شطحات أبولهبية لإدخال الثالوثية إلى العقيدة الإسلامية
شطحات أبولهبية لإدخال الثالوثية إلى العقيدة الإسلامية
التوحيد نعمة أم نقمة؟
سأحاول
في هذه المقالة إسقاط الثالوثية على العقيدة الإسلامية، وباستعمال، ما
أمكن، خطاب ومقولات إسلامية مقبولة من المسلمين أنفسهم، وسيكون ذلك في
محاولة لفتح الحوار حول هذا الموضوع. وغايتي هي محاولة المساهمة في إدخال
التعددية إلى العقلية العربية التي جمدها، حسب قناعتي، نظام التوحيد
الإسلامي المنقوش في حجر صنم القرآن و التراث الإسلامي وما تنامى حولهما من
حضارة مساندة وأدبيات غير قابلة في الغالب للتغيير والتطوير.
لماذا الثالثوثية ؟ لماذا ليس الخماسية مثلا، أو للتطابق مع الترقيم الإسلامي، لماذا ليس السباعية؟[i]
ربما اخترت الثالوثية لتأثري بانتشار هذا المذهب في الأديان الاخرى بدئا
من الديانات الوثنية في مصر وبابل والهندوسية إلى أن نصل إلى أشهر مثال،
الثالوث المسيحي، ولكن السبب الأساسي في اختياري للثالوثية هو أنني لم أجد
عددا آخر مناسبا "لتجلي" إله المسلمين في غير هذا العدد. ولكن
لماذا أفكر في هذا الإتجاه، أي إدخال الثالوثية إلى الإسلام، وأنا مؤمن
حتى النخاع بخرافة المقدس الإسلامي والتخلف الفكري لمبادئه الإساسية من
الله مرورا بالقرآن والسنة إلى الشريعة الإسلامية ؟ باختصار، فإني أعلم
جيدا أن محمدا بن عبد الله القرشي نجح في جعل الإسلام جزءا لا يتجزأ من
وجداننا ومن شخصيتنا العربية. حتى أني أعرف أصدقاءا عرب مسيحيين يعترفون أن
الإسلام جزء من تركبيتهم الحضارية. ولهذا فإن معارضتي للإسلام والتي قد
تبدو للكثير في ظاهرها تهجما متطرفا بدون هدف، هي طريقتي في محاولة
المساهمة في تطوير نحو الأفضل في الفكر الإسلامي. ذلك أني أحاول من تطرفي
في الوقوف في الأتجاه المعادي للإسلام إن أجبر أبناء أمتي من العرب
المسلمين على أن يأتوا بفكر يطور الإسلام نحو الأفضل. أقول هذا بتواضع ومن
منطلق "أنت على ثغرة من ثغر الإسلام فلا يؤتين من قبلك".
أما
السبب الأساسي للتفكير في أدخال الثالوثية إلى العقيدة الإسلامية ، فهو
قناعتي الراسخة بأن عقيدة التوحيد التي قحمها محمد وأصحابه في حلوق معاصريه
من العرب[ii]
بقوة السيف ليوحدهم تحت قيادة سياسية واحدة ، حرمتهم وخلـَفهم من بعدهم،
من تطوير تراثهم الإجتماعي السائد قبل الإسلام ، وهو تراث غني ببذور
التعددية ، والمتمثلة في النظرة إلى واقعهم المادي والروحي، وما ينتج عن
هذا التراث، ضرورة، من تقاليد احترام آراء الآخر، والمقدرة على التعايش
والتفاعل معه ، وأهم ما يقع تحت هذه التقاليد هو تقليد ، أو تراث الحكم
التعددي أو الحكم الجماعي، أو الحكم الحصصي[iii]
، كما تمثل في دار ندوة قريش والمجالس القبلية. ولعل من أهم الأمثلة
المشهورة على احترامهم لرأي الآخر هو مثال تعايشهم – القلق أحيانا– مع دعوة
محمد لمدة الثلاثة عشر عاما التي قضاها وهو يدعوا لدينه الجديد في مكة،
ولم يكسر هذا التعايش إلا بعد أن أعلن محمد صراحة عزمه على الهجرة للمدينة
للتحالف مع الأوس والخزرج لقتال قريش وقطع الطريق على قوافلها. لا
جدال أن نظام الحكم قبل الإسلام كان بسيطا وبدائيا وقائما في أساسه على
العقلية والعصبية القبلية، ولكن مما ساعد في انتشاره وترسيخه أن بيئة
الجزيرة العربية ، جعلت القبائل العربية تعيش في حالة إقتصادية شبه معدمة
مما منع تراكم الثروات وبالتالي منع نشوء طبقات أريستوقراطية مهيمنة، وجعل
العرب جميعا يعيشون كطبقة متجانسة إلى حد كبير. طبعا هذا لا يعني أنه لم
يكن هناك فروق بين الناس ولكن هذه الفروق كانت ضئيلة إذا ما قيست بفروق
الطبقات في الأمم المجاورة كفارس والروم، وكان من أهمها وجود فئات العبيد
والموالي، ومن اللافت للنظر أن تسلق السلم الإجتماعي لهذه الفئات كان
مسموحا ومقبولا إجتماعيا كما نعرف من قصة عنترة بن شداد ومن زواج خديجة بنت
خويلد بأبو هالة مالك بن النباش بن زرارة التميمي الأسدي، حليف بني عبد
الدار بن قصي.
ولربط
موضوع التعددية في الحكم بالديانة السائدة ، نذكر أن عرب ما قبل الإسلام
كانوا يعبدون الكثير من الآلهة، كل منها يعبر عن شخصية متميزة للقبيلة التي
تبنته كإله أو إلاهة ولكن تلك الآلهة، سواء المذكر منها أو المؤنث، كانت
تنسجم معا باتفاق الجميع أنها آلهة تابعة تقع تحت مظلة الإله المعترف به من
جميع العرب كالإله الموحد لهم والمدعو بالله. ولعبت مكة والكعبة بشكل خاص،
كمركز لهذه الآله يجتمع فيه جمهور العرب في طقوس الحج الدينية في ظاهرها
للتجارة والتبادل الثقافي والمعرفي في أشهر حرم فيها سفك الدم بالتزام
كبير.
السؤال
التالي الذي يجب طرحه هو هل نفع التوحيد كما قدمه محمد وأصحابه بالشعب
العربي أم أنه ألحق به الضرر؟ والجواب على هذا السؤال ليس بالسهل، ويمكن أن
يطول الحديث فيه جدا ، ولهذا أتمنى أن يولد هذا الموضوع القدر الكافي من
الحوار للأجابة المفصلة عليه ومن وجهات نظر مختلفة. ومن أهم النقاط التي
يجب الخوض بها وبحثها بعمق هي إثبات وجود علاقة وثيقة بين فكرة التوحيد
الإسلامية ونظام الحكم الذي نتج عنها. وبالرغم من أن الجملة السابقة تكاد
أن تقرر وجود هذه العلاقة، فإن البحث يجب أن يشمل إحتمالية نشوء نظام تعددي
تحت عقيدة التوحيد.
يكفي
هنا، وللاختصار المطلوب في نقاش المنتديات، أن أدعي أن نظرية التوحيد عادت
على الشعب العربي بفوائد "مرحلية" كبيرة ، أهمها أنها صهرته في بوتقة
واحدة وتحت قيادة سياسة وعسكرية واحدة ، جمعت المصادر العسكرية والبشرية
والإقتصادية القليلة بفاعلية كبيرة، مما مكن العرب من القيام بمغامرة الغزو
للأقطار المجاورة، ومن ثم تكريس احتلال الأمة العربية لمناطق غنية شاسعة،
كانت فقط تحلم في الإمتداد لها بدون هذه الوحدة. ولكن على المدى الطويل،
فإن هذا التوحيد المبني على الشرعية الدينية ثبت ، بطريقة لا يمكن الفكاك
منها أو حتى تطويرها ، نظرة حضارية ناقصة وساذجة أدت بالعرب على المدى
البعيد إلى تخلف شديد، وخصوصا في مجال علوم بناء الدولة ومؤسساتها، وقد أدت
هذه النظرة التوحيدية المجمدة بالقرآن بنظرته البدوية الساذجة، إلى وضع
جميع مصادر قوى الدولة الفتية في يد الخليفة أو السلطان، ممثل الله في
الأرض، وأدى الحصول على غنائم أقتصادية هائلة إلى ترسيخ النظام الأبوي
القبلي المتخلف وإيجاد طبقات أجتماعية شديدة التميز ، بدئا بطبقات الأشراف
العربية في العصر الأموي وانتهاء بطبقات المماليك والسلاطين ، الذين صادروا
حصة الفرد في الأغلبية المسلمة (ليس العربية فقط) من غنائمها بالنسبة
للعرب، ومن وطنها ومواردها بالنسبة للشعوب المحتلة. وبسبب التوحيد، بنيت
الإمبراطورية الإسلامية على مركزية فريدة وقف على رأسها الخليفة وأسرته ،
فعجز العرب المسلمون عن تطوير إمبراطوريتهم وإدارة دولتهم المترامية
الأطراف جغرافيا وسكانيا (إن صح التعبير) ولم يمض وقت طويل حتى انهارت سلطة
المركز ونشأت دويلات صغيرة متناحرة، تقوم في بنيتها الأساسية على نفس
النظام الخلافي المركزي وعلى انعدام حصة الفرد من وطنه ، وعلى تملك طبقة
السلاطين والجيش لمعظم موارد الدولة ، وبذلك فوت المسلمون على أنفسهم
القيام بثورة صناعية علمية وعلى الإستمرار بالتوسع الجغرافي كاكتشاف
الأمريكيتين، مع أن الوسائل كانت متوفرة لهم نظريا بشكل شبه كامل. وهذا
الفشل التاريخي يضاهي إلى حد كبير فوات الفرصة على الحضارة الصينية في
إحداث ثورة صناعية، مع أن الأسباب والخلفيات تختلف.
أما
على المستوى الفردي، فقد أدت نظرية التوحيد بصيغتها الإسلامية إلى بناء
هرم فكري مزود بالأجوبة الجاهزة ، وتحت طبقة علماء متحالفة مع السلطان،
وظيفتها أساسا الدفاع عن شرعيته. حرم هذا الجو الإنسان العربي من الحرية
الفكرية ومن أطلاق عنان خياله للتأمل بأصل وهدف ومصير ومعنى كيانه ، ويكون
التوحيد الذي جاء به محمد ، قد حرمه بذلك من "الهدف" المنطقي الوحيد للحياة
الفردية وهو في رأيي التأمل- تام الحرية - بالكون المحيط. وبذلك يكون
محمدا قد حرم أمته على المستوى الفردي من الميزة التي تمتع بها وهو يعيش في
ظلال "كفار" قريش "الجاهليين".
ولعل
أشد أثار التوحيد الإسلامي سلبا على الفرد نتجت من تكريس ذكورية صارمة،
همشت المرأة في المجتمع الإسلامي، وجعلتها قرينة للإماء والجواري، إن لم
تكن قد وضعتها في عبودية حقيقية. فعرب ما قبل الإسلام، عرفوا إناث الآلهة
وقدسوها، وعرفوا الكاهنات واحترومهن واتبعوا آرائهن، وخرجت نسائهن للتجارة
وحفظن حقوقهن الإقتصادية، وحقوقهن في الميراث، وحقوقهن في اختيار الزوج
وطلاقه.
الشطحات الأبولهبية
قبل
أن أسجل الشطحات أحب أن أؤكد أني لا أحاول أن أقحم رأيي ليتقبله الزملاء
ولكني أدرجه في محاولة لبدء للنقاش وأنا مستعد "للنسخ" و"التبديل"، ما عدا
طلب الشطب الكامل الذي أتوقع أن يطالب به الإخوة المتدينون.
الشطحة الأولى:
الله، اللوح المحفوظ ، والإنسان
، ستكون الثالوث في المقدس الإسلامي. كل "إله" من هذه الأقطاب عبارة عن
تجلي كامل لله الواحد في "شخص" هذا الإله. ويمكن تفسير هذه الثالوثية التي
هي إحادية بالتزامن، كما يفعل المسيحيون، بأن تعطي السائل وجها مليئا
بالحيرة والدهشة عند السؤال عن مثل هذه النظرية الغريبة ، والذي لا بد أنه
يعلم الإجابة عليه أحد القساوسة في كنيسة ما ولكنه ليس من شأنك، أو أن
تتفلسف وتتسفسط وتستعمل التشبيهات الهادفة لإدخال الحيرة في عقلك وعقل من
سألك ، مثل تشبيه تجليات هذه الثالوثية بثنائية المادة التي تتجلى كموجة
وجسم كما يفعلون في الفيزياء الكمية (الكوانتية). لاحظ هنا أن الهدف هو
إدخال التعددية، وإبقاء الغموض جيد ومطلوب ويؤدي خدمة فتح المجال للمناورة
وللفكر المبدع، كما يجب التذكير بأن الهدف هنا ليس إيجاد الأجوبة الجاهزة
ولكنه إيجاد مجال للبحث عن الأجوبة مع الميل القوي إلى استحالة وجود هذه
الأجوبة، وبهذه الطريقة لن نقع بما أوقعنا به محمد من جمود فكري.
الشطحة الثانية:
الله
هو الكيان اللانهائي، المطلق، النظري ، مصدر كل الخليقة، والمالك لكل صفات
الكمال. وهو "ليس كمثله شئ ،" يقع خارج الزمان والمكان وخارج حواسنا
وفكرنا وفهمنا وجميع القوانين الطبيعية المتاحة لملاحظتنا وقياسنا. وبما أن
له كل هذه الصفات التعجيزية، فمن الأفضل أن نقفز إلى الشطحة الثالثة قبل
أن "نكفر" ونتخلى عن باقي الشطحات!
الشطحة الثالثة:
الإنسان،
كرجل وامرأة هما الإله الثاني، بمعنى أنهما يرمزان لوعي الإنسان أو
للإنسانية بشكل عام بميزاتها ونواقصها، ولوعيها الحضاري المتجدد أبدا،
وهما، أي الرجل والمرأة ، سيكونا التجلي الثاني للذات الإلهية ويمكن
اعتبارهما ، (بالرغم من قصورهما ونواقصهما) حلقة الوصل بين "عطش" الله
المطلق وبين "جوع" العالم المادي، لإدراك نفسيهما، وأنهما نتجا عن تفاعلات
عشوائية وقوانين التجلي الثالث. وأهم ما آمله من وضع الإنسانية كواحد من
الآلهة هو تقديس الفرد الإنساني إطلاقا دون النظر إلى لونه أو فكره أو أصله
أو جنسه بحيث يصبح من الفضيحة والخزي حتى التفكير بإيذائه أو بتقييد
حريته. ويمكن هنا التفكير باستعارة بعض من نظرية نقطة الأوميغا التبلرية[iv] لأضافة معنى وهدف لحياة الإنسان على المستوى الفردي. ولا
بد عند الحديث عن الإنسان من الكلام عن العبادات التي عليه القيام بها. في
رأيي أن وضع الإنسان كإله سيعطيه الحرية في التعبير عن ألوهيته بأي شكل
يريد، وسيكون بالأمكان إيجاد حركات إنسانية تجعل نشر السلام والحضارة كأرقى
شكل للعبادة.
الشطحة الرابعة:
اللوح
المحفوظ هو تجلي الله في العالم المادي أي أنه المادة والطاقة في الكون
المحيط من أضخم تراكمات المجرات إلى البعد البلانكي بالإضافة إلى القوانين
التي تحكمها. وهو بذلك يحمل في داخله كل المعلومات عن الكون. وبما أننا، أي
الإله الإنساني، نتجنا لتفاعلات هذا التجلي المادي، أي القوانين التي تدفع
اللوح المحفوظ الغير واعي ليعي نفسه (لاحظ كيف ذكرت هذه النقطة هكذا،
وكأنها من المسلمات) فإن بإمكاننا أن نخوض مطولا فيها. ووجه الطرافة في هذه
النقطة أنها تعبر في مضمونها عن تجلي شيئين، الإنسان ككائن يتموطن فيه
الوعي الذكي والمادة التي هي اللوح المحفوظ، فإن تواجد إثنين مختلفين وهما
في الحقيقة نفس الشئ يعطي مثالا للتفكير في تجلي التعدد وهو نفس الشئ
الواحد.