تمدد السيطرة الكردية على مناطق الشمال السوري... لماذا؟
|
سوري فوق دبابة مدمرة في قرية إعزاز في شمال سوريا أمس (رويترز) |
|
|
|
|
|
|
محمد بلوط
هل عملية استيلاء الأكراد في الشمال السوري على المدن موجهة ضد النظام السوري أم تركيا؟
الأرجح
أن رفع الأعلام الكردية على بعض مدن الشمال، لا يستهدف النظام السوري
وحده، وربما يجد الأكراد في أعلامهم التي رفعوها على بعض المقرات الحكومية
رسالة موجهة إلى المقلب التركي من الحدود أكثر مما يتوجه إلى دمشق. فكوباني
والقامشلي وعفرين والمالكية ـ ديريك وغيرها من المدن، التي تقيم فيها
اكثريات كردية، تعد منذ عام تقريبا، مدنا "ساقطة عسكريا" بيد حزب الاتحاد
الديموقراطي الكردي منذ عام.
ويقوم حزب الاتحاد الديموقراطي، القوة
الرئيسة في المنطقة، بإدارتها عبر مجلس شعبي وطني لغربي كردستان، ومئات
لجان الحماية الشعبية وبنية تمثل نواة إدارة ذاتية حقيقية. وقام الأكراد
بإبعاد الوحدات الأمنية السورية، من دون قتال يذكر، فيما استمرت الإدارات
السورية الرسمية تعمل كالعادة في المنطقة. ولم تعترض العملية الكردية
مقاومة كبيرة من النظام السوري، الذي يفضل تحييد الأكراد على توسيع جبهات
القتال. كما أن الأكراد عملوا منذ عام على حماية ريف حلب الشمالي الشرقي من
أي اختراق "للجيش الحر" عبر إقفال الطريق الرئيسي إليها في عفرين، والتي
يسيطر عليها كليا.
ويقول مسؤول كردي بارز إن الجيش السوري لا يحشد قوات
كبيرة في المنطقة، التي أخلى معظم مدنها، للتفرغ للقتال على جبهات أخرى.
ويبقي الجيش السوري على قوات مهمة في الحسكة، ووحدة أمنية تتمركز في مطار
القامشلي لمنع هبوط طائرات أو إمدادات في أي عملية تستهدف إقامة منطقة
آمنة، على مقربة من الحدود مع تركيا. كما ينشر الجيش السوري وحدات كبيرة
لحماية حقول النفط الأساسية في "رميلات" و"جبسة". وما تبقى لا يعد سوى
مخافر معزولة لا يمكن الدفاع عنها.
وتجري مفاوضات مع القوة المتمركزة في
مطار القامشلي، لإخراجها من دون قتال. إلا أن طرق الانسحاب نحو وحدات
الجيش في الجزيرة أو دمشق لا تبدو آمنة من الكمائن، وتعقد المفاوضات. ويقوم
الأكراد بالتفاوض في كل قرية أو بلدة أو مدينة مع الوحدات النظامية
القليلة، لإقناعها بالانسحاب من دون إراقة دماء. ويقول قطب سوري معارض إن
"الاتحاد الديموقراطي" لا يسعى إلى عمل انفصالي في المنطقة لكنه يقوم
بتعزيز حضور المعارضة السورية، سواء في مواجهة تركيا، التي تراهن على الجيش
الحر والأخوان المسلمين لاختراق المنطقة. ويشكل الديموقراطي احد أعمدة
هيئة التنسيق الوطنية المعارضة".
ويقول قطب كردي سوري معارض، في باريس،
إن حزب الاتحاد الديموقراطي، الذي رفع إعلامه فوق كوباني، يستبق في الواقع
خطة تركية جديدة لاختراق كردستان الغربية في الشمال السوري، وإقامة منطقة
آمنة فيها بعد أن خلت كليا من القوات السورية، ودفع اللاجئين السوريين
نحوها. ويضيف إن رئيس المجلس الوطني السوري عبد الباسط سيدا التقى وزير
الخارجية التركي احمد داود اوغلو، واطلع منه على الخطة التركية.
وقام
الأكراد بالسيطرة على بعض المعابر الحدودية باتجاه العراق. ودخلت قوة كردية
معبر تل كوجك ـ ربيعة، فيما لجأت الوحدة المكلفة حمايته إلى عشيرة شمر
العربية التي تنتشر على طرفي الحدود العراقية ـ السورية. واقفل الأتراك من
جهتهم معبر القامشلي ـ نصيبين، فيما سيطر "الاتحاد الديموقراطي" على
المعابر الأخرى في درباسية ورأس العين وتل ابيض.
ولاحظ المعارض السوري
تضافر مجموعة من الخطوات التركية دفعت بالأكراد إلى تطويق أي احتمال بتدخل
تركي في المنطقة التي يسيطرون عليها. ورأى أن الأتراك مهدوا لإغلاق المعابر
الحدودية، أمس الأول، بنشر ألوية جديدة على الجانب الآخر من الحدود ومنصات
صواريخ للدفاع الجوي، وأرسلوا 9 آلاف عنصر من الدرك لحفظ النظام، في منطقة
تتطلب وجودا قتاليا أكثر منه أمنيا. وترافق الانتشار التركي مع مواجهة في
مخيم "كيليس" للاجئين السوريين في تركيا، حيث قتل احدهم، لحثهم على العودة
من حيث آتوا.
ولتحقيق المنطقة الآمنة تركيا، ينتظر الأكراد السوريون أن
يقوم الأتراك بدفع اللاجئين من مخيماتهم في لواء الأسكندرون نحو الخاصرات
الرخوة المسيحية والعربية والتركمانية، على تخوم التجمعات السكانية الكردية
الكبرى في الشمال. وفي منطقة كوباني، التي ينتشر فيها 400 ألف كردي، تقوم
جيوب عربية لا وجود عسكريا فيها لحزب الاتحاد الديموقراطي، ويخشى الأكراد
استخدامها لإقامة منطقة آمنة، حيث انها لم تشهد أي مواجهات ولم تتضرر البنى
التحتية فيها، وتصلح لتجميع قوات مسلحة تستخدمها لجذب المزيد من منشقي
الجيش السوري وتتحول إلى قاعدة انطلاق لعمليات عسكرية بحماية منطقة الحظر
الجوي التي يشرف عليها الجيش التركي.
وكانت منطقة القبور البيض (تربة
سبي) قد شهدت اشتباكات بين الجيش السوري ومجموعات مسلحة تنتمي إلى وحدات من
الأخوان المسلمين السوريين، لكن الأكراد قاموا بتطويق المنطقة منعا
لانتقال القتال إلى مناطق أخرى.
ويعتقد الأكراد أن الأتراك في سعيهم إلى
إقامة منطقة آمنة في قلب كردستان الغربية يعملون على تقطيعها، ومنع
الأكراد من اقامة مؤسساتهم، خصوصا أن حزب الاتحاد الديموقراطي، وهو القوة
الرئيسة المسلحة، يعد الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني، وان خمسة آلاف
سوري من مقاتليه سقطوا في العمليات التي يشنها "الكردستاني" ضد القوات
التركية منذ الثمانينيات، انطلاقا من سوريا أو العراق.
ورأى الأكراد انه
كان لا بد من التحرك لتأمين مناطق انتشارهم خشية وقوعهم بين فكي كماشة:
القوات التركية في الشمال وخطة إجلاء اللاجئين، والعشائر العربية في الشرق
والجنوب. وتوالي شمر بشكل واسع الأكراد في الشمال، فيما تقف العقيدات، اكبر
عشائر المنطقة، إلى جانب "الجيش السوري الحر" في دير الزور وحول حلب. ونجح
الأخوان المسلمون بتجنيد عدد كبير من عشيرة الشرابية في صفوفهم.
وللمرة
الأولى منذ عام، وعلى ضوء المستجد التركي، استجاب الاتحاد الديموقراطي
لطلب "رئيس" اقليم كردستان العراق مسعود البرزاني إعادة تنظيم المنطقة التي
يسيطر عليها وتقاسم الإدارة التي أقامها مع الأحزاب الكردية الأخرى.
وينطلق "الديموقراطي" من أنه من دون توحيد الأحزاب الكردية سيكون من الصعب
عليه وحده التصدي لخطة تركيا زرع منطقة عازلة في قلب مناطقه. وكان البرزاني
اقصى "الديموقراطي" من مؤتمر عقده قبل أشهر في اربيل، اقتصر على الأحزاب
الكردية الأخرى. وشجع الأحزاب الكردية على إقامة مجلس وطني منافس، وتسليح
قوات تابعة لها في المنطقة، من دون أن تنجح المحاولة.
ومنذ أسبوعين رعى
البرزاني في أربيل اجتماعا للأحزاب الكردية السورية بأبجمعها. وحضر رئيس
حزب الاتحاد الديموقراطي صالح مسلم محمد ورئيس المجلس الشعبي لكردستان
الغربية عبد السلام احمد وزعماء 16 حزبا كرديا تكتلوا في المجلس الوطني
الكردي. ونص اتفاق من سبع نقاط، رعاه البرزاني، على تقاسم الإدارة الكردية
في سوريا مناصفة، بين حزب الاتحاد الديموقراطي وبقية أحزاب المجلس الوطني
الكردي. كما نص الاتفاق على وقف الحملات الإعلامية وإلغاء المظاهر المسلحة،
ولجنة أمنية لحل الإشكالات. ولكن إعادة إجراء انتخابات الإدارة والمجالس
في الشمال السوري، كما نص الاتفاق، دونه الانقسامات بين أحزاب المجلس
الوطني الكردي، التي لم تتفق على تسمية ممثليها في هيئة تشرف على تنفيذ
الاتفاق.
ويجهد البرزاني لتوحيد أكراد الشمال السوري، في إستراتيجية
تهدف إلى إخراج كردستان العراق من عزلتها وحصارها، بين العراق العربي
وتركيا. ومن الواضح أن أي كيان كردي سيكون محدود السيادة سياسيا، وغير قابل
للحياة اقتصاديا إذا ما اضطر للارتهان للبوابة التركية والعراقية تجاريا.
ويقول معارض سوري كردي بارز إن كردستان الغربية في شمال سوريا تمثل امتداد
حيويا لكردستان العراق، لقربها من الواجهة الساحلية السورية، المرشحة
لتشكيل بوابة تصدير النفط الكردي وتنشيط التجارة الخارجية من دون المرور
بتركيا.