حكومات المعارضة السورية
رأي القدس
2012-07-31
تنعكس
الخلافات المتفاقمة بين جماعات المعارضة السورية ومجالسها بشكل جلي من
خلال 'حروب' تشكيل الحكومات التي من المفترض ان تمسك بزمام السلطة في مرحلة
ما بعد سقوط النظام الحالي.
الجيش السوري الحر اعلن امس الاول عن مشروع
لتشكيل حكومة برئاسة السيد ملهم الدروبي، وسبعة نواب لمجلس الوزراء وواحد
وثلاثين وزيرا، وكان لافتا اختيار الدكتور برهان غليون وزيرا للمغتربين،
وعارف دليلة للاقتصاد، وحسن عبد العظيم للعدل، وكمال اللبواني للصحة، بينما
تم اختيار السيد عبد الباسط سيدا وزيرا للخارجية سيرا على النهج العراقي
والمحاصصة الطائفية والعرقية التي تحكم عمليته السياسية.
مجلس الامناء
الثوري السوري الذي يضم شخصيات وطنية مستقلة عقد اجتماعا في القاهرة امس رد
فيه بدوره بتشكيل حكومة خاصة به وكلف المعارض المخضرم هيثم المالح
بتشكيلها من شخصيات من الداخل والخارج. وقال السيد المالح 'كلفني الاخوة
بقيادة حكومة انتقالية بالتعاون مع المعارضة في الداخل والخارج لان المرحلة
الحالية تتطلب منا التعاون لتشكيل حكومة انتقالية'.
الساحة السورية
المعارضة باتت تنتظر حاليا حكومات مماثلة من كل من المجلس الوطني السوري
بقيادة السيد سيدا، والدكتور هيثم مناع رئيس الهيئة التنسيقية حتى يكتمل
النصاب.
ويبدو ان المجلس الوطني يتردد في الدخول في هذه الحرب في الوقت
الراهن على الاقل، فقد وصف رئيسه السيد سيدا ان خطوة السيد المالح تشكيل
حكومة انتقالية بانها خطوة متسرعة 'كنا نتمنى ان لا تكون' مضيفا بان 'تشكيل
هذه الحكومة وغيرها يضعف المعارضة السورية.
اللافت ان حمى تشكيل
الحكومات هذه تحتدم في وقت تتصاعد فيه المواجهات الدموية بين قوات الجيش
العربي السوري من جهة والجيش السوري الحر من جهة اخرى للسيطرة على مدينة
حلب العاصمة الاقتصادية لسورية، وكذلك وقوع مواجهات مماثلة في ريف دمشق
ومناطق سورية اخرى.
هذه العشوائية في تشكيل الحكومات تضعف المعارضة
السورية حتما، وتزيد من حدة الانقسامات في صفوفها، علاوة على كونها سابقة
لاوانها، وينطبق عليها المثل الذي يقول 'يتشاحنون على جلد الدب قبل صيده'.
فالمعارضة
السورية، والشق الخارجي منها على وجه الخصوص، تعاني مما عانت منه معظم
المعارضات العربية السابقة، اي وجود نسبة كبيرة من الزعماء كل منهم يريد ان
يكون الاول، ووجود رهط من المستوزرين يعدون بالمئات ان لم يكن بالآلاف،
وهذا ما يفسر كثرة الفصائل وكثرة الحكومات الانتقالية.
توحيد الصفوف،
والانضواء تحت مظلة واحدة لفصائل المعارضة كلها، والتعايش بين مختلف الوان
الطيف السياسي والمذهبي والعرقي، ابرز التحديات التي تواجهها المعارضة
السورية هذه الايام، وعدم النجاح في مواجهتها، اي التحديات، يضعف مصداقيتها
في اوساط الشعب السوري في الداخل والخارج، ويقلل من فرص تمثيلها لهذا
الشعب.
ان اخطر ما يمكن استخلاصه من كيفية تشكيل هذه الحكومات، او
بالاحرى مشاريع تشكيلها والاسماء المقترحة للمشاركة فيها، يتمثل في كونها
تكرر الخطأ الذي وقعت فيه المعارضة العراقية بعد احتلال امريكا لبغداد.
وسقوط نظام الرئيس صدام حسين، اي المحاصصة الطائفية والعرقية، وهي المحاصصة
التي انعكست اولا في مجلس الحكم، ثم جرى ترجمتها في الوزارات وادت في
نهاية المطاف الى تقسيم البلاد، وتصاعد توجهات الفرز الطائفي والعرقي بما
ادى الى تدمير النسيج الاجتماعي والهوية الوطنية الواحدة الموحدة.
سورية
ليست بحاجة الى حكومات وانما الى حل سياسي يضع حدا لنزيف الدماء الراهن،
ويحافظ على وحدة البلاد الجغرافية والديموغرافية قبل فوات الاوان.