م. بوطقوقة بن محمد قسطاني* ”
عندما تتكلم الإرادة تصمت الطبيعة“
ج ج روسو
“
البؤس هو الأقوى ربما من كل الروابط“
بالزاك
الريع في “لسان العرب” يعني الرجوع والعودة، كما يعني
“المكان المرتفع”و”الجبل” و”السبيل” و”الطريق”، والرجوع هنا من عدم التلف،
فالماء إن عاد كان خيرا وإن دلق وساح كان خسرانا.
الريع إذا هو ما يدور وينكفئ ليربو، لأن الشيء إن ذهب وجاء
زاد ونما وأصبح رائعا، و”الفرس الرائع جواد” والريعان هو “أول الشيء
وأفضله”، ومن هنا دلالة الميز والفضل، والقوة استطرادا ومحياثة.
أما الريع عند الاقتصاديين فهو ذلك الربح الإضافي الذي يستفيد منه منتج لنقص في تكلفة إنتاج منتوج مقارنة مع منتج آخر لنفس المنتوج.
بكل ذلك لا يمكن ذكر الريع دون ذكر الغلبة والصراع. لأن كل
ريع يهب صاحبه امتيازا يسطير به من أجل تنفيذ الريعية والمحافظة عليها
واستدامتها. هو إذا نوع من السلطة منذ انبثاقه وتصريفه فعلا اجتماعيا
ومؤسسات و آليات اشتغال وحقيقة، إذ مهما تبدت الحقيقة محايدة وفعل ملائمة
الفكر للواقع فهي من جهة إكراه ومن جهة أخرى حاجة إلى إكراه. ومن هنا العمق
السوسيولوجي لكل أشكال الريع الضارة والمفيدة على أساس البحث في الحقائق
الاجتماعية النسبية وليس البحث في الحقيقة الميتافيزيقية.
الريع إذا، وكما يبدو للوهلة الأولى، إضافة قيمة وزيادة فضل
كنوع من “حالة الطبيعة” مثل الأرض الخصبة مقارنة مع الجدبة ، أو حالة
مجاورة الطريق أو التواجد قرب عين ماء أو ميناء، وغيره من المعطى الذي لم
يبذل فيه مجهود تحويلي. وبذلك يسهل تغليفه بمسحة سماوية تفسيرية أو
تبريرية، تفسيرية في حال البراءة وتبريرية في حال الخديعة والنصب أو الدجل
في أحسن الأحوال. ومن هنا الغموض الذي يكتنف السلع بتعبير ماركس، غموض
ازدواجية وتداخل القيمة الاستعمالية كحالة ملائمة مع التبادلية كحالة تنتج
شجونا تسكنها الأشباح…
لن أدخل في التفاصيل الاقتصادية للمفهوم، لأن الأمر يتجاوزني
أهلية، لكن سأحاول أن أقتبسه لاستثماره، كريع ثقافي ماكر، في حقول أخرى
مثل الجسد والثقافة والطقس والمرأة والسياسة والاستبداد. وذلك كمحاولة فهم
بعض التفسيرات العميقة لحالة وضع بعض البشر فوق بعض، ووضع الرجل فوق
المرأة ووضع السيد فوق العبد.
ليس هناك مجال استثمر ريعيا مثلما استثمر المجال الجسدي، قوة
البدن وسرعة الأعضاء وخفتها لدى الرجال، وجمال الوجه وملاحة القوام لدى
المرأة، بل ويمكن الحديث عن الفطنة كهبة سماوية فطرية يتميز بها بعض
المحظوظين…
بالقوة البدنية وسرعة الأعضاء يمكن تفسير النبالة الحربية
وبالجمال تخترق المرأة الأوضاع الاجتماعية، وبالفطنة يستغل البعض البعض
ويتخذه سخرية. هل هذه هي حالة الطبيعة التي تحدث عنها جان جا