الأدب ليس سوى لغة ونظام من الإشارات - رولان بارت وإشكالية النقد
إن ارتباط اسم رولان بارت بحقول الألسنية وتفرعاتها البنيوية والسميولوجية
، وانقلاباته المستمرة إلى كثير من المفاهيم والمبادئ التي آمن بها جعل
منه ناقدا مشاكسا ، بل مزعجا في كثير من الأحيان بالرغم من أن مؤلفاته
التي تقارب الخمسة عشر كتابا لم تكن كلها في مجال النقد الأدبي ، وربما
كان هذا في حد ذاته جانبا من جوانب الإشكالية نفسها ، بحيث صار تنوع
المجالات التأليفية التي يمارسها يشكل عبئا ثقيلا يفرض على القارئ تشتتا
معرفيا ، عليه أن يعيد نظامه بطريقة جدلية ما ليصل إلى قناعة معينة
بمنطقية التفكير البارتي ، وإلا فإن العبث سيكون سمة أساسية لتلك
الكتابات.
لعل أشهر نص نقدي أنتجه بارت يتمثل في كتاب "الدرجة الصفر للكتابة" الصادر
عام 1953 م ، والذي يبدو فيه ، للوهلة الأولى ، مؤسسا لنظرية جديدة قائمة
على قواعد (سوسيرية) ، حين يصرح بالرغبة في (رسم تاريخ للغة الأدبية ليس
هو تاريخ اللغة ، ولا تاريخ الأساليب ، بل مجرد تاريخ لإشارات الأدب).
ويبدو بارت واضحا في توجهه السيميولوجي الإشاري ، وهو التوجه الذي عمل على
تأكيده وتطويره باستمرار ، غير أن الذكاء النقدي لدى بارت لا يسمح له
بالوقوف عند هذا الحد ، ففي هذا الكتاب نفسه ، وهو بلا شك نص نقدي مبكر ،
يؤسس رولان بارت لمقولات نقدية غاية في الأهمية ، وليس من المغالاة القول:
بأنها صارت مقولات أساسية في التفكير النقدي الحداثي في مجاليه
النظري والإجرائي ، وأهمها تفريقه بين مصطلحات أساسية كاللغة والكتابة
والأسلوب ، وتحديده لنمط من اللغة يمكن وصفه باللغة الصافية أو اللغة
البكر للكتابة ، وهي "لغة مكتفية بذاتها لا تغوص إلا في المثيولوجيا
الشخصية والسرية للكاتب ، تغوص في تلك الفيزيقا السفلى للكلام حيث يتكون
أول زوج من الكلمات والأشياء" وهنا تبرز إشكالية أساسية ليس على مستوى
الفهم البارتي للنقد فحسب ، وإنما على مستوى مناهج ما بعد الحداثة النقدية
ألا وهي إشكالية اللغة ، وفيما يخص رولان بارت فإن اللغة لديه وجود وعدم
في آن واحد ، بمعنى أن اللغة هي النص وهي الخطاب وهي العالم ، فالأدب في
نظره "ليس إلا لغة ، أي أنه نظام من الإشارات ليس كائنه في محتواه ، ولكنه
في هذا النظام" وهذا هو الوجود الحقيقي للغة ، لذلك يؤكد بارت أن "النقد
لا يسعه أن يدعي ترجمة العمل الأدبي إلى صيغة أوضح ، إذ لا صياغة أوضح من
العمل الأدبي ذاته" بينما تتحقق الصفة العدمية للغة حين تصبح الكلمات خدما
لمعان ومدلولات كامنة ومستقرة الأمر الذي يحقق الوجود التاريخي للغة دون
أي وجود شخصي أو ذاتي يتمتع به الأديب أو الفنان ، وهنا تبرز إحدى حالات
التناقض النقدي عند بارت حين يؤكد ضرورة السعي وراء المعنى في لغة القص .
بينما كان مصرا في أعماله السابقة على ضرورة أن يوسع الناقد أفقه بحيث
يؤمن أن "العمل الأدبي لا يمكن إخضاعه أو تحديده أو توجيهه بأي موقف معين
، كما أنه لا يمكن الاستدلال على معناه من ظروف الحياة العملية وأحداثها"
فبين المعنى واللامعنى يراوح برت متخذا من تقلباته الفكرية ، والطبيعة
اللايقينية للفكر البشري ذريعة لتدمير العديد من الطروحات النقدية لنقاد
الحداثة وما بعدها ، التي كان هو أحد مقترفي إثمها ومنظريها الأساسيين ،
وأكتفي بالإشارة هنا إلى أن الناقد الذي يؤكد صرامة أنظمة الإشارات داخل
الحقل الأدبي وخارجه هو نفسه الذي يقول:
"منذ سنوات قليلة خلت كان النقد لا يزال فعالية محض تحليلية ، فعالية
عقلانية تخضع لنوع من الأنا العليا التي تتصف بصفات النزاهة والتجرد
والموضوعية ، ولقد رغبت بالنهوض في وجه هذا النوع من المقاربة النقدية".
أي إن بارت يرى ضرورة العودة إلى التعاطف مع النص ، ويرى أن هذا التعاطف
يعمق علاقة الناقد بالحقيقة ، أي حقيقة النص نفسه وهذه هي لعبة النقد لدى
بارت. خصص "بارت" لتحديد مفهومه للنقد مقالاً نشر عام "1963" في litterary
supplement Times بعنوان "ما النقد؟" ، وهو المقال الذي أعاد نشره ضمن
كتابه "مقالات نقدية" الصادر عام 1964 ، إلى جانب كتابه الذي صدر عام 1966
، بعنوان: "نقد وحقيقة.
ولقد حدد النقد بقوله: "النقد هو خطاب حول خطاب ، لغة ثانية ، أو لغة
واصفة (meta - langage) "كما يعرفها المناطقة" يتناول اللغة الأولى (أو
اللغة - الموضوع) (1) يكون النقد في ظل هذا التعريف قائما على علاقتين:
1 - علاقة الناقد بلغة الكاتب.
2 - علاقة الكاتب بالعالم. ولا بد من الإشارة إلى أن "بارت" وهو يعيد
التفكير في النقد ، قام بمراجعة للنقد القديم ، ومفهوم النقد عينه ،
وقواعد كتابته. وهي مراجعة ترتبط بنقطتين هامتين هما :
1 - الوضع التاريخي السياسي المعاصر العالمي ، والفرنسي خاصة.
2 - التاريخ الأدبي. فمن جهة التاريخ السياسي ، أخذت بعض الدول المستعمرة
استقلالها ، وهو استقلال هدد المركز الاستعماري ، ومفهوم المركز بعامة.
وأما من جهة التاريخ الأدبي ، فقد ظهرت أعمال أدبية جديدة لتبرهن على تشقق
الكيان الكلاسيكي للعمل الإبداعي.
(2) وقد تجلى ذلك بظهور مجلة تيل كال (كما هو) التي تم تأسيسها على يد
"فيليب سولرز"التي كانت تسعى إلى تثبيت لغة جديدة بهدف القضاء على أنساق
النظام المهيمن في أوروبا ، ومن أجل إعادة الاعتبار إلى المبدعين الذين
سقطت أسماؤهم من خريطة الإبداع أمثال: كافكا ، ناتاي ، عزرا باوند ،
وغيرهم.وكان اعضاؤها من اشهر اعلام النظرية الأدبية المعاصرة في فرنسا
والعالم ، امثال تودوروف ، وجاك لاكان ، وكريستيفا ، والتوسير ، وفوكو ،
وديريدا وبارت.
(3) لقد تبين لبارت أن النقد الكلاسيكي يعتمد على محتمل نقدي معين ، فما
المراد بالمحتمل النقدي؟ يريد "بارت بالمحتمل النقدي ، مجموعة القواعد
التي تحدد عمل الناقد ، وهي حسب رأيه ، تنحصر في ثلاث نقاط: 1 -
الموضوعية. 2 - الذوق. 3 - الوضوح. يتأسس ، من هذه القواعد ، إذن ،
المحتمل النقدي (Le vraisemblable critique) ، فيكون للناقد بمثابة المبدأ
قبل أن يكون بمثابة الطريقة ، ثم لا تقوم الطريقة إلا على أساسه ، مما
يصيّر الناقد محكوما بيقينه لا بفكره ، ويغدو بناؤه النقدي كامناً في حيزه
العملي.
و في ظل هذا الفهم نظر النقاد الكلاسيكيون إلى العمل الأدبي ، أمثال: سانت
بيف Saint - Beuve)) ، وهيبوليت تين (Hipploytetaine) ، وفرديناند
برونتيير (Frdinand Brunetiere) (وغوستاف لانسون (Gustave Lanson) وليس
مهما عندهم العمل الأدبي إلا بقدر ما يضيء حياة صاحبه ، ونشأته ، وتوطيد
التواصل بين الماضي والحاضر في العملية الأدبية: وهو الأمر الذي جعل النقد
يصطبغ بطابع وثائقي وسير ذاتي ، لا تمثل فيه اللغة إلا مستودعاً لمعان
جامدة ، يقوم القاموس على تحديدها ، ويعني هذا إسقاط تعدّديّة المعنى ،
ودراسة لغة المبدع بوصفها مرآة ، تبلور تطابقاً كاملاً بين حرفية النص
ونوايا المؤلف.
نستنتج من كل ما سبق ، أن النقد الكلاسيكي حسب رأي بارت ينحصر في خيارات
معينة وإذا كانت هذه ، هي السمات العامة التي حدت مفهوم النقد الكلاسيكي ،
فما موقف بارت منها..؟
يبدو موقفه رافضاً رفضاً قاطعاً لنظام الأولويات الذي سيطر تقليدياً على
العلاقة بين النقد والأدب: ذلك بأنه يعد النقد عملية صعبة ، تقوم في
جوهرها على حل الشفرة الموجودة داخل النص .
ولا بد من الإشارة إلى أن دعوة بارت هذه سبقتها دعوة أخرى رافضة للمفهوم
السلبي للنقد ، وهي دعوة الكاتب "نورثرب فراي" (N. frye) في كتابه "تشريح
النقد الذي عد دراسة العمل الأدبي هي موضوع النقد ، دون أن يعني ذلك ،
النظر إليه على أنه نشاط طفيلي ، ينمو بجوار شجرة الأدب: أو عده فناً من
الدرجة الثانية. وإذن ، في مثل هذا الفهم ، ذهب بارت إلى القول بأن بعض
الدراسات الأدبية ليست نقداً بل هي مجرد سيرة ذاتية ، مثل: دراسة
(Painter) ، عن بروست Marcel Proust ، التي ظهرت عام 1959 ، والتي قال
عنها: "إنها سيرة ذاتية مكتوبة بشكل رائع".
ولذلك ، حين جاء إلى دراسة أعمال "راسين قام بتحليلها دون أن يستند إلى
أنظمة قائمة سلفاً ، حيث لم يتعرض لدراسة "راسين" الإنسان" ، أو البحث عن
ظله في أعماله ، ولكنه اهتم به من حيث هو مرسل لخطاب مكتوب . ويعني هذا
عدم انشغال النقد بكل ما يمثل خارج العمل الأدبي ، والتعامل مع الأنظمة
الكامنة في العمل نفسه ، وقد أوضح بارت منهجه بقوله أنه وضع نفسه داخل
عالم "راسين" المأساوي ثم حاول وصف سكانه.
ويؤدي مثل هذا السلوك إلى النظر إلى العمل الأدبي من حيث هو واقعة
أنثروبولوجية ، وليس واقعة تاريخية ، وهنا تظهر الكتابة بمظهر النظام الذي
يدير نفسه ذاتياً. وتكون مجدية عند إخضاعها هي نفسها لمنظومة الأجوبة التي
تطرحها. ولذا نجد بارت يرى في "راسين" الدرجة الصفر للنقد: ذلك بأنه يتيح
فرصة تعدد القراءات ، و "بارت نفسه قد جمع في دراسته بين ثلاثة محاور:
الأنثروبولوجيا ، والبنيوية ، والتحليل النفسي. وتكون ، من هنا ، الكتابة
هي عملية إنتاج فارغة ، تترك مهمة الاستكشاف للقراء مما يجعلها لا تكون
حاملة للحقيقة ، ولكنها لا تكف مع هذا أن تكون ملتقى المنظورات المتباينة.
وههنا ، موضع تأمل ، حيث يبدو الاستكشاف الأساسي الذي توصل إليه "بارت هو
أن الحقيقة لا وجود لها في النقد.وربما كانت هذه نقطة التقاء مهمة بين
سارتروبارت يستثمرها للخروج بقضية ( المعنى المؤجل دائما )(4) اضافة الى
ذلك يربط بارت بين الصمت والكلام "فأكثر فترات النفس غنى هي فترات الصمت
والأول لا يكون واضحاً بدون الآخر. ولعل هذا السبب كان وراء قول بارت إن
الأدب مثل الفسفور: يلمع أكثر في اللحظة التي يحاول أن يموت فيها"(5) وهو
أمر التفت إليه الكاتب الإيطالي "امبرتوايكو" (Umberto Eco) في كتابه
"القارئ في الحكاية ، وتناوله تحت مصطلح "المسكوت عنه" الذي يعني عنده عدم
ظهور كل الدلالات على مستوى سطح النص الأدبي.
ولا نجانب الصواب إذا قلنا بأن هذا التعظيم من شأن الصمت ، نجد له إشارات
في فكرنا العربي القيم حيث عد الصمت دوماً أبلغ من الكلام. إذن ، لا وجود
للحقيقة في النقد ، ويعني هذا من جهة نظر "بارت أن النص الأدبي نهاية لا
تزال تبدأ ، وبدء لا ينتهي. وهذه هي الرؤية التي ارتكز عليها في تحليله
البنيوي للعمل السردي ، حيث ميز بين الخطاب الحكائي وبين الجملة اللغوية.
ولا تشكل اللغة ، في هذا الإطار ، إلا مادة أولية ، ولا ترتبط بها دلالة
السرد ارتباطاً مباشراً مما يجعل الطبيعة اللغوية للخطاب الحكائي تختلف ،
وتتجاوز في الوقت نفسه لغة الجملة. ويعني هذا أن الأدب يقوم على اللغة ،
ولكن طبيعة العلاقة باللغة في الأدب تختلف عن تلك التي تربطنا بها
ممارستنا اليومية".(6) يقوم النقد ، إذن ، على فهم ارتباط الأدب ببنية
اللغة من حيث هي بنية ترتبط بماهية الأشياء ارتباطاً اعتباطياً ، ومن هنا
منشأ الانفتاح الذي ينعكس بدوره على الأدب فيبقى على الدوام منفتحا على كل
الأسئلة.وصانعا لاقصى آفاق المتعة ، "تلك التي توصف بانها ثقافية ومحكومة
بعدد من القوانين والقواعد(7) ونتيجة لذلك ، فإن القصة لا تقدم رؤية معينة
، وإنما هي مغامرة لغوية - في نظر بارت - وقد ميز في تحليله بين ثلاثة
مستويات: 1 - الوظائف. 2 - الأحداث. 3 - السرد. وهذه المستويات يرتبط
بعضها ببعض حسب الاندماج التتابعي ، وقد ارتكز في ذلك ، على من سبقوه مثل:
بروب ، وبريمون ، وغريماس. وإضافته لمثل هذا النوع من التحليل ، تتعلق
بالاهتمام الكبير بالوظائف الأكثر دقة في الحكي انطلاقاً من اعتقاده بوجود
الدلالة في كل عنصر من عناصر القصة. ولذا كان من الطبيعي أن يتخذ البنوية
منطلقاً إجرائياً يعمل من خلاله: لأن موضوعنا ، كما يراه: ليس الإنسان
الغني بمعان معينة ، وإنما الإنسان صانع المعاني. ولا بد لنا ، في هذا
المقام ، أن نتبين مفهوم بارت للبنيوية.
هل البنيوية فلسفة؟ أم مدرسة؟ أم منهج خاص من مناهج البحث العلمي؟.. لقد
أقلق هذا السؤال جمهوراً من الفلاسفة والباحثين ، وأدى إلى بروز نقاش حاد
بينهم.
فقد اعتبر "جان بول سارتر" ، البنيوية إديولوجيا جديدة ، وآخر سلاح ضد
ماركس ترفعه البورجوازية ، ورأى فيها الفينومينولوجي "ميشيل دوفرين" ،
وضعية جديدة ، لا وجود للإنسان فيها ، كما ذهب "روجيه غارودي" ، إلى عدها
فلسفة تعلن موت الإنسان أما الكاتبة الروسية "ساخاروفا" فتذهب إلى أنها
منهج في المعرفة العلمية سببه التطور الثقافي في النصف الثاني من القرن
العشرين".
(8) وأما بارت فقد أوضح موقفه في مقال بعنوان: "النشاط البنيوي" ظهر عام
1963: بين فيه أن البنوية نشاط ، وليست مدرسة أو حركة: لأن كل الذين
انضووا تحت لوائها ، لا تجمع بينهم أواصر نظرية خاصة ، وكل ما يربطهم هو
مصطلح البنية ، الذي تستعمله مختلف العلوم الإنسانية.
يرفض بارت إذن ، كون البنيوية مدرسة ، أو حركة فكرية ، فماذا يعني هذا
الرفض؟ 1 - البنوية ليست فلسفة ، لأنها تقدم تصوراً للعالم خاصاً بها.
2 - البنوية ليست منهجاً: لأنها تمتاح من مختلف مناهج العلوم ، ولأنها لا
تؤمن بحقائق نهائية مطلقة. البنوية في نظره ، إذن ، مجموعة عمليات ذهنية ،
تسمح بإعادة بناء الموضوع المدروس ، بهدف معرفة القواعد المؤسسة لبنائه.
ويتضح لنا ، مما سبق أن بارت لا يطالب الكاتب التزام الحقيقة. ولذا فقد
تعرض لدراسة أعمال ميشلي (Michelet) فاتحاً درباً جديداً لمقاربة هذا
المؤرخ الفرنسي. وهي مقاربة تنسف التصور القديم لرسم حدود دائرة الأدب.
وتبعاً لذلك فإن "ميشلي" ، هو كاتب عظيم بين كتاب آخرين. إن عمله بالنسبة
لبارت هو عمل إبداعي بالدرجة الأولى ، لا لأنه اهتم بالحقيقة التاريخية ،
والتزم بها ، وإنما لأنه كان يهتم بكيفية طرحه للحقيقة التاريخية. وهل
يعني مثل هذا التناول ، أن كل ما يكتب هو أدب؟
ويتضح بهذا أن الكاتب يخلق في اللغة حيوية مستقلة ، وكتابته تحرك بدءاً من
ذاتها ، من اكتفائها بذاتها ، ولا تحرك بموضوعها أو بأي عنصر خارجي عنها:
إنها تتوالد من طاقتها اللغوية الخاصة. إن النقد عند بارت هو على عكس ذلك:
لأنه لا يستطيع إلا أن يكون "مكملاً للإبداع ، أي مجرد وجه من وجوهه ،
يماشيه طوراً ، ويجاوزه طوراً آخر: ولكنه يظل دائراً في فلكه أبداً دون أن
يفرض عليه وصايته الأبوية فيزعم له: أنه جيد أو رديء ، وأسوأ من ذلك: أنه
صحيح أو مزيف"(9).
فالنقد ما هو الا قراءة ، والناقد يقرأ النص كتوضيح للكتابة ومحاولة
لمعرفة الطرائق التي كتب بها ، والتفاعلات اللغوية التي تمت داخل النص ،
والوحدات التي استخدمت في بنائه فضلا عن النصوص الممتعة التي تجعل القاريء
ـ الناقد يعيد كتابتها اثناء قراءته(10) وهذه صياغة جديدة لمفهوم النقد ،
تصدر عن ناقد على درجة عالية من المعرفة ، وهو يصدر عن فكر ذي مزاج
انقلابي يسائل كل شيء ولا يسلم بسهولة لاي فهم مسبق للاشياء ، انه الفكر
الذي شهد له ادوارد سعيد بالتجديد والابداع والتنظيم(11)