دوغما كتعريف مبدئي هي الاعتقاد أو
المجموعة المركبة من المعتقدات doctrine السلطوية التي تعطي نفسها حق
الإثبات، لا تحتاج لدليل ولا تقبل التشكيك في صحتها و من المستحيل تصور
احتمالية خطئها والتي يأخذ بها من قبل الدين، الأيديولوجيا أو أي "تنظيم".
في التعريف أعلاه أهم ما يميز الدوغما هي خاصية استحالة اللاإمكانية
Indefeasibility في خطأ المعتقد الدوغمائي. و التعريف المبدئي أعلاه - و
إن كان واثقا- خاضع للنقاش و التعديل و هو ليس تعريفا دوغمائيا للدوغما.
الفرق بين الدوغما و المُسلّمة:هنالك
فهم خاطئ للدوغما حيث يلصق أي معتقد بالغ اليقين أو " مؤكد " بالدوغمائية
، المسلمات هي أفكار لا تقبل الإثبات من عدمه أو هي مفاهيم تقبل لذاتها،
في المسلمات الرياضية مثلا هنالك مسلمات Axioms يصعب تخيل انعدام
لاإمكانيتها، تعريف و قياس النقطة مثلا و اعتبارها جزء من القطعة
المستقيمة (أو قطعة مستقيمة متناهية الصغر) مثال أخر في حقيقة وجود
الدائرة هي افتراض يسلم به ( فليس هنالك دائرة مثالية إلا نظريا) بعض
العبارات أيضا من الصعب تخيل لاإمكانيتها مثل " الأعزب هو الشخص غير
المتزوّج " هذه عبارة لا تحتاج الإثبات و من الصعب تخيل خطئها فكيف من
الممكن وجود أعزب متزوج ؟! كذلك هنالك ما يعرف بــ" الحقائق التحليلية "
مثل 1+1=2 و مجوع زوايا المثلث تساوي 180º و هي أيضا أمور يصعب تخيل
خطئها. كل ما ذكر هي أمور محددة جدا و بسيطة و أساسية كمعتقدات و هي نقاط
البدء في التحليل المنطقي و ليست نتائج مركبة على درجة من التفصيل كما في
الاعتقادات الدوغمائية التي تحوي جملة نتائج يؤخذ بها بطوباوية. الدوغما
الدينية تكون بسيطة أساسية كما في " الإله موجود" لكنها نادرا ما تنتهي
عند ذلك الحد و عادة ما تأخذ شكل " الإله موجود خلق الكون بما فيه و يتحكم
به" في هذه الحالة هنالك مجموعة من النتائج يؤخذ بها على أنها صحيحة
كمعتقد مركب غير قابل للدحض و تستحيل لاإمكانيتها. و كل ذلك الإطلاق هو
إطلاق غير مبرر إذ من الصعب جدا تخيل أن 1+1 لا تساوي 2 كفكرة على هذه
الدرجة من الأساسية و البساطة أما الدوغما فتحمل تفصيلات من الممكن على
الأقل تخيل عدم صحتها لكن ذلك يرفض بشكل أعمى أحيانا بوجود تبريرات دائرية
المنطق أو دون أي تبرير بحجة أن ذلك أمر يعتبر من اللامقبول منطقيا أو
شرعيا أو غير ذلك من إلصاقات. بالنسبة للقناعات العلمية التي تم التوصل
إليها بالاستدلال و التجربة فهي و إن كانت حقائق تم التوصل إليها بجهد و
تعب إن كانت على درجة عالية من اليقين (تسارع الجاذبية مثلا) إلا أنها
ليست من الدوغما في شيء لأنها مدعومة بالأدلة أولا و لا تنأى بنفسها عن
شرط وجود الدليل و فوق كل ذلك فهي تبقى نظريات تقبل الدحض و لذلك تتطور و
تظهر نظريات علمية جديدة فالمعرفة العلمية " مؤقتة " و يتسع صدرها للنقد و
قابلة لمحاولة الدحض إذا ما ظهر بديل مثبت و قابل للقياس أي أن
لاإمكانيتها ليست مستحيلة و ذلك يعارض أبرز شروط الدوغما. عملية التفريق
بين الاعتقادات الدوغمائية و غير الدوغمائية فيها مشكلة معيار وليست دائما
بهذه السهولة خصوصا عند الحديث في اعتقادات ليست على درجة من الأساسية و
البساطة، فمسألة انعدام اللاإمكانية قضية فلسفية حيث يعتبر الفيلسوف Quine
أن كل شي يقبل اللاإمكانية و أي حقيقة قابلة للدحض، حتى أبسط الحقائق و
المسلمات يمكن تخيل لاإمكانيتها أي قد نجد مبررات لرفض حقيقة أن 1+1=2 !
الدوغما في الأديان:معظم
المعتقدات الدوغمائية هي دينية ميتافيزيقية و تعريف الدوغما مرتبط بالدين
حيث تكون أبرز أمثلة الدوغما في الأديان، حيث المفاهيم التي من غير
المسموح التعرض لها و التي لا تعتمد على أدلة سوى عنصر الإيمان لدى الفرد،
الدوغما في الأديان شكل من الأسسية الفلسفية Foundationalism ، الدوغما
الدينية تشمل المبادئ الأساسية في صلب الاعتقاد و التي يجب على كل من يؤمن
بالدين الأخذ بها والتي تنطبق على مجمل المنظومة الثيمولوجية التي يعتبرها
الدين أساسية لدرجة أن من يشكك في صحتها أو إمكانية الخطأ فيها هو شخص
خارج هذا الدين لا يعتنقه أو شخص دخل في مرحلة شك أو ما يسمى أحيانا
"الشبهة" ، رفض الدوغما انحراف عن الدين و مثال ذلك في الأديان
الإبراهيمية كما في الوصايا العشر لدى اليهودية و دوغما حقيقة الروح القدس
في المسيحية مثلا (رفض الروح القدس كخطيئة دائمة لا تغتفر) كما اعتبرت
الكاثوليكية الرومانية أراء بابوية غير قابلة للدحض مطلقا (رغم عدم
إلوهيتها) ذلك يٌعرف بانعدام النقص البابوي Papal Infallibility و في
البروتستانتية يعتمد على "عبارات الإيمان" التي تلخص الدوغما الأساسية
وفقا لتلك الكنيسة. إسلامياً ، بالرغم من اختلاف الطوائف و الفرق
الإسلامية في عدد من المسائل الثيولوجية إلا أن الدوغما الإسلامية تنحصر
أساسا في أركان الإسلام التي من لا يؤمن بها لا يعتبر مسلماً و هي جملة
معتقدات الإيمان بالله، كتبه، رسله، اليوم الآخر و القضاء و القدر، و ذلك
مثال كلاسيكي على المعتقدات التفصيلية كجملة من النتائج التي لا تقبل
احتمالية الخطأ . الدوغما في الدين الإسلامي يمكن حصرها نظريا في منظومة
الثيولوجيا التي لا تقبل التشكيك و هي جانب " العقيدة " في الدين على
اختلاف تفسيراتها حسب الفرق و الطوائف الإسلامية. في المسيحية و الإسلام
للدوغما بعض الأمثلة الغريبة بين معتنقيها، فمن المسيحيين من يؤمن
بدوغمائية أن النبيذ الذي يشربه في الكنيسة سيتحول إلى دم المسيح في
أجسادهم بشكل فعلي! و ذلك كتفسير حرفي لنص ديني مقدس رغم أن ذلك أمر يمكن
طبعا اختباره علميا لكن مع الدوغما لا يحق لنا التشكيك في ذلك الأمر، و من
المسلمين هنالك أفراد على قناعة تامة أن الشهب هي فعلياً مرسلة نـحو جن و
شياطين تسعى لاستراق السمع!، مع أننا نعلم الآن أن ذلك لا يتعدى سوى أجسام
صخرية تدخل الغلاف الجوي و تحترق بسبب تفاعل كيميائي و تسقط بتسارع بسبب
جاذبية الأرض، التشكيك في الرواية الدينية طبعا مرفوض بسبب الدوغما، حتى
لو علم هؤلاء الأفراد كل الحقائق العلمية المرتبطة بمثل هذه المواضيع أثر
الدوغما قد يعطي الترجيح لمثل هذه الاعتقادات الدينية التي لا يزال يؤمن
بها بعض الناس حولنا الآن في القرن الواحد و العشرين. مثل هذه المشاهدات
مثال على الآثار الخطيرة للدوغما خصوصا في منطقة لم تمر بأي عملية إصلاح
ديني.
الدوغما خارج الدين:خطأ
شائع أخر هو ربط الدوغما فقط بالدين رغم أن خواص الدوغما في تعريفها ممكن
أن تنطبق على أي اعتقاد يوافي الشروط الآنف ذكرها ، صحيح أن وجود سلطة ما
هو جزء في التعريف لكن ليس بالضرورة أن يكون مصدر هذه السلطة مصدرا
دينياً. توصف عدد من المعتقدات الفلسفية و الأيديولوجيات السياسية بأنها
دوغمائية، ذلك واضح و معلن في الأسسية Foundationalism التي تعتمد على علة
أولى لا تقبل التشكيك و البحث عن الإثبات، عدد من الإيديولوجيات السياسية
(مختلفة المضمون) حملت في طياتها دوغما قوية في استحالة خطأ أفكارها
الأساسية مثل النازية و الفاشية في أطروحاتها العنصرية و كذلك الحال
بالنسبة للدوغما السياسية التي حملها عدد لا بأس به من السوفييت حيث تم
رفع أفكار معينة إلى درجة عالية من اليقين لدرجة رفض التشكيك فيها (دوغما
المصير الثوري المحتوم) ، أيضا الدوغما السياسية شوهدت بأشكال مختلفة في
العالم العربي أما الدوغما السياسية الأكثر حداثةً هي الاعتقاد الراسخ غير
القابل للمناقشة بأن الليبرالية كنسق سياسي هي النظام السياسي الأمثل
للشعوب، وغالبا هذه الليبرالية تكون مصحوبة بــ " وصفة " من الحلول
الجاهزة و المعدة سلفاً. كذلك الدوغما نشاهدها في ميادين أقل جدية في
مختلف جوانب الحياة، في الرياضة مثلا حيث التشجيع العاطفي يصل إلى درجة
الإصرار على أفضلية فريق معين بشكل دائم خلافا للنتائج الواقعية (مثال
حالة الدفاع الأعمى عن حالة "يد الإله" لمارادونا في عام 1986) و يقود ذلك
إلى العنف أحيانا و غير ذلك من مظاهر دوغمائية في عبادة البشر.
الاستخدام العصري لكلمة دوغما يعبر عن سلبية كبيرة واضحة و هو مصطلح
كريه يستخدم في النقد اللاذع للأفكار للتقليل من شأنها و يستخدم في وصف
تعنت و "غباء " فكرة ما بالقول أن صاحبها يحمل اعتقادا دوغمائياً رغم
معارضة الأدلة لذلك الاعتقاد (خصوصا في الأوساط الأكاديمية)، الدوغما و
الإطلاق في عالم اليوم أصبحت أمور مرفوضة تماما و يربط بينها و بين العنف
و التطرف و ذلك أمر واضح في إعلان الأمم المتحدة لمبادئ التسامح. المادة 3
من الفقرة 1 في إعلان الأمم المتحدة العالمي لمبادئ التسامح "United
Nations Declaration on the principles of Tolerance":
Tolerance is the responsibility that upholds human rights, pluralism
(including cultural pluralism), democracy and the rule of law. It
involves the rejection of dogmatism and absolutism and affirms the
standards set out in international human rights instruments.
"التسامح هو المسؤولية التي تدعم حقوق الإنسان، التعددية (من ضمنها
التعددية الثقافية)، الديمقراطية و سيادة القانون. و تتضمن أيضا رفض
الدوغمائية و الإطلاق و تؤكد المعايير المستخدمة في آليات حقوق الإنسان
العالمية".
حتى الأديان أصبحت تحاول جاهدة أن تنأى بنفسها عن الدوغما و مؤخرا
المراوغة أن الآخر" الكافر" المتعنت الذي لا يتفق مع أطروحات الدين هو
"دوغمائي" في رفضه " للحقائق" الدينية التي "لا جدل فيها"، طريف حقا
استخدام الدوغما في نقد و إلباس الدوغما للآراء المخالفة! لكنه أمر نفسره
بسبب الخلفية الدينية و التدين الشمولي الذي يفرض اعتقادات مطلقة في جميع
نواح الحياة و ليس فقط دوغما "فرعية" كرأي شخصي ذاتي.
الدوغما و الإلحاد:أحيانا
يٌتّهم الإلحاد بالدوغما و ذلك غالبا يبنى على فكرة أنه بما أن الملحد لا
يستطيع أن يحقق يقينا مطلقا حول وجود أو عدم وجود إله أو قوة ميتافيزيقية
فيجب عليه أن يتخذ موقفا لاأدرياً في إعلان عدم المعرفة لكن بما أنه يختار
الإلحاد كموقف فهو يتخذ ذلك الموقف بدوغمائية مثل الدين تماما لكن
بالاتجاه المعاكس، هذه الحجة تخلط تماما بين مفهوم الدوغما و بين "المعتقد
بالغ اليقين" أو الاقتناع الراسخ ، هنا يجب العودة إلى التعريف و أهم
خاصية للاعتقاد الدوغمائي و هي استحالة اللاإمكانية و طالما الفرد يقر
باحتمال الخطأ و قبول إمكانية دحض الإلحاد و أحقية نقده فذلك ليس من
الدوغما في شيء بغض النظر عن مستوى اليقين أو الثقة في ذلك الأمر، طالما
اللاإمكانية واردة عندها ذلك الاعتقاد ليس دوغمائيا و ذلك هو الأمر في
الإلحاد، فوجود ملحد دوغمائي يعني أن ذلك الشخص يعتقد بعدم وجود إله أو أي
قوة ميتافيزيقية دون أي اعتبار لاحتمال الخطأ و أن خطأ الفكرة مستحيل
الإمكان و ذلك موقف مشابه للموقف المتدين حيث احتمال خطأ المعتقدات
الدينية الأساسية غير وارد إطلاقا، المسألة بالنسبة لكل منهما هي المستحيل
كما في الحصول على رقم سبعة عند رمي حجر النرد! ازدياد قناعة شخص ما بفكرة
معينة لا يعني الاقتراب من الدوغما طالما الفكرة تضمن إمكان خطئها و
احتمال لاإمكانيتها، و بنفس الوقت مسألة القبول باحتمال الخطأ لا تعني أن
ذلك المعتقد خاطئ بالضرورة (و هذا أمر يصعب تفهمه لمن يخالف في الرأي من
أصحاب الدوغما) القبول باللاإمكانية كاحتمال لا تعني أن يتم إيقاف الحكم
أو التوجه إلى اللاأدرية فقط لعدم إمكان الوصول إلى اليقين "المطلق"
الطريف في الدعوة إلى اللاأدرية بسبب كون الإلحاد لا يدعي لنفسه باليقين
المطلق (ولذلك يجب عدم المبالغة في الثقة بصحة الإلحاد) أن مثل هذه
الدعوات تأتي من جهة تدعي امتلاك يقين مطلق يستحيل خطأه، المستغرب هنا هو
منع فعل معين و الإتيان بمثله، أليس من الأجدر أن تتخذ هذه الجهات موقفا
لاأدريا هي نفسها قبل أن تعظ غيرها من المواقف الفكرية؟! الإلحاد -
بالتعريف- لا ينبغي أن يحمل أي دوغما لكن ذلك لا ينفي وجود نوع من الإلحاد
الدوغمائي الساذج لدى بعض الأفراد و مثل هذا الإطلاق في إدعاء المعرفة
مرفوض بغض النظر عن طبيعة المعتقد إن كان إيمانيا أو إلحاديا أو غير ذلك.
من جهة أخرى الإلحاد لا يحتاج إلى الدوغما بهدف "الترسيخ" أو لتبرير
معتقدات محددة كما في الأديان و بعض الإيديولوجيات الأخرى ، فليس في
الإلحاد تداعيات معينة و لا نتائج إضافية ليس هنالك دليل عليها لكي تحتاج
إلى دوغما كحصانة تؤكدها و تمنع نقدها، و الإلحاد لا يثبت نفسه بنفسه و لا
يرغب في إدعاء ذلك و لا ينأى بنفسه عن اللاإمكانية و الخطأ و كل ذلك يعارض
أهم شروط الدوغما. الدوغما و الفلسفة العقلانية النقدية أهم مبادئ الفلسفة
العقلانية أنه حتى يوصف أي طرح بأنه علمي عقلاني و أن له معنى فلا بد و أن
يكون قابلا للدحض falsifiable أو Defeasible و سبب ذلك يعود إلى رفض
الاستقراء من الجملة الإخبارية الأحادية إلى جملة إخبارية عامة حيث سؤال
هل من الممكن استنباط أن الظواهر المشاهدة سابقا يمكن تكرارها في أحداث
أخرى لم تشاهد بعد تم إجابته بالنفي (برتراند رسل و كارل بوبر) و لذلك فمن
الممكن إجراء البديل وهو اختبار بطلان نظرية ما بالاختبار الإمبريقي
Empirical Testing بدلا من السعي نحو استنتاج صحة نظرية ما، معاملة
النظريات العلمية الأكثر تأكيدا على أنها قابلة للدحض و أن لاإمكانيتها
واردة أمر مهم في استمرار تطور النظريات حيث شكل ذلك دافعا إلى إيجاد
نظريات جديدة لتحل محلها. الفلسفة النقدية تبحث عن عيوب و انتقادات في
الاعتقادات و النظريات المتوفرة باستخدام إما الاستنباط المنطقي (كما في
صعوبة دحض فكرة أن الأعزب هو الشخص غير المتزوّج ) أو بالقياس (الاختبار)
الإمبريقي حيث يعامل المعتقد كفرضية يتم اختبارها (محاولة دحضها) بعد جمع
مشاهدات مثل الاختبار الإحصائي أو التجربة المقننة Controlled Experiment
للوصول إلى قوانين علمية بالاستقراء المبني على الملاحظة. أين الدوغما من
كل ذلك ؟ الاعتقادات الدوغمائية التي تأخذ طابعا ميتافيزيقيا كاملا تضع
نفسها خارج قوانين الطبيعة لا تدرك حسيا و لا عقليا (بحجة قصور العقل كما
هي العادة) و حينها هذه المعتقدات لا تقبل الدحض لا بالتحليل المنطقي و لا
بالقياس الإمبريقي و عندها وفقا لما ذكر أعلاه وفقا للفلسفة العقلانية هذه
المعتقدات لاعقلانية و فارغة المعنى. بالنسبة للصور غير الميتافيزيقية
للدوغما فطالما لا تسمح للنقد منطقيا أو إمبريقيا فحينها الفكرة لاعقلانية
أيضا خصوصا و أنها ليست بمعزل عن هذا العالم و قوانينه.
لماذا هنالك دوغما؟قد
يكون هذا السؤال موضوعا مستقلا للبحث يتجاوز إطار هذا النص، في سبب وجود
الدوغما، لكن وفقا لطبيعة المعتقدات الدوغمائية يمكن تعليل وجود و استخدام
الدوغما إلى العوامل التالي ذكرها أدناه، من الواضح أن هذه العوامل
متداخلة في بعضها البعض و من الممكن وجود عوامل أخرى لنظرة أكثر عمقا في
تفسير لماذا توجد الدوغما (و ذلك بحث منفصل) أسباب الدوغما تعود إلى:
- اللايقين
المعرفي: بعض الأسئلة صعبة الإجابة أو عليها إجابات مختلفة منقوصة و لم
يتمكن العلم أو الفلسفة من الإجابة عليها، عندها قد تظهر إجابة ترفض البحث
في دليل على نفسها و تمنح إجابة بسيطة سهلة النقل و التوارث، مُرضية
سيكولوجيا و ذلك إنهاء لحالة اللايقين المزعجة للبشر.
- الســـلطة
: سواء كانت سياسية، دينية أو اجتماعية أي من هذه الأشكال قد يفرض رأيا
معيّنا على أنه حق و لا يقبل الخطأ أبدا و يبقى لوقت طويل حتى يصبح مستحيل
اللاإمكانية و من " غير المقبول " نقده و بالتالي تنشأ دوغما جديدة و
تستمر.
- الرغبة النفسية البراجماتية: على المستوى الفردي بعض
المعتقدات و القرارات يتم اتخاذها وفقا للحاجات السيكولوجية دون اعتبار
للأدلة و الإثباتات فالفكرة النافعة تكون صحيحة دون اكتراث بالتفاصيل
الأخرى، (نظريات وليم جيمس) الرغبة في الحل البسيط و الإجابة الحاسمة مثال
على ذلك و غيرها من مصالح نفسية يمكن أن تتدخل في التحيز الفردي نـحو
معتقدات ذات منافع براجماتية تتحول فيما بعد إلى اقتناعات مطلقة.
- الإحباط
و التقادم: الدوغما قد تنشأ أو تستخدم كرد معاكس للأدلة العلمية التي
تعارض معتقد متقادم معين و من غير الممكن مقابلتها بحجج مقنعة، مثل هذا
الإحباط في عدم إمكانية الإثبات بمقارعة الحجج يؤدي إما إلى إرجاع ذلك
المعتقد المتقادم إلى دوغما موجودة أصلا و ذلك بهدف الإفحام و الإسكات أو
بدلا من ذلك يتم جعل ذلك المعتقد المتقادم دوغما بشكل مباشر (خصوصا مع
استخدام سلطة معينة) حيث غالباً هنالك عقوبة أو تكلفة للتشكيك في ذلك
المعتقد و لذلك يستمر لفترات طويلة أحيانا.
- عوامل اجتماعية
(الربط بالهوية): هنالك معتقدات معينة توارثت و تم غرسها في عملية التربية
(مرة أخرى قد يكون للسلطة دور بذلك) و أضحى من الصعب تخيل عدم صحتها كونها
مرتبطة بالقيم الاجتماعية المحيطة و التشكيك فيها يؤدي إلى خطر الانسلاخ
من الهوية الاجتماعية المحيطة و لذلك عندما يحرص الفرد على المحافظة على
تلك الهوية فهو ليس فقط يقبل هذه الدوغما و لا يناقشها بل يحافظ عليها و
يعززها، و هذا الأمر مرتبط بحقيقة الوراثة في المعتقدات و الأيديولوجيا و
مرتبط أيضا بقضية " تكلفة " التشكيك في ذلك المعتقد.
ككلمة أخيرة، ينظر إلى الدوغما كنقيض للعقلانية و التفكير العلمي و لم
يعد هنالك مجال للإطلاق في المعرفة ضمن عالم مليء بالنسبـية، الاعتقادات
الدوغمائية مرفوضة و خطيرة تؤجج النزاعات و توقد التطرف و تنتهي بالعنف،
خطر الدوغما منفصل عن محتويات الاعتقادات الدوغمائية، الدوغما الدينية
ظاهرة سلبية مثلها مثل وجود نوع من الدوغما الإلحادية أو دوغما سياسية
سلطوية. الخطر يكمن في الدوغما و الإطلاق و ليس في مضمون الأفكار نفسها
لأن أسوأ ما في الدوغما ليس نتائجها بل في مسح الدوغما للمنهجية العقلية
المنطقية التي من المفترض إتباعها للوصول إلى المعرفة و السعي إلى تطويرها
باستمرار، العديد من الاعتقادات الدوغمائية اندثرت لعدم إمكانية ثباتها
أمام الحقائق العلمية و الإثباتات المادية بالرغم من شدتها و قوتها في
الماضي و تعلمت البشرية من التجارب التاريخية مدى سلبية آثار الدوغما. بقي
أن نتذكر أن هنالك قاسم مشترك كبير بين المختلفين الذين لا يحملون أي نوع
من الدوغما، هذا القاسم الكبير هم - ربما - أوائل من لا يدركوه.