الشبيحة العابرة للحدود – بقلم ثائر علوان دشن
عهد الشبيحة الدولية في سورية الأسد الأب مع مقتبل عهده الدموي، ولم
يستثن حتى أقرب أصدقائه وشركائه في حركته الانقلابية، فقتل محمد عمران في
بيروت وقتل صلاح البيطار في فرنسا، ونقع صلاح جديد في السجن ثلاثة عقود
وأطلق سراحه قبل وفاته بأيام، وله مآثر لا تعد ولا تحصى في مجال إرهاب
الرأي المخالف لنظامه، أو أي طرف ينتقد نظامه، مثل تفجير شارع ماربوف
بباريس الذي حاول يومها كتم صوت مجلة الوطن العربي التي انتقدت النظام
السوري بشدة، ومثل محاولة اغتيال عصام العطار في مدينة آخن الألمانية
المحاذية للحدود البلجيكية، والتي قتلت فيها زوجة العطار وابنة الأديب علي
الطنطاوي بيد المخابرات السورية. واغتيال اللوزي صحفي مجلة الحوادث… وغير
ذلك الكثير…
الشبيحة السورية تضطلع بمهام كثيرة في الخارج، كان تصفية المعارضين مهمتها
الأساسية حتى نهاية الثمانينات، لكن في ظل الحركة الدولية لمكافحة
الإرهاب تراجعت هذه المهمة، لصالح طابع استخباراتي يتمثل في رصد التحركات
المناهضة والآراء المنتقدة التي يبديها أفراد من الجاليات السورية خارج
حدود سورية، ولأنها كانت نشطة جداً وعقابيلها قاسية ودموية ومؤذية، وتمثلت
بشكل أساسي في قمع واعتقال واضطهاد أقارب كل معارض، عاش السوريون حتى في
منافيهم كبتاً شديدا وحذراً أشد في التعبير عن رأيهم تجاه النظام، منهج
ستاليني يطال حتى قبيلة كل من يخالف آل الأسد ونظامهم الوحشي الشبيحي.
ولعهد الأب سجل حافل فيه كل أنواع القمع والقتل والكبت، وهو ما ورثه نظام
الابن بحذافيره، وخاصة حالة العنجهية التي تعتبر أي انتقاد بمثابة كفر
بمقدس لا يجوز التشكيك فيه، وشكل العراق بعد الاحتلال ميداناً للحراك
التشبيحي من أجل نيل أهمية في الإطار الإقليمي، ثم تبلور هذا الدور في
لبنان وأعطى صورة واضحة لهذا السلوك التشبيحي، وخاصة في مقتل الحريري وما
تبعه من اغتيالات لرموز سياسية وثقافية مناهضة للهيمنة السورية.
وما شهدناه خلال مؤتمر لمعارضين في أنطاليا يعطي فكرة بسيطة عن التشبيح
الدولي، أو التشبيح العابر للحدود، فإرسال حافلات الشبيحة للاعتداء على
المعارضين والتضييق عليهم، بدءاً من وصولهم إلى المطار ومروراً بالتسلل
إلى قاعات الفندق الذي يجتمعون فيه، وانتهاء بالتجمعات التهديدية، والتي
حفلت أيضاً بأناس تم استئجارهم هناك، وكانت نداءاتهم باسم بشار الأسد تفضح
كونهم غير سوريين، إذ شاهدنا أكثر من لقطة فيديو لمجموعة غالبيتها من
النساء تلفظ اسم زعيم العصابة الحاكمة: بيشار… بيشار…، وهم اليوم يضطلعون
بمهام تشبيحية ضد اللاجئين في المخيمات المنتشرة على الحدود التركية.
لا شك أن هذا المشهد كان سمجاً للغاية، ولا يمكن لتصرف صبياني أرعن أن
يأتي بنتيجة إيجابية للنظام، لكن ما يهمنا هو هذا العقل الرافض للمعارضة
حتى في المنافي، والذي يحاسب بشدة حتى أبسط المعارضات في الخارج، هذا
العقل كيف يتعامل مع معارضي الداخل ومن يقع بين براثن شبيحته، لا شك إن
النزر اليسير مما تسرب من مشاهد تعامل الشبيحة مع المتظاهرين، وما تسرب من
أخبار تعامل قوى الأمن مع المعتقلين، والجثث التي تقص حكايا تعذيب ترتعد
منها الفرائص لمعتقلين بلا حساب، تصبح منطقية جداً بالقياس إلى العنف
والقمع الذي يمارسه النظام في تشبيح عابر للحدود.
هذه هي انجازات نظامي الأب والابن، التي تؤكد أن الشبيحة هم الاقنوم
الثالث، ولذلك يجب أن نعيد قراءة مفهوم التشبيح، لكي نعرفه بدقة أوفر،
فالفرقة الرابعة المؤتمرة بأمر شقيقه المعتوه والمغرم بالقتل، هي جيش من
الشبيحة، والمؤسسة الأمنية الشبيهة بالميدوسا اليونانية برؤوسها الثعبانية
الكثيرة، وحتى اصغر فرد فيها من الشبيحة ولهم يقين شبيحي لا يتزعزع، وكل
مؤسسات النظام التشريعية (مع العلم بأن المجلس التشريعي الحقيقي والوحيد
في سورية، هو مجلس عائلة الأسد برئاسة الأم زوجة الزعيم الخالد)،
والتنفيذية، كلها تدار بعقلية تشبيحية، بل إن الطبقة المحسوبة على الثقافة
والفن أظهرت أخلاقاً تشبيحية فاقت الشبيحة. حتى اتحاد الكتاب العرب الذي
يفترض فيه ألا يتخلى عن أدنى درجات المصداقية تمييزا لدوره الفكري
والثقافي، التزم صياغة تشبيحية، بل وأفرز ناطقاً تستضيفه الفضائيات، وكلنا
يعلم أنه كان مجرد مستخدم في اتحاد الكتاب العرب، لكنه عبر كتيب رديء طبع
في الاتحاد المشهور برداءة كتبه ومطبوعاته، أصبح كاتباً وعضواً في
الاتحاد، ومفكراً قومجياً على الفضائيات!! مما يسوغ تغيير اسم هذا
الاتحاد، ليصبح اتحاد الكتاب الشبيحة، ناهيكم عن النقابات المختلفة والتي
هي عبارة عن أذرع للمؤسسة الأمنية التي تهيمن على كل مؤسسات الدولة صغيرها
وكبيرها.
في مواجهة الرفض الشعبي للنظام، والذي تم رفده بحركة متصاعدة من الدعم من
الجاليات المنفية والمغتربة، يتحول النظام بأكمله إلى نظام للشبيحة، بعد
أن كانت الشبيحة أحد مكوناته، بل إن رأس النظام بنفسه تخلى عن كل أدواره،
ليستغرق في دور قائد الشبيحة، الذي يدير أداته التشبيحية عبر الداخل
والخارج بحماس شديد أشبه بحماس لعيبة الـ (أتاري). بل ربما تتملك لاعب
الأتاري بعض الرحمة وهو يقتل أعداء افتراضيين، لكن سيد الشبيحة وشبيحته،
يقتلون بلذة، وليس فقط بدم بارد.
آخر مآثر هذه الشبيحة كان منذ أيام في باريس عاصمة الثورة الفرنسية وقيم
الحرية الحديثة، إذ هجمت شبيحة الأسد وشقيقه على معتصمين في ساحة باريسية،
فجرحوا عدداً منهم، وحاولوا دهسهم بالسيارات… وكنت أتابع الأحداث من هناك
أولاً بأول، من خلال أحد أصدقائي المعتصمين. الشرطة الفرنسية أفادت أن
أحدهم من عائلة جدعان ويحمل جواز سفر دبلوماسي، حتى الدبلوماسية السورية
لها سلوك تشبيحي هو أهم مهامها طوال أربعة عقود.
إن الخلاص من حكم آل الأسد سيكون خلاصاً من الشبيحة الهائجة داخلياً
والعابرة للحدود، وإضعافاً للجماعات التشبيحية كحزب الله الذي يعيق مظاهر
الدولة في لبنان ليبقى مصير لبنان في يد مجموعة من الشبيحة. وأيضاً سيسهم
في إضعاف نظام تشبيحي آخر لم يكن له شأن سوى تصدير أزماته إلى دول الجوار
ودول جوار الجوار.
ما هي مآلات نظام الشبيحة العابرة للحدود؟ هذا ما ستخبرنا به الأيام القادمة…!!