في
مكان ما من العالم أقدم رجل على اختطاف طفلة صغيرة. لاحقاً سوف يقوم
باغتصاب الطفلة وتعذيبها ثمّ قتلها. إذا كان هذا العمل الوحشيّ لا يحدث في
هذه اللحظة بعينها، فحتماً سوف يحدث خلال الساعات القليلة القادمة، أو
خلال أيّام على أقصى تقدير.
وهذه هي الثقة التي يمكن أن نستخلصها من القوانين الإحصائيّة التي تحكم
حياة ست مليارات نسمة من البشر. هذه الإحصاءات نفسها التي تشير أنّ ذوي
الطفلة – وفي هذه اللحظات بالذات – يعتقدون بأن الله كلّي القدرة المحب
للجميع يعمل على مراقبتهم ومراقبة أفراد الأسرة.
هل هم مصيبون فيما اعتقدوا ؟ وهل من الجيّد أن يتحلوا بهذا الإيمان ؟ بالطبع لا
ينطلق
مجمل الإلحاد من هذا المنطلق، فهو ليس فلسفة، ولا حتى رؤية للعالم، بل هو
مجرد رفض لكلّ ما ينكر الحقائق الواضحة. للأسف نحن نعيش في عالم يتمّ فيه
التغاضي عن الحقائق الجليّة من أجل إعلاء مبادئ الاعتقاد. فالحقيقة يجب
ملاحظتها والتأكيد عليها والدفاع عنها. لأنّ وظيفة ناكر الجميل إحاطة نفسه
بهالة من نكران الجميل واللامبالاة وهذه وظيفة لا يرغب الملحد بامتهانها.
لا
قيمة تذكر عندما تحدد هويّة أحدهم بأنّه ليس منجّماً !! أو ليس
كيميائيّاً. وبالتالي لا توجد كلمات يمكنها أن تصفَّ من يرفض صلاحية
الاعتقادات الزائفة، وبالمثل فالإلحاد مصطلح كان عليه أن لا يوجد أصلاً.
فالإلحاد ليس إلاّ مجرّد ضجيج يقوم به أناس عقلاء في ظلّ وجود عقائد
دينيّة. والملحد هو مجرّد شخص يعتقد بأنّ الـ260 مليون أمريكي (والذين
يمثلون 87 % من تعداد سكان الولايات المتحدة الأمريكيّة) المتأكدين من
وجود الله مطالبين بتقديم دليلهم على ذلك، وبالطبع الحكمة من وجوده في ظلّ
الدمار السائد الذي يشهده العالم بلا هوادة يوميّاً. فقط الملحد هو القادر
على تقدير مدى غرابة وفداحة الأمر. معظمنا يؤمن بالله بنفس الطريقة التي
يؤمن بها بوجود آلهة جبل الأولمب خداعاً وتضليلاً، فلا يمكن لأيّ شخص
مهما كانت مؤهلاته التماس المناصب العامّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة
دون الإدعاء بأنّ الله موجود، كما أنّ السياسة العامّة لابدّ أن تكون
متوافقة مع المحرّمات الدينيّة وتعاليم القرون الوسطى.
فعلاً ظروف الملحد صعبة غير قابلة للدفاع ومرعبة. ومن المضحك جداً الإدعاء بأنّ المخاطرة التي يتكبدها ليست عالية.
لاحظ
كيف دمرّ إعصار كاترينا مؤخراً مدينة نيو أورلينز وتسبب في وفاة ألف شخص
على الأقل وتكبد عشرات الآلاف خسائر ماديّة في ممتلكاتهم وملايين البشر
شرّدوا. من الباعث على الاطمئنان القول بأنّ جميع من عاشوا في هذه المدينة
في توقيت حدوث الإعصار يؤمنون بالله المدبر الرحيم العليم ولكن ما الذي
كان يفعله هذا الرب والإعصار يجلب الدمار لمدينتهم؟ بالتأكيد سمع هذا
الإله صلوات المسنين والنساء والأطفال الذين فروا من ارتفاع منسوب المياه
وغرقوا ليموتوا ببطء،. هؤلاء كانوا أناساً طيبين آمنوا بهذا الإله طوال
حياتهم. فقط الملحد قادر على مواجهة الحقيقة بأن هؤلاء الضحايا المساكين
كانوا على علاقة مع شريك وهمي.
لم يحذر الرب في كتبه المقدّسة بأنّ
إعصاراً سيضرب نيو أورلينز واستجابة البشر لهذه الكارثة كانت مأساويّة
بشكل خطير. بالرغم من أن قناديل العلم حاولت إنارة عقولنا إلى تحذير
استباقي قام بانتزاعه رغماً عن أنف الطبيعة من خلال الأقمار الصناعيّة
وعلم الأرصاد الجويّة ولكن للأسف آثر سكان تلك المدينة البائسة الاعتماد
على إحسان الرب ولم يكونوا على علم بأنّ ذلك الإعصار هو قاتلهم المتوّحش
حتى شعروا بهبوب أول زغابيبه على وجوههم. وحتى الآن أظهر استطلاع للرأي
أجرته صحيفة الواشنطن بوست بأنّ 80 % من الناجين يدعون بأنّ الإعصار عزز
إيمانهم بالله.
وبنفس القسوة التي افترس فيها إعصار كاترينا ضحاياه ديس
ما يقرب الألف حاج شيعي حتى الموت على جسر في العراق ولم يكن لدى هؤلاء
الحجيج أيّ ذرة شك بالله القرآني. في الواقع، حياتهم نُظِمت حول وجود
الله كحقيقة لا جدال عليها: جعلت نسائهم يقبلون الحجاب دون تفكير، وجعلت
رجالهم يقتلون بعضهم بعضاً لاختلافهم. سيكون من المفرح لو أنّ أحدهم فقد
إيمانه بعد تلك الحادثة المأساويّة ولكن كالعادة يعتقد الناجون أنهم نجوا
بمعجزة إلهيّة.
فقط الملحد قادر على إدراك أنّه لا يمكن للنرجسيّة
والخداع الذاتي المتبع مسبقاً أن يقنعنا بأنّ الناجين من تلك الكوارث نجوا
بمحبة الله، فذلك غير مقبول عقليّاً، ولا حتى أخلاقيّاً عندما يكون نفس
الإله قد قام بإغراق طفل رضيع. فالملحد يرفض إقحام هذه المعادلة تحت مسمى
من الفانتازيا والحياة الأبديّة، الملحد يقدر بكلّ جوارحه معنى الحياة
الكريمة ويشعر بالأسى على ملايين البشر الذين يختزلون سعادتهم لأسباب غير
مقبولة ولا يمكن إثباتها.
بطبيعة الحال سيأتي المؤمنون ليؤكدوا واحداً
تلو الآخر بأنّ الله ليس المتسبب بالمآسي الإنسانيّة. كيف يمكن أن يكون
ذلك مقبولاً وأنتم تدعون أنّه كلّي العلم والقدرة؟ أما آن الأوان بأن
تتفكروا بما تقولون؟ إمّا أن يقوم الله بعمل شيء لهذه الكوارث التي لا
تفرق بين مؤمن أو غير مؤمن، أو أنّه لا يهتم لأمركم، وبذلك، في حال وجود
إلهكم، إمّا أن يكون عاجزاً أو أن يكون شريراً.
سيأتي بعضكم ليدعي
بأنّه لا يمكن الحكم على الإله من خلال معايير الأخلاق الإنسانيّة ولكن
ألا تعلمون بأنّ تلك المعايير هي التي استخدمها المؤمنين لإقامة تعاليم
الله في المقام الأول.
فأيّ إله هذا الذي يشغل نفسه بأمور ليست ذات
قيمة مثل زواج مثليي الجنس أو مكان وزمان التوجه في الصلاة. حان الأوان
لكي لا نعطي للإله الإبراهيمي أكثر من حجمه فهو ليس فقط لا يستحق أن يكون
خالقاً للكون بل لا يستحق حتى أن يكون رجلاً.
بالطبع في الحياة يوجد
سيناريو آخر يعتبر أكثر عقلانيّة وأقلّ بغضاً: الإله الإبراهيمي لا وجود
له. وكما يقول ريتشارد دوكنز نحن الملحدين أدركنا بأن الإله الإبراهيمي لا
يختلف عن زيوس وثور مع احترامي لهما. وبالتالي فالملحد هو الرحيم كفاية
للإحساس بعمق المعاناة. إنّه لأمر فظيع أن نموت جميعاً ونفقد كلّ شيء
نحبه، ولكن الأفظع أن نعاني دون داع ونحن على قيد الحياة. فأكثر معاناتكم
تعزى إلى التبعيّة الدينيّة، الكراهيّة الدينيّة، الحروب الدينيّة،
الأوهام الدينيّة، و التعاليم الدينيّة؛ مما يجعل الإلحاد ضرورة معنويّة
وفكريّة. ومع كلّ ذلك يتمّ وضع الملحد على هامش المجتمع مع أنّه يحاول
التواصل مع الواقع مقارنة مع جيرانه الذين يقومون بالاتصال بالوهم.
المقالة الأصليّة بقلم سام هاريس:
Sam Harris:
There is No God (And You Know It)