عندما تتساقط
أوراق التوت!!
حمزة العبد اللهلم أكتب أيَّ مقالِ منذ أشهر، وتوجهت لكتابة تدوينات قصيرة
ساخرة علّها تكون أكثر انتشاراً لدى القارئين الإلكترونيين، ولكن أجد نفسي أعود
لكتابة المقالات قسراً فالأفكار بمجملها تحتاج لنوعمن الإسهاب لتصبح أكثر وضوحاً.
هاقد مضت الأيام وأشتد عود الثورة، وبلغت منالعمر منتصف عامها
الثاني، باتت قوية بدماءالشهداء الأطهار التي روت جذورها ابتداءاً منثلاثين سنة مضت
ومروراً بشهداء الكرامة الذينتجاوز عددهم ثلاثون ألف شهيد موثق زادت البناءصلابة
وتماسك، والمشهد يقترب من نهاية فصولهالأولى ليسدل الستار...
في مشهد الثورة السورية كثير من التفاصيل التيكانت مخفية؛ إصرار
شعب على الحياة، وتضحية،وصمود، وكفاح، وصمت شعوب وقيادات مطبق...
في مطلع الثورة السورية كان هناك أعذار كثيرةلصمت الشعوب
وانشغالها عن نصرة الثورة السورية كما يجب، فالبعض مغرر بهم، والآخر لكم يعرف
الصواب، وآخر مغيب من قبل الحكوماتوالزعامات العميلة، وكان لا يزال هناك أمل
بالحكومات والشعوب علّها تستفيق وتعود إلى بعض ما فقدته من عذريتها.. ومع مرور
السنةالأولى من الثورة تكشفت الأقنعة وسقطت ورقة التوت عن الحكومات، واليوم هاهي
تسقط عن الشعوب.
لست هنا في صدد المقارنة الجائرة، ولكن شعوباً قامت في فترات
متعددة لنصرة القضية الفلسطينية – قضية الأمة المركزية – لم تعد اليومقادرة على
نصرة الشعب السوري كما يجب؛ فبالرغم من شلالات الدماء المستمرة والأشلاء المتناثرة،
والأعراض التي تنتهك يومياً لا يزالهناك عزوف عن نصرة للشعب السوري ولو حتى
بالهتافات والمظاهرات.
عندما كنا في مراحل التعليم المختلفة، لكم تعطلنا أياماً لنخرج
مسيرات ومظاهرات تأييداً لقضايا الأمة وفي مقدمتها الانتفاضة الفلسطينيةالمباركة؟
ولكم اقتطعنا من راحتنا ووقتنا وجهدنا ومصروفنا اليومي البسيط لتلك النصرة!!
واليوم تجاوز عدد شهداء الثورة السورية عدد شهداء الانتفاضتين
الأولى والثانية وما جرى بينهما وما تلاهما من مجزر وحروب...
طفل يقتل؛ مشهد قد نراه في الحروب، ولكن في سورية الطفل لا يقتل
فحسب؛ ولكن يشوه وتقطع أجزاء منه وأعضاء من جسده، ومن ثم يرمىإلى أهله.
فتاة ينتهك عرضها أمام أهلها وأبويها ومن ثم ترمى، وتقتل
عائلتها جميعاً على مرأى عينيها
يُجمع رجال وشباب قرية في ساحة وسط تلك القرية وتربط أيديهم
وأرجلهم ومن ثم يبدأ مسلسل اهانات وتعذيب لا ينتهي، ونساء تلك القريةوأطفالها
يشاهدون المشهد
تستهدف مآذن المساجد، وقبابها، ومنارات الكنائس، فيختلط الدم
المسلم بالدم المسيحي ليؤكد وحدة شعب أراد الحياة
يجبّر شاب على السجود لصورة الطاغية، فيرفض، فيعذب، ويسقط جثة
هامدة فوق تلك الصورة
عائلة تذبح بالسكاكين؛ أم وخمسة أطفال، يقطعون وترمى أشلائهم
على قارعة الطريق ويترك طفل رضيع حياً ليعيش مأساة لن تنتهي
تقصف مدرسة اتخذها الأهالي كملجأ، فيكون عدد الضحايا ما يزيد عن
مائتي شهيد بين إمرأة وطفل وشيخ عجوز
وكثير هي مشاهد التنكيل التي تحرك الكائنات الجامدة، ولكنها لم
تحرك تلك الأجساد الميتة، ولست هنا أعوّل، ولا يعوّل الشعب السوري علىحكومات
وزعامات منهزمة وعميلة، ولكننا نوجه خطاباتنا للشعوب التي باتت منعزلة وبعيدة كل
البعد عن قضاياها المركزية.
إن كانت الشعوب قد انتفضت في يوم من الأيام نصرة لفلسطين،
فليعلم كل فرد ممن انتفضوا، وكانوا هناك بالأمس في الساحات يهتفون تحتأشعة الشمس
الحارقة، والعطش والتعب يساور أجسادهم، أن طريق تحرير القدس يمر من دمشق، وليس من
سواها، ومن كان يظن غير ذلك فليراجع التاريخ وشواهده الواضحة حين تكون الشام في كنف
الأمة وفي عزة وكرامة تسعى هي ومصر لتحرير القدس ويكون ذلك.
الاستصراخ هو أين الشعوب، أين الفئات الحية من الشعوب!! فمايزيد
عن 350 مليون من العرب، وما يزيد عن مليار ونصف من المسلمينهل باتو غثاء كغثاء
السيل؟
من المعيب أن يكون هناك مخيمات لجوء وموت يعاقب بها السوريين
الهاربين من الموت المحقق إلى موت أكيد بعيداً عن الأرض والوطن،وما مخيم "الزعتري"
للاجئين، ومخيمات أخرى عن ذلك ببعيد، أوليس من العار على شعب عربي السكوت
والاستهتار بأخوة لهم استجاروابهم فإذا بالنصرة تأتي عكسية فيُستقبلون بمخيمات لا
يمكن وصفها إلا بـ "مخيمات ضد الإنسانية"، والشعوب لا تزال في نومها ورقادها لاتحرك
ساكناً..
الشعب السوري كان عبر التاريخ شعباً مضيافاً استقبل من استجار
به ولجأ إليه، واليوم ذات المشهد يتكرر بصورة عكسية؛ ولكن النتائج هيكذلك عكسية!!!
الشعب السوري لا يريد عطفاً من أحد، ولا يريد شفقة من أحد، ولا
يريد أموالاً يتبعها منٌّ وأذى.. ولكنه يريد من الشعوب أن تستشعر جزءاً مندينها
وعروبتها وإنسانيتها
كتب على الشعب السوري أن يخوض معركة خلاصه من طاغيته والعصابة
المجرمة لوحده لا ينصره سوى الله وثلة باقية باعت نفسها لله،والتاريخ لن يرحم من
تخاذل.