"في الإجابة على تساؤل: إذا كان الإيمان بالله "الإلوهية "شكلا ً و طريقة تشكل , فماذا يكون الإلحاد و إنكار الإلوهية؟"
الإلحادatheism في أبسط تعاريفه هو إنكار وجود الله أو الآلهة, أي إن الله تبعا ً وفقا – للملحدين- غير موجود.
و الإيمان faithعلى النقيض منه يقوم على التسليم بالإيمان بناء على أسباب شخصية ذاتية بوجود الله .
و إذا سلمنا أن الإيمان بالله ليس
جوهرا بل هو شكل/ طريقة تشكل للإيمان , و هو كذلك صيرورة حركية احتمالية
نسبية, و أن هناك طرائق تشكل تختلف بين إيمان و إيمان آخر , و أنه لا يوجد
إيمان شخص يطابق إيمان شخص آخر ,بل إن هذا الإيمان يختلف بين لحظة و لحظة
عند نفس الشخص.
فإن الإلحاد يمكن اعتباره إحدى طرائق
تشكل الإيمان, و هو طريقة تشكل بالنفي , فإحدى الاحتمالات الممكنة للإيمان
بالله هي نفي الإيمان, مثلما أن إحدى طرائق التشكل الكمّية للتفاحات هي
وجود تفاحة واحدة – اثنتان- صفر تفاحة..
و هو يتمائل مع الإيمان في كونه شكل و
طريقة تشكل ,و صيرورة حركية احتممالية نسبية ,فلا يتطابق الحاد شخصين في
الوجود, مثلما لا يتطابق إيمان شخصين في الوجود,
فالإلحاد صيرورة تاريخية ,فلا يولد
الإنسان وهو ملحد , و علينا تفهّم الإلحاد ضمن سياقات طرائق تشكل الكينونة
المختلفة, و المؤمن قد يتحول لملحد و العكس كذلك
و أحد أكثر الأدعية في العقد الفئوي الإسلامي تكرارا على لسان المؤمنين يؤكد الصيرورة التاريخية للإيمان و الكفر.
"اللهم يا مقلب القلوب قلب قلوبنا على دينك و أرنا الحق حقا و أرزقنا إتباعه و أرنا الباطل باطل و أرزقنا اجتنابه"
و كذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عباس
"....فو الله الذي لا إله غيره إن
أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها ذراع فيسبق عليه
الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها, وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى
ما يكون بينه وبينها ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها
)
*
و هو كذلك أي الإلحاد - مثله مثل الإيمان- أمر نسبي فالنظر للملحد يختلف بين إنسان و آخر و مجتمع و آخر.
و مفهوم الإلحاد بحد ذاته متبدّل تبعا للبعد الزمكاني و سياقات التشكل الثقافية.
و ينبغي التمييز هنا بين الإلحاد
كإنكار لوجود الله أو الآلهة, و بين طرائق التشكل المختلفة التي ينظر
بها البشر إلى الله,رغم أنه على نطاق واسع و شعبي يتم الخلط بينهما.
فمن ينكر وحدانية الله هو مشرك
و من ينكر قدرته هو معطّل
و من ينكر انفصال الله عن خلقه هو قائل بوحدة الوجود
و كل ما سبق ليست سوى طرائق تشكل للإيمان.
إن الإلحاد هو إحدى طرائق التشكل الكمية لله" الآلهة"
بينما الشرك و ما يوصف "بالكفر" هو إحدى طرائق التشكل النوعية "صفات و خصائص"
و لكن كلاهما ليسا سوى طرائق تشكل للإيمان بالله, و ليس لله
و كل معلوماتنا –نحن البشر- عن الله و الإلوهية تقوم على مبدأ قياس الغائب على الشاهد , و لا يخفى القصور الذي يعتري هذه النظرة.
و الإلحاد في اللغة هو "الميل عن القصد و العدول عن الشيء", و كثيرا ما يلتبس على الصعيد الشعبي بين الإلحاد و الكفر
فيتم نعت على سبيل المثال كلا من
سقراط – أفلاطون- أفلاطون – ابن رشد- ابن سينا- أبو العلاء المعري- السهر
وردي- الحلاج بالإلحاد؟!.
و الإلحاد تحول في الثقافة العربية
الإسلامية إلى حكم قيمة, و ليس إلا حكم وجود فقط, رغم أنه بحد ذاته ليس
أكثر من توصيف"لمنكري القول بوجود بالله " الآلهة""
فربط الإلحاد بحكم قيمة سلبية هو تعميم لمرجعية غير برهانية
و الإلحاد كموقف معرفي غير ملزم للآخرين برهانيا و منطقيا ,مثلما أن الإيمان كذلك. و قد ميز المعجم الفلسفي بين الإيمان و اليقين
فالإيمان" تسليم النفس بالشيء تسليما
راسخا لا تقل قوته من الناحية الذاتية عن قوة اليقين, و الفرق بينه و بين
اليقين, أن اليقين مستند إلى أسباب موضوعية ,في حين أن الإيمان مبني على
أسباب شخصية ذاتية, و ما كان اقتناعك به مبنيا على أسباب ذاتية فإنه من
الصعب عليك أن تقنع به غيرك"
المعجم الفلسفي – جميل صليبا- دار الكاتب العربي ص187
و في ورقة لاحقة سوف نقوم بمقاربة صلاحيات الإيمان آخذين بعين الاعتبار كون الإلحاد إحدى طرائق تشكل الإيمان ليس إلا.