محمد الماغوط
أي موجة
يصفونَ لي الصحراءَ
وينسونَ حبَّةَ رمل
في موجةٍ مازالت تركضُ
على البحرِ
يصفونَ خطواتي الكثيرة
على شاطئ البحر
بينما لا يعرف البحر
في أيِّ موجة غَرِقْت
الطائر الذي أكل
أنهضُ وأرحلُ
عن البيتِ
في البيتْ·
أكتبُ موجةً
وعليها ظلُّ غيمةٍ
كان يَظُنُّها سمكةً
الطائرُ الذي أكلْ·
ما جرى للحديقة
عندما عَرِفتْ بما جرى للحديقة
لم تخرج الموجةُ إلى الشاطئ،
ولم يعد البحرُ يكلِّمُ نفسَهُ·
الطيورُ وَضَعَتْ المرايا
في الأعشاشِ،
وكان ثملاً
الضوءُ وهو يمشي
كان في المدينة خللٌ
في الإبرةِ
كان في المدينة خيطٌ
من دخان·
أخيراً
يسألني عن دوافِعِ الموجِ
وأخبرُهُ عن حذاءِ البحرِ
يسألني عن أسباب السماءِ
وأخبرُه عن قبعةِ القَمرِ
أخيراً صَمَتَ،
فأخذتُ أجمعُ الحصَى
من على شطآنِ الكلامِ
وأضعُهُ في كأس القصيدةِ·
أخيراً توقَّفَ عن رثاء المرآةِ
ونامَ على الماء
كظل وردةٍ·
أخيراً شُفيَ من الدّم·
لسانُ البئر المقطوعُ
أنتَ أنا الذي لم يعبرْ
الذي ظلَّ غريقاً في الطُّوفان
الذي ظلَّ أنينا، وظلاً
على شفةِ البحر·
أنت الذي لم يتكوَّر كصخرةٍ
لم يُنلْ كقِطاف السرقةِ
لم يقفْ كحائطِ المنتهى
لم يحتطْ كبئرٍ في جحرٍ
لم يُحوِّل النجمةَ إلى مخدّةٍ
ولا النبعَ إلى صنبورٍ
لم يرحلْ
لم يعدْ بالرحلةِ
لم يعدْ والرحلة
على ركبتَيهِ
تنثرُ رُمَّانَ المجهولِ،
وتقرأُ الرملَ بالأجفان·
لم يعدْ بالثلج ويضعه
كالقميصِ على الصحراءِ،
وبالصحراءِ التي جَالَسَها
على مائدةِ المنفى
وشربَ معها اليأسَ·
لم يعدْ
كذلك،
لم يعدْ يشربُ
من فمِ الغابةِ،
ولا يأكلُ من وليمة العصفور·
الأنثى كَسَرتْ سُرّتَهُ،
وأَرَاقتْ فَمَهُ·
قام عليه الماءُ، والرملُ
الذي يشربُ الماءَ·
قام عليه المشهدُ،
وإبرةُ العين
باعدتِ السماءُ بين نجومِهَا
على رأسِهِ،
وتحطَّمَ البحرُ
الأمواجُ التي على الشاطئ
من شظايا حطامِهِ،
الرَّمُل الذي بنتْ الحسناءُ
خيولَ أحلامِها ، منهُ
من بقايا دَمِهِ،
وأقواسِ غيابِه·
أغاني القواقعَ،
وطيورُ الجزيرةِ،
ولسانُ البئرِ المقطوع·
كتاب الليل
إلى جمال مطر
أغلقَ الليلُ كتابَهُ
وَضَعهُ في النافذةِ،
ونامْ·
كان شعرُها الأسودُ يجري
على قرصِ الشمسِ المغمَّسِ بالغيومِ
الأمواجُ تصفِّقُ ، والأشرعةُ تُغنِّي،
والجزرُ الصغيرةُ المتناثرةُ في خليج الروحِ
تلعبُ مع الدلافينِ·
على صخرة الحلم
تسيلُ دمعةُ البحرِ
الشطآنُ تباعدت في عينِ القرصان الوحيدةِ،
وعندما اعتلتْ العاصفةُ إحدى السفنِ
نزل البحارةُ إلى المحيط
يحصدون حشائِشَ الغَرَقْ·
السماءُ أعدَّت المائدةَ:
بيانو الرعدِ،
وكؤوساً من برق·
الخَدَمُ الغيوم، وثَمَّ نجوم
مشويةٌ على فحمِ الأرواحِ·
ملائكةٌ من سولفان،
والشياطينُ يسكنون العيونَ·
السماءُ أعدّت المائدةَ:
جاء الحائطُ يعتذرُ،
الذنبُ يفكرُ بحقوق الإنسان
والنساءُ يَسمعنَ الواقفَ
يسمعُ صيادو الفشلِ أيضاً
غاباتٍ تتحولُ إلى حُبوبٍ
وآباراً إلى أقلامٍ
العاشقُ يسمعُ حيرتَهُ
من قبرِ الإله،
والأوراقُ تتنفسُ
في كتاب الليل·