لم نتمكن إلى الآن من المشاركة. ولا ندري كيف يمكن لجيلنا أن يسمى جيل وحدة
تم التوقيع عليها بين منطقتين وبين رجال لا يشبهوننا.
يمكنك فهم لماذا يخرج صغار السن الذين ولد أغلبهم في زمن الوحدة، لماذا
يخرجون للتظاهر في الجنوب بكل هذا الحماس.. لأنهم لا يخشون على وحدة لا
تخصهم.
لطالما كتبت عن جيل اللابتوب والرياضة وتهكمت على الذين يقررون مصيرنا الآن
باعتبارهم كهولاً لا يزال أغلبهم يكن احتراماً عميقاً للأدوية الشعبية.
الذي يشعر بألم في ساقه من جيلنا سيفكر في كلمة (رياضة) بينما يفكر نظيره
من الجيل القديم في كلمة (مرهم).
يحضر الانترنت في وعي جيلنا ضمن أفكار (القرية العالمية الصغيرة وأحياناً
العري) بينما في ذهن القدماء الذين هم الآن سياسيو البلاد يحضر ضمن قلق
الغزو والفكر أو التجسس، ويمكن اختصاره في ذهنهم ضمن كلمة (وساخة).
تتباين الدوافع بيننا وبينهم، وتتباين طرق الإشارة للأشياء واستخدام
الكلمات ووقع الكلمات ذاتها على الذهن.
كل الذي ينجزه العالم الآن هو في الذهنية القومية (تقدم محفوف بالمخاطر
الأخلاقية). أقسم أن كثيرين من الذين يقررون مصير البلاد الآن يختصرون
العالم الغربي ضمن كلمة (نصارى).
لا أحد يشبه الآخر بما في ذلك طريقة الكراهية المناطقية وممارسة الرذائل..
يجدر بأحدنا استحضار حادثة محاولة إنشاء جمعية مقاومة الرذيلة التي قادها
حمود هاشم الذارحي وباركها أغلب القدماء في المشترك السياسي وإن لم يفصحوا
عن استعدادهم لدعم محاولة الذارحي عملياً إلا أن وعيهم الباطن بارك تلك
المحاولة ضمن ريبة هذا الوعي من مساء صنعاء المهدد أخلاقياً، ذلك أن وعيهم
أخلاقي بدائي لا يفهم، ولا يمكن التعاطي مع كلمة (جنس) أو أن ترد كلمة
(أيروتيك مثلاً) ـ الفحش هو المصطلح الخلاق في خيارات وعي الماضي.
وكأن أحدهم لم يفكر إطلاقاً في أن ما من رذيلة أصلاً في عاصمة مكتئبة إلى
هذه الدرجة.
إن أسوأ ما يمكن أن يتعرض له بلد هو في رهن مصيره بيد مجموعة لا تفهم شخصية
العاصمة.
مجموعة لا تدري شيئاً عن خارطة المدن النفسية، ولم تقرأ مطارحات ومقاربات
ما بعد الحداثة، وعلاقة طريقة البناء بمقاربات التغيير الثقافي.
يزورون معارض الكتاب وقد يطلق أحدهم على مجموعة أدبية من سلسلة مجلدات وصف
(تفاتر) أو يشتري مجموعة (العقد الفريد)، وبالتالي فمن غير المعقول
مطالبتهم بتملق هذا الجيل وحاجاته.. إذ كيف تتملق (سياسياً) ما لا تشعر
بخطره.
ذات يوم قام الدكتور ياسين سعيد نعمان بكتابة رد على مقالة سابقة لي في
صحيفة الشارع كانت عن هذا الموضوع تحديداً. وكتب ما معناه أنه يجب إدراج
حاجة هذا الجيل ضمن مشروع الإصلاح السياسي برمته.. ما أريده في هذا الموضوع
هو أن نزاهة الدكتور ياسين وروحه المتفهمة لم تعد كافية. نحتاج أن نقوم
نحن بإدراج حاجة جيلنا كما نفهمها نحن لحظة إدراجها.
حاجتنا أيضاً لوزراء كانوا يوماً في مقاعد دراستنا، لقادة أحزاب يعرفون
جيداً الفارق بين الوجود الإنساني وأهمية وجود الحزب.
وأظن المرحلة مجردة من مس الحياة إجمالاً.. عمل سياسي يغيب عنه الرجل
الحالم، سياسة تدور حول تسوية متعذرة تماماً لأنها تسعى لتقريب مطالب
الماضي ببعضها والحصول على ضمانات من ذلك النوع الذي يسعى إليه رجال يفكرون
على الدوام في متاعب السكري.
يقول فريد زكريا: "في المجتمعات الديمقراطية كل جيل جديد هو شعب جديد"،
ووفقاً لهذه المقولة يمكن رثاء جيلنا تماماً المفتقر إلى هوية التعريف في
ديمقراطية نائية لا تشبه أي شيء جديد بقدر ما هي أشبه بمحاولة رجل في
الثمانين من عمره في أن يبدو في السبعين.
سمعت يوماً أن فتى في العشرينات حمل جده من باب المسجد ليوصله إلى البيت.
كان الكهل ذلك اليوم بحاجة إلى التنزه فيما يبدو، وكان كعادته يحمل مفاتيح
كل الأبواب المغلقة على أشياء يحتاجها الشباب يومياً.
رفض الترجل عن ظهر الفتى أمام باب البيت الكبير وأراد المرور راكباً أمام
منازل الغرماء ليشعروا أن مفاتحيه لا تزال ترن على وقع خطى الفتى.
وكلما سأله الأخير (أضعك هنا) كلما رفض الكهل الترجل بحثاً عن أي مقترح
متغضن قد يخطر له.. وحينما غابت الشمس بدأ الفتى ينشج بالبكاء.