الملكة الشعرية الوضع الأنطلوجي .د عز الدين البوشيخي
مدخــــل:
هذا الشاعر الذي يحدث بشعره في الناس ما لا يحدثه فيهم أي نمط آخر من أنماط القول، أي شيء بامتلاكه صار شاعرا؟
وهل في متناول أي كائن بشري أن يصبح شاعرا بمجرد امتلاكه؟ أم إن الشاعر هو شاعر بالفطرة؟
وإذا كان الأمر كذلك، فما الذي يعوق الناس عن أن يكونوا شعراء؟
هذه التساؤلات وأمثالها أصبح بالإمكان اليوم معالجتها في إطار نظري محدد،
وإعادة صياغتها صياغة علمية من شأنها أن تساعد على اقتراح حلول مرضية،
بعيدا عن تأويلات أرتكنت في إجاباتها إلى الجن والشياطين وأرباب الشعر.
أبدأ في هذا العرض برسم إطار الأشكال العام، ثم أتحدث عن أساس الشعر اللغوي
وخصوصية اللغة الشعرية، وعن المحاولات الرامية إلى بناء نحو يمثل للملكة
الشعرية، لأنتقل بعد ذلك إلى فحص الافتراض القائل بوجود هذه الملكة. وفي
الخاتمة أقدم أهم النتائج والاقتضاءات.
1 - إطار الأشكال العام:
يندرج البحث في الملكات العقلية البشرية، تحديدها ومعرفة طبيعتها وطريقة
عملها في إطار ما أصبح يعرف الآن بإشكال أفلاطون Platon's problem. الأشكال
الذي وضعه أفلاطون وأعاد صياغته برتراند راسل كما يلي: <<كيف أمكن
للمخلوقات البشرية أن تعرف كل ما تعرفه رغم أن اتصالها بالعالم قصير وشخصي
ومحدود>> (1). للإسهام في حل هذا الأشكال أقام تشومسكي خطة للبحث في
الطاقات المعرفية البشرية وفي البنيات الذهنية التي تعد وسائل ممارستها،
مفترضا أن الدراسة التجريدية للطاقات الثقافية ولوظائفها هي دراسة للعقل،
على الرغم من غياب أي دعم أنطلوجي إضافي للإحالة على العقل (2).
بموجب ذلك انخرطت اللسانيات في حقل علوم المعرفة المعاصرة Cognitive
Sciences، وأصبحت معنية هي الأخرى - إلى جانب عدد من العلوم - بالاسهام في
بناء نظرية علمية للعقل البشري، رافعة إلى الواجهة الأسئلة المركزية
الآتية:
- ما هي الملكات المعرفية التي يتكون منها العقل البشري؟
- هل تختص كل ملكة من الملكات العقلية ببنية مميزة وبمبادئ خاصة أم أنها تتقاسم بنية واحدة وتحكمها مبادئ موحدة؟
- ثم ما هي طبيعة العلاقة القائمة بين هذه الملكات وما هي طريقة عملها؟ (3).
في هذا الاطار، هل يمكن أن نتحدث بما يكفي من المشروعية عن وجود ملكة شعرية تعد مصدر القول الشعري؟
2 - أساس الشعر اللغوي:
احدى البديهيات أن الشعر إنتاج لغوي، ولكنه إنتاج لغوي مميز. فلغة الشعر
لاتماثل لغة النثر بأنماطه المختلفة، ولا تماثل لغة الحياة اليومية، فضلا
عن أن تماثل لغة العلم والمعرفة، ومجمل التعريفات التي قدمها المهتمون
بدارسة الشعر من العرب وغيرهم قديما وحديثا تشير إلى هذه الخاصية(4).
وقد تناولت عدد من الأبحاث الجادة لغة الشعر بالدراسة، ساعية إلى ضبط
خصائصها. فخلص جان كوهن مثلا الى ان لغة الشعر مميزة بانزياحها الممنهج عن
قانون اللغة في جميع المستويات (5). إذ << تسعى اللغة إلى ضمان سلامة
الرسالة بواسطة الاختلاف الفونيماتي، فيعمل التجنيس والقافية على عرقلة
هذا الاختلاف بإشاعة التجانس الصوتي وتقويته.
و تعمل اللغة على تقوية الجمل بالترابط الدلالي والنحوي، وتدعم هذا الترابط
بعنصر صوتي هو الوقفة (النقط والفواصل)، ويعمل النظم (الوزن والترصيغ) على
خرق هذا الترابط بواسطة التضمين بمعناه الواسع: اختلاف الوقفة الدلالية
والنظمية. تعمل اللغة على ضمان سلامة الرسالة بترتيب الكلمات حسب مقتضيات
قواعد اللغة، ويعمل الشعر على تشويشها بالتقديم والتأخير.
تسند اللغة العادية إلى الأشياء صفات معهودة فيها بالفعل أو بالقوة، ويخرق
الشعر هذا المبدأ حين يسند إلى الأشياء صفات غير معهودة فيها...>>
(6).
وفي دراسة حديثة، بين أحد الباحثين العرب أن خروج الشعراء عن قوانين
العربية في أشعارهم كتصريفهم ما لاينصرف، وحذفهم ما لا يحذف، وإلحاقهم
المعتل بالأصل وغير ذلك مما كان يعتبره أغلب النحاة مظهرا من مظاهر
الاضطرار أو العجز ليس << إلا تعبيرا عن الارادة الشعرية الخلاقة...
ومن ثم كانت الضرورة الشعرية ضرورة للعمل الادبي لايتم إلا بها >>
(7).
وقد قادت هذه الخلاصات وغيرها عددا من الباحثين إلى الاعتقاد بضرورة إقامة نحو خاص بالشعر.
3 - بحثا عن بناء نحو للشعر:
يقول صامويل لفين: <<نخلص إلى استنتاج هو أن لغة الشعر مرتبة ومنتظمة
بطريقة مختلفة>> (8)، ويضيف <<يتضح مثلا أنه ينبغي لأجل تفسير
بنية الشعر اللغوية، اعتبار تلك العلاقات اللغوية التي تتخطى حدود الجملة.
ويبدو كذلك ضرورة تغيير القواعد النحوية. يؤدي بنا الهدف الأول... إلى
تخطي حدود الأنحاء المصاغة خصيصا للغة العادية، ويلزمنا الهدف الثاني على
توسيع مفاهيم القيد كما يتم التعبير عنها في تلك الأنحاء>> (9)، ويرى
<<أنه من الممكن التفكير في إقامة نحو يقتصر على العناية بنمط واحد
فقط من اللغة غير العادية... هو لغة الشعر.>> (10) وسيكون من مهام
هذا النحو <<توليد تراكيب ترد في الشعر على ألا يولد في نفس الآن
(وبنفس القاعدة) تراكيب مماثلة وغير نحوية >> (11).
وعبر جان كوهن عن الرغبة نفسها بقوله << الحقيقة أن مهمة صياغة نحو
خاص بالشعر تفرض نفسها >>. (12) وفي تصور دولاس وفيليولي أن كل نحو
للغة الشعر ينبغي أن يدقق في المبادئ التي تحكم العلاقات القائمة بين
الكلمات التي تشكل الرسالة الشعرية. وأن مهمة اللساني المتصدي لدراسة الشعر
تكمن في تحديد الكيفية التي تتعالق بها بنية النص الشعري التحتية وبنيته
السطحية. (13)
وقوي النزوع إلى بناء نحو خاص بالشعر بالمفهوم التوليدي للنحو. وأصبحت
الأعمال الرامية إلى بلوغ هذا الهدف تشكل جزءا هاما ومتطورا من نظريات نحو
النص. وارتبط ذلك ببناء نماذج للقدرة Models of Competence يفترض فيها أن
ترصد كل أشكـال الخطـاب الواردة (14).
وأسفرت هذه الأعمال وغيرها عن بلورة المشاريع العلمية الآتية:
- مشروع إقامة نحو للنص يمثل للقدرة النصية
- مشروع إقامة نحو للشعر يمثل للقدرة الشعرية
- مشروع إقامة نحو للسرد يمثل للقدرة السردية (15).
وللتذكير، فإن هدف الأنحاء - بالمفهوم التوليدي - هو التمثيل للملكات المعرفية.
4 - عن افتراض ملكة شعرية:
لنفحص الآن الافتراض القائل بوجود ملكة شعرية والذي يترتب عنه مشروع بناء نحو يمثل لها.
نسجل في هذا الصدد ملاحظتين أساسيتين. تتمثل الأولى في كون الذين أقاموا
هذا الافتراض والذين تبنوه ودافعوا عنه إنما فعلوا ذلك دون أن يراعوا
مراعاة كافية أسس النظرية التوليدية الابستملوجية منها والمنهجية. وهي
النظرية التي منها استمدوا كل شيء إلا أسسها كما سنبين. و تتمثل الملاحظة
الثانية في تقديمهم لصالح هذا الافتراض دلائل مضللة.
لقد تحدث زعماء لسانيات النص عموما عما اعتبروه نقصا في نحو الجملة.وعددوا
طائفة من الظواهر اللغوية التي تتوارد في النصوص، تركيبية ودلالية
وتداولية، وخلصوا إلى ضرورة إقامة نحو للنص (النص بمفهومه العام) يرصد هذه
الظواهر جميعها (16). وحددوا مهام هذا النحو في:
أ - توليد كل النصوص النحوية، والنحوية فقط في لغة معطاة.
ب - إسناد أوصاف بنيوية إلى كل النصوص النحوية التي تم توليدها من قبل هذا النحو.
جـ - صياغة قواعد تربط بنيات النصوص التركيبية ببنياتها الصواتية (17).
ومن الواضح أن كل ما فعلوه هو نزع مصطلح الجملة من صياغة تشومسكي وتعويضه
بمصطلح النص. وسهل عليهم بعد ذلك أن يحددوا مهام الأنحاء التي يتصورونها
بتحديدهم طبيعة كل نص من النصوص. فنحو الشعر مثلا ينبغي أن:
أ - يولد كل المتواليات الشعرية في لغة معطاة
ب - ويسند أوصافا بنيوية لهذه المتواليات
جـ - ويربط بين بنية المتواليات السطحية وبنيتها العميقة (18).
و كذا الشأن بالنسبة لأي نحو مقترح للنص السردي، وأنماط النصوص الأخرى. مع
ما يتطلبه ذلك - طبعا - من بعض التعديلات الطفيفة كتغيير مفهوم النحوية
بمفهوم الانسجام أو التماسك، وتغيير مفهوم البنية العميقة بمفهوم البنية
الكبرى Macro - Structure، والبنية السطحية بالبنية الصغرى Micro -
Structure (19).
ويعبر كوتز فينولد عن هذا التوجه بوضوح حينما اقترح بناء نحو كلي للنص
Universal grammar (ى غرار النحو الكلي للغة)، يتم منه اشتقاق أنحاء تتعدد
بتعدد أنماط الخطاب بواسطة إوالية صورية. فنحصل مثلا على نحو للنص الشعري،
ونحو للنص السردي، وربما نحو للمقامات أيضا! (20).
و تبعا لذلك افترضوا وجود ملكة نصية (أو قدرة نصية) وملكة شعرية وملكة
سردية... في مقابل الملكة اللغوية التي افترض تشومسكي وجودها. ومرة أخرى،
نلاحظ أن كل ما فعلوه هو نزع صفة '' لغوية '' عن الملكة وتعويضها بصفة ''
شعرية '' أو سردية ''...
ولأن المناسبة لاتسمح بالاسهاب، فإني سأقتصر على بيان شروط افتراض وجود
ملكة من الملكات، مستدلا بذلك على بطلان الافتراض القائل بوجود ملكة شعرية
(أو ملكة نصية، وبالتالي عدم مشروعية الأنحاء التي يتصور أنها تمثل لهذه
الملكات
5 - ملكة شعرية أم طاقة شعرية؟
5. 1 - شروط افتراض ملكة من الملكات:
عني تشومسكي بدراسة الملكة اللغوية بصفتها إحدى الملكات العقلية. وقدم عددا
من الافتراضات الجوهرية، من أهمها افتراض القدرة، (21) ومفاده أن كل فرد
يعرف لغته معرفة جيدة، وأن هذه المعرفة مشتركة بين بني البشر، وأنها ممثلة
في عقولهم، وأن هذا التمثيل كامن في صورة المعرفة النحوية التي يمكن
تحليلها من خلال بنية من المبادئ والقواعد والتمثلات. ف << النحو
المسند إلى المتكلم هو تمثيل (أي نموذج) لمعرفته اللغوية >>. (22)
وبمقتضى هذا الافتراض عد النحو التوليدي التحويلي قادرا على التمثيل
للمعرفة اللغوية الداخلية التي تمكن المتكلم من فهم اللغة وإنتاجها. وترسخ
الاعتقاد لدى اللسانيين وعلماء النفس وعلماء الحاسوب أن معرفة المتكلم
اللغوية ممثلة ذهنيا في صورة بنيات معرفية مخزونة، خاصة بعدما بينت بريزتن
وكاپلن أن كل سلوك مغاير لافتراض القدرة يؤدي إلى تبني فرضية ضعيفة مفادها
أن ثمة أجساما من المعرفة اللغوية تختلف باختلاف أنماط السلوك الكلامي، في
حين يكون من مزايا الفرضية القوية للقدرة توحيد نظريات التمثيل الذهني للغة
وبناء نماذج للمعالجة. (23)
و من أهم الافتراضات أيضا افتراض القالب Modularity - الذي يعد العقل بموجبه قالبي البنية. ويقوم هذا الافتراض على العناصر الآتية:
أ - العقل البشري مزود ببنية فطرية في تمام الغنى.
ب - العقل البشري مكون من أنساق عقلية متعددة، لكل نسق منها خصائصه الخاصة به و مبادؤه التي تتكفل بتنظيم طريقة عمله.
جـ - خاصية هذه الأنساق العقلية أنها تتفاعل فيما بينما بطريقة محددة.(24)
تمشيا مع (أ)، افترض تشومسكي وجود نحو كلي هو عبارة عن بنية فطرية منسوبة
إلى العقل تتضمن الخصائص البيولوجية المحددة وراثيا والخاصة بالنوع البشري.
وهي إذ تعد الجهاز المسؤول عن اكتساب اللغة، تعكس في الوقت ذاته الحالة
الأولى للملكة اللغوية، وعن طريق الاحتكاك بالتجرية يتم الانتقال من الحالة
الأولى إلى حالة قارة تتجسد فيها معرفة الفرد بإحدى اللغات الخاصة.
وإذا كان تشومسكي قد عزل إجرائيا نسق الملكة اللغوية عن باقي أنساق العقل
تمشيا مع (ب)، فإنه قد أقر تمشيا مع (جـ) << بأن التفسير الكامل
للمعرفة النحوية ينبغي أن يأخذ بالاعتبار تفاعل هذه الملكة مع نسق القدرة
التداولية ونسق البنية التصورية ونسق الحس المشترك >>.(25)
يستخلص مما سلف أن افتراض وجود ملكة من الملكات العقلية رهين بوجود نواة
فطرية ثابتة ومحددة بيولوجيا تشترك فيها كل المخلوقات البشرية، وعن طريق
الاحتكاك بالتجربة يتم اكتساب بنية معرفية غنية ومعقدة.
5 - 2 - دحض افتراض ملكة شعرية:
اعتبارا لما ذكر أعلاه، يصبح القول بوجود ملكة شعرية معادلا للقول إن كل
كائن بشري يولد شاعرا بالفطرة، وعن طريق الاحتكاك بالتجربة يمتلك ناصية
القول الشعري.الأمر الذي يكذبه الواقع. فليس لأي إنسان أن يصبح شاعرا بمجرد
احتكاكه بالتجربة مهما كان جهده ومراسه، كما أنه ليس لأي إنسان أن يصبح
شاعرا دونما جهد ومراس. لنقارن بغية مزيد من التوضيح بين معرفة اللغة
ومعرفة الشعر ومعرفة الفيزياء.
لا شك أن الفيزيائي لم يولد عالما في الفيزياء بالفطرة. وإنما تكونت معرفته
الفيزيائية بناءعلى عمل مكثف ومنظم وعلى جهد متواصل وتعلم مستمر، إذ لو
كانت معرفته الفيزيائية فطرية لوجب أن يكون للناس جميعهم مايعادل معرفته
تلك ؛ بما انهم ينتمون إلى جنس واحد. ولو انعدم عمله المكثف والمنظم وجهده
المتواصل وتعلمه المستمر لما أمكن له تحصيل تلك المعرفة.
أما فيما يخص المعرفة اللغوية فإن الأمر مخالف لذلك. إذ باستطاعة كل مخلوق
بشري أن يكتسب لغة من اللغات الطبيعية انطلاقا من معطيات محدودة، وفي مدة
قصيرة جدا بالنظر إلى ما تتميز به اللغة من غنى وتعقيد. فاكتساب اللغة بهذا
المعنى يفسر بوجود ملكة لغوية تتطور بفعل احتكاكها بالمحيط.
بناء على ذلك، لاتماثل المعرفة الشعرية المعرفة اللغوية، بما أنها لاتصدرعن
ملكة شعرية.كما لاتماثل المعرفة الشعرية المعرفة الفيزيائية، بما أنها
لاتكتسب بمجرد التعلم والتمرين. فالشاعر يقع في مرتبة وسط. لا يمكن أن ننسب
إليه ملكة شعرية، لأنه في هذه الحالة سيصبح الناس كلهم شعراء بالفطرة. ولا
يمكن أن نفسر معرفته الشعرية بتجربته ومراسه فقط، لأنه في هذه الحالة أيضا
سيصبح بمقدور كل من تعلم قول الشعر وتمرن عليه شاعرا.
فكيف إذن نفسر مصدر المعرفة الشعرية؟
نفترض أن ما يميز الشاعر عن غيره ويؤهله تبعا لذلك لانتاج الشعر هو توفره
على طاقة شعرية (Poetic Capacity) إلى جانب توفره على الملكة اللغوية وباقي
الملكات المشتركة بين بني البشر. ويقوم افتراضنا هذا على التمييز بين
معارف ننجزها بواسطة طاقات معينة تكمن خلفها ملكات عقلية محددة، كما
هوالشأن في المعرفة اللغوية التي ننجزها بواسطة طاقة لغوية تكمن خلفها ملكة
لغوية،وبين معارف وأنشطة أخرى ننجزها بواسطة طاقات معينة دون أن تكون هناك
ملكة عقلية خلف هذه الطاقات. (26) فالمهارة التي يتمتع بها بعض الأفراد
فيما يخص تحقيق أرقام قياسية في القفز أو الجري أو العوم أو في لعبة
الشطرنج وغيرها لايمكن تفسيرها بوجود ملكة عقلية لدى هؤلاء الأفراد خاصة
بالقفز أو بالجري أو بالعوم أو بلعبة الشطرنج، مع الاقرار بأنهم يمتلكون
طاقات خاصة تؤهلهم لتحقيق تلك المنجزات. على هذا الأساس نعتبر من الصواب
افتراض طاقة شعرية تفسر مصدر المعرفة الشعرية مستبعدين في الوقت ذاته
افتراض ملكة شعرية بما أن شروط افتراض من هذا القبيل غير واردة.
6 - نتائج واقتضاءات:
من أهم نتائج هذا العمل دحض الافتراض القائل بوجود ملكة شعرية، وتقديم
افتراض بديل مفاده أن الطاقة الشعرية هي المسؤولة عن إنتاج الشعر.
و من اقتضاءات ذلك الاستدلال على عدم مشروعية الأعمال الرامية إلى بناء نحو
للشعر، أو نحو للنص بصفة عامة، بما أنه دللنا على عدم وجود ملكة شعرية أو
ملكة نصية يمكن أن يمثل لها بتلك الأنحاء. ولقطع الطريق على أي سوء فهم
محتمل، فإننا نذكرأن الاعتراض قائم على الأعمال التي تتبنى المفهوم
التوليدي للنحو، وتبني، قياسا على نحو الجملة، نحوا للشعر (أو نحوا للنص)
تزعم أنه يمثل للقدرة الشعرية (أو القدرة النصية) دون اعتبار شروط افتراض
مثل هذه القدرة. كما أن اعتراضنا لا يذهب إلى حد نفي وجود مبادئ تحكم بنية
الخطاب. الأمر الذي يعني ضرورة البحث عن هذه المبادئ