هل كان أبو العلاء المعري أميا ؟
يتمسك المسلمون بمقولة أن محمد بن عبد الله كان أميا،
لم يعرف القراءة والكتابة، كواحد من براهينهم أنه لم يؤلف القرآن. فهل
يستقيم هذا البرهان مع التاريخ أو مع المنطق ؟ بكلمات أخر ، هل حقا يشترط
في مؤلفي الكتب أن يعرفوا القراءة بأعينهم والكتابة بأيديهم؟ لو راجعنا
التاريخ بسرعة ، لوجدنا أمثلة طارت سمعتها عبر الآفاق لرجاء ونساء لم
يعرفوا الكتابة ولكنهم ألفوا كتبا تعتبر من أشهر كتب التاريخ.
إذا ما اعتبرنا أن تعريف الأمية، كما يستخدمونه، هو عدم معرفة القراءة والكتابة، فإنه لا شك أن ابو العلاء المعري كان أميا. فمن المعروف أن أبو العلاء فقد
بصره وهو صبي صغير إثر إصابته بالجدري، وكان عمره عندها "دون الرابعة".
ولا تدل أي من ترجماته على أنه تعلم القراءة والكتابة في ذلك السن المبكر.
بالمقابل، يعتبر أبو العلاء المعري
من أكثر الكتاب العرب في التاريخ غزارة في الإنتاج وسموا في المحتوى وعمقا
في المعنى، وللآن يكاد أن يكون هناك إجماع بين اللغويون والأدباء أنه لم
يتمكن أحد من التفوق أو حتى مساواة عبقرية أبو العلاء في أسلوبه الشعري
واللغوي والفكري. يقول الدكتور علي شلق في المقدمة التي كتبها لإحدى نشرات رسالة الغفران: أحصى
الأستاذ سليم الجندي أعداد وأسماء المؤلفات العلائية، فتجاوزت الماية
والتسعة، بين كتاب، ورسالة، ومطولة الشعر والنثر، غير أن أخطر كتبه وأشهرها
على تفرد وعلى مشرف عالمي، كتاب رسالة الغفران، وأختها النادرة رسالة
الملائكة، ثم ديوانا سقط الزند، و لزوم ما لا يلزم، بالإضافة إلى كتب
موسوعة ضاعت في مجاهل المكان والزمان مثل كتاب الأيك والغصون و الهمزة
والردف، ذلك الذي بلغ الماية جزء حسب رواية إبن خلكان بينما روى القفطي أنه
في ثلاث وستين مجلدا ومثله كتاب الفصول والغايات الذي لم يبق منه سوى مجلد
واحد، وضاعت الستة الباقية.
وكنت قد قرأت أن أحدهم أحصى ما أنتجه أبو العلاء المعري من الشعر فكان مائة وثمانين ألف بيت، لم يصلنا منها إلا الديوانين المذكورين أعلاه وبعض المتفرقات الشعرية.
بالإضافة إلى هذا العدد الهائل من الكتب والمؤلفات، فإن نوعية إنتاج أبو العلاء
لا زالت للآن تستعصي على الغالبية الساحقة من قراءه، سواء من ناحية
الإحاطة بمعناها، أو بالوصول إلى كتابة تضاهيها في الجودة والعمق والكمال.
فهل يحق لنا أن نقول أن هذا الرجل المعجزة كان أميا؟
وهناك
مثال آخر من تاريخنا العربي. فقد نبغ طه حسين بالرغم من فقده لبصره وهو
طفل صغير. وبالرغم من عدم قدرته على الكتابة والقراءة ، فقد كان من رواد
وأعمدة النهضة الثقافية التي عصفت بمصر في النصف الأول من القرن العشرين.
وفي
بقية العالم ، نذكر الأعمى اليوناني هوميروس كاتب الإلياذة ذائعة الصيت ،
والتي لا تزال للآن تعلم في معظم جامعات الغرب ومدارسها بالإضافة إلى
ترجتمها إلى معظم لغات الأرض الرئيسية.
من
هذه المراجعة البسيطة ، فهل تكفي عدم القدرة على القراءة والكتابة لنفي أن
أحدهم ألف كتابا ما؟ هل يكفي، إن نحن سلمنا أن محمدا لم يعرف القراءة ولا
الكتابة، أن ننفي أنه يؤلف القرآن ؟ علما بأن القرآن، لمن لم يؤمن به ليس
إلا خليط بدائي، غير متناسق محتوى وتاريخا، ومليئ بالأخطاء العلمية
والقوانين البدائية ، وأنه أبعد ما يكون عن كتاب ألفه رجل عبقري بله الله
خالق هذا الكون العجيب.