موقف الأدب
أوقفني في الأدب وقال لي طلبك مني وأنت لا تراني عبادة، وطلبك مني وأنت تراني استهزاء.
وقال لي إذا بلوتك فانظر بما علقتك فإن كان بالسوى فأشك إلي وان كان بي أنا فقد قرت بك الدار.
وقال لي إذا رأيتني في بلاتي فاعرف حدك الذي أنت به ولا تغب فيه عن رؤيتي فأن كان نعيماً فأنعم وأن رأيته بؤساً فلا تنعم.
وقال لي رأس المعرفة حفظ حالك التي لا تقسمك.
وقال لي إن راعيت شيئاً من أجله أو من أجلك فما هو المعرفة ولا أنت من المعرفة.
وقال لي كل ما جمعك على المعرفة فهو من المعرفة.
وقال لي إن انتسبت فأنت لما انتسبت إليه لا لي، وان كنت لسبب فأنت للسبب لا لي.
وقال لي خل المعرفة وراء ظهرك تخرج من النسب، ودم لي في الوقفة تخرج من السبب.
وقال لي إن طلبت من سواي فأدفن معرفتك في قبر أنكر المنكرين.
وقال لي إن جمعت بين السوى والمعرفة محوت المعرفة وأثبت السوى وطالبتك بمفارقته ولن تفارق ما أثبته أبداً.
وقال لي المعرفة لسان الفردانية إذا نطق محا ما سواه وإذا صمت محا ما تعرف.
وقال لي أنت ابن الحال التي تأكل فيها طعامك وتشرب فيها شرابك.
وقال لي أليت لا أقبلك وأنت ذو سبب أو نسب.
موقف العزاء
أوقفني في العزاء وقال لي وقت نعمة الدوام في الجزاء بأيام الفناء في العمل.
وقال
لي لو كشفت لك عن وصف النعيم أذهبتك بالكشف عن الوصف وبالوصف عن النعيم،
وإنما ألبستك لطفي فتحمل به لطفي، وأتوجك بعطفي فتجري به من عطفي.
وقال لي اذكرني مرةً أمح بها ذكرك كل مرة.
وقال لي يا من صبر على أبسط الكون لعطائي لا يسع، أبسط أمانيك لعطائي لا تبلغ.
وقال لي إذا غبت فأجمع عليك المصائب، وسيأتي كل كون لتعزيتك في غيبتي فأن سمعت أجبت وان أجبت لم ترني.
وقال لي لا في غيبتي عزاء، ولا في رؤيتي قضاء.
وقال لي أنا اللطيف في جبارية العز، وأنا العطوف في كبرياء القهر.
وقال لي إن قلت لك أنا فانتظر أخباري فلست من أهلي.
وقال لي أنا الحليم وان عظمت الذنوب، وأنا القريب وان خفيت الهموم.
وقال لي من رآني صمد لي ومن صمد لي لم يصلح على المواقيت.
وقال لي قد تعلم علم المعرفة وحقيقتك العلم فلست من المعرفة، وقد تعلم علم الوقفة وحقيقتك المعرفة فلست من الوقفة.
وقال لي حقيقتك ما لا تفارقه لا كل علم أنت مفارقه.
موقف معرفة المعارف
أوقفني في المعارف وقال لي هي الجهل الحقيقي من كل شيء بي.
وقال صفة
ذلك في رؤية قلبك وعقلك هو أن تشهد بسرك كل ملك وملكوت وكل سماء وأرض وبر
وبحر وليل ونهار ونبي وملك وعلم ومعرفة وكلمات وأسماء وكل ما في ذلك وكل ما
في ذلك وكل ما بين ذلك يقول ليس كمثله شيء، وترى قوله ليس كمثله شيء هو
أقصى علمه ومنتهى معرفته.
وقال لي إذا عرفت معرفة المعارف جعلت العلم دابة من دوابك وجعلت الكون كله طريقاً من طرقاتك.
وقال لي إذا جعلت الكون طريقاً من طرقاتك لم أزد ودك منه، هل رأيت زاداً من طريق.
وقال لي الزاد من المقر فإذا عرفة معرفة المعارف فمقرك عندي وزادك من مقرك لو استضفت إليك الكون لوسعهم.
وقال لي لا يعبر عني إلا لسانان لسان معرفة آيته إثبات ما جاء به بلا حجة، ولسان علم آيته إثبات ما جاء به بحجة.
وقال لي لمعرفة المعارف عينان تجريان عين العلم وعين الحكم، فعين العلم تنبع من الجهل الحقيقي وعين الحكم تنبع من عين ذلك العلم.
فمن أغترف العلم من عين العلم أغترف العلم والحكم، ومن أغترف العلم من
جريان العلم لا من عين العلم نقلته ألسنة العلوم وميلته تراجم العبارات فلم
يظفر بعلم مستقر ومن لم يظفر بعلم مستقر لم يظفر بحكم.
وقال لي قف في معرفة المعارف وأقم في معرفة المعارف تشهد ما أعلمته فإذا
شهدته أبصرته وإذا أبصرته فرقت بين الحجة الواجبة وبين المعترضات الخاطرة
فإذا فرقت ثبت وما لم تفرق لم تثبت.
وقال لي من لم يغترف العلم من عين العلم لم يعلم الحقيقة ولم يكن لما علمه حكم، فحلت علومه في قوله لا في قلبه، كذلك تحل فيمن علم.
وقال لي إذا ثبت فأنطق فهو فرضك.
وقال لي كل معنوية ممعناة إنما معنيت لتصرف، وكل ما هية ممهاة إنما أمهيت لتخترع.
وقال لي كل محلول فيه وعاء وإنما حل فيه لخلو جوفه، وكل خال موعى وإنما خلا لعجزه وإنما أوعى لفقره.
وقال لي كل مشار إليه ذو جهة وكل ذي جهة مكتنف وكل مكتنف مفطون وكل
مفطون متخيل وكل متخيل متجزئ وكل متجزئ وكل هواء ماس وكل ماس محسوس وكل
فضاء مصادف.
وقال لي أعرف سطوتي تحذر مني ومن سطوتي، وأنا الذي يجير منه ما تعرف
وأنا الذي لا يحكم عليه ما بدا من علمه، كيف يجير مني تعرفي وأنا المتعرف
به إن أشاء تنكرت به كما تعرفت به، وكيف يحكم علي علمي وأنا الحاكم به إن
أشاء أجهلت به كما أعلمت به.
وقال لي اسمع إلى معرفة المعارف كيف تقول لك سبحان من لا تعرفه المعارف
وتبارك من لا تعلمه العلوم، إنما المعارف نور من أنواره وإنما العلوم كلمات
من كلماته.
وقال لي أسمع إلى لسان من ألسنة سطوتي، إذا تعرفت إلى عبد فدفعني عدت
كأني ذو حاجة إليه يفعل ذلك مني كرم سبقى فيما أنعمت ويفعل ذلك بخل نفسه
بنفسه التي أملكها عليه ولا يملكها علي، فأن دفعني عدت إليه ولا أزال أعود
ولا يزال يدفعني عنه فيدفعني وهو يراني أكرم الأكرمين وأعود إليه وأنا أراه
أبخل الأبخلين أصنع له عذراً إذا حضر وأبتدئه بالعفو قبل العذر حتى أقول
في سره أنا ابتليتك، كل ذلك ليذهب عن رؤية ما يوحشه مني فأن أقام فيما
تعرفت به إليه كنت صاحبه وكان صاحبي وأن دفعني لم أفارقه لدفعه الممتزج
بجهله لكن أقول له أتدفعني وأنا ربك أما تريدني ولا تريد معرفتي فأن قال لا
أدفعك قبلت منه، ولا يزال كلما يدفعني أقرره على دفعه فكلما قال لا أدفعك
قبلت منه حتى إذا دفعني فقررته على دفعه فقال نعم أنا أدفعك وكذب وأصر نزعت
معارفي من صدره، فعرجت إلي وارتجعت ما كان من معرفتي في قلبه حتى إذا جاء
يومه جعلت المعارف التي كانت بيني وبينه ناراً أوقدها عليه بيدي فذلك الذي
لا تستطيع ناره النار لأني أنتقم منه بنفسي لنفسي وذلك الذي لا تستطيع
خزنتها أن تسمع بصفة من صفات عذابه ولا بنعت من نعوت نكالى به أجعل جسمه
كسعة الأرض القفرة وأجعل له ألف جلد بين كل جلدين مثل سعة الأرض ثم آمر كل
عذاب كان في الدنيا فيأتيه كله لعينه فيجتمع في كل جارحة منه كل عذاب كان
في الدنيا بأسره لعين ذلك العذاب وعلى اختلافه في حال واحدة لسعة ما بين
أقطاره وعظم ما وسعت من خلقه لنكالة ثم أمر كل عذاب كان يتوهمه أهل الدنيا
أن يقع فيأتيه كله لعينه التي كانت تتوهم فيحل به العذاب المعلوم في الجلدة
الأولة ويحل به العذاب الموهوم في الجلدة الثانية ثم آمر بعد ذلك طبقات
النار السبعة فيحل عذاب كل طبقة في جلده من جلدة فإذا لم يبق عذاب دنيا ولا
أخرة إلا حل بين كل جلدين من جلوده أبديت له عذابه الذي أتولاه بنفسي فيمن
تعرفت إليه بنفسي، فدفعني حتى إذا رآه فرق لرؤيته العذاب المعلوم وفرق منه
العذاب الموهوم وفرق له عذاب الطبقات السبعة فلا يزال عذاب الدنيا والآخرة
يفرق أن أعذبه بالعذاب الذي أبديته فأعهد إلى العذاب أني لا أعذبه فيسكن
إلى عهدي ويمضي في تعذيبه على أمري ويسألني هو أن أضعف عليه عذاب الدنيا
والآخرة وأصرف عنه ما أبديته فأقول له أنا الذي قلت لك أتدفعني فقلت نعم
أدفعك فذاك أخر عهده بي، ثم أخذه بالعذاب مدى علمي في مدى علمي فلا يثبت
علم العالمين ولا معرفة العارفين لسماع صفته بالكلام، ولا أكون كذلك لمن
تمسك بي في تعرفي وأقام عندي إلى أن أجيء بيومه إليه فذلك الذي أوتيه نعيم
الدنيا كلها معلوماً وموهوماً ونعيم الآخرة كلها بجميع ما يتنعم به أهل
الجنان ونعيمي الذي أتولاه بنفسي من تنعيم من أشاء ممن عرفني فتمسك بي.
وقال لي سلني وقل يا رب كيف أتمسك بك حتى إذا جاء يومي لم تعذبني بعذابك
ولم تصرف عني إقبالك بوجهك فأقول لك تمسك بالسنة في علمك وعملك وتمسك
بتعرفي إليك في وجد قلبك وأعلم أني إذا تعرفت إليك لم أقبل منك من السنة
إلا ما جاء به تعرفي لأنك من أهل مخاطبتي تسمع مني وتعلم أنك تسمع وترى
الأشياء كلها مني.
وقال لي عهد عهدته إليك أن تعرفي لا يطالب بفراق سنتي
لكن يطالب بسنة دون سنة وبعزيمة دون عزيمة فأن كنت ممن قد رآني فاتبعني
وأعمل ما أشاء بالآلة التي أشاء لا بالآلة التي تشاء أليس كذلك تقول لعبدك
فالآلة هي سنتي فأعمل منها بما أشاء منك لا بما تشاء لي وتشاء مني فأن عجزت
في آلة دون آلة فعذري لا يكتبك غادرا وان ضعفت في عزيمة دون عزيمة فرخصتي
لا تكتبك عاثراً إنما أنظر إلى أقصى علمك أن كان عندي فأنا عندك.
موقف الأعمال
أوقفني في الأعمال وقال لي إنما ظهرتك لتثبت بصفتي لصفتك فأنت لا تثبت لصفتي إنما تثبت بصفتي وأنت تثبت لصفاتك ولا تثبت بصفاتك.
وقال لي إنما صفتك الحد وصفة الحد الجهة وصفة الجهة المكان وصفة المكان التجزيء وصفة التجزيء التغاير وصفة التغاير الفناء.
وقال لي إن أردت أن تثبت فقف بين يدي في مقامك ولا تسألني عن المخرج.
وقال لي أتدري أين محجة الصادقين هي من وراء الدنيا ومن وراء ما في الدنيا ومن وراء ما في الآخرة.
وقال لي إذا سلكت إلي من وراء الدنيا أتتك رسلي متلقين تعرف في عيونهم
الشوق وترى في وجوههم الإقبال والبشرى، أرأيت غائباً غاب عن أهله فأذنهم
بقدومه أليس إذا قطع المسافة القاصدين وسلك في محجة الداخلين تلقوه أمام
منزله ضاحكين وأسرعوا إليه فرحين مستبشرين.
وقال لي من لم يسلك محجة الصادقين فهو كيف ما كان في الدنيا مقيم ومما
فيها آخذ أتته رسلي مخرجين، وتلقته مرحلين مزعجين، فسابق سبق له العفو فرأى
في عيونهم أثار هيبة الإخراج، ونظر في وجوههم آثار هيبة الإزعاج، وآخر سبق
له الحجاب فما هو من خير ولا الخير خاتمة ما عنده.
وقال لي احذر وبعدد ما خلقت فأحذر، إن أنت سكنت على رؤيتي طرفة عين فقد جوزتك كلما أظهرته وآتيتك سلطاناً عليه.
وقال لي كما تدخل إلي في الصلوة تدخل إلي في قبرك.
وقال لي آليت لا بد أن تمشي مع كل واحد أعماله، فأن فارقها في حيوته دخل
إلي وحده فلم يضق به قبره، وان لم يفارقها في حيوته دخلت معه إلى قبره
فضاق به لأن أعماله لا تدخل معه علوماً إنما تتمثل له شخصاً فتدخل معه.
وقال لي أنظر إلى صفة ما كان من أعمالك كيف تمشي معك وكيف تنظر إليها
تمشي منك بحيث تكون بينك وبين ما سواها من الأعمال والاتباع فتدافع عنك
والملائكة يلونها وما سواها الأعمال وراء ذلك كله فأبدى ما كان لي من عملك
في خلال تلك الفرج تدافع عنك كما كنت تدافع عنها وتنظر أنت إليها كما تنظر
إلى المتكفل بنصرك والى الباذل نفسه من دونك وتنظر إليك كما كنت تنظر إليها
وتقول إلي فأنا المتكفل بنصرك أنا الباذل نفسه دونك، حتى إذا جئتما إلى
البيت المنتظر فيه ما ينتظر، وماذا ينتظر، ودعتك وداع العائد إليك، وودعتك
الملائكة وداع المثبت لك ودخلت إلي وجدك لا عملك معك وان كان حسناً لأنك لا
تراه أهلاً لنظري ولا الملائكة معك وان كانوا أوليائك، لأنك لا تتخذ ولياً
غيري فتنصرف الملائكة إلى مقاماتهم بين يدي وينصرف ما كان لي عملك إلي.
وقال لي تعلم ولا تسمع من العلم وأعمل ولا تنظر إلى العمل.
وقال لي عمل الليل عماد لعمل النهار.
وقال لي تخفيف عمل النهار أدوم فيه، وتطويل عمل الليل أدوم فيه.
وقال لي أن أردت أن تثبت بين يدي في عملك فقف بين يدي لا طالباً مني ولا
هارباً إلي، انك إن طلبت مني فمنعتك رجعت إلى الطلب لا إلي أو رجعت إلى
اليأس لا إلى الطلب، وأنك إن طلبت مني فأعطيتك رجعت عني إلى مطلبك، وان
هربت إلي فأجرتك رجعت عني إلى الأمن من مهربك من خوفك وأنا أريد أن أرفع
الحجاب بيني وبينك فقف بين يدي لأني ربك ولا تقف بين يدي لأنك عبدي.
وقال لي إن وقفت بين يدي لأنك عبدي ملت ميل العبيد، وان وقفت بين يدي لأني ربك جاءك حكمي القيوم فحال بين نفسك وبينك.
وقال لي إن أنحصر علمك لم تعلم، وان لم ينحصر عملك لم تعمل.
وقال لي العمل عملان راتب وزائر، فالراتب لا يتسع العلم ولا يثبت العمل إلا به، والزائر لا يتسع العلم به.
وقال لي إن عملت الراتب ولم تعمل الزائر ثبت علمك ولم يتسع، وان عملت الزائر والراتب ثبت علمك واتسع.
وقال لي أعرف صفتك التي لا يغيب فيها عنك ثم أعرف صفتك التي لا تعجز فيها عن عملك فتعلم ولا تجهل وتعمل ولا تفتر.
وقال لي إن لم تعرف صفتك علمت وجهلت وعملت وفترت، فبحسب ما بقي عندك من العلم تعمل وبحسب ما عارضك من الجهل تترك.
وقال لي زن العلم بميزان النية، وزن العمل بميزان الإخلاص.
موقف التذكرة
أوقفني في التذكرة وقال لي لا تثبت إلا بطاعة الآمر، ولا تستقيم إلا بطاعة النهي.
وقال لي إن لم تأتمر ملت، وان لم تنته زغت.
وقال لي لا تخرج من بيتك إلا إلي تكن في ذمتي وأكن دليلك، ولا تدخل إلا إلي إذا دخلت تكن في ذمتي وأكن معينك.
وقال لي أنا الله لا يدخل إلي بالأجسام، ولا تدرك معرفتي بالأوهام.
وقال لي إن وليتني من علمك ما جهلت فأنت ولي فيه.
وقال لي كلما رأيته بعينك وقلبك من ملكوتي الظاهر والخفي فأشهدتك تواضعه
لي وخضوعه لبهاء عظمتي لمعرفة أثبتها لك فتعرفها بالأشهاد لا بالعبارة فقد
جوزتك عنها وعما لا ينفذ من علوم غيرها وألسنة نواطقها وفتحت لك فيها
أبوابي التي لا يلجها إلي من قويت معرفته بحمل معرفتها فحملتها ولم تحملك
لما أشهدتك منها ولما لم أشهدها منك فوصلت إلى حد الحضرة وقبل بين يدي فلان
بن فلان فأنظر عندها من أنت ومن أين دخلت وماذا عرفت حتى دخلت ولماذا وسعت
حتى حملت.
وقال لي إذا أشهدتك كل كون إشهاداً واحداً في رؤية واحدة فلي في هذا
المقام اسم إن علمته فادعني به وان لم تعلمه فادعني بوجد هذه الرؤية في
شدائدك.
وقال لي صفة هذه الرؤية أن ترى العلو والسفل والطول والعرض وما في كل
ذلك وما كل ذلك به فيما ظهر فقام، وفيما سخر فدام، فتشهد وجوه ذلك راجعة
بأبصارها إلى أنفسها إذا لا يستطيع أن يقبل كل جزيئة منها إلا إلى أجزائها،
وتشهد منها مواقع النظر المثبت فيها الوجود تسبيحها منعرجة إلي بتماجيد
ثنائها شاخصة إلي بالتعظيم المذهل لها عن كل شيء إلا عن دؤوبها في أذكارها،
فإذا شهدتها راجعة الوجوه فقل يا قهار كل شيء بظهور سلطانه، ويا مستأثر كل
شيء بجبروت عزه، وأنت العظيم الذي لا يستطاع ولا تستطاع صفته، وإذا شهدتها
شاخصة للتعظيم فقل يا رحمن يا رحيم أسألك برحمتك التي أثبت بها في معرفتك،
وقويت بها على ذكرك، وأسميت بها الأذهان إلى الحنين إليك، وشرفت بها مقام
من تشاء من الخلق بين يديك.
وقال لي إذا سلمت إلي ما لا تعلم فأنت من أهل القوة عليه إذا أبديت لك علمه، وإذا سلمت إلي ما علمت كتبتك فيمن أستحي منه.
وقال لي المعرفة ما وجدته، والتحقق بالمعرفة ما شهدته.
وقال لي العالم يستدل علي فكل دليل يدله إنما له يدله على نفسه لا علي، والعارف يستدل بي.
وقال لي العلم حجتي على كل عقل فهي فيه ثابتة لا يذهل العقل عنها وأن تذاهل، ولا يرحل عن علمه وان أعرض.
وقال لي لكل شيء شجر، وشجر الحروف الأسماء، فاذهب عن الأسماء تذهب عن المعاني.
وقال لي إذا ذهبت عن المعاني صلحت لمعرفتي.
موقف الأمر
أوقفني في الأمر وقال لي إذا أمرتك فامض لما أمرتك ولا تنتظر به علمك
إنك إن تنتظر بأمري علم أمري تعص أمري وقال لي إذا لم تمض لأمري أو يبدو لك
علمه فلعلم الآمر أطعت لا للأمر.
وقال لي أتدري ما يقف بك عن المضي في أمري وتنتظر علم أمري هي نفسك
تبتغي العلم لتنفصل به عن عزيمتي بهواها في طرقاته، إن العلم ذو طرقات وان
الطرقات ذوات فجاج وان الفجاج ذوات مخارج ومحاج وان المحاج ذوات الاختلاف.
وقال لي امض لأمري وإذا أمرتك ولا تسألني عن علمه كذلك أهل حضرتي من
ملائكة العزائم يمضون لما أمروا به ولا يعقبون، فامض ولا تعقب، فامض ولا
تعقب تكن مني وأنا منك.
وقال لي ما ضنة عليك أطوى علم الأمر إنما العلم موقف لحكمه الذي جعلته
له فإذا أذنتك بعلم فقد أذنتك بوقوف به إن لم تقف به عصيتني لأني أنا جعلت
للعلم حكماً فإذا أبديت لك العلم فرضت عليك حكمة.
وقال لي إذا أردتك بحكمي لا بحكم العلم أمرتك فمضيت للأمر لا تسألني عنه ولا تنتظر مني علمه.
وقال لي إذا أمرتك فجاء عقلك يجول فيه فانفة وإذا جاء قلبك يجول فيه
فاصرفه حتى تمضي لأمري ولا يصحبك سواه فحينئذ تتقدم فيه، وان صحبك غيره
أوقفك دونه فعقلك يوقفك حتى يدري فإذا درى رجح، وقلبك يوقفك حتى يدري فإذا
درى ميل.
وقال لي إذا أشهدتك كيف تنفذ أوليائي في أمري لا ينتظرون به علمه ولا
يرتقبون به عاقبته رضوا به بدلاً من كل علم وان جمع علي ورضوا بي بدلاً من
كل عاقبة وان كانت دارى ومحل الكرامة بين يدي فأنا منظرهم لا يسكنون أو
يروني ولا يستقرون أو يروني فقد أذنتك بولايتي لأنك أشهدتك كيف تأتمر لي
إذا أمرتك في تعرفي وكيف تنفد عني وكيف ترجع إلي، عبدي لا تنتظر بأمري علمه
ولا تنتظر به عاقبته انك إن انتظرتهما بلوتك فحجبك البلاء عن أمري وعن علم
أمري الذي انتظرته ثم أعطف عليك فتنيب ثم أعود عليك فأتوب ثم تقف في مقامك
ثم أتعرف إليك ثم آمرك في تعرفي فامض له ولا تعقب أكن أنا صاحبك، عبدي
أجمع أول نهارك وإلا لهوته كله واجمع أول ليلك وإلا ضيعته كله فأنك إذا
جمعت أوله جمعت لك أخره.
وقال لي أكتب من أنت لتعرف من أنت فان لم تعرف من أنت فما أنت من أهل معرفتي.
وقال
لي أليس إرسالي إليك العلوم من جهة قلبك إخراجاً لك من العموم إلى الخصوص
أو ليس تخصصي لك بما تعرفت به إليك من طرح قلبك وطرح ما بدا لك من العلوم
من جهة قلبك إخراجاً لك إلى الكشف أو ليس الكشف أن تنفى عنك كل شيء وعلم كل
شيء وتشهدني بما أشهدتك فلا يوحشك الموحش حين ذلك ولا يؤنسك المؤنس حين
أشهدك وحين أتعرف إليك ولو مرة في عمرك إيذاناً لك بولايتي لأنك تنفي كل
شيء بما أشهدتك فأكون المستولي عليك وتكون أنت بيني وبين كل شيء فتليني لا
كل شيء ويليك كل شيء لا يليني، فهذه صفة أوليائي فاعلم أنك ولي وأن علمك
علم ولايتي فاودعني اسمك حتى ألفاك أنا به ولا تجعل بيني وبينك إسماً ولا
علماً واطرح كل شيء أبديه لك من الأسماء والعلوم لعزة نظري ولئلا تحتجب به
عني فلحضرتي بنيتك لا للحجاب عني ولا لشيء هو من دوني جامعاً كان لك أو
مفرقاً فالمفرق زجرتك عنه بتعريفي والجامع زجرتك عنه بغيرة ودي فاعرف مقامك
في ولايتي فهو حدك الذي إن قمت فيه لم تستطعك الأشياء وان خرجت منه تخطفك
كل شيء.
وقال لي أتدري ما صفتك الحافظة لك بإذني هي مادتك في جسدك وذلك هو رفق
بصفتك وحفظ لقلبك، احفظ قلبك من كل داخل يدخل عليه يميل به عني ولا يحمله
إلي، بصفتك في عبادتي تجمع همك علي.
وقال لي مقامك مني هو الذي أشهدتك تراني أبدي كل شيء وترى النار تقول
ليس كمثله شيء وترى الجنة تقول ليس كمثله شيء وترى كل شيء يقول ليس كمثله
شيء فمقامك مني هو ما بيني وبين الإبداء.
وقال لي إذا كنت في مقامك لم يستطعك الإبداء لأنك تلبني فسلطاني معك وقوتي وتعرفي.
وقال لي أنا ناظرك وأحب أن تنظر إلى الإبداء كله يحجبك عني، نفسك حجابك
وعلمك حجابك ومعرفتك حجابك وأسماؤك حجابك وتعرفي إليك حجابك فأخرج من قلبك
كل شيء وأخرج من قلبك العلم بكل شيء وذكر كل شيء وكلما أبديت لقلبك بادياً
فألفه إلى بدوه وفرغ قلبك لي لتنظر إلي ولا تغلب علي.
موقف المطلع
أوقفني في المطلع وقال لي أين اطلعت رأيت الحد جهرة ورأيتني بظهر الغيب.
وقال لي إذا كنت عندي رأيت الضدين والذي أشهدتهما فلم يأخذك الباطل ولم يفتك الحق.
وقال لي الباطل يستعير الألسنة ولا يوردها موردها كالسهم تستعيره ولا تصيب به.
وقال لي الحق لا يستعير لساناً من غيره.
وقال لي إذا بدت أعلام الغيرة ظهرت أعلام التحقيق.
وقال لي إذا ظهرت الغيرة لم تستتر.
وقال لي أطلع في العلم فأن رأيت المعرفة فهي نوريته، واطلع في المعرفة فأن رأيت العلم فهو العلم فهو نوريتها.
وقال لي أطلع في العلم فأن لم تر المعرفة فاحذره، واطلع إلى المعرفة فان لم تر العلم فاحذرها.
وقال لي المطلع مشكاتي التي من رأها لم ينم.
وقال لي المطلع رؤية الموجب والمطلع في الموجب رؤية المراد.
وقال لي يا عالم اجعل بينك وبين الجهل فرقاً من العلم وإلا غلبك، واجعل بينك وبين العلم فرقاً من المعرفة وإلا اجتذبك.
وقال لي أوحيت إلى التقوى أثبتي وثبتي، وأوحيت إلى المعصية تزلزلي وزلزلي.
وقال لي العلم بابي والمعرفة بوابي.
وقال لي اليقين طريقي الذي لا يصل سالك إلا منه.
وقال لي من علامات اليقين الثبات، ومن علامات الثبات الآمن في الروع.
وقال لي إن أردت لي كل شيء علمتك علماً لا يستطيعه الكون وتعرفت إليك معرفة لا يستطيعها الكون.
وقال لي إن أردتني أردت بي بكل شيء وأردت بي كل شيء علمتك علماً لا يستطيعه الكون.
وقال لي عارف علم عاقبته فلا يصلح إلا على علمها، وعارف جهل عاقبته فلا يصلح إلا على جهلها.
وقال لي من صلح على علم عاقبته لم تعمل فيه مضلات الفتن، ومن صلح على جهل عاقبته مال واستقام.
وقال لي من يعلم عاقبته ويعمل يزدد خوفاً.
وقال لي الخوف علامة من علم عاقبته، والرجاء علامة من جهل عاقبته.
وقال لي من علم عاقبته وألقاها وعلمها إلي أحكم فيها بعلمي الذي لا مطلع عليه لقيته بأحسن مما علم وجئته بأفضل مما فوض.
وقال لي يا عارف إن ساويت العالم إلا في الضرورة حرمتك العلم والمعرفة.
وقال لي يا عارف أين الجهالة منك إنما ذنبك على المعرفة.
وقال لي يا عارف اطلع في قلبك فما رأيته يطلبه فهو معرفته وما رأيته يحذر فهو مطلعه.
وقال لي يا عارف دم وإلا أنكرت، يا عالم أفتر وإلا جهلت.
وقال لي يا عارف أرى عندك قوتي ولا أرى عندك نصرتي أفتتخذ إلهاً غيري.
وقال لي يا عارف أرى عندك دلالتي ولا أراك في محجتي.
وقال لي يا عارف أرى عندك حكمتي ولا أرى عندك خشيتي أفهزئت بي.
وقال لي من لم يفر إلي ولم يصل إلي، ومن لم أتعرف إليه لم يفر إلي.
وقال لي إن ذهب قلبك عني لم أنظر إلى عملك.
وقال لي إن لم أنظر إلى عملك طالبتك بعلمك وان طالبتك بعلمك لم توفني بعملك.
وقال لي إن لم تعرض عما أعرضت عنه لم تقبل على ما أقبلت عليه.
وقال لي إن أخذتك في المخالفة ألحقت التوبة بالمخالفة، وان أخذتك في التوبة ألحقت المخالفة بالتوبة.
وقال لي حدث عني وعن حقوقي وعن نعمتي فمن فهم عني فأتخذه عالماً، ومن فهم عن حقي فأتخذه نصيحاً، ومن فهم عن نعمتي فاتخذه أخاً.
وقال لي من لم يفهم عني ولا عن حقي ولا عن نعمتي فأتخذه عدواً فان جاءك بحكمتي فخذها منه كما تأخذ ضالتك من الأرض المسبعة.
وقال لي الذي يفهم عني يريد بعبادته وجهي، والذي يفهم عن حقي يعبدني من أجل خوفي، والذي يفهم عن نعمتي يعبدني رغبة فيما عندي.
وقال لي من عبدني وهو يريد وجهي دام، ومن عبدني من أجل خوفي فتر، ومن عبدني من أجل رغبته أنقطع.
وقال لي العلماء ثلاثة فعالم هداه في قلبه، وعالم هداه في سمعه، وعالم هداه في تعلمه.
وقال لي القراء ثلاثة فقارئ عرف الكل، وقارئ عرف النصف، وقارئ عرف الدرس.
وقال لي الكل الظاهر والباطن، والنصف الظاهر، والدرس التلاوة.
وقال لي إذا تكلم العارف والجاهل بحكمة واحدة فاتبع إشارة العارف وليس لك من الجاهل إلا لفظه.
موقف الموت
أوقفني في الموت فرأيت الأعمال سيئات ورأيت الخوف يتحكم على الرجاء
ورأيت الغنى قد صار ناراً ولحق بالنار ورأيت الفقر خصماً يحتج ورأيت كل شيء
لا يقدر على شيء ورأيت الملك غروراً ورأيت الملكوت خداعاً، وناديت يا علم
فلم يجبني وناديت يا معرفة فلم تجبني، ورأيت كل شيء قد أسلمني ورأيت كل
خليقة قد هرب مني وبقيت وحدي، وجاءني العمل فرأيت فيه الوهم الخفي والخفي
الغابر فما نفعني إلا رحمة ربي، وقال لي أين علمك فرأيت النار.
وقال لي أين عملك، فرأيت النار.
وقال لي أين معرفتك، فرأيت النار.
وكشف لي عن معارفه الفردانية فخمدت النار.
وقال لي أنا وليك، فثبت.
وقال لي أنا معرفتك، فنطقت.
وقال لي أنا طالبك، فخرجت.
موقف العزة
أوقفني في العزة وقال لي لا يجاورني وجد بسواى ولا بسوى الآني ولا بسوى ذكراي ولا بسوى نعماي.
وقال لي أذهب عنك وجد السوى وما من السوى بالمجاهدة.
وقال لي إن لم تذهبه بالمجاهدة أذهبته النار السطوة.
وقال لي كما تنقل المجاهدة عن وجد السوى إلى الوجد بي وبما مني كذلك النار تنقل عن وجد السوى إلى الوجد بي وبما منى.
وقال لي آليت لا يجاورني إلا من وجد بي أو بما منى.
وقال
لي وجدك بالسوى من السوى والنار سوى ولها على الأفئدة مطلع فإذا أطلعت على
الأفئدة فرأت فيها السوى رأت ما منها فاتصلت به، وإذا لم تر هي منه لم
تتصل به.
وقال لي ما أدرك الكون تكوينه ولا يدركه.
وقال لي كل خلقة هي مكان لنفسها وهي حد لنفسها.
وقال لي رجعت العلوم إلى مبالغها من الجزاء، ورجعت المعارف إلى مبالغها من الرضا.
وقال
لي أنا أظهرت القولية بمحتمل الأسماع والأفكار وما لا يحمل أكثر مما يحمل،
وأنا أظهرت الفعلية بمحتمل العقول والأبصار وما لا يحتمل أكثر مما يحمل.
وقال لي أنظر إلى الإظهار تنعطف بعضيته على بعضيته وتتصل أسباب جزئيتة بأسباب جزئيته فما له عنه مدار وأن جال، ولا له مستند إذا مال.
وقال لي أنظر إلي فأني لا يعود علي عائدة منك ولكن تثبت بثباتي الدائم فلا تستطيعك الاغيار.
وقال لي لو اجتمعت القلوب بكنه بصائرها المضيئة ما بلغت حمل نعمتي.
وقال لي العقل آلة تحمل حدها من معرفة، والمعرفة بصيرة تحمل حدها من أشهادي، والإشهاد قوة تحمل حدها من مرادي.
وقال لي إذا بدت العظمة رأى العارف معرفته نكره وأبصر المحسن حسنته سيئة.
وقال لي لا تحمل الصفة ما يحمله العلم فأحفظ العلم منك وقف صفة على حدها منه ولا تقفها على حدها منها.
موقف التقرير
أوقفني في التقرير وقال لي تريدني أو تريد الوقفة أو تريد هيئة الوقفة،
فأن أردتني كنت في الوقفة لا في إرادة الوقفة وان أردت الوقفة كنت في
إرادتك لا في الوقفة وان أردت هيئة الوقفة عبدت نفسك وفاتتك الوقفة.
وقال لي الوقفة وصف من أوصافي الوقار والوقار وصف من أوصاف البهاء
والبهاء وصف من أوصاف الغنى والغنى وصف من أوصاف الكبرياء والكبرياء وصف من
أوصاف الصمود والصمود وصف من أوصاف العزة والعزة وصف من أوصاف الوحدانية
والوحدانية وصف من أوصاف الذاتية.
وقال لي خروج الهم عن الحرف وعما ائتلف منه وانفرق.
وقال لي إذا خرجت عن الحرف خرجت عن الأسماء، وإذا خرجت عن الأسماء خرجت
عن المسميات، وإذا خرجت عن المسميات خرجت عن كل ما بدا وإذا خرجت عن كل ما
بدا قلت فسمعت ودعوت فأجبت.
وقال لي إن لم تجز ذكرى وأوصاف محامدي وأسمائي رجعت من ذكرى إلى أذكارك ومن وصفي إلى أوصافك.
وقال لي الواقف لا يعرف المجاز، وإذا لم يكن بيني وبينك مجاز لم يكن بيني وبينك حجاب.
وقال لي إن ترددت بيني وبين شيء فقد عدلت بي ذلك الشيء.
وقال لي إن دعوتك فلا تنظر بإتباعي طرح الحجاب فلن تحصر عده ولن تستطيع أبداً طرحه.
وقال
لي إن استطعت طرحه فإلي أين تطرحه والطرح حجاب والأين المطروح فيه حجاب،
فاتبعني أطرح حجابك فلا يعود ما طرحته وأهدي سبيلك فلا يضل ما هديت.
وقال لي إذا رأيتني فإن أقبلت على الدنيا فمن غضبي وان أقبلت على الآخرة
فمن حجابي وان أقبلت على العلوم فمن حبسي وان أقبلت على المعارف فمن عتبي.
وقال لي إن سكنت على عتبي أخرجتك إلى حبسي، إن وصفي الحياء فأستحي أن
يكون معاتبي بحضرتي، فأن سكنت على حبسي أخرجتك إلى حجابي وان سكنت على
حجابي أخرجتك إلى %