العام. ولا شك أن المنهج
البنيوي ضمن هذا الجانب بالذات مرتبط بمسار مستقل عن حركة التفكيك يجعله
غير قابل للاحتواء إجرائياً.

إن تركيز النقد المعارض على حل فلسفة
التفكيك جاء من الموقع الذي لا يسوغ تثبيت مقولات أساسية منفصلة عن سياقها
الفكري والمنهجي. وقد عكس ذلك تصريح عبد العزيز حمودة الذي دعم به جون إليس
فيما ذهب إليه من إنكار لجدة الأفكار التفكيكية(13)؛ إذ تجاوز حقيقة أن
التاريخية الجديدة استجابت لقتل الأنموذج البنيوي الذي أنجزه التفكيك؛
وعادت إلى إحياء المنظور التاريخي في مرحلة ما قبل البنيوية. إذن، ليس
صحيحاً أن التاريخية الجديدة لها مشروع مغاير في القراءة-بل هي واقع منهجي
تم استدعاؤه لتأييد النتائج التي توصلت إليها فلسفة التفكيك.

و يمكن بطبيعة الحال وضع الملصقات النقدية
التي تجاوزت الهدف المعرفي للتفكيك ضمن صيغة التوافق مع مقولة موت النص
كما رسختها سلطة المرجع بالمنظور التفكيكي إلا في القليل من الحالات. ومثال
ذلك ما عكسته الدراسة الجادة لعلي الشرع التفكيكية والنقاد الحداثيون
العرب في سياق تبريرها لهذه الاستراتيجية من القراءة:

يبدو أن التفكيكيين لهم وجهة نظر مغايرة
لوجهة نظر معارضيهم، فهم يصرون على القراءة بعنف ويستخدمون مصطلحات حادة في
وصف قراءاتهم، مثل انتهاك أو تدمير، وهم لا يترددون في توظيف مهاراتهم
القرائية في أي نص مهما تكن صيغته فلسفية، أو دينية، أو أدبية، أو غير ذلك.
وهم كما وضح ذلك الناقد التفكيكي هارولد بلوم يعتبرون القراءة التفكيكية
السلاح القوي الذي يلجأ إليه الخلف إذا أراد من جهة، أن يصحح الأخطاء
المحتملة أو إذا أراد من جهة أخرى، أن يجد لنفسه موطئ قدم في فضاء اللغة أو
المعرفة التي أصّلها السلف، وذلك لا يتم إلا بمعاودة قراءة الأصول بعنف
ويقظة (14).

إن قراءة الشرع للأرضية التي نهض عليها
التفكيك هي بمثابة تمييز محكوم بوعي فلسفي بين خطابين منفصلين في النقد،
هما الخطاب البنيوي والخطاب التفكيكي. ويدل استثمار الشرع لرأي هارولد بلوم
في القراءة التفكيكية على تحالف صحيح مع مبدأ أن التفكيك يمثل حركة شطب
واعية للأساس الميتافيزيقي الذي قامت عليه البنيوية. وهو ما لا يمكن
الاختلاف عليه في حدود الإقرار بأن حركة التفكيك توسلت بأنموذج التحليل
اللساني الذي توسلت به البنيوية لقراءة النصوص. أما وضع الشرع لمقولات
أدونيس ضمن واقع الارتباط بالفكر التفكيكي، فهو مما تتوقف عنده هذه
الدراسة: والملاحظ أن الحداثيين العرب لم يروجوا لمصطلح التفكيكية، واكتفوا
باستخدام مصطلح الحداثة. ولعلهم فعلوا ذلك إدراكاً منهم لجوهر الحركة
التفكيكية القائم على روح الحداثة المستمرة.

والدارس الحالي يقول ذلك لأنه يعرف أن
أدونيس استخدم مصطلح التفكيك في بداية السبعينات استخداماً دالاً على تفهم
سليم لحقيقة منهج الفكر التفكيكي ولحقيقة الجذور الفلسفية التي أوجدته. فقد
سئل أدونيس، في لقاء أجرته معه مجلة البلاغ سنة 1970، السؤال التالي: إذن
تعتقد أن تأسيس عصر جديد يفترض الانفصال كلياً عن الماضي وأن التفكيك
والتفتيت هما قاعدة كل إبداع . وأجاب أدونيس قائلاً: نشوء ثقافة جديدة
يفترض نقد الموروث وتفكيكه (15) .

ويضيف الشرع: إن أدونيس، حقيقة، يعتبر
المنظر الأول لحركة الحداثة العربية، وبالتالي المبشر للاتجاه التفكيكي في
النقد العربي الحديث.وهو، غالباً، عندما يناقش الحداثة فإنه يناقش منهجية
النقد التفكيكي (16).

إن الربط بين حداثة أدونيس والفكر
التفكيكي لا يمكن أن يتسق مع الواقع الفلسفي الذي قامت عليه حركة التفكيك؛
فهذه الحركة التي كان لها علاقة وثيقة بالأهداف المعلنة لخطاب موت المعرفة،
بدءاً من النقد الجينالوجي عند نيتشه وانتهاءً بجاك دريدا وباول دي مان،
لا تتوافق معها مقولة أدونيس: نشوء ثقافة جديدة يفترض نقد الموروث وتفكيكه .

ولعل الشرع في تبنيه لأدونيس ضمن هذه
الإشكالية أراد أن يوصّف شكل اعتماد الحداثة في النقد العربي. وقد كان ذلك
هدفه حسب عنوان الدراسة، إذ ليس ثمة مبرر للاعتقاد بأن الشرع قصد إلى تعيين
مضمون معرفي للحداثة التي لا يعترف بها التفكيك أصلاً، ولا يسعى إلى
تكريسها ضمن وضعيته الإجرائية التي كان هدفها تقويض البنيوية والنقد
الجديد. ويمكن إعادة التأكيد هنا بأن حركة التفكيك لم تسعَ إلى إقرار ثقافة
جديدة؛ فقد انشغلت فلسفياً بإثبات أن كل معرفة هي نتاج توقع ميتافيزيقي
يضاعف من سيادة القراءة على حساب الكتابة.

وفي نهاية الأمر لا بد من الإقرار بأن
اعتماد التفكيك على أنموذج التحليل اللساني بالمعطيات التي بلورها سوسور هو
تعطيل لمشروع الوعي المنهجي عند البنيويين، وما ذهب إليه من تعمية على
الثقافة بدعوى علمية النصوص.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

لتفكيكية بين نقض الأنموذج البنيوي وتأهيل الفراغات :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

لتفكيكية بين نقض الأنموذج البنيوي وتأهيل الفراغات

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: اخبار ادب وثقافة-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: