شهيد آخر سقط في مدينة أسفي....بعد سبعة آخرين سقطوا في مدن مختلفة، الحسيمة، صفرو، بركان و غيرها..
تتراكم الجثث بشكل مرعب،يجعل أكذوبة الاستثناء المغربي عارية من ضجيج
التعليل و الافتخار...لا يبنى الاستثناء و رائحة الدم تزكم الأنوف، و لا
يمكن لاستثناء أن يكون وأمهات ثكلى ، ينبت العوسج في زوايا مقلهن من شدة
اللوعة و البكاء...
يجب على الدولة أن توقف هذا العبث...حالا، و بدون مزيدا من ضياع الوقت، لأن ما يبنى بالجثث ليس سوى انهيارها بالذات...
لا يمكن تحميل مسؤولية ما وقع في اسفي للضحايا، سواء في واقعة كمال
العماري الذي لم تنكشف بعد ملاحمها، رغم كل وعود التحقيق و رغم تقارير
هيئات حقوقية، و رغم تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان،أو في واقعة الشهيد
الأخير ، محمد بدروة...
وحدها الدولة من يتحمل مسؤولية هذا القتل المرعب لشباب لم يقترفوا ذنبا سوى أنهم احتجوا...
تتحمل مسؤوليتها في تدبيرها للقرار الأمني ، الذي لم تستطع لحدود الساعة
تكيفه و تناسِبَه مع أشكال الاحتجاجات...رغم الخطابات الرسمية التي تتحدث
عن الحكامة و الفعالية في إطار احترام حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها
عالميا...
لا شيء يستدعي تدخلا أمنيا من
أجل إخلاء مقر لانابيك على الساعة الواحدة صباحا، في جنح الليل...حتى و لو
كانت هناك شكاية من مدير هذا المقر، و حتى لو كان هناك مقررا قضائيا يقضي
بهذا الإخلاء..
للنهار عينين، و الأحكام القضائية تنفذ في عز النهار لا في جنح الليل...
و لإخلاء سطوح المقرات ترتيبات أمنية، لا نعتقد أن القائمين عليه (أي
الإخلاء) قد بادروا لاتخاذها، منها استدعاء رجال الوقاية المدنية، و تجهيز
جنبات المقر بواقيات ضد الرضوض المتسببة للسقوط، و غيرها من الاحتياطات
الواجبة في هذه الحالات...
كيفما كانت سبب
الوفاة، بدفع عمدي من طرف عنصر من عناصر قوات الأمن، أو بترهيب منه دفع
الشهيد للسقوط من سطح مقر الأنابيك، تبقى الدولة، في شخص عناصر الأمن التي
تدخلت، و في شخص المسؤولين المتواترين في ترتيبهم، لحين أعلى مسؤولية في
هرمها، من يتحملون مسؤولية هذه الوفاة...
و
لا مسؤولية للشهيد فيما وقع، عكس ما تريد أن يوحي به البلاغ الصادر عن
وكالة المغرب العربي للأنباء، و الذي ،كالعادة، اعتمد بيان ولاية جهة عبدة
دكالة،دون ترك فرصة للقضاء، وللمؤسسات ذات الاختصاص في هذه الحالة، و نعني
بها المجلس الوطني لحقوق الإنسان،و الوزارة المنتدب لدى الوزير الأول
المكلفة بحقوق الأنسان،في أن يباشروا تحرياتهم و تحقيقاتهم، و يمدوا الدولة
التي هم طرف فيها، بشكل أو بآخر، بما يمكنها من إصدار موقفا متزنا، و
ترتيب الجزاءات المتعلقة بهذه الواقعة...
الفاس وقعات في الرأس مرة أخرى،و بوادر المقاربة الأمنية التي ستنهجها
الدولة بادية للعيان،و ستبرز التقارير التي ستحملها المسؤولية، و سيتيه دم
الشهيد كما تاه دم كمال العماري....و قد تتكرر المأساة مرة و مرات...فقط
يجب الانتباه أن لسقوط الجثث بهذا العبث شكل بناء أسوار، ستحول حتما دون أي
حوار ممكن داخل المجتمع...
لم يكن محمد
بودروة سوى شاب عمل ما كان مطلوبا منه، حاز إجازة في الأدب العربي، ثم
التحق بالتكوين المهني ليحصل على دبلوم في الكهرباء، ثم خرج للشارع
للمطالبة بحقه في شغل يضمن كرامته و يصون عزة نفسه...
تم النصب عليه في ما عرف بفضيحة النجاة، ثم أحس بالإهانة و هو يراقب كيف
يتم التشغيل في مؤسسة من المفروض أن تكون قاطرة الأمل له بعد أن زحفت
الكثير من السنين على شبابه...فهل أخطأ كي يموت؟