يبدو أن هناك من لا يريحه الاستقرار في الخليج. ولا يعجبه إلا اللعب بالنار. وهي حالة تحدث على مستوى الأفراد والمجتمعات والدول.
حدثني رجل أعمل عن واحدة من المشاكل التي تواجهه في أعماله المنتشرة في دول عدة، وقال: لدينا موظف بكفاءة عالية ومهنية متقدمة ولكنه يسيء استخدام إدارة الأفراد والأقسام، فهو لا يعرف أن يعيش إلا بتشكيل تكتل وشللية تكون تابعة لجانبه دائماً، وفي المقابل يتكون تكتل ضده، فتبدأ المشاكل بين الكتلتين. حذرناه، ثم نقلناه للعمل والإدارة في ثلاث دول، ولكن اكتشفنا أنه يعاود الكرة في كل مكان. في النهاية اضطررنا لفصله.
أحداث بلدة العوامية من محافظة القطيف في السعودية، وكذلك ما جاء بعدها بأسبوع في واشنطن حيث الاتهام الأميركي لإيران بالتخطيط لاغتيال السفير السعودي، يصبان في خانة واحدة، هي الاستمرار في إبقاء نار الفتنة الطائفية مشتعلة.
هما حدثان ينكر أهلهما التهم الموجهة إليهما. أهل العوامية يقرون بخروجهم في تظاهرات سلمية ولم يطلقوا رصاصة واحدة، وينفون أي ارتباط لهم بإيران أو غيرها، لا كما جاء في بيان وزارة الداخلية السعودية بارتباط شباب أحداث العوامية بدولة خارجية وأنهم أصابوا 11 من رجال الأمن بالرصاص وقنابل المولوتوف، الأمر الذي نفاه علماء الشيعة في القطيف.
أما تهمة واشنطن فعليها العشرات من علامات الاستفهام والتعجب حول طبيعة الأشخاص المتهمين حيث سوابقهم الجنائية في المخدرات، وحيث عدم وجود تاريخ مسبق لإيران للقيام بأعمال ضد أميركا أو غيرها داخل الأراضي الأميركية، بينما بإمكانها القيام بمثل هذا العمل على أراض أخرى لها فيها حضور واضح أو خفي، وحيث أيضاً تشكيك المحللين الأميركان أنفسهم في صدق رواية واشنطن في هذه التهمة وتوقيتها.
عالم الأعمال يختلف عن عالم السياسة، ففي السياسة وعالم الدول لا يمكن أن يقوم أحد ما بفصل هذه الدولة أو تلك، أو بطرد هذا المجتمع أو ذاك، كما قام صاحبنا بطرد المدير المشاغب خبير صناعة التكتلات والخلافات الأنف الذكر الذي لا يعرف أن يعيش إلا على حالة من التنافر والتصادم وبناء الاصطفافات والاصطفافات المضادة.
التهمتان الأميركية لإيران، وحادثة العوامية، موجهتان للطائفة الشيعية في الخليج إجمالاً، وفي عالم السياسة، تسهمان في إبقاء أبواب الفتن مفتوحة، وتعملان على تأجيج الحالة الطائفية، داخلياً في السعودية، وخارجياً في الخليج والمنطقة.
هاتان التهمتان تشيران إلى وجود بعض الأيدي التي تعبث بأمن المنطقة في سياق تمهيدها لما يحاك للخليج والمنطقة من تدابير يراد منها تقليم أظافر القوى الشيعية في الخليج حتى لو كان ذلك على حساب زعزعة الوحدة الوطنية واستقرار المنطقة.
ما يحاك للخليج يراد منه إظهار الشيعة على أنهم فزاعة مخيفة ومربكة لأمن الشعوب والدول، مقابل وجود فزاعة حقيقية ممثلة في منظمة القاعدة في العالم، وبالتالي يصبح من الطبيعي أن يرفض الجميع وجود دولة شيعية في العراق، ولا يقبلون بوجود دولة نووية في إيران حتى لو كان في ذلك صناعة “قلق استراتيجي” لإسرائيل.
لذا تأتي مفردة “الاستقرار” في سياقات مثيرة رغم ضرورتها واتفاق الجميع على أهميتها الإستراتيجية، إلا أنها تأتي ضمن إيقاع تسويق الشيعة على أنهم يربكون الاستقرار في البحرين، ويثيرون القلاقل والبلبلة في لبنان، الشغب في السعودية، والفوضى في العراق، ويعطلون الاستقرار في مصر...إلخ.
بيد أن «الاستقرار» أمر خلافي، فقد يكون ما يراه زيد غير ما يراه عمرو. الاستقرار الذي يكون فيه ظلم للمواطن هو استقرار هش، والذي يكون على حساب طائفة من المواطنين ومجتمع كامل هو استقرار يصنعه إلغاء الاخر.
لكل ذلك نوجه سؤالاً مهماً لكل المعنيين في الخليج: ماذا يحاك للخليج وشعبه؟ ولمصلحة من؟ نأمل إجابتهم.