باختصار تهديد متصاعد: في عام 2009 بينما كان وباء الإنفلونزا خفيفا ظاهريا، ليس لدينا أي وسيلة لمعرفة ما إذا كان الوباء التالي تكرارا أو مشابها إلى حد كبير جدا للمرض القاتل الذي حدث في عام 1918. التحذير المبكر: طور الباحثون - بعد ذعر إنفلونزا الطيور في عام 2007 - برامج رصدٍ جديدة مناسبة لاكتشاف الڤيروسات التي قد تكون مميتة، والتي قد تنتقل من الطيور إلى البشر. الجانب المستتر: أكد وباء عام 2009 احتمال أن يأتي التهديد الأكبر من الخنازير وليس من الطيور؛ لأنه في العادة من الأسهل لڤيروسات الخنازير أن تنتقل إلى البشر. العائق: هناك اعتبارات اقتصادية تعيق جمع العينات الڤيروسية من مزارع الخنازير في الوقت المناسب, وهذا يزعج موظفي الصحة الذين يرغبون في أن يكونوا أكثر استعدادا للوباء التالي. |
في عام 2009 بدا وباء pandemic
الإنفلونزا وكأنه قادم من مكان مجهول. لقد ظهر فجأة كوباء قاتل في المكسيك
ثم انتشر شمال الحدود. وبحلول الوقت الذي اكتشف فيه موظفو الصحة أن
الڤيروس المسؤول عن الانفجار المخيف للإصابات كان ڤيروسا جديدا يهدد
بالعدوى معظم الجنس البشري, أدركوا أنه ليس لديهم طريقة لمنعه من الانتشار
حول العالم. ومن حسن الحظ, كانت الأعراض خفيفة في الغالبية العظمى من
الحالات. ولكن ماذا سيحدث إن لم نكن محظوظين في المرة القادمة أيضا؟
هذا
التساؤل يشغل فكر علماء الإنفلونزا والمعنيين بالتخطيط للصحة العامة وهم
يستعدون للوباء الكبيرالقادم. وسيكون هناك وباء آخر؛ إذ إن الطفرات تطرأ
باستمرار على ڤيروسات الإنفلونزا. وهذه التغيّرات تؤدي أحيانا إلى نشوء
ڤيروسات مختلفة جدا عن التي عرفتها أجهزتنا المناعية، لذا تكون قادرة على
بثّ موجات عالمية من المرض أو الأوبئة. وقد يوجد، في يوم ما، لقاح يمكنه
أن يدرأ خطر جميع أنماط الإنفلونزا؛ ولكن يبقى مثل هذا اللقاح حلما حتى
الآن. ويمكن لمثل هذه الڤيروسات الجديدة أن تهاجمنا - وسوف تهاجمنا –
قادمة من الطيور أو الخنازير أو حيوانات أخرى. إن أفضل ما يمكننا فعله هو
محاولة اكتشاف الغزاة الجدد بشكل مبكر بما فيه الكفاية لإحداث قفزة في
إنتاج لقاحات ضد هذه الجراثيم bugs النوعية، ولتقصير الفترة الفاصلة بين الإصابة الأولى والتحصينات الجماعية. لا أحد يرغب في تكرار ما حدث في عام 2009 عندما وصل اللقاح في الوقت الذي كان فيه الوباء في ذروته، وكان الاهتمام العام قد تضاءل.
ولكن
يمكن اكتشاف التهديدات الجديدة فقط إذا عرف العلماء ما هي الڤيروسات التي
تنتقل بين الأنواع - الطيور والخنازير- والتي من المحتمل أن تكون مصدرا
لأوبئة جديدة. وفي حين تحسن الرصد في الطيور خلال السنوات الخمس أو الست
الأخيرة، والفضل في ذلك يعود إلى الاهتمام بإنفلونزا الطيور (الڤيروس H5N1)، إلا أن العلماء لا يعرفون إلا القليل جدا عن الڤيروسات التي تعدي ما يقرب من 941 مليونا من الخنازير المستأنسة في العالم.
من
غير المرجح أن يبدأ الرصد المركَّز لڤيروسات الخنازير في وقت قريب، فمعظم
البلدان المنتجة للحم الخنزير لا تختبر خنازيرها على الإطلاق؛ وفي بعض
البلدان التي تقوم بذلك كالولايات المتحدة، يجرى هذا الاختبار لمصلحة
منتجي لحم الخنزير الذين لديهم حافز اقتصادي ضئيل لمشاركة الآخرين فيما
يكتشفونه. السبب؛ يعرف أصحاب مزارع الخنازير أن أسعار لحوم الخنزير تهبط
بشدة عندما تشير الأخبار إلى العلاقة بين الإنفلونزا والخنازير. وقد أنشأت
الهيئات الحكومية في الولايات المتحدة برنامجا تأمل بأن تستخلص منه
البيانات اللازمة من دون تهديد مصادر رزق المنتجين؛ إلا أن الكثير من
خبراء الصحة البشرية يتخوف من أن الحلول الوسط الموضوعة لإرضاء أصحاب
مزارع الخنازير قد تعرقل هذه الجهود.
ازدياد معدلات الطفرة
(**) يمكن أن توصف الخنازير بأنها كعب أخيل
(1)[نقطة ضعف] في الرصد العالمي للإنفلونزا. فبالنسبة إلى الحيوانات ولمربيها
لا تشكل الإنفلونزا أكثر من مجرد إزعاج وليست تهديدا خطيرا؛ فهي تسبب في
العادة أعراضا خفيفة فقط في الخنازير. بل إن إنفلونزا الخنازير ليست مرضا
واجب التبليغ عنه، وفقا لتصنيف الأمراض التي تعتبر تهديدا للصناعة ككل مثل
الحمى القلاعية (داء الفم والقدم أو جنون البقر foot-and- mouth disease). ومن ناحية أخرى، يمكن أن تسبب ڤيروسات إنفلونزا الخنازير مشكلة كبيرة لعموم السكان؛ لأن الخنازير تعتبر بوتقة crucible
جينية لڤيروسات إنفلونزا جديدة إذ إنها يمكن أن تصاب بڤيروسات إنفلونزا من
الطيور أو من خنازير أخرى أو من البشر، وتوفر الخنازير بذلك فرصا ملائمة
لخلط الجينات في تواليف combinations جديدة تعرف بالمتفارزات الجديدة reassortants. ويُخْشى أن تكون هذه الڤيروسات المهجنة hybrid شديدة العدوى للبشر، لأنه وبفعل غرابتها قد تسبب مرضا خطيرا متى ما أصابت الإنسان.
منذ بداية وباء عام 2009،
حاول العلماء أن يعرفوا كيف نشأ الڤيروس المسؤول عن الوباء وأين حدث ذلك.
ولما كان حل اللغز مازال يفتقد إلى الكثير من التفاصيل فإن جلّ ما توصل
إليه العلماء يؤكد الحاجة إلى اليقظة.
إذ بقيت ڤيروسات الإنفلونزا التي تصيب الخنازير - ولعدة عقود - مستقرة إلى حد كبير. وقد كانت منحدرة جينيا من ڤيروسات الإنفلونزا A التي سببت وباء الإنفلونزا الإسپانية في عام 1918, وباء قتل أكثر من 50 مليون شخص. وتسمى هذه العائلة family من الڤيروسات H1N1: H ترمز إلى الهيماتوگلوتنين (الراصة الدموية) hemagglutinin و N ترمز إلى النيورامينيديز neuraminidase،
وهما الپروتينان الموجودان على سطح الڤيروس المعدي، واللذان تستخدمهما
المختبرات – والأجهزة المناعية - لتمييز ڤيروس من آخر من ڤيروسات
الإنفلونزا (وهناك 16 مجموعة من الپروتينات H و9 مجموعات من الپروتينات N). وقد أصابت سلالات بعيدة الصلة من هذه الڤيروسات البشر لعقود منذ وباء عام 1918. هذا وقد تطورت تنويعات الڤيروسات variants
الخنزيرية – والتي تعرف بڤيروسات النزلة الخنزيرية التقليدية - بشكل أبطأ
بكثير من التنويعات البشرية. إلا أن هذه الصورة تغيّرت خلال السنوات
الاثنتي عشرة الماضية بشكل كبير. فلأسباب مجهولة بدأت ڤيروسات الإنفلونزا
في الخنازير بالتطور بمعدل سريع جدا في أمريكا الشمالية، حيث تُربّى أعداد
كبيرة من الخنازير.
وفي الحقيقة، تعتبر الولايات المتحدة ثاني أكبر منتج للخنازير في العالم بعد الصين؛ فقد تَمّ ذَبْح 115 مليون خنزير في مسالخ الولايات المتحدة في عام 2009.
وتختلف مزارع الخنازير التجارية من حيث الحجم وطريقة الإدارة. وتفصل
الكثير من الإدارات هذه الأيام الحيوانات حسب طور النمو؛ حيث توضع إناث
الخنازير الحوامل بعيدا عن الخنانيص (مفردها: خِنَّوْص وهو ولد الخنزير)
على سبيل المثال لمنع انتشار الأمراض المهددة للربح.
الاستنساخ والمتفارز الجديد خلط أوراق جينات الإنفلونزا(***) إن ڤيروسات الإنفلونزا متكيفة جيدا مع التطور السريع. ولكن يجب عليها أن تعدي خلية واحدة أولا، لأنها غير قادرة على استنساخ Replication ذاتها. يظهر الرسم البياني في الأسفل كيف ومتى تدخل ڤيروسات الإنفلونزا الخلايا البشرية، وفي أي ظروف يمكن للسلالات المختلفة أن تختلط وتتقابل جيناتها معا منتجة أنماطا جديدة وخطرة. العدوى والاستنساخ من أجل أن يعدي ڤيروس للإنفلونزا البشرَ، يجب أن يرتبط پروتين راصته الدموية (الهيماگلوتينين) بالمستقبلات على الخلايا المضيفة للجهاز التنفسي. تمتص الخلية المكون الكامل للجينات الڤيروسية الثمانية، والتي بدورها توجه الآلية الخليوية لإنتاج مزيد من الجزيئات الڤيروسية. خلط الجينات عندما تصاب خلية واحدة بعدوى من سلالتين مختلفتين من الإنفلونزا، يمكن أن تختلط نسخ من الجينات الڤيروسية من كلتا السلالتين ببعضها ثم تفرز من قبل الخلية على هيئة ڤيروسات جديدة، من دون أخذ بنيتها الأصلية بعين الاعتبار. ويظهر في الشكل ذرية واحدة فقط من سلالات متفارزة جديدة مختلفة ممكنة الحدوث. غير معدية الڤيروسات التي تصيب الطيور في العادة لا تعدي البشر. ويكمن السبب في أن پروتين الهيماگلوتينين (الراصة الدموية) على السطح الخارجي للڤيروس لا يستطيع الاقتران بمستقبلات الخلية البشرية. |
وفي عام 1998، وُجد أن القطعان في مينيسوتا وإيوا وتكساس كانت مصابة بڤيروس جديد من فصيلة H3N2 سمي بالمتفارز الثلاثي الجديد triple reassortant,
وهو يحوي جينات ڤيروس الإنفلونزا الخنزيرية التقليدية، مع جينات من
ڤيروسات تعدي الطيور في العادة وجينات من تلك الڤيروسات التي تعدي البشر.
ومنذ ذلك الحين نشأت وانتشرت ڤيروسات متفارزة ثلاثية جديدة أخرى تحوي نسخة
معدلة أخرى من الڤيروس H1N1، إضافة إلى الڤيروس H1N2 والڤيروس H3N1. وفي عام 2006 اكتشف في ميسوري إصابة الخنازير لفترة قصيرة بڤيروسات H2N3؛ وهو تحول يشكل خطورة إذ لا يوجد لدى أي شخص وُلِدَ بعد عام 1968 أي أجسام مضادة للعائلة H2 من الڤيروسات. وتحتل الڤيروسات H2 رأس القائمة عندما يتساءل العلماء عن أي من الڤيروسات قد يسبب الوباء التالي.
علم الڤيروسات المعقد نشوء وباء الإنفلونزا(****) ينتمي ڤيروس وباء إنفلونزا عام 2009 إلى مجموعة تسمى ڤيروسات H1N1. إن الإصابة بأحد ڤيروسات H1N1 لا تمنح مناعة ضد الأنواع الأخرى. ومن الأمور التي جعلت الڤيروس H1N1 في عام 2009 مخيفا جدا هو أن أسلافه forebears الحالية قد أصيبت بڤيروسات من ثلاثة أنواع: البشر والطيور والخنازير. وبعبارة أخرى، احتوى الڤيروس مادة وراثية غريبة عن جهاز المناعة البشري محدثا وباء حتى ولو كان المرض خفيف الوطأة. لكننا رُبّما لا نكون محظوظين في المرة القادمة. |
نشر
الباحثون في وزارة الزراعة الأمريكية وفي المختبرات التشخيصية الأمريكية
تقاريرهم عن الڤيروسات الجديدة في المجلات العلمية، ولكن معظم العلماء
والمسؤولين المهتمين بجانب الصحة البشرية وعدوى الإنفلونزا كانوا منشغلين
بتهديد مختلف وخطير هو إنفلونزا الطيور. وفي عام 1997 ظهر ڤيروس من فصيلة H5N1
في منطقة جنوب شرق آسيا، التي تعد تقليديا مركز أي ڤيروسات إنفلونزا
جديدة. وقد تمت السيطرة على الموجة الأولى من الوباء في هونگ كونگ بعد أن
أمرت سلطات المدينة بالقضاء على جميع الطيور الداجنة المشبوهة في الإقليم.
ولكن في أواخر عام 2003
عاد الڤيروس وتفشى في أسراب الطيور الداجنة في الصين وڤيتنام وتايلاند، ثم
انتشر إلى أبعد من ذلك. لقد نفقت ملايين لا تُحصى من الطيور من العدوى أو
أتلفت لإيقاف انتشار العدوى، كما مات أكثر من 300 شخص.
لقد
أكدت موجات إنفلونزا الطيور هذه على ضرورة الحذر من ظهور سلالات جديدة من
ڤيروسات الإنفلونزا في مزارع الحيوانات. وأجرى عالما الڤيروسات
و
- بالمشاركة مع زملاء آخرين في جامعة هونگ كونگ - رصدا للطيور في الصين
مستخدمين طرقا جديدة؛ كما أدار الفريق، ولأكثر من عقد من الزمن، برنامجا
لاختبار الخنازير عند إحضارها إلى المسلخ بحثا عن الإنفلونزا. ويأتي نحو 80%
من الحيوانات المذبوحة في مسالخ هونگ كونگ من مزارع مجاورة في البر الرئيس
الصيني. ومع أن البيانات المرصودة في هونگ كونگ لا ترسم صورة كاملة عن
الوضع في الصين، إلا أن البرنامج فتح نافذة أكبر على ما يحدث في إنفلونزا
الخنازير في تلك الدولة البعيدة غير المعروفة بصراحتها خلافا لما يحدث في
الولايات المتحدة حاليا.
اختبار الخنازير(*****)
لم
يكن علماء الإنفلونزا غافلين عن سخرية المواقف المتضادة؛ فهم يتذكرون كيف
دفعت الولايات المتحدة، وبشكل عنيف, الصين وإندونيسيا ودولا آسيوية أخرى
إلى أن تكون أكثر شفافية حول أوبئة الڤيروس H5N1. لكن <گوان>
وآخرين أصيبوا بالإحباط بسبب ندرة بيانات رصد الخنازير، ليس من الولايات
المتحدة فقط بل من كل مكان أيضا. إن بيانات الرصد من الولايات المتحدة غير
كافية، إذ لا يوجد رصد فعلي لإنفلونزا الخنازير في أمريكا الجنوبية
والوسطى وإفريقيا والهند وبعض أجزاء أخرى من آسيا. ويصرح <پيريز> بأن الوضع الحالي غير مريح على الإطلاق. ويشير <گوان> في معرض حديثه عن الدور الذي تؤديه الخنازير في خلق ڤيروسات إنفلونزا جديدة: «نحن نعرف طريقة نشوئها فلماذا لا نرصدها؟»
في
الولايات المتحدة قد يكون السؤال المفضل: لماذا لايشارك المزارعون؟ فمن
المعروف تاريخيا أنهم غالبا ما أخضَعوا خنازيرهم لاختبار الإنفلونزا في
المختبرات التشخيصية للشبكة الوطنية لمختبرات الصحة الحيوانية(2) (NAHLN).
وتحتاج الشركات التي تصنع لقاح الإنفلونزا للخنازير إلى معرفة فصيلة
الإنفلونزا التي تهدد الحيوانات، وبذلك يمكنها أن تنتج لقاحات ملائمة لها؛
إلا أنه نادرا ما يتم تشاطرالمعلومات التي يجمعها قطاع الصحة الحيوانية مع
الباحثين ومسؤولي الصحة البشرية. في الحقيقة وفي أعقاب وباء عام 2009 أجريت الاختبارات بحثا عن الإنفلونزا في مزارع الخنازير، لكن سرعان مـا توقفت. تقـول [وهي رئيس قسـم الإنفلونزا في مركز التحكم في الأمراض(3) (CDC) ]: «أساسا، لايريد المنتجون أن يعرفوا الحقائق، ولذا نضبت عينات الجهاز التنفسي المرسلة إلى الشبكة NAHLN.»
ومن
ثم وضعت أولويات هذه المختبرات والشركات بما يلائم مصلحة صناعة إنتاج لحوم
الخنازير وملّاك مثل هذه المزارع. إذ تعمل الشبكة الوطنية لمختبرات الصحة
الحيوانية NAHLN، والموجودة في الجامعات غالبا - مثل جامعة مينيسوتا وجامعة أيوا - من أجل زبائنها من المزارعين، ويوضح
[الذي يشغل منصب أستاذ كرسي في صحة الخنازير وإنتاجيتها في جامعة
مينيسوتا] أن أي مكتشفات، سواء أكانت إيجابية أم لا، تبقى سرية. ويقول إنه
«في الواقع هنالك قدر من الرصد الفعلي والمستمر، إلا أن تلك المعلومات لا
يفصح عنها إلا إلى الأشخاص الذين يرسلون العينات.»
تصل الاكتشافات المهمة - مثل اكتشاف المتفارز الثلاثي الأول H3N2
- في نهاية المطاف إلى المجلات العلمية، ولكن هذه العملية ربما تستغرق
عاما أو أكثر. وهذا لا يشكل بديلا لتوفير نتائج الرصد في الوقت الفعلي،
والذي قد يوفر لمسؤولي الصحة البشرية صورة حديثة وليس تصورا تاريخيا. فقد
يلتقط شخص ما أحيانا إنفلونزا الخنازير من الخنازير مباشرة، ويتلقى المركز
CDC
اتصالا ينبئه بذلك. (على سبيل المثال: حدث ذلك مرتين هذا الخريف، ولحسن
الحظ، ثبت أن الحالتين كانتا فرديتين). ولكن عادة ما تأتي هذه الاتصالات
متأخرة جدا بحيث لاتسمح بإجراء استقصاء شامل. تقول <كوكس>: «كثيرا ما تكون الخنازير قد أُرسلت إلى المسلخ بحلول الوقت الذي نكون فيه قد اكتشفنا ماهية التعرض الفعلي.»
يمكن اكتشاف التهديدات الجديدة فقط إذا عرف العلماء ما هي الڤيروسات المنتشرة بين الأنواع (أي بين الطيور والخنازير)التي من المرجح أن تسبب ڤيروسات وبائية جديدة. |
كذلك قوبلت الجهود التي بذلها باحثون آخرون لتسليط الضوء على أنواع الڤيروسات المنتشرة بين الخنازير بالمقاومة، إذ واجه
[رئيس مركز إنفلونزا الخنازير المتعاون مع منظمة الصحة العالمية في مستشفى
سانت جود لأبحاث الأطفال في ممفيس] المشكلة عندما حاول مع قلة من زملائه
إعداد دراسة قصيرة الأجل بأخذ مسحة swab من خنازير سليمة ظاهريا بحثا عن ڤيروسات الإنفلونزا. وفي محاولة لتسهيل الوصول إلى الحيوانات, وعد فريق <ويبي> بوضع جميع العينات التي جمعها في مُجمِّدة freezer
لثلاثة أشهر قبل دراستها؛ وقد كانت هذه خطوة ذكية لتطمين المزارعين
المتعاونين بأنهم لن يجدوا مسؤولي إدارات الصحة العامة مسربلين بالحلل
الواقية عند بوابة مزرعتهم بعد أسبوع من أخذ العينات. يقول <ويبي>:
«إن هذا العرض - الذي وافق عليه العديد من المزارعين - كان بمثابة تشحيم
للعجلات». ويقرّ بأن بعض المزارعين ما كانوا ليتعاونوا لولا ذلك.
ومع ذلك، لدينا حاليا أعداد قليلة جدا من التراكيب الجينية genetic sequences للڤيروسات المنتشرة في الخنازير والمدرجة في قواعد البيانات المتوافرة مثل GenBank أو GISAID،
وهي قواعد بيانات يمكن أن يطلع عليها باحثو الإنفلونزا في أي مكان؛ وهذا
ما يترك الباحثين في الصحة البشرية وسط ظلام دامس. تقول <كوكس>: «من غير الممكن أن نقول إن التركيبات الوراثية الموجودة في GenBank أو GISAID
أو أي مكان آخر توفر تمثيلا حقيقيا لما هو منتشر فعليا في الخنازير في هذه
اللحظة؛ وهذا هو الأمر المثير جدا للقلق. نحن نتفهم جميع المواضيع ذات
الصلة بالجانب الزراعي, ولكننا نريد أن نعمل على إيجاد حل يتيح مشاركة
أكبر للمعلومات المتوافرة.»
تعاون مطلوب(******)
حتى قبل وباء عام 2009، بدأ المركز CDC
بشق الطريق بالتفاوض مع وزارة الزراعة الأمريكية حول برنامج يضمن مشاطرة
قطاع الصحة البشرية نتائج الاختبارات التشخيصية للصحة الحيوانية. لكن
لايمكن للبرنامج، والذي مازال في بدايته العمل من دون تعاون منتجي لحوم
الخنازير الذين يمانعون حتى الآن في دعم ما يراه الكثيرون محاولة من
الحكومة للتدخل في شؤونهم. يقول
[نائب الرئيس للشؤون العلمية والتقنية في الهيئة الوطنية للحم الخنزير]:
«الخنازير ملك المُزارع، وما يحدث لها هو شأن يخص المزارع لا الحكومة،
طالما أن العدوى التي تظهر في هذه الخنازير ليست ما يصطلح على تسميته مرضا
منهاجيا program يشكل خطرا على قطعان الخنازير في أمريكا.»
وللتغلب
على تردد المزارعين، عمدت وزارة الزراعة الأمريكية ومركز التحكم في
الأمراض إلى تقديم عدد من الحلول الوسط في نظام الرصد؛ فبدءًا هناك ضمان لعدم إفشاء الأسماء anonymity.
فقد تستخدم المعلومات المتوافرة حول الڤيروسات الموجودة في العينات التي
يرسلها المنتجون إلى المختبرات التشخيصية ضمن منظومة للرصد تكون متاحة
بشكل أوسع بكثير. لكن سوف تحذف البيانات التي تشير إلى مزرعة المنتج قبل
أن يتم تداولها، ما لم يعط المنتج موافقة مسبقة. فيمكن إخبار مسؤولي
إدارات الصحة البشرية باسم الولاية التي وُجِد فيها الڤيروس وليس باسم
المقاطعة أو المزرعة. يقول
[كبير الأطباء البيطريين]: «إن الرصد الذي لا يعلن الأسماء هو الأساس
المعتمد؛ وهذا يعني أنه سيتم تزويد البرنامج بالنتائج المستحصلة من الرصد
من دون ذكر أسماء، فلن ترفق البيانات باسم المالك أو باسم الطبيب البيطري
الذي أرسلها.»
قد
يوافق بعض المنتجين على الإفصاح عن المعلومات التي تعرّفهم، ولكن من
المتوقع أن القليل منهم فقط سيتخلى عن درع عدم الإفصاح. هذا وتنص قواعد
المنظومة على أنه إذا أصيب شخص بڤيروس إنفلونزا الخنازير، فإنه يجب أن
يعطي مالك القطيع الذي اختلط الشخص معه الموافقة قبل أن تتمكن الهيئات
الصحية من اختبار الخنازير في مزرعته. ولكن هل يسقط شرط عدم الإفصاح إذا
اكتشف المركز CDC
حالة إنفلونزا خنازير في شخص أو ڤيروسا يبدو أنه قد يكون قادرا على
الانتقال إلى البشر، فهل ذلك لمصلحة حماية الصحة البشرية؟ هذا الأمر ليس
واضحا حتى الآن. يقول <ساندبرگ>: «إذا اكتشف المركز CDC ڤيروسا مشكوكا فيه فإن بإمكانه تنبيه وزارة الصحة ذات العلاقة في الولاية حتى تكون على حذر؛ خوفا من وقوع إصابات بشرية.»
يقـول <ساندبـرگ> الذي يدعـم منظومـة الرصد المطورة بالتعاون بين وزارة الزراعة الأمريكية والمركز CDC:
«ليس صحيحا أن المنتجين غير مكترثين بالتهديد المستمر من ڤيروسات إنفلونزا
الخنازير للبشر، لكنهم يعتقدون أن حجم التهديد مبالغ فيه». إذ تختلط
الملايين من الخنازير مع الأشخاص كل يوم تقريبا, ومع ذلك فالحالات البشرية
الناجمة عن العدوى من الخنازير نادرة. وقد رأى المزارعون ما جرى للمنتج
الكندي الذي كان قطيعه هو الأول في العالم الذي جاءت نتائج اختباراته إيجابية بالنسبة إلى الڤيروس H1N1؛ ثم شُفيت خنازير <جينكل>، ولكنه اضطر إلى التخلص منها لأن أحدا لم يشترها.
على الرغم من تزايـد عدد العينات الڤيروسية المرسلة إلى منظومة الرصـد التابعة لوزارة الزراعـة الأمريكيـة والمركز CDC وذلك في النصف الثاني من عام 2010,
إلا أن الكثير من الأطباء وعلماء الوبائيات يخشون من أن هذه الحلول الوسط
المتبعة في هذه المنظومة لا تزال مقيّدة جدا؛ فهم يخشون ألا يكونوا قادرين
مستقبلا على تعرف ڤيروسات جديدة في الخنازير أو اكتشاف الانتقال من خنزير
إلى الإنسان في الوقت المناسب للحفاظ على الصحة البشرية، لكنهم لم ييأسوا
من الحصول على بيانات أفضل. وينظم كل من <كوكس> و [التي ترأس المختبر المرجعي التابع للمنظمة العالمية للصحة الحيوانية في پادوفا بإيطاليا] اجتماعا سنويا في أوائل الشهر 2 بإيطاليا يضم كبار العلماء والهيئات الصحية البشرية والحيوانية الرئيسة في محاولة لإيجاد وسيلة لتجاوز الصعوبات. تقول <بوا> التي يشوب تفاؤلها بعض الحذر: «هناك طرق للالتفاف حول الصعوبات، وما علينا إلا أن نكتشفها فقط.»
قد تكون السياسات المتعلقة بلحم الخنزير بطيئة، في حين أن الإنفلونزا تتطور بسرعة مخيفة. يقول
[وهو عالم ڤيروسات متخصص في تطور الإنفلونزا بجامعة أوتاوا]: «لقد تبدلت
القواعد البيولوجية في العشرين عاما الأخيرة، ولذلك أعتقد أنه يجب على نمط
التفكير أن يتغير». سيخسر منتجو لحم الخنزير الكثير من أي دعاية سلبية.
وعلى كل حال: إذا ظهر ڤيروس معدٍ virulent successor خلفا لڤيروس وباء عام 2009 فإن الكل سيخسر.