** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 غونتر غراس مرةً أخرى

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حياة
فريق العمـــــل *****
حياة


عدد الرسائل : 1546

الموقع : صهوة الشعر
تعاليق : اللغة العربية اكثر الاختراعات عبقرية انها اجمل لغة على الارض
تاريخ التسجيل : 23/02/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 10

غونتر غراس مرةً أخرى  Empty
10102012
مُساهمةغونتر غراس مرةً أخرى

غونتر غراس مرةً أخرى

غونتر غراس مرةً أخرى  Guenter_grass_377095


سلام عبود








لا يزل اعتراف غونتر غراس المثير، المتعلق بانتسابه، في الخامسة
عشرة من عمره، الى قوات "أس أس" النازية، حاضرا بقوة. في ثقافتنا العربية
خصوصاً، استُقبل الخبر كما تستقبَل الفواجع الكبيرة. ولم يتمكن أحد من
الاقتراب، ولو قليلا، من دوافع الاعتراف ومضمونه. فقد لبثت المشاعر ملتصقة
بالجانب الشعوري، وبالإثارة الخبرية، كما لو أن السلوك الثقافي العربي لا
يستطيع أن يتحرك أبعد من فضاء الأحاسيس، ولا يستطيع الذهاب الى ما وراءها
وما قبلها. هل ما يحدث هو أزمة هوية فكرية، تعلن عدم ثقتها بنفسها عالياً،
حالما يفاجئها ما لا تتوقع وما لا تتمنى حدوثه؟ اليوم، يعيد غونتر غراس
الكرّة ثانية، لكن بطريقة مقلوبة، فيعيد امتحان حواسنا، بطريقة مقلوبة
أيضاً.

في الأولى اعترف بصلة ما أقامها مع قوات "أس أس" في سن المراهقة، فقد
كان في السادسة من عمره حينما صعد هتلر الى الحكم، وفي الثانية عشرة حينما
بدأت الحرب العالمية الثانية، وفي الثامنة عشرة حينما سقط جريحاً وسقطت
حينذاك سلطة الرايخ الثالث. أي أن ذلك حدث قبل أن يتمكن من تنظيم أفكاره
كإنسان، وقبل أن يختار توجهه الأدبي ككاتب، وقبل أن يؤسس سلوكه الناضج كفرد
ألماني يعيش في حقبة تاريخية محددة.
لكنه الآن يقف على هرم الشيخوخة،
وعلى قمة الهرم الثقافي العالمي، وعلى رابية فسيحة يشرف منها على المشهد
التاريخي العالمي كله، في بلد يتعامل بحذر بالغ مع نفسه، ومع محيطه القريب
والبعيد، وينظر الى خطواته وهو محمّل أعباء تجربة تاريخية عصيبة، مثقلة
بالخطايا والدماء والعبر.
أثار موقفاه ردود أفعال عالمية واسعة. لكن
موقفه الثاني، قصيدته "ما يجب أن يكون قد قيل"، التي وجّه فيها نقداً
لإسرائيل تحديداً، ولسياسة تصعيد العنف عالمياً، كانت أكثر إثارة في جانبها
السياسي، وأقل جذباً في محتواها العاطفي، على عكس اعترافه الأول.
من
العجيب أن الثقافة العربية، التي وقفت مبلبلة أمام اعترافه الأول، وقفت
موقفاً أكثر غموضاً أمام اعترافه الثاني، وشمل هذا حتى بعض الذين ينهجون
نهجاً سياسياً يقترب كثيراً من محتوى ما أثارته القصيدة. بعضهم رأيناهم
يتطوعون مسرعين للوقوف، باسم الجمال مرةً، وباسم حيادية وموضوعية ملتبسة
مرةً آخرى، الى يمين إسرائيل وإعلامها الثقافي. ففي إسرائيل، ولدى التجمعات
اليهودية المتعصبة خارجها، كانت ردود الفعل الأولى شديدة الغضب، لكنها لم
تلبت أن تحوّلت، لدى شرائح الأذكياء منهم، باقتدار واتزان عقلي، الى موقف
يتسم بالتفهم، وبتصنع المقدرة على ابتلاع الحقيقة الجارحة، سعياً الى جعلها
خلافاً في طرائق التفكير، يستدعي الاهتمام والتنبه الى أسباب حدوثها. أما
ردّ غراس على قرارات المنع والتهديد بسحب جائزة نوبل والتكفير اللاسامي
فكان بسيطاً وواضحاً: "أنا لا انتقد الشعب الإسرائيلي. أنا أنتقد الحكومة
الإسرائيلية".
ماذا حدث عندنا؟ كيف تستقبل أحاسيسنا ما يظنه الآخرون موقفاً يجب أن يسجَّل قبل فوات الأوان؟
من
أجل أن نفهم ردود الأفعال الثقافية العربية المختلة والمضطربة، علينا أن
نعود الى اعتراف غراس الأول، لكي نفهم طبيعته، ولكي نعي صلته بالاعتراف
الثاني. هل هناك رابط ما يصل بين الأمرين؟ وهل هذا الرابط يمثل تهمة لنا
نحن العرب، كما يتوهم البعض؟ ما دلالة اعتراف غراس بانتمائه الى منظمة
تعبوية نازية؟ وماذا أراد أن يقول فيه؟
الذين أخذوا الخبر على أنه مجرد
خبر أصيبوا بالدهشة والخرس. كيف يعترف رجل بهذه المنزلة الرفيعة بأمر يشوه
سمعته، ولماذا؟ (ملاحظة: قدّم غراس عند إصابته ووقوعه في الأسر معلومات عن
فترات انخراطه في القوات المسلحة) بيد أن الجواب عن هذا السؤال لم يكن
ممكنا في ثقافتنا العربية السائدة. السبب في ذلك، ليس لأنها ثقافة محمّلة
ترسبات مشاعر العار ووصم الآخر والإدانات الأبدية فحسب. ما لم تعثر عليه
ثقافتنا، وما كان مخفيّاً عليها في ثنايا اعتراف غراس، هو الجزء اللامرئي
من الذات البشرية، الجزء الذي يحاكم نفسه بنفسه، الجزء الذي لا صلة له
بالعار والإدانة والوشم الأخلاقي للبشر. هذا الجزء اسمه الضمير، والواجب
الأخلاقي للثقافة. لقد أراد غراس أن يقول، اعتماداً على ثقافة عرفت كانط
وهيغل وماركس وغوته ونيتشه، إنه سيذهب الى العدم مع سرّه، الذي لم يكتشفه
أحد حتى ذلك الوقت، والذي يعني أنه فات الآخرين أوان اكتشافه، وما عاد في
مقدور أحد أن يضعه أمام غراس دليلاً على عار ما. أما غراس نفسه فقد عبر،
مواطناً وكاتباً وذاتاً هذه المسافة الخطيرة، الواقعة بين البوح والاستتار،
بين الجريمة والعقاب. فقد مات السر اجتماعياً، على رغم أنه لم يكن حدثاً
ذا أهمية كبيرة في ظروف المجتمع الألماني، لدى مراهق من ذلك الزمن القاسي.
لكنه كان من الممكن أن يكون شيئاً خادشاً لصورة أديب تربّع على عرش نوبل،
ومنح نفسه صفة المدافع عن براءة الحقيقة في مواجهة قوى الشر. لماذا يستخرج
غراس سرّه الدفين إذاً؟ هذا ما لم تتمكن ثقافتنا من مناقشته ومن الإجابة
عنه. لأنها لا تجيد ولا "تحب" البحث في المنطقة التي تنبع منها الأسرار
الدفينة، ولا تقوى على التفتيش في الجانب العميق من الانسان، في إخلاصه
المطلق، إخلاصه الإرادي، إخلاصه الحر للحقيقة، الذي هو وسيلته الجوهرية في
الوفاء لعالمه البشري الكبير. هذا الإخلاص لا يمرّ إلاّ عبر قناة غير
مرئية، لا نجيد البحث عنها في ثقافتنا، اسمها الأنا المتحررة من عبودية
الخارج، ومن ضغط الرغبات العابرة.
من دون أن نفهم هذا، ستكون كلمات غراس
الجديدة، عن رغبته في قول الحقيقة، ضربا من "مجد القصائد التافهة"، كما
نعتته زاوية "إشكال" في صحيفة "السفير". والعبارة السابقة ترجمة مشوهة لما
نطق به رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي السابق مائير داغان، نقلته عنه صحيفة
"هأرتس" الإسرائيلية.
لم يكتب غراس قصيدة لكي تنافس غيرها في البناء
الفني والتكوينى الجمالي. كتب غراس حقيقة تاريخية لا يعرف حتى أصحابها
طريقة التعبير عنها بصدق، لأنهم لا يعرفون، بل أكاد أجزم فأقول، لأنهم
يجهلون مصدر انبعاثها، المصدر ذاته، الذي لم ندركه في اعتراف غراس الأول:
الضمير الثقافي الحي. إن ثقافتنا، تغدو، وهي تدافع عن "موضوعية" جوفاء،
مفرغة تماماً من كل القيم، الجمالية والمعرفية معاً، ومفرغة تماماً من كل
ما يربطها بحرية الإرادة، وحرية العقل، وموهبة الاستقلال الذاتي. لأنها
ثقافة مربوطة الى سلسلة معقدة من حلقات تغيبب الأنا، ومن الاستعباد
الداخلي، ومن الظلمات النفسية والسلوكية والعقلية. لهذا السبب أيضاً، رأينا
الدولة التي اتخذتها قصيدة غراس هدفاً لهجومها العارم، تقف موقفا أكثر
تفهما من مواقف بعض من يمارسون العمل الثقافي عندنا، حتى أولئك الذين
يبحرون قرب الشواطئ الإيرانية. وهذا حدّ متطرف من حدود تنويم الضمير والعقل
والإرادة.
إن غراس، المواطن الأوروبي، الذي يرى بأم عينيه سيادة صمت
المؤسسة السياسية والثقافية الأوروبية الرسمية ونفاقها، لا يريد أن يفارق
عالمه قبل أن يقول ما يجب أن يقال. كلنا يعرف أنه على درجة من الشجاعة
أهّلته أن يقول عن نفسه ما لا يقال، وعلى أن يستخرج من دفائنه الخفية ما لم
يجرؤ أحد من البشر على استخراجه وقوله.
هذه الواقعة تذكّرنا بحادثة
مماثلة قالها ألماني مستقل آخر، سئم من نفاق الغرب. ألماني خبير في فن
السياسة أكثر من غراس، ومن حسن حظه أنه أقل خبرة في فن الشعر، هو يوسكا
فيشر، وزيرُ خارجية ألمانيا السابق (1998 - 2005)، الذي كتب مرةً مقالة
عنوانُها "النموذج ذاته الذي سبق حرب العراق"، تتحدّث عن التصعيد الإعلامي
الأميركي حول الخطر النووي الإيراني، قائلا: "هل يتعلّم السياسي من
التاريخ، أم أنه ضحيّة لنزعة التكرار الإرغامي للأخطاء السابقة رغم الدروس
الكارثية؟"، ويضيف: "يُخيَّل للمرء أن صدّام حسين لم يزل حيّاً، وأنه لم
يزل يتربّع على سدّة الحكم، وأنه يتوجّب إعادة إسقاطه مرةً أخرى".
دائماً
وأبداً، يوجد بشر يعتقدون أنهم مجبرون، بأوامر من إرادتهم الخيّرة الحرّة،
على قول ما يجب أن يقال. لذلك وجد بيننا أطفال، ومكتشفون، وفلاسفة،
وحكماء، وأنبياء، وشهداء من أجل الحقيقة.
غراس وفيشر وهننغ مانكل
غربيون، يتفهمون حقيقة العالم من طريق ثقافتهم، ويعبرون عنها بوسائلهم،
ويبحثون عنها في الجزء الحي من كيانهم الروحي، في ضمائرهم. ولا يهمهم إن
كانت كلماتهم تليق بمقاييس النقد الأدبي لهذا المعترض الصغير أو الكبير.
لكن الإشكال الثقافي يكمن فينا نحن، في مكوّناتنا الثقافية، في جوهر بنائنا
النفسي والاجتماعي، الذي لا يعيننا على قول ما يجب أن يقال بحرية، حينما
يكون القول ضرورة، بل يعوقنا حتى عن قبول من يقول لصالحنا ما يجب أن نقوله
ولا نستطيع.
إن "الاشكال" المستعصي في الصحافة الثقافية العربية لا يكمن
في كثرة الأحكام السقيمة والمضطربة والباطلة، بل في عدم قدرة الثقافة
نفسها على ايجاد دوافع جدية للرد أو التحاور أو التعامل مع هذا الواقع
الإشكالي. ومهما تكن الأسباب، استنكافاً، أو ضعفاً، أو إهمالاً مقصوداً، أو
لا مبالاة، فإنها جميعها، تشير الى أمر واحد: عجز داخلي في محركات هذه
الثقافة، يجعل منها كياناً خدراً، يفتقر الى المنبهات الحساسة، والى ملكة
الاستقبال والإرسال (الانفعال والتأثر) الضرورية الفاعلة.
حقاً، كانت
قصيدة غراس متواضعة في بنائها الفني، لكنها كانت عظيمة المغزى في أهدافها
العقلية والسياسية، وفي قوة مثالها الشخصي وجرأتها وصدقها. كانت رسالة
تاريخية تم تأجيل قولها لأكثر من سبعة عقود. هنا، أراد غراس استخدام اللغة
كسلطة ثقافية، وليس كوظيفة تواصلية مستعبَدة وتبريرية وذليلة. أراد لها أن
تكون أداة للحكم والفعل والتغيير، بصرف النظر عن قيمتها الجمالية والفنية.
أما ردود الفعل الثقافية لدينا فلم تتعلم بعد كيف تواجه هجوم خصم عنيد،
وكيف تستقبل دفاع صديق صادق. إن الوضع لدينا، هنا في الجبهة الثقافية،
يقول: المجد للصحافة الثقافية التافهة، شكلاً ومضموناً
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

غونتر غراس مرةً أخرى :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

غونتر غراس مرةً أخرى

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: