الجين المدمر
(*) سلالة جديدة من البعوض الـمعدل جينيا
(1) تحمل جينا يُحدِثُ إعاقة
في نسله. وبإمكان هذه السلالة سحق جماعات البعوض المحلية ومنع انتشار
الأمراض. وهي طليقة الآن في الهواء - مع أن ذلك بقي سرا حتى الآن.
باختصار أعدّ العلماء بعوضا معدلا جينيا ذا آلية تدمير ذاتية، وهو إنجاز يمكن أن يبطئ انتشار الأمراض التي تنتقل عبر البعوض. هناك فريق من العلماء يجري اختبارات على البعوض في أقفاص بجنوب المكسيك، وهناك فريق آخر يطلق البعوض في البرية. وقد أثار الإطلاق المقصود للحشرات المعدلة جينيا جدلا عالميا، وبخاصة أن التجارب الأولى تمت بسرية.
|
لبلوغ الأقفاص سلكنا الطريق السريع الرئيسي للخروج من أطراف مدينة تاپاشولا، شياپاس في المكسيك
(2)،
مرورا بمحاذاة مزارع فول الصويا والكوكا والموز ومزارع المانگو اليانعة
الخضرة التي تزدهر في هذه التربة البركانية الخصبة. بعد قرية ريو فلوريدو
الصغيرة انحدر الطريق إلى درب ترابي متموج. ظللنا نهتز بفعل أمواج الطمي
المشوي
(3) إلى أن بلغنا حاجزا أمنيا وحارسا في وضعية التأهب،
أمام يافطة مثبّتة على السلك الشائك الذي يحيط بالمجمّع رسم عليها صورة
بعوضة تحيط بجانبيها صورة امرأة وأخرى لرجل، وقد كتب عليها: «بعوض معدل
جينيا يتطلب احتياطات خاصة». ونحن نلتزم بقواعد اللعبة.
في الداخل تحيط أشجار الكاجو cashew بمجموعة أقفاص من الشبك الرقيق والمقامة فوق منصات. تحوي هذه الأقفاص آلاف البعوض من النوع Aedes aegypti -
النوع المحلي الذي هو أصغر وأهدأ من الأنواع الطنانة الموجودة عادة في
الولايات المتحدة. في السابعة صباحا يبدو المشهد خياليا إذ ترشح أشعة
الشمس عبر طبقات من الشباك فتولد مسحات من اللون الأصفر المتوهج. ولكن
داخل الأقفاص يَشُنّ البعوض المعدّل جينيا معركة ضد الأنواع المحلية، وهي
محاولة إبادة جماعية بالتزاوج قد تتمكن من القضاء على حمى الضنك، أحد أشد
أمراض العالم فتكا وإثارة للقلق.
عبر
شريط من الدول الاستوائية وشبه الاستوائية، تصيب أربعة أنواع متقاربة جدا
من هذا المرض ما يقرب من المئة مليون فرد بالعدوى سنويا، مسببة طيفا من
الأمراض - بدءا من آلام تشبه الإنفلونزا، إلى النزيف الداخلي، أو الصدمة
فالموت. ولا يتوافر أي لقاح أو علاج لهذا المرض. وكما هي الحال في الأمراض
الأخرى التي تنتقل عبر البعوض تعتمد الاستراتيجية الأولية للصحة العامة
على تجنيب المواطن التعرض للسع. ولتحقيق هذه الغاية تلجأ السلطات الصحية
إلى تخليص المناطق من المياه الراكدة حيث يتكاثر البعوض، ورشها بالمبيدات
الحشرية، وتوزيع الناموسيات وغيرها من موانع البعوض البسيطة. أي إنها
تعتمد على أسلوب الاحتواء عوضا عن أسلوب القهر.
ولكن
جيمس> يعدّ العدة للهجوم. إذ أضاف <جيمس> [عالم بيولوجيا جزيئية]
وزملاؤه [من جامعة كاليفورنيا في إرڤين] جينات إلى البعوض A. aegypti
تمنع نمو عضلات الطيران في إناث البعوض. عندما يتزاوج ذكر البعوض المعدّل
جينيا بأنثى بعوض بريّة، ينقل جيناته المعدّلة إلى النسل. ولا تنجح الإناث
- مصدر العض - في البقاء طويلا. فعندما تخرج الإناث من طور الشرنقة تقبع
بلا حركة على سطح الماء. فلن تطير أو تتزاوج أو تنشر المرض. أما نسل
الذكور المعدّل جينيا فسيعيش لينشر بذوره القاتلة لنسله. ومع مرور الزمن
سيؤدي خلو النسل من الإناث إلى فناء الجماعة، وهذا ما سبق أن بيّنه بالفعل
زميل <جيمس> في تجربة ضمن البيئة المتحكم فيها لمختبر داخلي في
ولاية كولورادو. وها هو الآن يسوق هذه الحشرات إلى الجنوب.
تسجل
هذه التقانة أول مرة يعدّل فيها العلماء كائنا ما تعديلا جينيا بهدف
القضاء على جماعة طبيعية تحديدا ومنع انتقال المرض. وفي حال نجاح البعوض
المعدّل جينيا، فإن إطلاق هذا البعوض في المناطق التي تستوطن فيها حمى
الضنك سيقي عشرات الملايين من البشر المعاناة. إلا أن معارضي هذه الخطة
يحذرون من نشوء عواقب غير محسوبة حتى ولو كان البعوض فقط هو الضحية
المستهدفة.
|
أزيز قاتل: بعوض أيديس إيگيپتي Aedes aegypti هو الناقل الرئيسي لحمى الضنك dengue fever. |
ويشقّ
حاليا على الباحثين اختبار ما ينتجونه. إذ لا توجد قوانين أو مؤسسات دولية
لمراقبة اختبارات الكائنات المعدّلة جينيا. ففي معظم الأحيان يستطيع
العلماء وشركات التقانة الحيوية فعل ما بدا لهم، بما في ذلك إطلاق كائنات
تجريبية في البلدان النامية من دون أي إجراءات احترازية، ومن دون إنذار
السكان من أن أفنيتهم الخلفية ستصبح عمليا مختبرا ميدانيا لاستعمار
البيولوجي، بل ومن دون موافقتهم على ذلك.
أمضى
<جيمس> سنوات عديدة وهو يحاول أن يطبق هذا التوجه بطريقة سليمة. إذ
عمل مع القيادات الشعبية في تاپاشولا، وحاز على ملكية أراضٍ من خلال
البرنامج التقليدي لتوزيع الأراضي، وأقام مبنى اختبار آمنا - وهذا عمل
دقيق وشاق يتطلب زمنا طويلا. إلا أنه ليس الباحث الوحيد الذي يختبر البعوض
المعدل جينيا في الميدان. فقد سعى
[زميل جيمس، ومؤسس شركة التقانة البيولوجية Oxitec
ومقرها بريطانيا] بهدوء إلى تطبيق استراتيجية أكثر عدائية. وبين عامي 2009
و2010 استغلت شركته تشريعات جزيرة كايمان الكبرى الكاريبية ذات الاشتراطات
الدنيا، فأطلقت ملايين البعوض المعدّل جينيا في البرية. اطّلع
<جيمس> على هذا لأول مرة عندما عرض <ألفي> ذلك في مؤتمر
بأتلانتا عام 2010، بعد مضي 14 شهرا على الحدث. ومنذ ذلك الحين تابعت شركة
Oxitec تجاربها مطلقة بعوضا معدّلا جينيا في كل من ماليزيا والبرازيل.
يخشى الخبراء أن تقود أعمال شركة Oxitec
هذه إلى إحداث ردة فعل عكسية ضد استخدام جميع الحشرات المعدّلة جينيا،
تعيد إلى الأذهان ذكريات الرفض الأوروبي للمحاصيل المعدلة جينيا، وهو
توجُّه قد يقود إلى وأد هذه التقانة في مهدها قبل أن يستوعب العلماء جل
إمكاناتها وتبعاتها المحتملة.
وسيكون
هذا مؤسفا للغاية نظرا لما تحمله هذه التقانة من وعود. وعلى الرغم من أن
بضعة أقفاص داخلية وليست براري أمريكا الوسطى والبرازيل أو ماليزيا، إلاّ
أن اختبار كولورادو قد بيّن أن البعوض المعدّل فعال في بيئة متحكم فيها.
ولمكافحة المرض والموت المنتقلين عبر البعوض، يجب على ما يولّده العلماء
أن يقهر الغابة.
|
أزواج مميتة: داخل هذه الأقفاص في جنوب المكسيك، يُدخل العلماء بعوضا معدلا جينيا على مجموعة من البعوض المحلي. ويفترض أن يقضي البعوض الدخيل على البعوض المحلي. |
العقم بالإكراه(**)
مع
حلول عام 2001 صار <جيمس> بالفعل رائدا في الوراثة الجزيئية للبعوض،
إذ كان أول باحث يغيّر البعوض جينيا، وأول من استنسخ جينا من البعوض. وفي
ذلك العام قرر تطبيق علمه على مشكلة نقل الأمراض. وتساءل <جيمس> ما
إذا كان بإمكانه استخدام استراتيجية كانت قد صُمِّمت لمكافحة الآفات
الزراعية، وتطبيقها عوضا عن ذلك على البعوض.
قبل
عام من ذلك، طور <ألفي>، الذي كان وقتذاك في جامعة أكسفورد، تقانة
لتوليد ذبابة فاكهة تحوي جينات تقتل الإناث تحديدا. فاستراتيجية التحكم في
الجماعات هي مجرد تطبيق ما بعد الجينومية(4) على تقانة الحشرات
العقيمة التي أسهمت بنجاح في مكافحة آفات المحاصيل لستين سنة. وفي هذه
التقانة يربي المختصون عددا هائلا من الحشرات، وتُعقَّم الذكور بتعريضها
لجرعة مشعّة. وعندما تتزاوج بالإناث في الحقول المحلية، لا ينتج نسل من
ذلك. وتخلو هذه الاستراتيجية من استخدام المبيدات الحشرية، وتستهدف آفة
محددة دون غيرها، وقد طُبِّقت بنجاح لمرات عديدة - بما في ذلك تطبيق واسع
المدى للقضاء على ذبابة الفاكهة المتوسطية (التي تُعرف اختصارا بـ medfly) عام 1977 في تاپاشولا.
وللأسف
لم تنجح تقانة الذكر العقيم قطُّ مع البعوض. إذ يُضعف الإشعاع الذكور جدا،
فتقتلها عمليات الفرز والنقل قبل أن تسنح لها فرصة التزاوج. إلا أن توسيع
نطاق تقانة <ألفي> الجديدة لمكافحة ذبابة الفاكهة بحيث تشمل البعوض
سيمكّن الباحثين من وضع تصميم فعال لبعوض ذكر عقيم من الجينوم أساسا.
لقتل
إناث البعوض – تلك التي تمتص الدم وتنشر المرض - دون الذكور كان على
<جيمس> استهداف منطقة وراثية تُستَخدم من قبل إناث البعوض فقط. وفي
عام 2002 حدّد كل من <جيمس> و<ألفي> مفتاحا جينيا طبيعيا
يتحكم في نمو عضلات الطيران في الإناث: اطفىء المفتاح ولن تنمو عضلات
الجناح في الإناث. وعقب بزوغ إناث البعوض من طور الشرنقة تقبع على سطح
الماء، عاجزة عن الطيران، وغير قادرة على اجتذاب الذكور. كان هذا هو الهدف
المثالي.
أسس <ألفي> شركة Oxitec
في عام 2002 لتحقيق الربح من هذه التقانة. وفي عام 2005 قامت مؤسسة المعهد
الوطني للصحة - التي يأتي أغلب تمويلها من وقفية بيل وميليندا جيتس - بمنح
<جيمس> عشرين مليون دولار أمريكي لاختبار استراتيجيات جينية لمكافحة
حمى الضنك. أعطى <جيمس> شركة Oxitec خمسة ملايين دولار لإنتاج البعوض.
وعمل
الشركاء على تصميم شريط دنا يحوي حفنة من الجينات ومفاتيح تنظيمية ضرورية
لتشغيلها أو إطفائها في الوقت المناسب. ويعمل هذا النظام كفريق جري
التتابع. إبان تحوّر البعوض من اليرقة إلى الطور البالغ، يشتغل المفتاح
الخاص بالأنثى، فينشِّط الجين الأول الذي ينتج بروتينا معينا. هذا
البروتين يُنشِّط مفتاحا ثانيا يُفعِّل الجين الثاني الذي يَصنِّع حينئذ
سُمّا يُعطِب عضلات الطيران في الأنثى. كما أضاف الباحثون جينات تنتج
بروتينات فسفورية تجعل اليرقات المعدلة جينيا تسطع باللونين الأحمر
والأخضر، مما يسمح للعلماء بمراقبة مدى انتشار هذه الجينات في الجماعة.
كي
يتمكن كل من <ألفي> و<جيمس> من إنتاج جماعات كبيرة من البعوض
التي برمجاها صراحة للموت، كان لابد من توفير طريقة لحماية الإناث من
تأثير بنية الجين السام إلى ما بعد أن تتكاثر. وتمثل الحل في حقن الماء
بترياق - هو الـمضاد الحيوي تتراسيكلين tetracycline
- يمنع إنتاج البروتين المُعطِب لعضلة الطيران. وهذا التصميم يضمن أيضا
عدم حدوث أخطاء سهوا: ففي حال تسرب مجموعة صغيرة من هذا البعوض المعدّل
جينيا فإنها لن تستطيع التكاثر في غياب الترياق.
أُجــــري أول اختـبـــار للسلالــــة الجــــديــــــدة فـــي عــــامي 2008 و 2009 عندما أدخل دي ڤالديز> [زميل <جيمس> الذي كان ينتمي وقتذاك إلى جامعة ولاية
كولورادو] ذكور بعوض معدلة على جماعة اعتيادية من البعوض A. aegypti في المختبر. فاندثرت الجماعة في غضون خمسة أشهر. أي إن مفتاح القتل نجح. وكانت الخطوة التالية أخذ البعوض المعدّل إلى الميدان.
حمّى الضنك (الحمى القاصمة للعظام)(***)
في
تاپاشولا، حيــث شــيّد <جيمس> مختبـــره ذا الشـــباك، لا تزال حمى
الضنك ومنذ زمن بعيد مشكلة عويصة، كما هي الحال في أجزاء كثيرة من
المكســــــــــيك. يقول [وكيل وزارة الصحة لمنطقة شياپاس Chiapas]:
« كانت حمى الضنك على رأس اهتماماتي بصورة يومية» إبان زيارتي لهذه
المنطقة العام الفائت. وينتشر هذا المرض بصورة فتاكة فيكون أشدّ ما يكون
في المناطق السكنية الكثيفة.
خلال رحلتي إلى شياپاس، تجولت في حيّ پوبري يونيدوس (اتحاد الفقراء) Pobres Unidos، وهو حي فقير يقع على أطراف تاپاشولا، وقد ابتلي بأكبر عدد من حالات حمى الضنك عامي 2009 و 2010، وقـد رافقني كـل مـن [مختصة الطفيليات في فريق <جيمس> وهي تشرف على الأعمال اليومية في الميدان] و [طبيب الوبائيات].
أحد
البيوت التي زرتها كان بيت <ماريا> التي طلبت إليّ الامتناع عن ذكر
كنيتها. ومثل معظم البيوت في پوبري يونيدوس، لهذا البيت ثلاثة جدران فقط،
مثل مشهد بيت في استديو الأفلام، أي ليس لديها أي وسيلة لإبقاء البعوض في
الخارج. وتوفر الأرضية الترابية المبللة بيئة رطبة جاذبة للحشرات. كما
توفر أكوام الزبالة وعشرات الحاويات التي تجمع مياه الأمطار أماكن لا تحصى
ليضع فيها البعوض بيوضه.
لفت
<دانيس-لوزانو> انتباهنا إلى حوض أصفر كبير مليء بمياه عذبة مشيرا
إلى الـمئات من يرقات البعوض النحيلة السوداء والشبيهة بالخيوط وهي تسبح
بنشاط في خطوط متعرجة عشوائية. بالطبع <ماريا> على علم بحمى الضنك،
إلا أن <دانيس-لوزانو> اكتشف أنها تجهل أن هذه اليرقات في حوض
غسيلها تتحور إلى بعوض ينشر المرض.
[آلية عمل التقانة] مفتاح قتل الأنثى(****) لقد صُمِّم البعوض المعدل جينيا في المكسيك بهدف القضاء على البعوض المحلي. يغرس العلماء سلسلة جينية في بيوض البعوض تُعطب عضلات الطيران في الإناث. وتُترك ذكور البعوض (التي لا تلسع) لتنتشر في الموئل المحلي وتورّث الجينات المعوقة. ومع مضي ما يكفي من الزمن سيؤدي عدم وجود الإناث إلى فناء البعوض المحلي. (1) يغرس العلماء الدنا في بيوض البعوض الملقّحة. (2) لا يُورَّث الدنا إلى الأجيال اللاحقة إلا إذا دخل في الخلايا التناسلية. ويؤدي جين التشخيص في الدنا إلى تألق اليرقات الحاملة للجين تحت الإضاءة الفسفورية. (3) يربي العلماء البعوض باستخدام ترياق يوقف مفعول الجينات المغروسة، ثم يزاوجون البعوض الحامل مع غير الحامل لإنتاج عدد هائل من البيوض. (4) في الإناث تُعطب سلسلة الدنا عضلات الطيران. فتعجز الإناث عن الطيران والتغذي واللسع. (5) في المقابل، تنمو الذكور بشكل طبيعي. ويطلقها العلماء للتزاوج بالإناث المحلية. ويعيد نسلها الدورة نفسها. |
هذا
مشهد يتكرر عالميا في العديد من الأحياء المزدحمة والفقيرة. إذ تعاني أكثر
من مئة دولة حمى الضنك، من آسيا إلى إفريقيا وصولا إلى الأمريكتين. تشبه
أعراض النمط المعتدل من حمى الضنك (الحمى القاصمة للعظم) أعراض
الإنفلونزا: حمى، آلام في المفاصل والعضلات، وصداع مُقعد، تستمر لمدة
أسبوع تقريبا. قد تؤدي العدوى للمرة الثانية إلى حمى الضنك النزفية
المميتة التي تبعث على الإقياء وتقلصات معوية شديدة ونزيف داخلي. فيسيل
الدم من العينين والأنف والمهبل. ويؤدي هذا المرض إذا لم يعالج إلى وفاة
ما يناهز العشرين في المئة من ضحاياه : أما في حال توافر العناية الطبية
الخبيرة والمكلفة فتنخفض نسبة الوفيات إلى واحد في المئة. عالميا، تتجاوز
نسبة الوفيات هذه تلك الناجمة عن الڤيروسات الأخرى المسببة لحمى نزفية
مجتمعة، بما في ذلك الإيبولا وماربوگ.
في عام 2008 حذر كل من [طبيب الوبائيات] وفوسي> [مدير المعهد الوطني لأمراض الحساسية والأمراض المعدية] من أن
حمى الضنك «واحدة من أكثر الأمراض المعدية - والآخذة في الانتشار مجددا-
عدوانية في العالم». فهناك تزايد في تكرار حدوث الموجات الوبائية واتساع
مداها، وهي تنتشر بفعل النمو العالمي في السفر وفي هجرة السكان إلى المدن.
فمنذ سبعينات القرن الماضي، صارت أعداد الحالات تتضاعف عقدا تلو آخر. وفي
عام 2009 أعلن مسؤولو الصحة العامة في فلوريدا عن ظهور أولى حالات حمى
الضنك في فلوريدا فيما يزيد على سبعة عقود، مما أثار قلق أطباء الصحة
العامة من إمكانية توطّن هذا المرض في الولايات المتحدة قريبا.
أحد
الأسباب التي جعلت <جيمس> يقرر تطبيق تقنيته الجينية في مكافحة حمى
الضنك - عوضا عن الملاريا على سبيل المثال - هو أن الڤيروس يُنقَل أساسا
من قبل نوع واحد من البعوض. (بينما هناك 30 إلى 40 نوعا مختلفا من البعوض
الناقل للملاريا). فالبعوض A. aegypti هو الناقل الرئيس لحمى الضنك، وهو نوع غازٍ invasive
يعيش في الشجر، انتقل من إفريقيا عبر سفن العبيد منذ ما يناهز الأربعمئة
عام. يعيش هذا البعوض اليوم في المدن ويتكاثر في محاذاة البيوت على أي سطح
يتسع لما مقداره عدة ملاعق من الماء النظيف. ويلسع هذا البعوض البشر أثناء
النهار، لذا لا توفّر الناموسيات أي حماية. ويلسع البعوض البشر بشكل حصري
تقريبا، ممتصا الغذاء الكافي لإطالة عمره ما يقارب الشهر، وهي مدة كافية
لّلسع مجددا ونشر المرض.
والبعوض A. aegypti
بعوض ماكر، فلا يصدر الطنين الحاد والمزعج الذي يدفع للتلويح باليدين أو
الضرب بسرعة. فبالكاد كنت أسمع سرب البعوض المعدل جينيا في القفص الصغير
داخل مربى الحشرات المُحكَم في المركز الإقليمي لأبحاث الصحة العامة في
تاپاشولا. وحين أدخلت فاليريو> [اختصاصية الحشرات من جامعة كاليفورنيا ديڤيس] يدها المكسوة
بالقفاز لتشير إلى أنثى، أرعب هذا الاقتحام الذكور فطارت محومة في أطراف
القفص. فيما بقيت الإناث مكانها أو راحت تقفز بطريقة خرقاء.
ستنقل
لاحقا يرقات البعوض المعدّلة إلى الموقع الميداني الذي يعمل فيه
<جيمس> والمكون من خمسة أزواج من الأقفاص، يتألف كل زوج منها من قفص
تحكّم control cage
يحوي مجموعة من البعوض البري، وقفص تجربة حيث يختلط البعوض المعدّل جينيا
بالمحلي. وكل قفص محمي بعدة طبقات من الشباك - لتحول دون هروب البعوض -
يتحتم على الباحثين الملاحة عبرها عند إضافة أفراد جدد إلى التجربة.
وتتبع
هذه الإجراءات الصارمة محاولة لتفادي أخطاء سابقة. إذ شكّلت دول العالم
الثالث منذ زمن طويل مكانا ملائما تجري فيه دول العالم الأول اختباراتها
الميدانية، إلا أن الأسلوب المتعالي في التعاطي مع البيئة المحلية أدى إلى
نتائج عكسية أعاقت برامج بحثية بأكملها. ومن المحتمل أن لا مجال ينوء بسوء
الاستغلال - سواء الفعلي أو المتوقع - أكثر من مجال الكائنات المعدلة
جينيا.
سم في الآبار(*****)
في عام 1969 مثلا اشتركت منظمة الصحة العالمية وحكومة الهند في دراسة للتحكم الجيني في ثلاثة أنواع من البعوض وهي: Culex fatigans الذي ينشر الفلاريا filariae (الطفيلي داء الفيل elephantitis)، والبعوض A. aegypti الذي ينشر حمى الضنك والحمى الصفراء، والبعوض الناشر للملاريا Anopheles stephensi. وقد موّلت حكومة الولايات المتحدة جزءا من هذه الأبحاث.
وفي عام 1972 نشر عالم لم يذكر اسمه مقالا في الجريدة الهندية هيرالد الوطنية(5) مُدّعيا أن الباحثين أطلقوا داخل آبار الشرب في القرى بعوضا معالجا بمادة ثيوتيپا thiotepa
- وهي مادة مصنفة كأحد مشتقات غاز الخردل تسبب تشوهات خلقية في الطيور
والسرطان في الحيوانات. ونشر العلماء المسؤولون عن البرنامج تكذيبا خجولا
ورفضوا طلبات الصحافة لإجراء مقابلات حول الموضوع. عندئذ نشرت مؤسسة
الصحافة الهندية(6) في عام 1974 مقالة تحت عنوان ناري هو:
«منظمة الصحة العالمية تجري في الهند أبحاث الولايات المتحدة السرية».
وادّعت المقالة أن مشروع البعوض هو اختبار لإمكانية استعمال البعوض A. aegypti
سلاحا في الحرب البيولوجية, وأن الهند تُستَخدم لاختبار «مواد كيميائية أو
طرق غير مسموح باختبارها في البلاد الممولة للبحث»، واستمرت المقالة في
توجيه الاتهام بأن البحث يدرس البعوض A. aegypti
لأنه «يمكن تجفيف بيوضها (خلافا لبيوض غيرها من البعوض)، ومن ثم يمكن أن
توضع على قطعة ورق في ظرف وترسل بالبريد إلى أي جزء من البلد الذي يكون
بإمكانها أن تفقس فيه». وعلى الرغم من إصرار الباحثين على نفي هذه
الادعاءات، فقد نجم عن هذا التدهور في العلاقات العامة تخلي منظمة الصحة
العالمية عن المشروع.
ومنذ ذلك الحين، صار الباحثون يخشون إجراء اختبارات ميدانية لكائنات معدلة جينيا. كما تقول (لا علاقة لها بـ جيمس>) مديرة برنامج التحديات الكبرى في المبادرة الصحية العالمية
لـمؤسسة المعهد الوطني للصحة، وتتابع: «كان هناك حاجز نفسي حقيقي. إذ
كانوا يعرفون أنه ما من حيز متاح للخطأ.»
وقال لي جيمس>: «طوال عمري المهني قيل لي إنني لن أتمكن من إقناع الآخرين
بالسماح لي بالقيام بهذه التجربة». وفي العشاء الافتتاحي للحائزين على دعم
مالي من برنامج التحديات الكبرى، استشار [المختص في علم إشراك المجتمع من مركز تورنتو لأبحاث الصحة العالمية بمستشفى سانت ميشيل]. قال : «إن التعديل الجيني يسبب الهلع عند الناس. فكيف يمكن إشراك المجتمع؟»
اقترح
<لاڤيري> اختيار مكان تكون فيه حمى الضنك مشكلة عويصة للصحة العامة،
وحيث تكون أساليب التحكم الأخرى آخذة في الفشل، وفي بلد لديه بنية تنظيمية
متطورة وصارمة قادرة على تقييم مخاطر وفوائد البعوض المعدل جينيا لمكافحة
حمى الضنك. وبهذا يُطَمْأَن السكان المحليون بأن هذه الجهود لن تستغلهم أو
تعرضهم للخطر. وقد عمل كل من <لاڤيري> والمحارب القديم في مجال
التجارب الميدانية على البعوض [من جامعة كاليفورنيا - ديڤيس] على مساعدة جيمس> على تشكيل فريق عالمي من علماء إيكولوجيا البعوض
والإنثروبولوجيين والمختصين بعلم الأخلاق بوقت طويل قبل أن يكون لديه بعوض
كاف للاختبار.
مع حلول عام 2006 كانت
تاپاشولا المرشح الأفضل لإجراء هذه التجارب. فقد كان لدى المكسيك قوانين
وطنية خاصة باستخدام الكائنات المعدلة جينيا، وقد صادقت على اتفاقية
قرطاجنة للسلامة البيولوجية - الإطار القانوني الدولي لاستيراد هذه
الكائنات. ويشير <لاڤيري> إلى أن التجربة السابقة مع ذبابة الفاكهة
المتوسطية medfly عنت أن مواطني تاپاشولا لم يكونوا «مذعورين» من فكرة تعديل حشرة.
يقول ماتوتي> [رئيس جمعية المزارعين في منطقة إجراء التجربة]: «في البداية
كان وقع طلب قطعة أرض غريبا». لماذا يريد أحد ما بناء أقفاص كبيرة
وتعبئتها ببعوض مصنّع من قبل الإنسان؟ كذلك كان المجتمع في حيرة حول ما
يمكن لهذا البعوض المعدل جينيا عمله. هل بإمكان بعوض فار من الأقفاص
الإضرار بهم أو بحقولهم؟ وهل سينتقل عقم البعوض إلى حشرات أخرى؟
أجاب
<جيمس> وفريقه عن مخاوف المجتمع، واشتروا الأرض لبناء الأقفاص من
خلال البرنامج التعاوني التقليدي لتملك الأرض في المنطقة. كما استمروا
بالتواصل مع السكان المحليين طوال فترة التجربة.
في
أحد الاجتماعات الأسبوعية في دار الثقافة في الساحة التاريخية الرئيسية
لمدينة تاپاشولا، وصفت <رامزي> [المديرة الميدانية للبرنامج] حيثيات
المشروع لقياديي المجتمع المكوَّن من ثلاثين رجلا وخمس نساء. وكان من
الصعب معرفة أنها مغتربة أمريكية إذ استقطبت انتباه مَنْ في الغرفة، فقد
كانت شديدة الحيوية تومىء وتلقي بالنكات.
عندما
انتهت من حديثها وجه المستمعون إليها الأسئلة بحذر. فسأل رجل كبير في
العمر ما إذا كان بإمكانه زيارة أقفاص البعوض. وأراد آخر أن يعرف ما سيحدث
فيما لو فرّ البعوض. وسألت امرأة شابة عن السبب الذي يجعل الناس يعارضون
التعديل الجيني. وسأل شيخ قادم من قرية جبلية ما إذا كان هناك اختلاف بين
الملاريا وحمى الضنك. أجابت <رامزي> عن جميع التساؤلات ثم غادرت وهي
تبتسم وتشدّ على الأيادي.
قال
<ماتوتي> [مزارع فول صويا رشيق بأسنان مطلية بالذهب]: «الآن بعد أن
فهمنا ازداد إعجابنا بالبرنامج. ولن تقتصر الفائدة على ريو فلوريدو بل
ستشمل المناطق المجاورة لريو فلوريدو والمكسيك وأجزاء أخرى من العالم.»
الهروب الكبير(******)
بينما
كان هذا العمل العلمي والاجتماعي البطيء الوتيرة يجري في المكسيك، كان
<ألفي> يتخذ - بهدوء - اتجاها مختلفا تماما. ففي الشهر 11/2010 وصل
إلى الاجتماع السنوي للجمعية الأمريكية للطب الاستوائي وعلم الصحة(7) حاملا معه قصة مدهشة. فابتداء من الشهر 9/2009 بدأت الشركة Oxitec
بإطلاق بعوض معدل جينيا في جزيرة كايمان الكبرى في الكاريبي. (وهذا البعوض
يشبه الذي يجري اختباره في تاپاشولا، ولكن غير مطابق له - في السلالة
كايمان، يموت كل من البعوض الذكر والأنثى في مرحلة اليرقة). وكشف
<ألفي> أنه في الفترة الواقعة بين شهري 10/2010 و 5 أطلقت شركة Oxitec أكثر من ثلاثة ملايين بعوضة ذكر، ونجم عن ذلك انخفاض تعداد البعوض A. aegypti المحلي بمقدار 80% وقد قُدّمت هذه المعلومات للنشر.
دافع <ألفي> عن أسلوبه الحماسي هذا قائلا: «إن شركة Oxitec
تترك التواصل مع المجتمع للحكومات لأنها أعلم بالحساسيات الثقافية
المحلية». وقد تألف برنامج التواصل المطبق في جزيرة كايمان الكبرى من
إعلان مدته خمس دقائق في الأخبار المسائية المحلية ونشرة مطبوعة وصفت
البعوض المستخدم بالعقيم، متجنبة أي ذكر للتعديل الجيني. ولم تكن هناك أي
اجتماعات عامة أو فرص للسكان للتعبير عن مخاوفهم.
في
اجتماع أتلانتا برّر <ألفي> أفعاله بقوله: «فيما يخص الإعلان فقد
قصرناه على جزر الكايمان. كنا بحاجة فقط إلى أن يعرف المجتمع - الناس في
الجزيرة - بذلك.»
[التأثيرات الضمنية على المستوى العالمي] أين تستوطن حمى الضنك(*******) إن حمى الضنك هي أكثر الأمراض الڤيروسية والمحمولة بالبعوض اطرادا في الانتشار بالعالم. هناك نحو 2.5 بليون شخص يعيشون في دول تستوطنها حمى الضنك (في الأسفل)، وقد تضاعفت أعداد الحالات التي تُخطر بها منظمة الصحة العالمية عقدا بعد آخر. هذا ويشير العلماء إلى أن إطلاق بعوض معدل جينيا في البرية قد أدى إلى انخفاض حاد في جماعات البعوض المحلية. |
ويرى [المختص بالبيولوجيا الجزيئية في جامعة پيروجيا Perugia بإيطاليا ومستشار مؤسسة گيتس] أن شركة Oxitec
لم تخرق أي قانون، ووصف اختبارات جزر الكايمان «بالشجاعة» لاختبارها تقانة
ستسقطب بالتأكيد «الانتباه، المفيد والضار». ويقول <بينيديكت> إن
الإعلام المرتبك والمتناقض خلق صورة «عالِم وحيد يهرول حاملا دلوا مليئا
بالبعوض ويطلقها في البيئة دون إشراف. هذا ليس صحيحا». فقد عملت شركة Oxitec مع الحكومات المحلية والوطنية للحصول على الموافقة قبل إجراء التجارب الميدانية.
ومع
ذلك أثارت تجربة الكايمان انفعالات قوية - عدم الثقة وخيبة أمل وإحباط -
بين العديد من زملاء <ألفي> وجماعات البيئيين والعامة. إذ يقول نولز> [المختص فی علم الحشرات الطبي من جامعة أمستردام ومدير مشروع
عالم الملاريا]: «تفاجأ المجتمع العالمي من تنفيذ تجربة الإطلاق هذه.
والآن ینظر العالم الخارجي إلى شركة Oxitec على أنها تميل إلى السرية، مما يجعل الجمهور يتساءل حول المبرر. إن هذا الأسلوب يزرع الشكوك.»
يقول
<نولز> إن هذه التقانة واعدة: «وفي حال أخفق طرف ما إخفاقا شنيعا
وعمل على تضليل الجمهور، فإن الخطورة تكمن في أن بقية محاولات التعديل
الجيني الأخرى ستعاني جراء ذلك». ويضيف قائلا: «بسبب شركة Oxitec نواجه الآن المشكلات ذاتها التي واجهت منظمة الصحة العالمية في الهند عام 1976.»
ويقول مختصون آخرون بأن الشركة تستغل الدول ذات المتطلبات الإدارية والتنظيمية الدنيا. فأجرت شركة Oxitec اختباراتها في جزر الكايمان ذات «البنية التنظمية البسيطة» كما يقول ، وحيث بالكاد جف حبر اتفاقية السلامة البيولوجية الذي ما زال بانتظار أن يصبح قانونا.
وكانت ماليزيا هي التالية. فوسط احتجاجات ما يزيد على عشرين منظمة غير ربحية بدأت الشركة Oxitec بإجراء اختبار في منطقة غير مأهولة في الشهر 12/2010. ومازال برنامج المتابعة في قرية قريبة معلقا. يقول سينگ> [رئيس مجلس إدارة مركز البيئة والتقانة والتطوير، وهو مركز غير
ربحي في ماليزيا]: «إنه وعلى الرغم من تأسيس مجلس وطني للسلامة البيولوجية
ليراقب الكائنات الـمعدلة جينيا ويشرف على تطبيق مرسوم السلامة البيولوجية
الصادر عام 2009 في ماليزيا، إلا أن العديد يعتقد أن ماليزيا لا تزال
تفتقد الخبرة اللازمة لمراقبة هذه التجربة.»
استلقى جيمس> على كرسيه بإعياء فيما نحن نتناول هذا الموضوع، ولكنه قال بوضوح
وإن كان بدبلوماسيته المعتادة: «هذه هي الصعوبة في العمل مع المؤسسات
التجارية. فلا يمكنني التحكم في شركائي في المؤسسة التجارية» واستطرد
قائلا: «إنه إذا ما أخفقت العملية سيقال حذّرناك من ذلك، أما إذا نجحت
فسيقال أنت محظوظ هذه المرة». وأشار <جيمس> إلى أن أسلوب شركة Oxitec
مستحيل التطبيق في المكسيك، ثم أضاف «بأنه على ثقة من أن نشاط فريقه في
إشراك السكان المحليين فَرَضَ معايير لاختبار الكائنات المعدلة جينيا.»
ولم يثنِ شيء من عزيمة <ألفي>. إذ أطلقت شركة Oxitec في بداية هذه السنة اختبارا لمدة ستة أشهر في ضاحية فقيرة من خوازيرو Juazeiro في باهيا Bahia
شمال البرازيل، وهي ضاحية موبوءة بالبعوض وحمى الضنك على مدار السنة.
ويخطط <ألفي> للعودة في نهاية هذه السنة (2011) إلى جزيرة كايمان
الكبرى ليقارن سلالتي التاپاشولا والكايمان المعدلتين جينيا بالبعوض
المحلي لمعرفة أيهما تعيش فترة أطول، أو تطير مسافة أطول، وأيهما أفضل في
التزاوج بإناث البعوض المحلي. هذا وقد أبدى المسؤولون عن التحكم في البعوض
في بنما والفلبين اهتمامهم بهذه التقانة، وكذلك هي الحال لدى السلطات في
فلوريدا.
انتشار دائم(********)
هناك
بالطبع العديد من المجموعات التي تعارض إطلاق أي كائنات معدلة جينيا، بغض
النظر عن مدى عناية العلماء بشرح أفكارهم قبل التطبيق. تحذر [من كبار العلماء في مختبرات السلام الأخضر] من أن «إطلاق شركة Oxitec
للبعوض المعدل جينيا خطير جدا، ذلك لأنه ليس هناك ما هو عقم تام، وستبقى
بعض إناث البعوض المعدلة جينيا قادرة على الإنجاب؛ ونحن نجهل تبعات ذلك.»
ويتساءل
البعض ما إذا كان القضاء المبرم على كائن ما مقبول أخلاقيا أو حتى آمن،
حتى ولو انحصر ذلك في منطقة جغرافية صغيرة. أما الموالون لهذا الأسلوب
فيجادلون في أن البعوض A. aegypti نوع غازٍ تطور باستغلال الإنسان حصريا. فيقول [عالم إيكولوجيا البعوض في مختبر علم الحشرات الطبي في فلوريدا]: «إن البعوض A. aegypti الموجود في المدن ليس جزءا من أي سلسلة غذائية مهمة». إلا أن <لونيبو> يشكك فيما إذا كان القضاء على البعوض A. aegypti
سيُنهي نقل حمى الضنك. إذ يشير إلى أن «حملة سابقة للقضاء على هذا النوع
في الأمريكتين في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، عندما كان هو
الناقل الوحيد للحمى الصفراء في المدن، فشلت فشلا ذريعا». فهناك بعوض
النمر الآسيوي الغازي – وهو ناقل جيد آخر لحمى الضنك – الذي سيحتل الموائل
التي سيخليها البعوض A. aegypti.
إضافة إلى ذلك، فإن كلتا سلالتي كايمان وتاپاشولا ليستا دائمتين حتى ولو
نجحتا. فستُفْشِل هجرة البعوض من المناطق المجاورة إلى تاپاشولا عملية
القضاء على البعوض، وتفرض عمليات إطلاق متكررة من الذكور المعدّلة للتحكم
في تعداد جماعة البعوض.
ويعكف
<جيمس> وزملاؤه على تطوير حل ذاتي الاستدامة، إلا أنه أكثر إثارة
للجدل. يقوم هذا الحل على «نظام الدفع الجيني» الذي يشجع على انتشار
الجينات المقاومة لحمى الضنك من خلال جماعة من البعوض البري، فتمنع تكاثر
نمط واحد على الأقل من ڤيروسات حمى الضنك وهي المعروفة بالنمط 2. بعكس
بعوض تاپاشولا الذي يموت بسرعة بعد إطلاقه، فإن البعوض المزود بالدفع
الجيني سيستمر في البيئة. ويقول <جيمس> إن الاختبارات الميدانية
لنظم الدفع الجيني ما زالت تحتاج إلى بضع سنوات.
يقول
<جيمس>: «ستواجه تقانات نشر الجينات من خلال الجماعات تحديات
قانونية أكثر صعوبة. لذلك أنا سعيد باعتمادنا منهجا محدودا ذاتيا، وغير
مستدام، كسلالة تاپاشولا، ليكون تجربتنا الأولى.»
يرى
<زاراتي> [وكيل وزارة الصحة] أن منهج التعديل الجيني «منخفض التكلفة
ومفعم بالإبداع». ويتساءل «لو كانت حمى الضنك أقل ضررا لما سعينا إلى
تعديل أي شيء في الطبيعة؟ فيجب أن نحترم الطبيعة بقدر ما نستطيع». ويضيف
بأنه لما كانت تكلفة حمى الضنك تطغى على المخاطر البيئية المحتملة، لذا
فإن «الموضوع جدير بالمجازفة.»
المؤلفة
| Bijal P. Trivedi
|
<تريڤيدي> فازت بجوائز عدة وتركز في كتاباتها على مواضيع البيولوجيا والبيئة والطب. درست البيولوجيا الجزيئية والكيمياء الحيوية في كل من جامعة أوبرلين وجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس.
| |
مراجع للاستزادة