هل ثمة تقارب إيراني أمريكي؟!
مركز الراسات المعاصرة
2012-03-05
منذ العام 2003 وحتى يومنا هذا ووسائل الإعلام تهوّل لحرب
محتملة في المنطقة بين أمريكا وحلفائها من جهة وإيران من جهة أخرى، بسبب
برنامج الأخيرة النووي، والذي تعتبره أمريكا -صوريًّا- يشكل تهديدا أمنيا
لها، وتعتبره المؤسسة الإسرائيلية تهديدا وجوديا.
ما يمكن أن نقرأه من خلال الواقع أنّ كل هذا التهويل لحدوث حرب، هو مجرد
خدعة، لأننا نؤمن أن الحرب الأمريكية تدور رحاها في مكان آخر، ولن تكون في
إيران، لأننا نؤمن -من خلال استقراء الواقع أيضا- أن إيران هي مشروع أمريكي
وليست عدوا كما يحاول الطرفان؛ الإيراني والأمريكي، تصويره للعالم.
هذا الكلام الذي نقول تدلل عليه عدة وقائع وقرائن، بحيث
إذا جُمعت كونت لنا صورة واضحة المعالم لحقيقة المشهد الذي تسعى الولايات
المتحدة وإيران لإخفائه. هذه الوقائع تؤكد، بما لا يدع مجالا للشك، أن
الولايات المتحدة سعت لاختلاق عدائها لإيران من أجل تسويقها عربيا
وإسلاميا، وفي المقابل فإن المؤسسة الإسرائيلية شعرت أن هناك من دول
المنطقة من يحاول اقتسام الدور الوظيفي معها لصالح الغرب، لذلك سعت المؤسسة
الإسرائيلية إلى "شيطنة" إيران في المنطقة والعالم، لأنها لا تريد شريكا
في دورها الوظيفي في المنطقة، ولكنها مع ذلك -ولأنها دولة وظيفية- لا
تستطيع أن تشق عصا الطاعة الغربية. وإيران تريد دورا وظيفيا مع ضمانات،
لأنها تعلمت من أخطاء الماضي التي ارتكبها الشاه، وكذلك الخميني، الذي
مُوِّلت حملته ضد الشاه من قِبَل أمريكا وفرنسا.
كل القرائن تشير إلى أن أمريكا لا تنوي فتح حرب مع إيران، ولكنها تريد
جرّها لكي تؤدي دورا وظيفيا في المنطقة، ولو كانت أمريكا تريد فتح حرب مع
إيران لفعلت ذلك عندما علمت بوجود البرنامج النووي الإيراني وهو في مهده،
ولكن أمريكا تركت إيران تصل إلى نقطة اللاعودة في برنامجها النووي، فحصلت
على اكتفاء ذاتي في صناعة الصفائح والطاقة النووية، كما تركتها تضاعف عدد
أجهزة الطرد المركزي من 64 في العام 1997 إلى 9 آلاف في يومنا هذا.
من القرائن أيضا: هناك شبه إجماع في أوساط المحللين الغربيين وبعض المحللين
العرب أن العقوبات الاقتصادية على إيران فشلت، وعليه لم يبق أمام أمريكا
والمؤسسة الإسرائيلية سوى المواجهة العسكرية، والسؤال: لماذا سمحت أمريكا
لإيران بخلق واقع جديد كقوة نووية جديدة إذا كانت فعلا تريد المواجهة؟.
والمؤسسة الإسرائيلية أيضا لا تريد مهاجمة إيران لأنها دولة وظيفية، وهي في
الحالة الإيرانية تريد من ينوب عنها في محاربة إيران، لذلك فهي تحاول
التحريض على إيران وشيطنتها، ولكن القناعات الأمريكية هذه المرة تختلف، وما
على تل أبيب إلا السمع والطاعة، وهذا ما يفسر الزيارات المكوكية من قبل
عسكريين ودبلوماسيين أمريكيين إلى المؤسسة الإسرائيلية، لأن هذه المؤسسة
وإن كانت تعلم النوايا الأمريكية الحقيقية، إلا أن غيرتها من الشريك الجديد
قد تدفعها نحو حماقات غير محسوبة العواقب. وما يؤكد أيضا عدم جدية المؤسسة
الإسرائيلية في مساعيها لتوجيه ضربة عسكرية هو حصولها من مدة على شيفرة
منظومة الدفاع الجوي الإيراني المتطورة "تور ام 1"، التي ابتاعتها الأخيرة
من الروس، وقد مرر الروس هذه الشيفرة إلى المؤسسة الإسرائيلية مقابل تزويد
الأخيرة الروس بشيفرة الطائرات بدون طيار، التي ابتاعتها جورجيا من المؤسسة
الإسرائيلية، وهذا يعني أن المؤسسة الإسرائيلية كانت قادرة في ذلك الوقت،
قبل اكتشاف الإيرانيين للموضوع، على ضرب البرنامج النووي، تماما كما فعلت
في دير الزور في سوريا، ولكنها لم تفعل ذلك.
أسئلة عديد تطرح نفسها، وتؤكد حقيقة التوجه الأمريكي، منها مثلا : لماذا
سلمت أمريكا العراق لإيران وقضت على الوجود السني هناك؟ وسمحت لحلفاء إيران
بالاستفراد بأهل السنة، ومحاكمة الهاشمي ليست عنا ببعيدة! لماذا سمحت
لحكومة العراق بملاحقة مجاهدي خلق - المنظمة المناوئة لإيران؟ لماذا طلبت
أمريكا فتح خط ساخن بين البحرية الإيرانية وبحريتها في مضائق "هرمز"؟
ولماذا تغاضت أمريكا والمؤسسة الإسرائيلية عن بناء إيران وحزب الله منظومة
رادارية متطورة على جبل "صنين" في لبنان؛ تستطيع كشف التحركات الإسرائيلية
والأمريكية في المنطقة؟ ولماذا تقوم أمريكا الآن بشيطنة الثوار في سوريا
واتهامهم بأنهم مخترقون من قبل تنظيم القاعدة، أليس هذا ما يروج له النظام
السوري والإيراني؟
الجواب على كل ذلك واضح؛ أمريكا لا تريد ضرب إيران، لأنها تريد خلق هلال
شيعي في المنطقة يمتد من إيران إلى العراق، ثم سوريا ولبنان، من أجل مواجهة
أي مدّ سنّي في المستقبل، خصوصا في ظل الربيع العربي الذي سيأتي بالإخوان
المسلمين إلى السلطة في العديد من البلدان العربية، هذا هو الخوف الأمريكي
الحقيقي، وعليه فإننا نؤكد أن الحرب الأمريكية تدور في مكان آخر؛ في
أفغانستان وباكستان النووية السنية، وضد الثورات العربية والمد الإخواني في
مصر وتونس وليبيا واليمن.