- "أما قرأتم، أن الخالق، من البدء، خلقهما ذكرًا وأنثى؟ وأنه قال: يصيران كلاهما
جسدًا واحدًا؟" (متى 4:19-5)
- نعم، قرأنا، ولكننا لم نفهم.
هنا يكمن سرُّ الجنس على نحو دقيق.
توجد في الجدار المنيع، الذي يفصِل الإنسان عن الله، نافذة وحيدة فقط، وهي الجنس.
والإله نفسه قد فتحها في لحم الإنسان، وأغلقها من جديد باللحم أيضًا. وفي مقدونا أن
نلقي نظرة من هذا العالَم إلى الآخر، فقط من خلال هذا اللحم الشفاف ككريستال نافذة
نقيٍّ.
العطش الجنسي هو عطش العلم... أما الفضولية[1]
فهي سمٌّ.
آدم عرف حوَّاء، ولكنه مات لأن الاثنين ظلاَّ اثنين، ولم يصبحا مطلقًا جسدًا واحدًا
في الحب. وكل من يولد يموت، ولكن الإنسان يصبح خالدًا في الحب الخالد المقيم من
الموت.
ليس الجنس تكاثرًا فقط، ولا ولادة وموت، فالجنس فوق ذلك كله قيامة. فالجنس هو القوة
المقيمة من الموت، وهو الطريق الذي يقود من خلال الموت إلى القيامة.
في البدء كان الجنس هو الحياة.
كان هو الفعل في الله وفيه أقام.
والجنس كان النور
تألّق
في الظلمات التي احتمَت في العدم.
الذرَّة البذرة فتحَت جرحًا
في أرضٍ من العنفوان فارغة.
وقال الجنس، عند رؤيته لها عقيمة وباردة:
FIAT
LUX
[2] وغُمِرَت بالنور.
بالجنس تمَّ صنع الأشياء كلها.
وبدونه لم يكن هنالك بذورًا ولا حصادًا:
أخٌ هو أن نحيا وبه نرتبط.
حقًا وصوابًا وبدون مراء:
القِران بالإلهي ينظر لماذا الله حب والله هو الجنس.
"جورج آدوم".
في كتاب الموتى، إنَّ قضيب الإله أوزيريس متطابق مع الإله نفسه. ولذلك، كل
الجسد المنبعث هو قضيبيٌّ، مُشبَعٌ بالجنس، ولكن، ليس الجنس المبتذَل، الأرضي،
وإنما الجنس الرفيع، الروحاني، الكوكبي، الكوني، للقوة المقيمة من الموت، ذلك أن
الميت يجب أن يقوم وأن يولَد بنفسه في الأبدية.
ولذلك فإن الإلهة إيزيس عثرت على كل الأجزاء المقطَّعَة من جسد أوزيريس، باستثناء
القضيب: "المُخصِب"، ولهذا لم تستطع بعثه للحياة من جديد. فاستعاضَت الإلهة العضو
الإنساني بقضيب فائق الطبيعة، متعالٍ، إلهي، مثل "الصورة المقدسة" من خشب الجمّيز.
وهذا كان رمز الانبعاث عند المصريين.
إنما "النار الآكِلَة" ليهوه ليست أكثر من نار التوق الجنسي. ولكن نار الجنس في مصر
كانت النار المقدسة. بالنسبة لنا، فإن النار المقدسة هي نار ملعونة. فلقد كان
للمصريين السلام في نار الجنس، الحياة الأبدية والقيامة من الموت، في حين أن الموت
عندنا الآن هو ذنبٌ، وحرب أبدية. كان للجنس المقدس عند المصريين صوت القيادة:
"انبعث". ويصيح الجنس الذي ألحقنا به اللعنة "اقتل".
حسب علم الأحياء الحديث، ففي العالَم الإنساني، كما في عالَم الحيوان والنبات، ليس
ثمة فرد من جنس واحد فقط، وإنما كل الكائنات الحية هي وسَطٌ بين قطبين اثنين،
الذكوري والأنثوي.
ففي كل رجل إذن تكمن امرأة، وفي كل امرأة يكمن رجل. هذا ما يعني فعل إيزيس استعاضة
قضيب أوزيريس المفقود بصورة مقدسة، مع القضيب نفسه المتعالي والإلهي.
إنما الحياة في الثنائية الجنسية هي السير نحو الموت. والحياة في الوحدة الجنسية هي
التحول في الأبدية.
أصل الموت هو الفصل الجنسي للشخصية في نصفين. غلبة الموت، القيامة، إنما تكون في
توطيد وحدة الجنس في الشخصية، إنما هي شفاء الجرح المفتوح بالجنس.
الشخصية المتكاملة مختومة. وحبها الجنسي هو طريق القيامة.
دعارة الحب هي المرارة، والبذاءة، والخجل، والوجل. إنها عصارة التلذُّذ، وخلاصة
الألم – حب وموت.
الإنسان الخالد الأول، قبل السقوط، كان رجلاً-امرأة، آدم-حواء، والإنسان اللاحِق،
القائم من الموت، سيكون أيضًا رجلاً-امرأة. هكذا يجب أن يكون في ذلك الذي ينتصر على
الموت بالموت، وعلى الجنس بالجنس.
يُعطَى تأليه الإنسان في لحظة أنسنة الإله. الآلِهَة هم حاليًا أناس يشيخون،
ويتألَّمون، ويموتون، وينهضون من الموت. الآلِهَة المائتة في القِدَم هي إنسانية
بزيادة، ولهذا فإن الكاهن القديم كان يقوم بدعائه اليومي الرسمي قائلاً: "لم آتِ
لكي أقتل الله، وإنما لكي أحييه". لكن، أي إله هذا، ومع ماذا عليه أن يعيد إحياءه؟
مع الجنس، لأن للجنس القدرة على قتل وإعادة إحياء الآلِهَة.
لقد أنسن الجنسُ الآلِهَة، وسيؤلِّه الجنسُ البشر.
الجنس هو منتصف النهار في الله، وفجره هو الإنسان-الإله، وغروبه هو الإله-الإنسان.
كان الإنسان القديم يقول: "أنا الله" أما نحن اليوم فنقول: "لا وجود لله"!!
استحوذْنا جنسًا منحطًا في حين كان للأقدمين جنسًا يتجلَّى في جنس مقدَّس... ولهذا
قيل في الإنجيل "ففي القيامة لا يزوِّجون ولا يتزوجون، وإنما يكونون كملائكة في
السماء." (متى 30:22).
لدى الجنس أسماء تعبيرية كثيرة مثل التالية: "الطاقة الخلاَّقَة، الطاقة الإلهية،
النار المقدسة، سر الأفعى، كونداليني، النار الملتهِبَة، وأسماء أخرى كثيرة" ونحن
دعوناه بـ"عليقة حوريب" لأن هذه العليقة تتوقَّد بالنار ولا تحترِق.
إنه نورٌ لا يوصَف، ولأن الله ينادي وسط العليقة قائلاً: "لا تقترب إلى هنا. إخلع
حذاءك من قدميك، لأن الموضع الذي أنت واقفٌ عليه أرض مقدَّسَة".
قام بروميثيوس بسرقة النار الإلهية لبني البشر، ولأن البشر أساؤوا استعمالها
وجعلوها للتدمير، فقد عوقِبَ بروميثيوس في تقييده بسلسلة لكي يقوم نسر بالتهام
كبده، وذلك حتى يستطيع كائن إنساني السيطرة على هذه النار والقيام بتحريره من أسره.
وتمَّت هذه النبوءة على يد هرقل الذي هو المسارَر الكامل، وابن النور.
بروميثيوس هو لوسيفر، لوسيفر هو نجمة الصبح، ونجمة الصبح هي العذراء مريم: مريم هي
رمز المرأة، والمرأة هي شعار الطبيعة.
بعث المعلِّمون للعالَم المسارَرَة لكي تصير ممكنةً هذه الصيرورة في المستقبل
الآني، وعدم انتظار مجرى التطوُّر الطبيعي. لقد دعا السرانيون هذا بسرِّ النار، في
حين أن علماء الباطن دعوه بسرِّ الجنس أو السحر الجنسي. وبالتالي، فإن سر النار أو
الجنس هو المفتاح الثاني للملكوت.
بحث الأقدمون عن مفتاح السر الأعظم لقدرة النار، وقلدهم المعاصِرون، وناهيكم عنهم،
فقد شوَّهوا العقائد الموغِلَة في القِدَم. كانت النار هي الألوهة التي تشتعل في
الإنسان وفي الكون. إنها سر الروح القدس التي نزلت بألسنة نارية على التلاميذ، مثل
ألسنة من نور وإلهام في القلب، مذبح النفس.
هرقل هو تجسد المسيح في الأطلنطيس. إنه مسيح الأطلنطيس الذي أظهر من خلال أفعاله
بسالة، وما يتلاءم مع هرقل الروماني، أو هرقل بالنسبة لليونانيين. فالأحداث
الموصوفة في الأساطير اليونانية هي في الحقيقة أوصاف لمعابر وشخصيات عاشت في
الأطلنطيس قبل وقت لا بأس به من الفاجعة الأطلنطية الهائلة المعروفة بالنسبة لنا
كالطوفان.
إن الأطلنطيس حسب السجلات التاريخية السرية انفردت بالمعركة الكبرى المشتعل أوارها
بين قدرات النور ضد قدرات الظلمات.
ومن بين الأعمال البطولية الاثني عشر التي قهر فيها هرقل الوحش العملاق المُسمَّى
بالهيدرا الليرنية والتي كان لها تسعة رؤوس، وكلما قُطِعَت واحدة منها كانت تنبعث
أخرى مكانها.
الهيدرا الليرنية، إنها أنا كل واحد منا، الأنا، أنا نفسي، وكل رأس من الهيدرا له
اسمه الخاص: فالأول يُدعَى بالشراهة، والثاني يُدعَى بالفسق، والثالث يُدعَى
بالكسل، والرابع يُدعَى بالجشع، والخامس يُدعَى بالكبرياء، والسادس يُدعَى بالخوف،
والسابع يُدعَى بالحسد، والثامن يُدعَى بالبغضاء، والتاسع يُدعَى بالكذب.
(تعليقات جورج إلياس رودريغز)
يروي سفر التكوين في الإصحاح (ف3، مقطع 15): "بينكِ وبين المرأة أقيم عداوة وبين
نسلك ونسلها فهو يترقب منكِ الرأس وأنت تترقبين منه العقِب".
الرجل هو الإرادة والقدرة، والمرأة هي فعل النار، واتحاد الاثنين كوَّن الحكمة التي
قوْلَبَت الأرض، والكون، وكل الكائنات المرئية والغير مرئية. الأول هو الحياة،
والثاني هو الحركة. فمن الدماغ الأيمن تجتاز الحياة إلى النطاق الأيسر، ومن الدماغ
الأيسر تجتاز الحركة إلى نطاق الحياة، وكلاهما يشكِّلان النور الذي نصفه حياة ونصفه
الآخر فعل، ويكوِّنان كرة الوحدة.
كل إنسان يعمل لنشر نوره في العالم هو هرقل المستنير الذي أنقذ بروميثيوس المقيد
بسلسلة، وأنقذ الطبيعة من خلال روْحنتها.
توجد في الإنسان ثلاث شموس: الشمس-الآب، والتي تضيء في الرأس، والشمس-الأم أو الروح
القدس في الجنس، والتي تغذِّي وتحصِّن الجسد، والشمس-الابن في القلب، والتي تنمِّي
الذكاء. وبعبارة أخرى: الشمس الداخلية تُظهِر حرارتها في الجنس، وحيويتها في القلب،
ونورها في الدماغ.
لقد استعمل الكهنة الأقدمون خلاصات، وأعشاب، وحيوانات لكي يقوموا بجذب النور
الكوكبي أو نفس العالَم، وبطريقة خاصة، ولكن المستنيرين المعاصِرين اليوم، أنابوا
عن كل عشبة وكل حيوان، باستبدالهم إياها من خلال مغناطيسية المرأة في أعمالهم بأعلى
درجاتها السحرية.
تكمن إحدى معاني الصليب في احتكاك أدمتين متصالبتين لإنتاج النار. إنه ذو معنى
قضيبي، وشعار النار الكونية.
إنما النار المشتعِلَة من خلال المرأة في دم الرجل الغازي الذي يجري من خلال
المنظومة، يحيي ويبقي الجسم على اتصال مع نفس العالَم من خلال إشعاعاتها الهاليَّة
ومراكزها المغناطيسية.
تصبح الشعلة المقدسة المتوقدة من خلال المرأة دخانًا في الجنس، والكبد يعمل على
تحويلها إلى حرارة تصل إلى القلب، وتعمل الغدة الصنوبرية على تحويلها إلى نور في
الدماغ. وكل هذا التحوُّل يتعلق بملكة الخيال عند الإنسان، فإذا ما توجَّهَت هذه
الملَكَة عند الشعلة نحو الأسفل، فإنها تقوم بجذب مواد دماغية تزيد من الدخان
الصاعِق، ولكن إذا ما ارتفعت هذه الملَكَة نحو القلب والدماغ، فإنه يُنتِج حرارة
الحب في القلب، والنور في الدماغ.
إنما النار الموقَظَة من خلال المرأة يجب أن تشتعِل عبر النخاع الشوكي حتى الدماغ،
من حيث تخرج عبر تاج الرأس مثل نور ذهبية. كإكليل من نور، رسمه الفنانون الراؤون
كهالة تحيط برؤوس القديسين، والتي تعني ولادة الإنسان الجديدة أو استنارته.
لقد كان الأقدمون يعبدون الله واضعين في مذابحهم وجه تمثال أو صورة رجل. وقد وضع
المسيحيون أنفسهم في مذابحهم الرجل والمرأة، يسوع ومريم، يوسف ومريم.
وقد عرفنا من خلال ملَّة في الشرق أنها تعبد الألوهة فقط من خلال هيئة أنثوية،
ويضعون في مذابحهم المرأة. وكان هدف هذه العبادة بشكل أساسي اكتشاف أسرار الألوهة
في الإنسان. لقد فهِمَ الأقدمون وأحسوا مقولة هرمس على نحو كامل: "كما في الأعلى
يكون في الأسفل".
لقد فهموا أن كل جزء من عضوية الإنسان لديه معناه السري. ومقاييس الجسد وحركاته
كانت تفيد في قياس كل أجزاء الكون ومعرفة حركاته بدقة. وتحافظ على أمثلة هذه الحكمة
أهرام مصر، وسفينة نوح، وهيكل سليمان.
وعندما رمى الزمن حجاب الجهل على عقول الناس، بدأ الإنسان بعبادة الرمز بحد ذاته،
ناسيًا الحقيقة التي يعبِّر عنها الرمز وأعطى لكل فعل من أسراره معنى موضوعيًا.
يتعلَّم العالم اليوم ما توحي به حواسه الخارجية، ولا يتوقف لدراسة العالَم الداخلي
للإنسان على نحو ذكي، وذلك لكي يتوصل إلى اكتشاف السر الحقيقي للحكمة.
عندما يعود الإنسان إلى ملكوته الداخلي والذاتي، حينئذٍ سوف يفهم كلمات المعلم
الإلهي التي تقول: "ملكوت السماوات في داخلكم". سوف يفهم الإنسان أن آدم ليس رجلاً،
وإنما أول صدور فعَّال عن المطلق. وأن حواء ليست امرأة وإنما ثاني صدور منفعِل عنه.
وأن جنة عدن هي في الجسد الذي يوحِّد فيه هذين القطبين. وأن نار الجحيم تشتعل إلى
الأبد في الجنس وتعذِّب أولئك الذين يسعون إليها، وأن لوسيفر، أو البهيمة، هو في
هذا الجزء من الجسد. وأن شجرة الحياة ومعرفة الخير والشر هي الجنس الذي يقع في وسط
الجسد الإنساني. وأن ابن الله هو ابن النار المقدسة، في حين أن ابن الإنسان هو ابن
الرغبات الإنسانية، المتمثلة الإنجيل من خلال آدم وحواء، قايين وهابيل.
الترجمة عن البرتغالية:
نبيل سلامة