بوسع
أولئك الذين يقنعون أنفسهم بأنهم سادة المقاومة والممانعة والمنحازين
بالفطرة للفقراء وللعروبة ولسائر القيم والشعارات المشابهة ممن لا يجدون
غضاضة في التطبيل لقتل الناس في سوريا، بوسعهم أن يحتفلوا بكل إنجاز أمني
سوري يتابعونه على القناة السورية الرسمية أو قناة الدنيا (المستقلة!!)،
ربما لأنه يحلُّ لبعضهم عقد التناقض بين دعاوى الحرية وبين الدفاع عن قتل
الناس في الشوارع.
كان على أولئك المحتفلين بحكاية زينب الحصني التي تبين أنها لا تزال على
قيد الحياة أن يسألوا ابتداءً عن الجثة التي سُلمت لأهلها وكيف ومن أين
جاءت؟! مع أن بوسعهم الادعاء بأن الإرهابيين هم الذين قتلوها (قيل إنه لا
توجد جثة من الأصل)، تماما كما قتلوا الطفل حمزة الخطيب وإبراهيم قاشوش
وسواهما بتلك الطرق البشعة التي يندى لها جبين الإنسانية!!.
والحال، أننا لا نجد أدنى غضاضة في الاعتراف بالقدرات الإبداعية للنظام
الأمني السوري، وهي إبداعات ليست لها حدود من حيث القدرة على اختراق قوى
المعارضة، المسلحة منها والسلمية، ومن كان منها في الداخل أو في الخارج،
وقد أخبرني أحدهم بمشهد كاريكاتوري شاهده بأم عينه في إحدى المسيرات، حيث
تبين أن من كان يحمل الشاب الذي يهتف في المسيرة هو مخبر من أزلام النظام،
وحين حاول الشاب «الهتيف» الفرار كما فعل الآخرون عندما داهمتهم قوات
الأمن، كان المخبر «عريض الأكتاف» يتوجه به رغما عنه نحو إحدى سيارات
الأمن!!.
ليس ثمة مجموعة معارضة، أكانت في الداخل أم الخارج إلا وللنظام
اختراقاته فيها، ولا يحدث ذلك لأن هناك من يؤمنون بأنه نظام عظيم يستحق أن
يدافعوا عنه بالغالي والنفيس، بل لأن هناك أقواما مردوا على النفاق بعد أن
أسقطوا منذ سنوات طويلة، وليس بوسع أحد منهم الخروج من الدائرة الشيطانية
التي وضع نفسه فيها، ونعلم أن السقوط ليس له قاع، فكيف حين يكون بعض أولئك
مهددين في أهلهم وليس في أنفسهم فقط؟! ما لا يعلمه كثيرون هو أن السر
الكامن خلف عدم حدوث انشقاقات في النظام الأمني والسياسي السوري، أكان في
العاملين معه في الداخل أم الخارج إنما يتمثل في البعد المتعلق باستهداف
أهالي المعارضين أو المنشقين، وما فضيحة الشبان الذين تظاهروا أمام السفارة
السورية في لندن ووقع التنكيل بأهلهم سوى مثال بسيط على ذلك، فيما رأينا
شبيحة النظام يقتحمون بيت مذيع يعمل في فضائية لندنية وينكلون بأهله بطريقة
بشعة، مع أنه ليس هو من يحدد سياسة الفضائية التي يعمل فيها.
من يريد تحدي نظام أمني قمعي ودموي مثل هذا النظام سيخضع لضغوط عائلية
كبيرة، لأنه لن يدفع الثمن وحده، بل سيدفعه أهله أيضا، وهو وضع لا يحتمله
أكثر الناس من دون شك.
تتهم بثينة شعبان الجزيرة والعربية بأنهما تشنان حربا على سوريا،
والدليل برأيها هي حكاية زينب الحصني وأمثالها، لا سيما أن النظام الأمني
لا يبخل بتقديم أدلة أخرى، هو الذي سيطر على مدخلات ومخرجات الإنترنت
بطريقة قوية بمساعدة تقنية إيرانية واضحة، وصار بوسعه فبركة الصور والأخبار
التي قد تتعامل معها بعض المحطات مضطرة لعدم وجود مصادر أخرى للخبر من
وكالات معروفة، ولعدم وجود مراسلين، وسيكون الأمر منذورا للأخطاء بشكل
طبيعي، لكن أيا من هذه الحكايات لا ينفي بحال أن هناك جماهير تخرج إلى
الشوارع رغم الإجراءات الأمنية الرهيبة، ووجبة من الشباب يقضون نحبهم كل
يوم تبعا لذلك، فضلا عن وجبة أكبر بكثير من المعتقلين، إلى جانب جيش يحتل
أو يراقب أهم الشوارع والميادين، كما لا ينفي أيضا أن هناك جنودا منشقين عن
الجيش، وأن هناك شبانا حملوا ما تيسر لهم من سلاح أيضا في مواجهة آلة
القتل الدموية.
هي حكاية تثير القهر، لكن قدرات النظام وإبداعاته التي نشهد بأنها
شيطانية لم تتوفر لأي نظام آخر، ربما بسبب الطبيعة الأمنية والانقسام
الطائفي ووجود نواة صلبة كبيرة من المؤيدين، كل هذه القدرات لن تكون قادرة
على هزيمة شعب عظيم يواصل انتفاضته بشكل رائع رغم بشاعة القمع. ويبقى أن
نشير من جديد إلى أن سؤال النصر والهزيمة لم ولن يكون سببا في تحديد موقفنا
المنحاز للإنسان والحرية ضد القتل والفساد والدكتاتورية، لا سيما أن من
الصعب علينا أن نزايد على الشعب السوري في انتمائه القومي والإسلامي، أو
انتمائه لفلسطين كما يفعل «أبطال مواجهة الإمبريالية والصهيونية» الذين
أشرنا إليهم في مطلع المقا