مفارقات الزمن البرلماني: في عبثية شراء حضور البرلمانيين
الزياني عثمان
السبت 13 أكتوبر 2012 - 11:07
لا يختلف اثنان في كون البرلمان المغربي دائما ما يصنع الحدث
بامتياز ويحمل في جعبته الكثير من المفاجآت لكن ليس بالمعنى الذي يفيد
الإيجاب والفائدة والجدوى للإرادة الشعبية والتعبير عن مطمحها في الارتقاء
بمعيشها اليومي فلا نكاد نستفيق من "زلة برلمانية "حتى تلاحقنا أخرى في
مضاجعنا ويتملكنا الاستغراب والدهشة من حيث لا ندري .والخبر بكل بساطة هو
شراء حضور البرلمانيين،وداويها بالتي هي الداء ،وهذا الأمر يدل بحق بان
هناك لوبي برلماني يجاهد في الرفع من التعويضات حتى وان كان ذلك بدون موجب
حق وينتصر في نهاية المطاف ولعل في الانتقال من الاقتطاع من رواتب
البرلمانيين إلى شراء حضورهم قمة العبث ،في الوقت الذي يعتبر الحضور في
العمل البرلماني هو الأصل والقاعدة العامة، في حين الغياب يشكل
الاستثناء،فكيف نجازي برلماني على عمل يقع في صميم وظيفته،وحتى إن تحدثنا
على أن الأمر مرتبط بصعوبات التنقل لدى البرلمانيين في حين أثبتت الممارسة
أن نسبة الحضور مرتفعة لدى البرلمانيين الذين يأتون من مناطق نائية،بينما
تنخفض لدى البرلمانيين الذين هم في العاصمة (الرباط) مقر البرلمان.
إن هذا الأمر يدل على مدى النباهة والحكمة التي يتمتع بها مدبري هذا
البرلمان المغضوب عليه ومن يدري قد تستنجد برلمانات أخرى من هذه التجربة
المغربية الفريدة من نوعها ،فبدلا من اتخاذ وتفعيل الإجراءات والتدابير
العقابية في حق ممثلي الأمة جراء تخلفهم عن الحضور إلى البرلمان نكافئهم
على ذلك بطريقة ضمنية بمعنى أن المعادلة بسيطة جدا يكفي للبرلماني الذي
يتعذر عليه الحضور إلى البرلمان أن يقوم بعملية حسابية بسيطة وذلك بتقدير
مقدار الربح بين ما سيحصل عليه من تعويضات مالية إضافية على حضوره وما
سيتحصل عليه من غيابه للقيام بكل ما من شانه أن يدر عليه الأرباح من خلال
مباشرة أعماله أو القيام بوساطة بين المواطنين والإدارات العمومية ،والأكيد
إذا كانت مغرية أكثر فسيكون المحصلة إسقاط الحضور من اهتمامه وأجندته.
ومن يدري قد تتوسع دائرة التعويضات والامتيازات المادية لتشمل بالإضافة
إلى التحفيز المالي على الحضور إلى التعويضات على التصويت أو منح عروض
استثنائية للتشجيع والتحفيز على من يطرح الأسئلة أكثر (مثلا من يطرح
سؤالين لديه تعويض إضافي بمعدل أربعة أسئلة بمنطق التعبئة المضاعفةdouble
recharge )ومن يتقدم بمقترح قانون يكسب تعويض مقترحين،ومن يحرج الحكومة
بزيادة أيضا ،ناهيكا عن الإغراءات المالية للسفر إلى الخارج في إطار مهمة
خصوصا تشجيع النواب للسفر في إطار مهمة إلى البلدان غير المغرية سياحيا
كدول أفريقيا الفقيرة مثلا،أو منح تعويضات عن سكوتهم أو كلامهم بحسب ظروف
الحال والقضايا المجتمعية المطروحة للنقاش،وعليه ربما سنشهد على ولادة
برلمان جديد،من يدري كل شيء ممكن في هذا البلد السعيد؟
أظن أن البرلماني الذي يحترم موقعه وموضعه ويلتزم بواجباته عليه أن
يرفض رفضا قاطعا هذه التعويضات كما رفض فيما سبق الاقتطاع من راتبه حالة
غيابه ،ونفس جبهة المقاومة ضد الاقتطاع يجب ان تتشكل ضد منح التحفيزات
المالية للحضور ،وأظن آن هذه الزيادات جاءت ضد التيار وتكاد تكون غير
مفهومة وفي هذا الوقت بالذات الذي يعرف فيه العالم أزمة اقتصادية التي لها
انعكاس على الداخل المغربي وتداعيات الاقتصاد المغربي الذي يئن تحت وطأة
الأزمة ،ولعل ما نشرته منظمة الفاو حول المغرب بخصوص الجوع والإحصائيات
الصادمة تجعلنا في موقع الإجبار في نهج حكامة مالية تعتمد حسن التدبير
الرشيد والعقلاني للموارد المالية وحسن صرف النفقات.
واعتبر بان معالجة ظاهرة الغياب لدى البرلمانيين لا يمكن اختزالها في
التحفيزات المالية أو شراء حضور البرلمانيين"اللي ما جابتو محبة ما يجي
بحزارة"، لأن المشكل أعمق من ذلك وبحاجة إلى مقاربة شمولية تنطلق من
البرلماني في حد ذاته الذي مازال ينظر إلى الوظيفة البرلمانية من منظور
التشريف وليس التكليف ،فلا يمكن أن نجعل منها مهنة للاغتناء وخصوصا إذا
استحضرنا المكانة الاعتبارية والرمزية للبرلماني وما تفتحه الوظيفة من آفاق
مستقبلية في الولوج إلى عوالم السلطة وما يترتب عنها من امتيازات ومنافع
ومكاسب لا تحصى ،وبالتالي قد يكون هذا الحل لذر الرماد في العيون فقط دون
أن يأتي بنتائج جيدة ،ونكون مسكنا العصا من وسطها ،فليس الوقت مناسب لإغداق
البرلمانيين بالمال بالنظر إلى ما يتقاضونه في الوقت الذي نتحدث عن
إكراهات في مختلف المجالات التنموية ،وحتى الدول الأوروبية ألان تنهج سياسة
تقشفية على الرغم مما تملكه من بنيات اقتصادية ونسب النمو ،وقامت بإعادة
النظر في كتلة الأجور لمختلف الموظفين الساميين.
إن الدول الرائدة والعريقة في العمل البرلماني تنهج مبدأ الحكامة
البرلمانية،التي تنبني على ترشيد وعقلنة تدبير ميزانية البرلمانات وتربط
المسالة بما يتحقق من مردودية بمعنى العمل وفق قاعدة "تحقيق مردودية أنجع
وبتكلفة أقل" في حين البرلمان المغربي تظل إنتاجيته محط تساؤل كبير مقارنة
بما يصرف عليه وعلى البرلمانيين بالخصوص ،وفي ظل أيضا الاختلالات المالية
القائمة،فهل يشهد البرلمان المغربي سباقا محموما حول الحضور أم إننا سنعيد
اجترار الخبطات العشواء في عملية إصلاح البرلمان خصوصا فيما يتعلق بمحاربة
ظاهرة الغياب.
ففي المغرب مازلنا نتعامل وفق قاعدة "إغناء الأغنياء وإفقار الفقراء "