مئتان وثلاث وستون مجزرة
بدر
الدين حسن قربي
/سوريا
cbc@hotmailme.comتعتبر مجزرة دير ياسين لسبب أو آخر، أحد أشهر المجازر التاريخية
التي ارتكبها الصهاينة في قرية دير ياسين بحق أهلنا وإخوتنا في فلسطين. وعنها يقول
المؤرخ الفلسطيني والباحث في جامعة بير زيت الدكتور صالح عبدالجواد: أنا أجزم اليوم
أن عدد شهدائها هو مئة شهيد فقط، وقطعاً لا يتجاوز مئة وخمسة.
فإذا علمنا أن عدد ضحايا مجازر النظام السوري المعروفين
والمسجّلين من بداية الثورة السورية وحتى صباح عيد الفطر كان ستاً وعشرين ألفاً
وثلاثمئة قتيل. حصة رمضان المبارك منها هي 5662 حسب ماوثّقته صفحة الثورة
السورية، أي بمعدل يومي وسطي هو مئة وتسعون قتيلاً لكل يوم رمضاني. وإذا أضفنا إلى
هذه المعلومة، كلاماً مهماً قاله الشيخ البوطي في خطبة الجمعة الأخيرة من رمضان:
إني أعتقد أنه ليس في العالم كله بلد تُطبق الإسلام بحقيقته وجوهره وتعاليمه
الكريمة وتسامحه كما تطبقها اليوم الدولة السورية بارك الله بقيادتها وشعبها، فإننا
نصل إلى نتائج إحصائية مهمة جداً بمؤشراتها للعرب والمسلمين والعالم أجمع.
وباعتبار أن السوريين كانوا في أجواء رمضان شهر الرحمة
والتراحم، فقد ميّزه النظام على مابدا بزيادة تطبيق الإسلام انسجاماً مع كلام الشيخ
البوطي، فجعله الشهر الأكثر سفكاً للدماء من قبل شبّيحته وعصاباته، كما ميّزه
باستخدام طائرات الميغ المقاتلة والقاذفة بأنواعها في قصف المدن والمدنيين والبلدات
وساكنيها والمواقع والمقيمين فيها، وبوعدِه لهم بعدم استخدام الأسلحة الكيماوية
ضدهم.
وبناءً على ماسبق، فإننا نصل إلى أن الأرقام والمعطيات السابقة
تؤكد تأكيداً لاجدال فيه أن النظام المتوحش ارتكب بحق السوريين يومياً مايعادل بشكل
تقريبي مجزرتين من مثل مجزرة دير ياسين التاريخية المشهودة. ومع ذلك فإن الضمير
العربي والغربي والعالمي لم يتحرك بعشر معشار ماتستحقه منه هذه المأساة الإنسانية،
وهذا الهولوكست الذي يواجهه السورييون مع نظامهم الفاشي، إلا ضمير بعض ناسنا
المتميّز والحيّ من العروبيين الباردين الذين أقلقهم انشغال السوريين عن فلسطين بست
وخمسين مجزرة في شهر رمضان، كل واحدة فيها تعدل مجزرة ديرياسين، ويعزّ فيها أن تجد
شهيداً يُدفن فيها مكتمل الجثة بل أشلاء ممزّعة، فضلاً عن عشرات الآلاف شهداء
ومعتقلين ومصابين ونازحين ولاجئين من قَبْل الشهر الكريم، فيسألون عن حسن نيةٍ أو
سوئها، يريدون الغمز من الثورة وناسها أو لايريدون: هل نسي الثوار السورييون
فلسطين، فلا كلام لهم عنها؟
وفي بعض الجواب نكتب: إن السوريين بعمومهم مُستغرَقون بفلسطين
ولا داعي للمزايدة عليهم، فهم وطنيون وعروبيون بفطرتهم. وإنما تحملوا ماتحملوا من
فظائع ممارسات القمع عليهم والاستبداد والفساد والقهر والتجويع ما لايُحتمل،
باعتبار أن ممارسَه مقاوم ممانع، ولاصوت عنده يعلو على صوت المعركة، وكيلا تتوقف
المعارك أو يتعطل التحرير. ورغم أن حال السوريين وصلت إلى حالٍ تصعب على الكافر
كما يقال، فإن القلقين على فلسطين والمتسائلين عن نسيان السوريين الثائرين لها، لم
يُظهروا يوماً امتلاك بقية من رحمة ترحّموا بها بنا، أو لحسةٍ من إنسانية ترأّفوا
فيها بضعفنا وحاجتنا ولو بالنصيحة لهذا النظام الباطش من أن يصلح من حاله ولو
قليلاً. ولا نشكّ أن لهم أعذارهم وتعذّراتهم بانشغالهم بمعارك التحرير الكبرى عن
استحقاقات إنسانية كقضية الحرية وكرامة المواطن ولقمة عيشه التي يواجهها السوري
المعتّر والمطحون. إن السوريين وقد انفجر بركان ثورة حريتهم بعد نصف قرن في معركة
كبيرة مع هولاكو العصر وشبّيحته، وقتلاهم فيها تجاوز عدد مئتين وثلاث وستين مجزرة
من مثل مذبحة دير ياسين فضلاً عن عشرات الآلاف من المصابين والجرحى وأضعافهم من
المعتقلين، وأضعاف أضعاف أضعافهم من النازحين واللاجئين، مازالوا على عهدهم لفلسطين
ولم ولن ينسوا، وإنما كل مايرجونه بعض وقت مستقطَع يدفنون فيه شهداءهم ويُخرجون فيه
من حياتهم إلى الأبد حاكماً، سيسجل التاريخ أن الشام ماعرفت أشد إجراماً منه ومن
أبيه.
للسائلين والمتسائلين والعاتبين على انشغال السوريين عن
فلسطين..!! اسألوا وتساءلوا ماشئتم، وقولوا ماشئتم وكونوا ماشئتم، فأنتم معذرون إلا
أن تكونوا أنصار نظامٍ فاشي قاتلٍ لإخوانكم، أو حلفاء عصاباتٍ شبّيحة متوحشة، أو
أنصار مافيا جريمةٍ ومجرمين، يكفيها أنها ارتكبت حتى تاريخه مجازر في حق أهلكم
وعشيرتكم مايعدل 263 مجزرة من مثل مجزرة بني صهيون، وإلا فلن يرحمكم التاريخ