صداقة الكلمات
لذّتها
حرّيتها
أمحو بها المكان والزمان
أمحو الحواجز بيني وبينك
أطير إليك على جناحها
أحمّلها
ما ثقل من رغباتي الدفينة
أثقّلها
فأرمي عليها عبء ما لا أريد حمله وحدي
خلال قرون طويلة كانت المرأة هي الآخر، محتقرة، يقتصر نشاطها على
الأشغال المنزلية، وزلا يتاح لها، إلا فيما ندر، أن تحصل على علم أو معرفة.
كانت تعيش في عالم للرجال.
أما الرجل فيتمتّع بحرية الكتابة. رسم وجه المرأة، كتب جسدها، صوّر
انفعالاتها ورغباتها؛ وكثيراً ما حجب حقيقة هذا الآخر. كتب فيما ظلت هي
صامتة× اخترع فيما كانت هي تُرضع.
صحيح أن بعض النساء هتكن حجاب الصمت الثقيل. فقد لمعت في تاريخ حضارتنا
العربية أسماء الخنساء، رابعة العدوية، ولادة بنت المستكفي وغيرهن. إلا أن
عددهن قليل ولم تتعد كتابتهن التعبير عن خلجات النفس. فالكتابة والبحث
العلمي، النقد الفني أو الأدبي، وغير ذلك من موضوعات الفكر، ظلت وقفاً على
الرجال في لبنان كما في العالم العربي حتى القرن التاسع عشر.
ثم شُرّعت الأبواب، وأتيح للمرأة أن تتعلم. فشعرت بدورها بالحاجة إلى البحث، إلى التساؤل، إلى الكتابة.
أننا، نحن النساء اللبنانيات، نوجّه اليوم أسئلتنا لنحاول أن نفهم، أن نحلل الجدلية بين المصطلحين: المرأة-الكتابة.
لقد شغلتنا إشكالية المرأة -الكتابة منذ فترة. وبما أن الآراء مقعدة
ومتباينة فيما يتعلق بما يسمى كتابة نسائية، ارتأيت أن لا أتخذ موقفاً
مسبقاً منها.
وجّهنا الأسئلة التي شغلتنا إلى كاتبات وباحثات لبنانيات أو من أصل
لبناني يعشن في لبنان أو فرنسا أو في الولايات المتحدة. وقد انضم إلينا
كاتبات غير لبنانيات إلا أنهن متخصصات في الموضوع. ونقصد "الكتابة" بمعناها
الواسع، أي كتابة الرواية والمقالة والشعر والمسرحية والصحافة، فضلاً عن
الأبحاث في مختلف المجالات العلمية، اجتماعية كانت أم تطبيقية.
كلما وصلتنا أجوبة من توجهنا إليهن وإليهم بأسئلتنا كنا كالأطفال الذين
يفتحون الهدايا ليلة عيد، ملهوفين، مشدوهين، مبتهجين. وصلتنا المقالات،
الشهادات، المقابلات، الدراسات، هدية تلو الأخرى تلقيناها، نحن النساء
الخمس المشرفات على هذا العدد. وقد كشفت عن تأملات وأفكار غنية كغنى من
كتبنها، مختلفة كاختلافهن. صحيح أن "الأسلوب هو الرجل"، إلا أننا أضفنا
بدهاء "ولكنه المرأة أيضاً". كذلك اتضح لنا أننا خلقنا "مساحة متعددة حقاً"
(على حد تعبير فرنسوا كولان) حيث لا يؤثر الجنس وحده في الكتابة، بل تؤثر
فيها أيضاً الشخصية والثقافة والمهنة والبيئة التي تعيش فيها الكاتبة أو
الكاتب. لقد أقررنا، منذ البداية، بأننا جميعاً مثقفات، أي أناس متعلمون،
مستقلون، أحرار في التعبير عن أنفسنا. ونشاطر هنا رأي الناقد الشهير ادوارد
و. سعيد في كتابه أدوار المثقف Representations of the Intellectual… حيث
يرى أن المثقف، رجلاً كان أم امرأة، إنسان مستقل عن مراكز السلطة، معارض،
يتساءل أبداً، يريد تحطيم الأفكار المقبولة والآراء التي تختزل الإنسان في
صفة واحدة، فتحد من الفكر إمكانية التفاعل. فللمثقف القدرة على تمثيل ذاته
وتمثيل العالم بواسطة خطابه وكتابته ومحاضراته وظهوره على شاشة التلفزيون؛
بكلمة، عن طريق اتصاله بالجمهور. فالمثقف ملتزم. والمثقف يخاطر.
فنحن، هذا التجمع الصغير من النساء الباحثات، ملتزمات ومستعدات
للمخاطرة، ولو أن مخاطرتنا قد لا تتعدى الرغبة في إيصال صوتنا إلى مجتمع
ليس مستعداً، بعد، لسماعه. وليس من باب الصدفة أن يكون تجمعنا قد وُلد سنة
1986، خلال الحرب اللبنانية. كانت الحرب مأساة دموية بالنسبة للبنانيين
عامة، إلا أنها شكلت نقطة تحول في حياة المرأة اللبنانية بصفة خاصة.
كان على المرأة أن تحافظ على الإنساني في خضم اللاإنساني، وكثيراً ما
دفعتها الأحداث إلى المواجهة، إن في البيت أو في الخارج. فعلى عاتقها وقع
جميع الأعباء المنزلية والاقتصادية والاجتماعية، فيما كان الرجل يحارب أو
يكسب رزقه في الخارج أو، بكل بساطة، يموت. وما علينا إلا أن نسمع أو نقرأ
شهادات ربات العائلات التي هُجّرت (وقد هُجّر سدس سكان لبنان) لكي ندرك
الجهود الجبارة التي بذلتها هؤلاء النساء.
إن هذا يذكرنا بنظرية ميريام كوك التي تبلورت في ذهنها أثناء زيارة لها
إلى بيروت خلال الحرب. في كتابها أصوات النساء الأخرى Women's other Voices
(وفي ملفنا مقالة أخرى لها) تبين كوك أن تدمير وسط بيروت الذي كان قلب
المدينة وسكانها، وحيث التقى الكتاب الذكور، أن تدمير هذا الوسط سبب
غلياناً على محيطه، فارتفعت أصوات نسائية جديدة. تسمّي كوك هؤلاء النساء:
اللامركزيات Decentrists وتتساءل كيف عليها أن تحددهن: "من هؤلاء
اللامركزيات البيروتيات؟ كما كن يتقاسمن بيروت سابقاً، تقاسمن الحرب الآن:
جسدياً لأنهن تشتتن في مدينة تُدمّر؛ وفكرياً إذ تفرقن عن بعضهن البعض.
فأخذت كل منهن تكتب لنفسها".
حينئذ خلقنا نحن أيضاً الباحثات. في الواقع، سواء كنا "لامركزيات" أو
"متجمعات" فإننا أردنا أن نزعزع لكي نُسمع. وعليه شعرنا بحاجة ملحّة إلى
فهم معيشتنا ومشكلاتنا على الأرض، لننتقل من ثم إلى التأمل، إلى التفكير
والتحليل. وفي تنوع الحوار وبسببه شكلت الباحثات صورة مصغّرة عن لبنان.
تبادلنا تجاربنا ومشكلاتنا وأبحاثنا في الميادين المتنوعة التي تشغلنا.
وكوّنا بذلك معيناً مشتركاً يغرف منه تجمعنا، إلا أنه معين أيضاً للباحثات
اللواتي سينضممن إلينا في المستقبل.
إننا بالدرجة الأولى، مستقلات. بعيدات عن عالم المال، عن السلطة
السياسية وعن المؤسسات الدينية. نحن نعي تماماً أن أهميتنا محدودة جداً في
مجتمعنا، بسبب عددنا القليل، من جهة، وبسبب ابتعادنا عن كل سلطة، أياً
كانت. غير أننا نأمل، على الرغم من ذلك، أن نكون حافزاً لطاقات نسائية أخرى
تجاهلها المجتمع حتى الآن، ولا سيما بين الشابات.
ينقسم هذا العدد إلى خمسة أقسام:
1- المحور المرأة-الكتابة
2- وجهات نظر ذكورية
3- وجوه نسائية
4- مشاكل وقضايا نسائية
5- بيبلوغرافيا لمؤلفات كاتبات لبنانيات صدرت بين 1994 و1995.
ثم إن مقالارت هذا العدد كتبت بلغات ثلاث، فتعكس مجتمعنا المتعدد
الثقافات. ونأمل بذلك أن نخاطب عداً كبيراً من قراء العربية والفرنسية
والإنكليزية على السواء. ولذلك ألحقنا كل مقالة بملخص في اللغتين اللتين لم
تكتب فيهما المقالة.
وفي ترتيب مقالات المحور اخترنا أن ننتقل من الداخل إلى الخارج، أي من
الشهادات الشخصية التي تناولت علاقة الكاتبة بالكتابة، إلى نصف الشخصية حيث
تكلمت الكاتبة عن ذاتها لكي تحدد بعد ذلك مكانتها بالنسبة لكاتبات معاصرات
أخريات، وانتهينا إلى مقالات النقد الأدبي الموضوعي، ولكن من غير أن نخرج
على محورنا، أي المرأة-الكتابة.
بدافع حماستي لمشروعنا منذ عدة أشهر كانت لي لقاءات مؤثرة مع بعض الكاتبات، وقد أدهشتني قصة إحداهن:
كانت أمها صماء، فكانت تكتب لهذه الأديبة حين كانت لا تزال طفلة ما تريد
أن تقوله لمن حولها، فما كان من الطفلة إلا أن تقرأ لهم ما كانت قد كتبته
الأم لتكتب لأمها بعد ذلك ما يكونون قد أجابوا.
توسلت إلى هذه الأديبة أن تكتب لنا شهادتها ولكنها أجابت: "لست مستعدة،
لعد. إن ذلك يثير في ما لا أتحمل من الانفعالات. لست مستعدة، بعد، للغوص في
أعماق نفسي". إنها دخلت عالم الكتابة وسيطة بين الأم والمجتمع، لسان حال
غيرها منذ نعومة أظفارها؛ حتماً، للام تكن الكتابة لعب أطفال لهذه الطفلة.
أما الروائية هدى بركات فقد كلمتني عن الحجة الأدبية التي يشكلها
بالنسبة لها لاستخدامها راوياً ذكراً. ولكنها قالت إن روايتها التالية
سترويها أنثى. حينئذٍ تكون بركات مستعدة للكلام عن المرأة والكتابة، على ما
نظن.
تسكن فينوس خوري-غاتا في باريس منذ اندلاع الحرب. وقد أخبرتني أنها، منذ
طفولتها، بدأت تبني وطناً من ورق قائماً على هذا الكذب-الصادق الذي تمثله
الكتابة. فيما تحتفل سميرة أغاسي بالكرنفال الذي تولده الكتابة الشعرية في
أعماق ذاتها، كتابة شعرية تدفقت فجأة تحت وابل القنابل في بيروت.
أما ميريام كوك فتكتب عن قوة الكاتبات العربيات؛ بينما تقرأ نهى بيومي
رواية أهل الهوى وكأنها بحث أنطولوجي عن الذات. الوجود هو الوجود في
الرغبة؛ وعليه فكيف نفهم صلة الأنا بالجسد وصلة الجسد بالمكان؟
صانعة الكلمة كلير جبيلي ملتزمة التزاماً كاملاً في زمننا المضطرب
وتضطلع بوظيفتين لتعبّد واحد، تعبّد الكتابة. أما ليلى شيخاني-ناقوز فقد
كانت تكتب دائماً وتمزق ما تكتب. إن هذا الصراع ضد الكلمة ومع الكلمة،
لشاهد على ولادة الكلمة. وإيفلين عقاد تسبر أغوار سيرة كاملة من خلال
الكتابة، عائدة إلى الطفولة، إلى المراهقة، مسافرة في أجواء أخرى. ومن خلال
القصيدة والأغنية والرواية تكتشف عقاد هويتها وانتمائها إلى العالم. أما
بالنسبة لـجين سعيد مقدسي فإن الكتابة تتدفق مدمرة. في البدء أرعبتها
الكتابة ثم استخدمتها لتفهم العالم وتجد مكانتها في قلبه. فيما تعي منى
فياض الكتابة مقترنة ببيئتها، وتببلغ سعاد جوزيف كامل نضجها حين يتفاعل في
وئام تام تدريبها العلمي المسمى "ذكورياً" وهويتها الأنثوية الخالصة.
وترى يمنى العيد أنها تضع مرايا الكاتب الأدبي قبالة مرايا الناقد
الأدبي، وأنهما كليهما يعيدان بناء العالم حسب قراءتهما الشخصية الخاصة.
أما نازك سابا يارد فلا تحقق ذاتها كاملة إلا من خلال الكتابة، مع أنها لا
تنصرف إليها إلا بعد أن تقوم بكل واجباتها كامرأة وزوجة وأم. وبالنسبة
لسهام ناصر تمثل اللغة المسرحية الحياة نفسها. إنها تكتب لتتخطى الكلمة
لتجسدها في لغة الجسد، لتدخلها في كل صمت العالم. أما ديزي الأمير فتتحدى
إذ تحض العديد من الأفكار المسبقة حول الكتابة. وكذلك تنبهنا أليز سالم
منغانارو إلى خطر أن ندرس كتابة النساء وحدهن، إذ لا يمكن في رأيها، أن
نفصلها عن كتابة الرجال. تحلل أمينة غصن أولى الروايات التي كتبتها الأديبة
الجزائرية أحلام مستغانمي باللغة العربية. في ذاكرة الجسد تصبح اللغة
العربية لغة الحي والمقاومة التي نجدها أيضاً عند ليلى بعلبكي التي تقدمها
أنيسة الأمين. فالكتابة بالنسبة لبعلبكي تمثل المقاومة والثورة والتحرر.
أما ايتيل عدنان فلا تأخذ إشكالية المرأة-الكتابة مأخذ الجد. فلأنها
تخطتها، على الأرجح، تكتب بفكاهة عن حب النساء للكلام.
عاشقة الكلام أيضاً هي هندية المتصوفة التي يحدثنا عنها جاد حاتم. إنها
تتكلم، تقرأ وتظهر لها الرؤى، ولكنها لا تكتب. إنما يدون كتبة رجال ما تملي
هي عليهم. كذلك بقي حياً كلام بينلوبي الذي نقله الشعراء المتجولون منذ
عهد هوميروس وحتى يومنا هذا. وضاح شرارة معجب بها إعجاباً شديداً.
فبينيلوبي المتحكمة بالزمن، بالحياة والموت، والشبيهة بشهرزاد وبمولي بلوم،
تنسج بالكلمة ملحمة هوميروس الخالدة.
تختلف فيما بينها آراء الرجال الذين اشتركوا في عددنا هذا حول الكتابة
المسماة نسوية. إلا أن أنطوان بولس ليس أقل إعجاباً بماري شيلي، رائدة
رواية العلمي المتخيل، من شرارة بينيلوبي. وفيما "الكتابة هي تعاطي الحب"
بالمسبة لفيليب عرقتنجي، يحدثنا رفيق شيخاني عن خنثوية الكاتب ويناقضه كل
منن ابراهيم نجار وإليا حريق اللذين يريان أن الكتابة لا جنس لها. أما منير
شمعون فيتساءل عن هذا التاريخ الذي فصّله الرجال على قياسهم، لماذا قاطع
طويلاً نشر ما تكتبه النساء. وفي نهاية المطاف يبين جورج خضر ما في المرأة
من إنسانية كاملة مؤكداً أن فرادتها وإبداعها يسهمان في خلق عالم أكثر
إنسانية.
***
الآن، وقد فرغت من قراءة الشهادات التي تضمنها المحور، أصل إلى
اعترافاتي أنا. فما كان دور الكتابة في حياتي أنا؟ لقد كتبت مذكراتي
الشخصية خلال حياتي كلها. وفي كل مرحلة هامة كنت أسجل اعترافاتي على الصفحة
البيضاء ، من غير مواربة أو خجل. كنت في الثانية عشرة من عمري حين كلف
والدي بمهمة رسمية في روسييا أيام ستالين. حملت معي دفتراً جميلاً جديداً
وبدأت أكتب انطباعاتي على ظهر السفينة التي أقلتنا إلى باتوم على البحر
الأسود. اكتشاف هذا العالم الشاسع، أولى إطلالاتي على المجتمع، مشاعري،
قراءة السرية لـ مدام بوفاري والجريمة والعقاب وغيرهما، كلها جعلتني أحلم
بأن أصبح كاتبة يوماً ما. فمن خلال هذه الدفاتر، أصدقائي المخلصين، أقمت
حواري الأول مع العالم.
وفي وقت لاحق أحببت، وقررنا أن نتزوج، بسرعة أصبح رجل حياتي الإنسان
الثمين الوحيد في الدنيا. فبحت لدفتري بدهشتي. بحبي. وكانت الفضيحة! أنا
درزية وهو مسيحي. فامتصت الكتابة ما فاض من ثورة وغضب، ومن حب أيضاً. عقد
القران، وظلت الكتابة تعكس أفكاري، مشاعري. سمحت لي بأن أندمج في عالم
صنعته على قياسي. لها انتظمت تجاربي وتوضحت رؤياي. أعجوبة إنجاب الأولاد،
الألم الذي نحس به نتيجة صراع مع المحبوب، الدفاتر الاثنا عشر التي قرأناها
معاً قبل أن تُحرق، قرباناً شبه ديني.
ثم ملأت الكلمات حياتي مجدداً حين عدت فيما بعد إلى الجامعة، أكملت
دراستي الجامعية متخصصة في الأدب. قرأت، عطشى، الروائع الكلاسيكية وبدأت
أكتب من جديد. وفي سن الرشد اكتشفت القضايا الكبرى: الغربة والظلم والبحث
عن الهوية وأمثالها من القضايا التي وجدت صدى في أعمق أعماقي.
ثم نشبت الحرب وتزلزل العالم تحت أقدامنا. وفي الهزة العميقة التي
أصابتنا عشنا بدورنا ما كنت قد قرأت عنه في كتابة غيري. قاومت بصمت التفتت
الماساوي الذي أصاب البلد، تنقلت تحت القذائف كي أقوم بوظيفتي في التعليم
وتابعت كتابتي وأبحاثي.
فجأة توقفت حياتي مع حياة رفيقي الذي قتل في بيتنا. في لحظة أُلغيت حياة إنسان. وكتبت. ساعدتني الكتابة على الاستمرار.
قال أندريه مالرو إن الفن يؤنس العالم. هذا ما فعلته الكتابة بالنسبة
لي. إنها وصلتني بالعالم. وهي التي تجعلني الآن أصفى ذهناً، أرهف إحساساً،
وتساعدني على وعي العالم الخارجي.
فما مهنى هذا كله؟ إلام أهدف من خلاله؟
أريد بكل بساطة أن أقول بأنني لست "نسوية"، وإنما إنسانية، مؤمنة إيماناً عميقاً بكل فرد.
وإن كان علي أن أتخذ موقفاً من إشكالية المرأة-الكتابة أقول أن الجميع،
رجالاً ونساء، يشعرون بالحاجة عينها إلى التعبير عن أنفسهم، إلى من يسمعهم.
أليس لدينا جميعاً رغبات وأحلام وأوهام.
أليس بين شهادات هذا العدد ما يجد صدى في نفوس الكتاب الرجال؟ إنها
شهادات وجودية من صميم تجربة الكتابة وتعبر عن حقائق شاملة: اكتشاف الأنا
والعالم، الثورة، الغضب، التحرر.
صحيح أن العقبات كانت قاسية بالنسبة للمرأة، وأنها لم تبدأ تتخطاها إلا
مؤخراً. ولكنها سريعاً ما تلحق، لاهثة، بإخوانها، لأنها تمحي الفروقات
ويبقى الصوت فريداً.