تاريخ التسجيل : 26/10/2010 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 2
07072012
الثقافة الجنسية في مجتمع الغوريللا
الثقافة الجنسية في مجتمع الغوريللا
على مر عشرات السنوات قام الباحثين بمراقبة قطعان الغوريللا في اوغندا لدراسة سلوكهم. بفضل هذه الدراسات اصبح لدينا صورة افضل واعمق لقدرات الغوريلا العقلية والسلوكية وطرق ظهورها، بما فيه حياتهم الجنسية وعلاقتها بتوفر الطعام.
عالمة الحيوان Mortha Robbins, احدى الباحثات التي عايشت قطيع واحد من القطعان لمدة عشرة سنوات. لقد قامت بدراسة عادات الغوريلا، نشوءها وكيفية تعلمها وانتقالها الى بقية افراد القطيع، ومنها عادات الطعام والجنس. سلوك قطعان الغوريلا يمكن ان تفتح لنا نافذة للنظر الى الاسباب التي تحكمت بحركة قطعان الانسان الاول.
انطلاقا من تعريف الثقافة السلوكية على انها السلوك الغير مكتسب بالولادة وانما الذي يجرى اقتباسه من تقليد سلوك بقية افراد القطيع. هذا النوع من التعلم (الثقافة) حتى الان لم يحدث ملاحظة وجوده لدى الحيوانات الاخرى عدا قطعان القرود العليا (القرد-الانسان)، مثل الشمبانزي والاورانج اوتانغ. مورثا روبينس قامت بتوثيق العديد الثقافة السلوكية لدى الغوريللا، وسنتعرض للجانب الجنسي منها.
القطيع كان ياكل نوع من النبات الشوكي يسمى (Cirsium), وحتى يتفادوا وخز الاشواك في الفم كانوا يضعونه بين اوراق شجر. احدى افراد القطيع الاناث (بيزيبو) اكتشفت تكنيك خاص بها، إذا قامت بلف النبتة الشوكية بالاوراق وجعلتهم على شكل كرة. لهذا السبب كانت الباحثة تراقبها لترى فيما اذا كان ابناءها سيرثون هذا التكنيك منها. غير انه، عام 2006، حدث ان قطيع اخر من الغوريلا قد جاء الى المنطقة، الامر الذي يعطي فرصة لاناث القطيعين لانتخاب ذكر جديد من خلال الانتقال الى القطيع الاخر. في قطعان الغوريلا يوجد هرم اجتماعي يقف على رأسه غوريللا رئيسي، " الفا". الذكر (الفا) او ولي الامر حاول بكل غيرة وعدائية عرقلة الاناث ( حريمه) من ترك منطقة عصمته والانتقال الى حريم الذكر الاخر. محاولات الذكر الغيور تعطي نتائج في عرقلة العديد من الاناث، ولكن بيزيبو نجحت في الهروب من ذكرها الغيور الغير مرغوب.
توفر الطعام يلعب دورا رئيسيا في عدد افراد القطيع وسرعة تكاثره. القطيع الذي يعيش في منطقة غنية بأوراق الشجر يعيش يصل افراده الى مابين 20-30 بدون ان تنشأ بينهم صراعات على الطعام، في حين ان القطيع في الاماكن الافقر ( وهي الغالبة) لايزيد عدد افراده عن 10، الامر الذي يساعدهم على تقاسم الفواكه التي يجدوها بدون ان تنشأ بينهم خصامات. الملاحظات تشير الى ان القطعان في الاراضي السهلية، حيث تشكل الفواكه قسم هام من مجموع الطعام، يعيشون في قطعان اصغر.
في المناطق الفقيرة تقوم الغوريللا بإضافة النمل الى قائمة الطعام، الامر الذي ادهش الباحثين. لماذا تحتاج الغوريلا الضخمة الى قضاء وقت طويل في جمع النمل الصغير؟ الباحث Cloé Cipoletta اكتشف ان غوريلا افريقيا الجنوبية ايضا تقضي وقت طويل في جمع النمل. الملاحظات تشير الى ان كمية الطعام وتنوعه له اهمية كبيرة في تقرير سلوك القطيع. لقد ظهر وجود ارتباط مباشر بين كمية الطعام وكمية عدد الاناث في القطيع، إذ كلما زادت كمية الطعام في المنطقة كلما ازداد عدد الاناث في القطيع. هذا الامر لايؤثر على الترتيب الهرمي للقطيع، لان عدد الاناث هو الذي يقرر عدد الذكور الذي ينبغي لهم ان يبقوا في القطيع.
مارثا روبينس اكتشفت ان القطيع الذي تراقبه يتضمن، إضافة الى الذكر الفضي المُتسييد بشكل رئيسي يوجد ايضا بضعة ذكور اخرى قادرة على التلقيح، بل وفي العديد من الحالات وجدت حتى ذكر فضي اخر (بيتا) في منزلة نائب السيد القائد . هذا الامر يوجد فقط في القطعان التي تعيش في مناطق غنية باوراق الشجر وليس في مناطق آكلة الفواكه او المناطق السهلية التي لاتملك غابات، هناك يكون تعدد الذكور البالغة، في قطيع الحريم الواحد، امرا نادر للغاية.
كيف يحدث ان يقبل الذكر الغيور بوجود ذكور اخرى تشاركه حريمه؟ لقد ظهر ان السماح بوجود ذكور ثانوية يقدم افضليات للذكر الرئيسي، الاناث، يفضلون الممارسة مع اغلب الذكور بدون تعيين، متجاوزين رغبة الذكر الرئيسي في حفظ نسبه. تكتيك الممارسة مع جميع الذكور تتبعه الاناث من اجل بلبلة الذكور حتى لايعرفوا اي الاطفال هو من نسلهم. اهمية هذا الامر مرتبط بسلوك ذكور الغوريلا. عندما يضعف الذكر الرئيسي ( ولي الامر) سيقوم نائبه بتنحيته والحلول محله، وعندها لن يقوم بقتل الصغار، لان قسم منهم يمكن ان يكونوا من نسله. لو لم يكن هناك نائب فإن الذكر الذي سينحي الضعيف سيكون قادم من قطيع اخر، ولذلك سيقوم ، بالتأكيد ، بقتل جميع الصغار لكونهم ليسوا من نسله، ومن اجل جعل امهاتهن قادرة على الحمل منه سريعا. لهذا السبب من مصلحة ولي الامر ايضا ان يكون له نائب على قطيع الحريم، لانه لن يقوم بقتل الصغار واغلبيتهم من نسله. الثمن الذي يدفعه ولي الامر على هذا التكتيك هو ان يكون هناك 15% من الصغار ليسوا من نسبه.
في بعض الاحيان لايكتشف " ولي الامر" ان بعض اناث حريم (ه) قامت بممارسة الجنس مع ذكر اخر، وإذا لاحظ ذلك فإن ردة فعل الذكر "ولي الامر" مختلفة. احيانا لايهتم على الاطلاق، واحيانا اخرى " تصعد الغيرة" ويصبح عنيف يطالب بالثأر لشرفه المباح، ولكنه يكتفي بالصراخ كمن يقول " استطيع معاقبتكم اذا اردت".
صغار الذكور في القطيع عليهم ان يختاروا بين البقاء في القطيع والقبول بخضوعه التام والارتقاء ببطئ في السلم الهرمي الى ان يصل الى الوقت الذي يستطيع فيه تحدي " ولي الامر" في معركة مفتوحة، او يترك القطيع الى قطيع الذكور الشباب، الذين يتجولون بالغابة، وعند سنوح الفرصة يتحدون اولياء الامور في قطعان اخرى يلتقون بها او يحاولون سبي بعض الاناث من قطيعهم.
الاناث من جانبهن لديهن سلوك اخر، انهن يراقبون المتصارعين ويتركون المنهزم يلعق جروحه ليتجهون الى المنتصر معلنين تنصيب ولي الامر الجديد، الذي يبدأ على الفور بالقيام بواجباته المقدسة . الذكور الاقل منزلة يقومون على الدوام بالصراع بينهم من اجل فرض الهيبة لتاهيلهم لقبول ولايتهم في المستقبل. ليس من النادر ان يستنجد المتصارعين بالذكر الرئيسي الذي يقوم بالتتدخل لفرض الهدوء، ولكنه يتتدخل ضد الضعيف وبالتالي في صالح الاقوى الذي تزداد مكانته قوة. هذا الامر يجعل الاقوى يتحدى منافسيه بإستمرار من اجل استغلال تتدخل ولي الامر لتذكير المنافسين بأفضلياته، الامر الذي يحسن فرصه لتمرير خلافته وفرضها، في المستقبل.