** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
خطابنا الإسلامي.. بين ثوابت الأصل ومتغيرات العصر I_icon_mini_portalالرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 خطابنا الإسلامي.. بين ثوابت الأصل ومتغيرات العصر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
هذا الكتاب
فريق العمـــــل *****
هذا الكتاب


عدد الرسائل : 1296

الموقع : لب الكلمة
تاريخ التسجيل : 16/06/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 3

خطابنا الإسلامي.. بين ثوابت الأصل ومتغيرات العصر Empty
03112011
مُساهمةخطابنا الإسلامي.. بين ثوابت الأصل ومتغيرات العصر

خطابنا الإسلامي.. بين ثوابت الأصل ومتغيرات العصر





- مقدّمة:
يتميّز العصر الذي نعيشه – عصر العولمة – بسقوط الحدود الزمانية والمكانية،
وتلاشي المسافات، حيث تحوّل العالم إلى قرية صغيرة أصبحت فيها العلاقات
البشرية أكثر تنظيماً وسرعة، الأمر الذي أدّى إلى مزيد من التفاعل البشري
والإنفتاح الثقافي والتنازع الحضاري.
كما يتميّز بالتطوّر الهائل في تكنولوجيا الإنتقال والإتصال، حيث وصل
الإنسان إلى القمر، وأرسل أجهزة إلى المريخ جمعت صوراً لسطحه وعينات من
تربته، واخترعت أدوات جديدة للتواصل بين أعداد أكبر من الناس كما في شبكة
الإنترنت، والأقمار الصناعية والمحطات الفضائية، التي أصبح الإنسان قادراً
عبرها على أن يرى ويسمع ما يدور في أرجاء العالم.
هذه الثورة التقنية العلمية الهائلة، نسبة لميلادها وتطورها في كنف الحضارة
الغربية، أفرزت تحديات كبيرة – على كافة الأصعدة – أهمّها:
* اقتصادياً: أدّت إلى زيادة الترابط بين الأسواق المختلفة حتى وصلت إلى
حالة أقرب إلى السوق العالمي الكبير، خاصة مع نمو البورصات العالمية، وبروز
الشركات عابرة القارات، الأمر الذي أضعف الشركات الصغيرة، وأعيا الدول
الفقيرة.
* دينياً: أدّت إلى تغليب المادة على الروح والعاجل على الآجل، والنزوة على
المبدأ، واختزلت الإنسان في بُعده المادي الإستهلاكي بل والشهواني
أحياناً، وساهمت في ترويج العلمانية الغربية، والدعوة إلى فصل الدين عن
الدولة فكراً وممارسة.
* سياسياً: أوجدت أداة فعّالة للنظام العالمي الجديد تمكنه من بسط سيطرته،
ونشر حضارته والعمل على تشكيل العالم وفق الطريقة التي يريد عبر إحكام
السيطرة على المؤسسات الدولية كالأُمم المتحدة وصندوق النقد الدولي ومجلس
الأمن ونحوه، والسيطرة على أجهزة الإعلام العالمية من صحف وإذاعات وقنوات
فضائية ونحوه.
* إجتماعياً: أدّت إلى تزايد الصلات بين الجمعيات والمؤسسات غير الحكومية
وتعميق التنسيق بين المصالح المختلفة للأفراد والجماعات، فظهر ما يعرف
بالشبكات الدولية (Networking)، حيث برز التعاون استناداً للمصالح المشتركة
بين الجماعات والمؤسسات، الأمر الذي أفرز تحالفات بين القوى الإجتماعية
على المستوى الدولي، خاصة في المجالات النافعة، مثل: الحفاظ على البيئة، أو
في المجالات القانونية كغسيل الأموال والمافيا الدولية للسلاح، وفي الجانب
غير المحمود أدّت لظهور الجريمة عابرة الحدود، الأمر الذي نتج عنه فقدان
التوازن النفسي والقيمي في مسيرة الحضارة البشرية.
- أهميّة الخطاب الإسلامي:
الخطاب الإسلامي ضرورة ملحة لأسباب عديدة، أهمّها أنّه:
1- رسالة البلاغ المبين:
ذلك لأنّ المسلمين في كل عصر مطالبون بتبليغ رسالة الله عبر خطاب إسلامي
يقدم الإسلام عقيدة وشريعة وقيماً، بمضمون صحيح كامل.. وأسلوب قشيب فاعل..
يبصر من العمى، ويهدي من الضلالة، ويرشد من الغي، ويرد من التيه.. يقرب
البعيد، ويروض العنيد.. يهدي الكافر، ويؤلف النافر، فيقيم الحجة على
البشرية، ومتى خلا الزمان من هذا البلاغ – أو تقاصر البلاغ عن هذه الصفات –
لحق التقصير بالمسلمين جميعاً.
2- سبيل الأنبياء والصالحين:
البلاغ والدعوة إلى الله هي سبيل الرُّسُل (عليهم الصلاة والسلام)، بل هي
سبيل النجاة الوحيد لهم ولأتباعهم، لقوله جلّ وعلا: (قل إنِّي لن يُجيرني
من الله أحدٌ ولن أجد من دونه مُلتحداً * إلا بلاغاً من الله ورسالاته)
(الجن/ 21-22)، لذلك فالخطاب الإسلامي هو دأب الصالحين وورثة النبيين، ونهج
الخيرين (كنتم خير أُمّة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر
وتؤمنون بالله) (آل عمران/ 110).
3- طريق الخلاص للعالم:
الواقع البئيس الذي يعيشه العالم اليوم يفرض على المسلمين أن ينشروا الخير
العميم الذي عندهم والذي يقدم الحلول الناجعة لمشاكل العالم، مستخدمين في
ذلك أدوات العصر ولغته في مخاطبة الناس، تحقيقاً للشهود الحضاري للأُمّة
الإسلامية على الأُمم الأخرى انطلاقاً من قوله تعالى: (وكذلك جعلناكم أُمّة
وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً) إلى قوله (إنّ
الله بالناس لرؤوف رحيم) (البقرة/ 143)، فالشهود ليس في الآخرة فقط، بل
هناك شهود في الدنيا – كما يرى بعض المفسِّرين - ، قال عطاء: "إن أُمّة
محمّد شهداء على مَن ترك الحق حين جاءه بالإيمان والهدى من قبلنا، ورسول
الله شاهد على أُمّته وهم شهداء على الأُمم".
لأنّ المسلمين في كل عصر مطالبون بتبليغ رسالة الله عبر خطاب إسلامي يقدم
الإسلام عقيدة وشريعة، كما سبق القول، فيجب عليهم أن يدركوا في هذا السياق
أمرين:
الأوّل – ثوابت الإسلام وكلياته:
من الممكن في ظل هذه العولمة أن يحدث للإسلام – على يد دعاته – نوع من
التميع لبعض قضاياه، تحت ضغط الواقع، أو استجابة لرغبة أو رهبة، ولذلك كان
من الواجب هنا أن نفرق بين ثوابت الإسلام وكلياته وأُصوله ومبادئه التي لا
تتغيّر مهما تغيّر الزمان والمكان والأشخاص والأحوال والعوائد، ولا باجتهاد
الأئمة، كوجوب الواجبات، وتحريم المحرمات، والحدود المقررة شرعاً، وشؤون
الزواج والطلاق والمواريث، ونحوها، فضلاً عن أُصول الدين من عقائد ومقاصد،
وكليات الأخلاق وأُصول المعاملات، قال تعالى: (وقد فصَّل لكم ما حرَّم
عليكم إلا ما اضطررتم إليه) (الأنعام/ 119).
فهذه لا اجتهاد يغيرها أو يحرف فيها، ولا زمان يلونها، ولا مكان يبدلها،
وذلك سدّاً لباب الإبتداع والتحريف في أُمور العبادة، وحسماً للنزاع
والصراع في أُمور الأسرة، وإرساء لدعائم الأمن والإستقرار في المجتمع،
وحفظاً لبيضة الإسلام أن تضيع، ولمعالم الإسلام أن تندرس، وهوية الدين أن
يتطرّق إليها خلل.
فهذه الأُصول هي التي تعطي الإسلام مناعة وحصانة ضدّ التلون والنفعية والتشكل في كل عصر بما يشتهي حتى لو خالف الأُصول والكليات.
الثاني – متغيرات الإسلام وجزئياته:
أمّا فيما سوى هذه الأُصول والكليات وما دون تلك المبادئ والمقاصد، فإنّه
يتغيّر – بما لا يعارض الكليات والثوابت – زماناً ومكاناً وحالاً بما يحقق
مقاصد الشريعة ومصالح الناس، وذلك مثل مقادير التعزيرات وأجناسها وصفاتها
وغير ذلك، وبعد أن ذكر ابن القيم جملة من دلائل ذلك، قال: "وهذا باب واسع
اشتبه فيه على كثير من الناس الأحكام الثابتة اللازمة التي لا تتغير
بالتعزيزات التابعة للمصالح وجوداً وعدماً".
وهذه المنطقة أو هذا النوع من الأحكام هو الأوسع بما لا يقارن مع الأُولى،
فعن أبي ثعلبة الخشني (رض)، عن رسول الله (ص)، قال: "إنّ الله تعالى فرض
فرائض فلا تضيعوها، وحدّ حدوداً فلا تعتدوها، وحرّم أشياء فلا تنتهكوها،
وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها".
وهذا من كمال سعتها ورحمتها، لأن هذه السعة في هذه المساحة تحقق لها مرونة
فائقة وتحقق لها صلاحية دائمة تحتضن بها كل جديد، ولا تقف عاجزة عن إصدار
حكم لأي نازلة من النوازل، أو استيعاب حادثة من الحوادث.
ولقد كتب الشيخ القرضاوي رسالة ماتعة عن عوامل السعة والمرونة في الشريعة
الإسلامية، ذكر خمسة عوامل تضمن السعة والمرونة للشريعة الإسلامية: سعة
منطقة العفو المتروكة قصداً، واهتمام النصوص بالأحكام الكلية، وقابلية
النصوص لتعدد الأفهام، ورعاية الضرورات والأعذار والظروف الإستثنائية،
وتغير الفتوى لتغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والأعراف.
ونحن – إذ نُبيِّن سعة هذه المساحة القابلة للمرونة والتغير – لا نفتئت على
الدين، ولا نجعل الشريعة عجينة لينة في أيدينا، ولا نقهر النصوص، ولا
نقسرها قسراً على أن تبرز الواقع، لكننا نعالج مشاكلنا في إطار الشريعة
الخصبة، ونطبُّ لأدواء الأُمّة من صيدليتها السمحة التي أودعها الله من
عناصر السعة والمرونة وعناصر الخلود، وما يجعلها بحق صالحة لكل زمان ومكان.
- التفريق بين الدين وتطبيق المسلمين له:
وفي طريقنا لدعوة الناس إلى الإسلام، هنالك حقيقة لا تقبل الجدل، ولا يختلف
فيها أصحاب البصائر والفطن، وهي أنّ الدين الذي أنزله الله تعالى على
الأنبياء شيء، وتطبيقات الأُمم له خلال العصور شيء آخر، فالدين المنزل من
الله سبحانه بصائر معصومة، ونهج سديد، لا خلل فيه ولا شك ولا ريب: (الم ذلك
الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) (البقرة/ 2).
أمّا التطبيقات البشرية، فيكتنفها الكثير من الجهل والخطأ والهوى والعجز
والتقصير، إنّها في أحسن الأحوال لا تعدو أن تكون محاولات واجتهادات
وتطبيقات يعتورها النقص، فهي ليست حجّة علينا للإهتداء بها أو السير على
نهجها، ولذلك فإنّ الجمود عليها جمود على نسبة من الخطأ والجهل والعجز
والتقصير مهما كانت ضئيلة، وإنّ التحجر عليها لا يؤدي إلا إلى التخلف،
فلابدّ إذن من التفريق الواضح بين الدين والتراث، وأن نعلم أنّ الدين
للإتّباع، وأنّ التراث للإسترشاد، بلا تقديس ولا تبخيس.
الخطاب الإسلامي المنشود لابدّ له أن ينطلق من ركائز جامعة.. تحيط بالمطلوب وتستوفي المنشود، وأهم هذه الركائز يتمثل في الآتي:
1- ربانية المصدر والغاية: فالخطاب الإسلامي يجب أن يكون ربانياً في مبدئه
ومصدره، من الله يصدر وإليه ينتهي، كما يجب أن يكون ربانياً في غايته
ووجهته، يرمي إلى أن يعرف الإنسان لوجوده غاية ولمسيرته وجهة ولحياته
رسالة، فيجتمع شتيته ويأتلف شعثه ويتوحّد همّه ويطمئن قلبه.
2- عالمية الوجهة: فالخطاب الإسلامي عالمي المنزع والوجهة، لا يحفل بجنس
ولا يتحيز لعرق، ولا يتكتل في لون، ولا ينكفئ على صفوة من الناس مختارة، بل
هو خطاب للناس جميعاً على اختلاف مستوياتهم وأجناسهم.
3- إنسانية المنطلق: فالنزعة الإنسانية هي لحمة الخطاب الإسلامي وسداته،
ويكفي للدلالة على ذلك أن لفظة "الإنسان" تكررت في القرآن (63) مرّة، ولفظة
"بني آدم" تكررت (6) مرّات، وكلمة "الناس" تكررت (240) مرّة، وأوّل نداء
في القرآن كان نداء للناس كافة (يا أيُّها الناس اعبدوا ربّكم الذي خلقكم
والذين من قبلكم لعلكم تتقون) (البقرة/ 21)، كما أنّ أوّل خمس آيات نزلت من
القرآن (من سورة العلق) ذكرت لفظة "الإنسان" في إثنتين منها (اقرأ باسم
ربّك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربّك الأكرم * الذي علّم
بالقلم * علّم الإنسان ما لم يعلم).
4- وسطية المنهج: الخطاب الإسلامي يراعي التوازن بين العقل والوحي، وبين
المادة والروح، بين الحقوق والواجبات، بين الفردية والجماعية، بين الإلهام
والإلتزام، بين النص والإجتهاد، بين الواقع والمثال، بين الثابت والمتحول.
5- إيجابية البناء: وهي نقيض السلبية التي لا ترى الدين أكثر من عقيدة في
الصدور، وعلم في السطور، وتمائم في النحور، وعظماء في القبور، وتقصيه عن أن
يكون منهج حياة، ودافع بقاء، وباعث عمارة، ومنشئ حضارة.
إنّ إيجابية البناء في الخطاب الإسلامي تتبدى في عدم إكتفائه بترديد أنّ
الإسلام هو الحل، بل تتعدّى ذلك إلى النفاذ إلى تفاصيل هذا الحل وإيجاد
البدائل الناجعة والحلول الشافية للمشكلات المعاصرة المتمثلة في:
تحقيق التنمية المتسدامة: والتي يُقصد بها التنمية التي تفي بإحتياجات
الجيل الحالي دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على الوفاء بإحتياجاتهم.
فمن المعلوم أنّ التنمية في كثير من الدول تعمل على إهلاك الموارد
الإقتصادية، الأمر الذي سيلقي تبعاته الثقيلة على الأجيال القادمة.
تحقيق العدالة الإجتماعية: إنّ الخطاب الإسلامي يكون قاصراً إن تجاهل
"العدالة الإجتماعية" التي تحدّث عنها القرآن في بحر آياته العديدة وأرسى
قواعدها، ووضح أسسها، ورمى إلى تكوين المجتمع العادل.. فالعدل أساس في
البناء السياسي والقضائي والإقتصادي، وأساس في تثبيت الحقوق والواجبات
وأُصول التعامل والعلاقات بين الناس.
6- مرحلية التدرج: غاية الخطاب الإسلامي الوصول إلى المثل الأعلى والوجه
الأسنى لتطبيق الدين في واقع الناس، لكن ذلك لا يدعونا إلى أن نغمض أعيننا
عن الواقع الذي نعيشه وأن نفكر في مرحلية التدرج به من حاله التي هو عليها
إلى الحالة المثلى والغاية القصوى.
7- شمول الفكرة بلا اجتزاء: فرسالة الإسلام هي "الرسالة التي امتدت طولاً
حتى شملت آباد الزمن، وامتدت عرضاً حتى انتظمت آفاق الأُمم، وامتدت عمقاً
حتى استوعبت شؤون الدنيا والآخرة". والإسلام لا ينحصر – كما يرى العلمانيون
– في العقيدة والعبادة فقط، بل يمتد ليشمل الحياة كلها، وينبغي أن يواكب
خطابنا هذا الشمول.
8- ارتباط بالأصل واتصال بالعصر: فالخطاب الإسلامي يبرز خصوصية الأُمّة
وتفردها ويرتبط بأصوله، لذلك فهو ليس مبتوتاً عن تالد ماضي المسلمين، وناصع
سيرة الصالحين، بيد أنّه ليس رهيناً لذلك الماضي، حبيساً لنتاج أولئك
العظماء الميامين، بل يدرك كم ترك الأوّل للآخر، فالزمان غير الزمان
والبيئة غير البيئة والمشكلات غير المشكلات، لذلك تجده يأخذ من الحضارات
الأخرى ما لا يتعارض مع قيم الأُمّة الأخلاقية وأصولها العقدية ومفاهيمها
الفكرية ومناهجها التربوية وتوجهاتها التشريعية.
9- واقعية بلا تسيب: والواقعية هي نقيض المثالية الخيالية التي لا تتحقق في
عالم الواقع، والخطاب الإسلامي خطاب واقعي لأن مصدره هو الله خالق
الموجودات والعالِم بالممكن والمحال والمستطاع وغير المستطاع.
10- تنوع بلا تضاد: بما أنّ الخطاب الإسلامي خطاب عام للعالمين، والعالمون
مختلفون في ميولهم النفسية واستعداداتهم الفطرية وطاقاتهم الذاتية، لذلك
لابدّ للخطاب الإسلامي أن يكون متنوعاً يروي ظمأ الروحانيين، ويشفي غلة
المفكِّرين، ويستوعب طاقة الرياضيين، يسد حاجة الفقراء، ويرضي تطلعات
الأغنياء، يخاطب الروح والعقل والجوارح، يُبيِّن الحق في قالب جميل، يجتذب
الشعراء والأدباء والتشكيليين بالتركيز على إظهار القيم الجمالية في
الإسلام وربطها بالعقيدة، وتبيان مظاهر الجمال والزينة في كل أرجاء الكون.
11- علمية بلا تهريج: فالخطاب الإسلامي خطاب عملي يراعي اختلاف الظرف
والمكان ويجمع بين الأصالة والمعاصرة، ويفرق بين الثابت والمتغير والمبدئي
والمرحلي، ويعمل على حشد طاقات الأُمّة وتعبئتها، لا على إضعافها وتبديدها،
لا يغتر لنجاح ولا ييئس لفشل، لا يثنيه واقع الإستضعاف عن العمل للتمكين،
ولا طارئ الغربة عن السعي للظهور، ولا فقه الأزمة عن مستلزمات العافية، ولا
الممكن الموجود عن المثال المنشود.
12- حكمة بلا تهور: والحكمة هي إنزال الشيء في أليق مواضعه، وهي شأن الرسول
(ص) الذي أدّبه ربّه فأحسن تأديبه، ووجّهه إلى أفضل أساليب الخطاب، فقال
عزّوجل: (ادعُ إلى سبيل ربِّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي
أحسن) (النحل/ 125). ومن الحكمة في الدعوة أن نقدم القدوة قبل الدعوة،
ونعمل على تأليف القلوب قبل تعريف العقول، ونؤكِّد على التعريف قبل
التكليف، ونراعي التدرج في التكاليف، ونفرق بين فقه الأصل وفقه الإستثناء،
فنيسر ولا نعسر، ونبسط ولا نعقد، ونبشر ولا ننفر، ونرغب قبل أن نرهب،
ونراعي الأُصول قبل الفروع، والكليات قبل الجزئيات والإجمال قبل التفصيل.
13- صدع بالحق بلا انهزام: فالخطاب الإسلامي يجهر بفكرته في وضوح وقوّة ولا
يطلب رضا المخالفين باعتذار أو تبرير لأحكامه، بل ينطلق إلى إبراز الحقائق
وبيان اختلال معايير الغرب، وشقائه لبعده عن الإسلام، لذلك الخطاب
الإسلامي كذلك لا ينسى دوره في حفظ الهوية الثقافية للأُمّة والتي تتعرّض
لمحاولات مسخ منتظمة.
14- تسامح بلا هوان: فمن أبرز خصائص الخطاب الإسلامي أنّه متسامح مع
الأتباع والأعداء سواء، فنحن نحاور مَن يحاورنا، ونسالم مَن يسالمنا، ونمد
يدنا لنصافح مَن يصافحنا، ولا نعادي إلا مَن يعادينا، لأنّ التسامح الحقيقي
لا يكون عن ذلّة وضعف، إنّما يكون عن قوّة واقتدار، ولذلك فهو تسامح
القدرة لا تسامح الذل والهوان.
15- تصالح بلا تفريق: والتصالح اليوم من أبرز احتياجات الأُمّة، فما يجري
أمامنا ومن حولنا يتطلب هذا التصالح الذي يراعي مصالح الأُمّة ويقدمها على
مصلحة العصبة، تصالح لا يحيف على أحد الأطراف، ولا يميل ذات اليمين وذات
الشمال: (فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا) (الحجرات/ 9)، تصالح يراعي
الأُصول والكليات، ولا يهمل الفروع والجزئيات قدر المستطاع.
إنّ الخطاب الإسلامي ينبغي – سعياً لإستعادة الريادة الحضارية والسيادة
العالمية لأُمّة الإسلام – أن يقوم بدور رائد في المصالحة الشاملة بين
فعاليات الأُمّة، والتعاون التام بين دوائر النفوذ فيها.
- خاتمة:
إنّ الخطاب الإسلامي - إذا أحسن استغلاله - يستطيع استعادة الريادة
الحضارية والسيادة العالمية لأُمّة الإسلام تتطلب المصالحة الشاملة بين
فعاليات الأُمّة، والتعاون التام بين دوائر النفوذ فيها، كما يستطيع أن
يفتح آفاقاً وأقطاراً، فتحاً سلمياً، لا تراق فيه قطرة دم، فلا نشهر سيفاً،
ولا نطلق مدفعاً، ولا نعلن حرباً، بل نفتح القلوب بالهداية، ونفتح العقول
بالفكر.
إنّه (الفتح السلمي) الذي أصّله الإسلام، في (صلح الحديبية) المعروف، والذي
عقد بين الرسول (ص) وبين مشركي قريش، لإقامة هدنة بين الطرفين، يكف كل
منهما يده عن الآخر، فسمّى القرآن ذلك (فتحاً مبيناً) ونزلت في شأنه (سورة
الفتح).
وسأل بعض الصحابة الرسول الكريم (ص): أوَفتح هو يا رسول الله؟ فقال: "إي
والذي نفس محمّد بيده إنه لفتح"، وانتشر الإسلام في هذه الفترة كما لم
ينتشر في أي فترة مضت
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

خطابنا الإسلامي.. بين ثوابت الأصل ومتغيرات العصر :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

خطابنا الإسلامي.. بين ثوابت الأصل ومتغيرات العصر

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: