منذ بداية التاريخ و لحد الان يزداد شوق الانسان في البحث عن اجوبة
لاسئلة خالدة ، لماذا الحروب والدمار والمجاعة والامراض في العالم ؟ لماذا
الصراعات والحروب على الارض في كل المجالات على مصادر المياه؟ وعلى
الطاقة؟ وعلى المال؟ على كل شيء ؟ الا يوجد طريق اخر لحل هذه المشاكل؟
اين وظيفة الاديان والفلسفات والعلوم الانسانية باتجاه من يفضل العيش حسب
قانون الغابة؟ ما دور المؤسسات الكبيرة مثل الامم المتحدة والمحكمة الدولية
والطاقة واليونسكو والصحة العالمية والبنك الدولي والجامعات ومؤسسات
الاعلامية و دورالنشر الكبيرة وغيرها التي تعد بالالاف في تخفيف معانات
الانسان؟ متى يحل السلام على العالم؟.
اظن قليل من الناس يختلفون
معنا حينما نقول، بأن متخذي اي قرار في اي قضية ، كانوا يعتمدون على احدى
الطريقتين لا ثالثة لهما ، فاما الحكمة او القوة (1) . ليس في الامر اية
غرابة ان قلنا احيانا كثيرة يقع الانسان في صراع داخلي بين اختيار مبدأ
الحكمة أو مبدأ القوة من اجل الوصول الى الهدف او الغاية التي ينشدها في
نفسه.
من خلال دراسة رسالة الاديان والفلسفات سوف نعرف اننا لا
نستطيع ان ننكر هذه الحقيقة حينما نعلم فعلاً ان العالم واقع تحت سلطة كلا
المبدئين، حيث يبدو لنا لم تكن مهمة معظم الاديان سوى وضع دليل ليرشد
الانسان في كيفية استخدام الحكمة عوضا القوة في حياتنا (2) اما الفلسفات
كان هدفها هو كشف الحقائق وتقيمها من ناحية الموضوعية التي تساعد الانسان
على التصرف بالحكمة. على الرغم من عدم تأييدنا على استخدام القوة كوسيلة
للوصل الى الهدف، لكننا لا نستطيع ان لا نعترف بان القوة هي احد اهم
النواميس المهمة الموجودة في عالمنا شئنا ام ابينا، ولا يمكن الغائها
واحيانا اصبحت مقولة (الغاية تبرر الوسيلة) امراً مقبولا وواقعيا في
المجتمع بسبب صعوبة استمرار الحياة ونجاح قرارتها.
ان عالمنا
الواقعي يعتمد كثيراً على التجربة ونتائجها، فاكتشف الانسان منذ بدء
التاريخ كثير من الاشياء بالفطرة ، واكتشف ان القوة هي الوسيلة الوحيدة
تساعده للوصول الى هدفه او على الاقل في حماية ذاته من الاخطار الطبيعة مثل
الحيوانات المفترسة او الفيضانات او الحرائق او الزلزال او لبناء البيوت
او في توفير الطعام مثل الصيد او لتحريك الاحجار او اي عمل اخر، ولا زال
الامر كذلك لحد يومنا هذا، اي ان القوة هي الوسيلة الوحيدة لتغيرالاشياء او
تبديلها او صنعها او حملها او نقلها...الخ. بدون وجود جهدا او القوة لا
يمكن ان يحدث اي شيء في هذه العالم كأن يكون مستقر والحياة فيه معدومة.
لكن
بمرور الزمن، تراكمت المعرفة لدى الانسان من خلال كثرة التجارب، وتحول
قسم من هذه المعرفة الى الحكمة (النظام او القانون) . الغت او حرمت هذه
الحكمة تعامل الانسان مع اخية الانسان عن طريق العنف، استبدلت الحكمة
العنف بوضع القانون. لكن لازال الانسان او المجتمعات او التكتلات البشرية
او الدول يتبنون طريق القوة للوصول الى غاياتهم المنشودة
(3).
ان
قوة الحكمة متثملة بقوة العقل التي حاولت منذ البدء كشف الحقيقة من ثم
العمل بموجبها، لكن عجزها من الوصول الى هذه الغاية في كل مرة يأتي بسبب
وجود خلل طبيعي فيها او نقص طبيعي في امكانية البيولوجية للانسان او لانها
نفسها جزء من الطبيعة الناقصة (4)، لكن الشيء الايجابي فيها انها لاتعرف
الملل فهي مستمرة في البحث عن الحقيقة وايجاد الحلول النظيفة وتنظيم
نتائجها او معرفتها المتراكمة في نظام او القانون.
الحكمة التي
توصل اليها عقل الانسان متجسدة الان في علومه الكثيرة ونتائجها مثل
المنطق والمثل وتعاليم الاديان والاخلاق والعادات الموروثة والفلسفات
الانسانية. هنا لا بد من الاشارة الى جهود كل هذه الفئات التي شاركت معاً
في وضع القانون اوالنظام في عالمنا المتحضر، فالعالم اليوم يعيش عصره
الذهبي من كافة النواحي لا سيما بخصوص السلم (5) ولكن مع هذا هناك الكثير
من الاخطار تواجه الانسان ليست مثل الحروب وانما خلل في النظام نفسه مثلا
عدم مقدرة النظام لايجاد الخلل المتعمد من نسبة قليلة بين الاكثرية احد
النقاط السلبية في النظام كذلك عدم تبني عدد كبير من الدول مبادئ حقوق
الانسان في دولهم .
اما مفهوم القوة يعني السير في الطريق
المعاكس للحكمة، طريق العنف والقتل والدمار وخلق التعاسة لجهة ما او قسم من
البشر من اجل الوصول الى هدفهم، الامر الذي لابد ان يترك اثراً سلبياً
على العلاقات في المجتمع الانساني. تاريخيا نجد طريقة استخدام القوة هي
اكثر بكثير من اسلوب الحكمة، ربما 90% من الحالات كان استخدام القوة (التي
يمكن رمزها بقوة الجهل لتخفيف من معنى الكلمة) هو طريق المختار للوصول الى
الهدف، خاصة عندما يكون الامر متعلق بالكتل البشرية الكبيرة مثل القوميات
والاديان والقبائل والعشائر حيث نرى قليل من الاحيان تكون الحكمة (دور
التعقل) هو السائد والامثلة على ذلك هو تاريخ البشرية المملوء من حروب
القومية او الدينية او الاهلية.
هناك فروقات مهمة بين اسلوب
الحكمة (الفعل العقلاني ) واسلوب القوة (الفعل الجاهل). ان طريق الحكمة
يعتمد كليا على الوعي والادراك الذي ينبع من التجربة التي تحتاج الى نابغة
لتمييزها وكشفها وهي نسبة قليلة في معظم الاحيان . اما اسلوب القوة يبدو
هو عمل غريزي منطمر في العقل غير الواعي للانسان وهي جزء من الوظائف
الجسدية ، لها قليل من المعرفة اوالحكمة التي تزداد عن طريق عملية
(المحاولة والفشل عبر التاريخ البيولوجي ).
من الملاحظ ان طرحنا
لمفهوم الثنائي للقوة والحكمة في العالم الواقعي يقترب او يشبه مفهوم
الثنائي للخير والشر في العالم. لكن في الحقيقة ان ثنائية الحكمة والقوة
ليست نفسها ثنائية الخير والشر تماماً وان كانت متشابهة لها .لان احيانا
كثيرة نرى ان العقل (الحكمة) تعجز عن ايجاد الحل المناسب للمشكلة بسبب
اعتمادها على الوعي اوالمعرفة التي قد تكون ناقصة كما قلنا عند صاحب
القرار. عجز الحكمة في اداء الواجب تجبر الانسان على الاعتماد على مبدأ
القوة. فالانسان لا يستطيع ان يتراجع عن رغباته الى الوراء، او يتخلى عن
هدفه، حينها لا يملك سوى استخدام القوة كما كان في عصور القديمة كي يصل الى
هدفه المنشود. (6)
في الختام املنا ان تساعد التكنولوجيا
الانسان الحالي على تجاوز مشكلة النقص في المعرفة، فيحل عصر نبذ القوة في
عالم متحضر مسالم يستطيع تنظيم ذاته بحسب نظام العقل والحكمة. ان يكون
الضمير الواعي هو المقرر في تشغيل وادارة التكنولوجيا من اجل صنع الخير
للانسانية جمعاه ، وان كانت هذه حالة مثالية!.
لكن هيهات ان يحل
العلم والتكنولوجيا محل الضمير والاخلاق والقيم، لان العلوم في حالة تجدد
مستمرة ولا يهمها مشاعر الانسان بينما الضمير هو صوت الاخر، ربما يكون
صوت الله او الحارس (7) من قبل العقل الواعي على الانسان نفسه والذي يمنعه
من القبول بالرذيلة والسقوط في وحل الخطيئة او القيام بامر مخالف للقاعدة
المعتمدة في المجتمع.
.....................
1- من الصعب جدا
وضع اي تمييز بين نفوذ العقل ونفوذ القوة في واقعنا اليومي بسبب تداخلهما
المتشابك في اجاز اي عملية. تبدا الخطوة الاولى عادة من محاولات التفكير
التي تأتي بفكرة عن موضوع معين ولكي يتم تحقيق او انجاز الفكرة في عالم
الواقع تحتاج الى القوة. ولكن المشكلة في بعض الاحيان هي ان طريقة التنفيذ
تعتمد على القوة كاياً من دون اعتمادهاعلى التفكير اثناء العمل فتكون
النتيجة غير صائبة .
2- هذا القضية تقودنا الى طرح موضوع اخر مهم جدا هو (القانون او الاخلاق) الذي سنناقشه في مواضيعنا القادمة ان شاء الله.
3- من
الملاحظ اغلب الصراعات الدولية تنتهي بالعنف والحروب التي تدمر البلدان
ولازال حوالي نصف العالم يعيش تحت انظمة دكتاتورية ظالمة . والغريب في
الامر اليوم بدأت الناس تخاف من انظمة الديمقراطية نفسها؟!!
4- كأننا
نعيد فلاسفة القدماء : هل يستطيع الميزان ان يوزن ذاته ؟ ربما يجاوب البعض
حسب الامكانيات التكنولوجية المتوفرة اليوم نعم ؟!!!
5- ان
الحروب المحلية الموجودة في العالم اليوم هي ذات اثر قليل عندما نقارنها
معها الحروب الكبيرة التي حدثت في التاريخ مثل حرب العالمية الاولى
والثانية والحروب الاوربية في زمن نابليون او في زمن الدولة العثمانية او
هولاكو، الا الخوف يأـي من نوعية الاسلحة المستخدمة اليوم ،حيث تترك اثرا
بيولوجيا على الشفرات الوراثية مما قد تؤدي الى ولادة اجيال مشوه في
المستقبل.
6- ارجو ان لا يظن القاريء الكريم اننا نشرع استخدام القوة ، لكن هذا واقع عالمنا.
7- حسب شروحات علم النفس -علي الوردي.